مجلة ثقافية منوعة تصدر كل شهرين
2024

مقارنة بين كتابين

حول المجازفة المعقولة والتعلم من الفشل الذكي


(1) النوع الصحيح من الخطأ.. لماذا يعلمنا الفشل كيفية النجاح

Right Kind of Wrong: Why Learning to Fail Can Teach Us to Thrive by Amy Edmondson

تأليف: إيمي إدموندسون

الناشر: 2023م، Penguin

(2) طريقة العبقري غريب الأطوار.. العقلية الراديكالية التي تؤدي إلى نتائج استثنائية

The Geek Way: The Radical Mindset that Drives Extraordinary Results

by Andrew McAfee

تأليف: أندرو مكافي

الناشر: 2023م، Little, Brown and Company

يعد رجل الأعمال الشهير “إيلون ماسك” من أبرز المؤيدين لثقافة المخاطرة التجريبية التي ترتكز على مبدأ: “تعلم عن طريق التغيير، راجع، ثم كرر”، وهو الذي أعلن، بعد عملية إطلاق صاروخ فاشلة إلى الفضاء مؤخرًا في نوفمبر 2023م، بأننا “لا نريد تصميمًا يزيل المخاطر كلها. وإلا فلن نصل إلى أي مكـان أبدًا”. وبذلك يضيف رجل من أهم رجال الأعمال في العالم تجربة جديدة لدعم الأدبيات الوفيرة التي تحث المبدعين على الاحتفاء بالأخطاء والنكسات والإخفاقات والعمل على تبنيها. من بين هذه الكتب كتاب للمختصة بعلم النفس التنظيمي، إيمي إدموندسون، الذي صدر مؤخرًا بعنوان “النوع الصحيح من الخطأ”. ترتكز الفكرة الرئيسة للكتاب على الترويج لـ “الأخطاء الذكية” والتعلم منها، إذ أنه ساد الاعتقاد، على مدى زمن طويل، بأن الفشل هو مشكلة يجب تجنبها مهما كان الثمن، ومن ثم ساد اعتقاد حديث آخر مناقض له تمامًا مفاده أن الفشل أمر مرغوب فيه، وأنه يجب علينا أن “نفشل بسرعة، ونفشل كثيرًا”. ولكن المشكلة، حسب إدموندسون، هي أن أيًا من النهجين لا يقدم النظرة الصحيحة، فكل منهما لا يميز بين نماذج الفشل الجيدة والسيئة، ونتيجة لذلك تضيع فرصة الفشل بشكل مفيد.

تميز “إدموندسون” بين ثلاثة أنواع من الفشل: الفشل الأساس، والمعقد، والذكي. أما الفشل الأساس فهو الأكثر سهولة للفهم والأكثر قابلية للوقاية منه، كونه ينجم عن أخطاء وزلات يمكن تجنبها بالتأني والوصول إلى المعرفة ذات الصلة، ومن الأمثلة العديدة التي تقدمها “إدموندسون” حادثة تحطم طائرة طيران فلوريدا الرحلة رقم 90 عام 1982م عندما نسي الطيار ومساعده، عن طريق الخطأ، جهاز مكافحة الجليد على وضع التشغيل، عوضًا عن ضبطه على وضع إيقاف التشغيل كما يجب أن يكون عليه عادةً. أما الفشل المعقد فهو “الوحش الحقيقي الذي يلوح في الأفق في عملنا، وحياتنا، ومؤسساتنا، ومجتمعاتنا”، وذلك لأن حالات الفشل المعقد لها أسباب متعددة، وغالبًا ما يدخل فيها القليل من الحظ السيئ أيضًا، ومن بين الأمثلة عليها كارثة “توري كانيون” التي نتج عنها أكبر تسرب نفطي في بريطانيا عام 1967م. ثالث أنواع الفشل هو الفشل الذكي الذي يتمثل بالإخفاق الجيد “الضروري للتقدم” والموجود في الاكتشافات الصغيرة والكبيرة، بعد العديد من المحاولات الفاشلة، التي تعزز المعرفة، وهناك العديد من الأمثلة عليه في أهم الاختراعات في الطب والعلوم والتكنولوجيا. وبالتالي، بما أن الفشل متأصل في تركيبتنا البشرية، ولا يمكننا الهروب منه أو تجنبه، فإن كل ما علينا فعله هو أن نتعلم كيفية الوقاية من الأخطاء الأساسية، واكتشاف المشكلات الصغيرة قبل أن تخرج عن نطاق السيطرة لتسبب فشلًا معقدًا كبيرًا، واحتضان الإخفاقات الذكية الضرورية للتقدم.

وبينما لا توجد أية إشارة إلى “إيلون ماسك” في كتاب “إدموندسون”، لكنه يظهر بقوة في كتاب “طريقة العبقري غريب الأطوار” لمؤلفه عالم الأبحاث الرئيس في كلية إدارة الأعمال في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، أندرو مكافي. لا يعتبر كتاب “مكافي” كتابًا عن الفشل بالمعنى الدقيق للكلمة، بل هو تأطير وتفحص للثقافة التي يروج لها “ماسك” وآخرون، المبنية على الصراحة والمساواة في العمل، حيث الموظفون الذين لا يخشون الفشل، أو تحدي رؤسائهم، أو إثبات أخطائهم. يعتمد “مكافي” على عمل “إدموندسون” الرائد في مجال “السلامة النفسية”، وهو المجال الذي أدخلته “إدمونسون” نفسها، الذي يرتكز على ما وصفته بأنه “اعتقاد مشترك بأن جو الفريق آمن للأخذ بزمام المخاطرة”. كما أن هناك الكثير من القواسم المشتركة بين “مكافي” و “إدموندسون” لا سيما في تحديد “مكافي” للعلم والملكية والسرعة والانفتاح باعتبارها مفاتيح لثقافة العباقرة غريبي الأطوار، فعندما توجد هذه العناصر الأربعة جميعها، على حد قول “مكافي”، تنشأ ثقافة حرة وسريعة الحركة ومستقلة بحد ذاتها، وتكون قائمة على المساواة والبراهين الثابتة. أما لماذا تعمل طريقة العبقري غريب الأطوار بشكل أفضل من غيرها بكثير؟ فلأنها تستفيد من القوة البشرية العظمى، وهي قدرتنا على التعاون والتعلم من بعضنا الآخر، ولذلك نجد أن الشركات الناجحة هي التي تركز على الجانب الاجتماعي لفريق العمل، فتعمل على أن يكون التطور الثقافي للمجموعة سريعًا قدر الإمكان في الاتجاه المطلوب. ومن خلال تقديم رؤى لمجال التطور الثقافي، يوضح “مكافي” أنه عندما نجتمع معًا في ظل الظروف المناسبة، فإننا نكتشف بسرعة كيفية بناء مؤسسات ذاتية التصحيح، ولكن في ظل الظروف الخاطئة، فإننا نخلق البيروقراطيات، والتأخير المزمن، وثقافات الصمت، وغير ذلك من الاختلالات الكلاسيكية في العصر الصناعي.

يؤكد هذان الكتابان تأثير الانفتاح والتحدي والاختبار والفشل الذكي، في منصة الانطلاق القوية للمخاطرة المعقولة. وليس من قبيل المصادفة أن هذه العناصر هي أيضًا المبادئ الرئيسة للتقدم العلمي والتي تظل، على حد تعبير “مكافي”، أفضل وسيلة كنا قد توصلنا إليها كبشر، لتقليل الأخطاء بمرور الوقت.


مقالات ذات صلة

صدر مؤخرًا كتابان يسلطان الضوء على العلاقة العميقة بين الخيل والإنسان. يُقدم “الغزاة والحكام والتجار” للمؤرخ ديفيد شافيتز لمحة عن دور الخيول في الحضارات، بينما يُعيد “ضربات الحوافر” لويليام تايلور صياغة القصة الملحمية للخيل مستندًا إلى أحدث الاكتشافات العلمية، ليحل محل الأساطير القديمة.

Money: A Story of Humanity
by David McWilliams
تأليف: ديفيد ماكويليامز
الناشر: 2024م، Simon & Schuster UK

The Haunted Wood: A History of Childhood Reading by Sam Leith 
تأليف: سام ليث  
الناشر: 2024م، Sutherland House Books


0 تعليقات على “مقارنة بين كتابين: حول المجازفة المعقولة”


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *