تأليف: معجب العدواني
الناشر: بيت الحكمة، 2023م
يناقش الأكاديمي والناقد السعودي معجب العدواني، في هذا الكتاب، مفهوم “العامّة” في الحضارة العربيّة الإسلاميّة وغيرها من الحضارات. ويسعى باستخدام منهج تحليل الخطاب إلى الكشف عن الأنساق المضمرة التي تتحكم في إبراز هذا المفهوم ثقافيًّا، ومن ثَمَّ، فهم معانيه المختلفة ومقارنتها بدلالات المفهوم نفسه في مجتمعات وعصور زمنية أخرى.
وتتمثل المشكلة التي يطرحها الكتاب في كونه يحاول إثبات وضع مفهوم “العامّة” السلبي، الذي ساد في الحضارة العربية الإسلامية، كما تعكسه معانيه الواردة في معاجم اللغة، التي عرضها المؤلف في مستهل بحثه. فيوضح أن تلك المعاجم توسم “العامّة” في صيغتها الأولى بأنها “عيدانٌ مشدودة تُركَبُ في البحر ويُعْبَرُ عليـها”، وأنها “المعْبَر الصغير يكون في الأنهار”، وأنها “الطَّوْف الذي يُرْكَب في الماء”. كل هذه المعاني تؤكد، كما نقرأ في الكتاب، أنه كان يُنظر إلى “العامّة” باعتبارها “أداة مستعملة من آخرين يستفيدون منها، وذلك لأنهم يعبرون من خلالها، وربَّما عليها؛ لذا فلا يتحقق وجودها إلا بوجود أولئك الآخرين”.
ويشرح “العدواني” أن هذا التعريف قد يُعدُّ تفسيرًا أوليًّا يتلاءم مع الموقع الثقافي لطبقة العامّة، التي لا يمكن الاستغناء عنها في بناء المجتمعات، لكنها تعاني كونها تشبه تلك العيدان التي يتشكل منها الطريق الذي يُستخدم للعبور من أجل الوصول إلى أهداف تحددها النخب. فهي بهذا الشكل “تمثل الجسر الذي تمتطيه شرائح أخرى في سبيل الوصول إلى غاياتها”، و”مرحلة من مراحل تجاوز الخطر لغيرهم”، وتمثّل “القرب من الخطر نفسه بكل اقتدار”، وهي للغرق أقرب منها للنجاة، مقابل تلك الشرائح التي تمتطيها، وتجتاز الخطر بها وعليها.
ينقسم الكتاب إلى أربعة أقسام رئيسة. يؤصّل القسم الأول مفهوم “العامّة” وبواكيره في الخطاب القرآني والحديث النبوي، ويوضح غيابه في القرآن الكريم، وندرة تداوله في الحديث النبوي. غير أن تمثيله في الحديث النبوي كان إيجابيًا؛ إذ رُبِط مفهوم “العامّة” ببعد حيويّ هو بعد الأمان الاجتماعي والفكري للفرد. ويُحلِّل القسم الثاني دلالات الانحياز السلبي وإيحاءاته ضد “العامّة”، بالمقارنة مع مفهوم “الجماهير”، كما ورد في السياق الغربي. ويؤكد توافق صفات “الجماهير”، التي تحدّث عنـها كلٌّ من الإيطالي نيقولا ميكيافيلي صاحب كتاب “الأمير”، والفرنسي جوستاف لوبون مؤلف كتاب “سيكولوجية الجماهير”، مع ما حدّده بعض كتب التراث العربي الإسلامي حول كون “العامّة” تتّسم بعدد من السمات، منها: الكثرة والصوت والجلبة والاحتجاج واللغط والصراخ وعدم القبول بالصلح والهمجية والكذب.
واستعرض القسم الثالث سمات سلوك “العامّة” الجليّة والخفيّة، كما وردت في القصِّ التراثيّ. وفيه يتعرَّف القارئ على بعض الصفات المستترة للمنتمين إلى “العامّة”، التي تضمنها هذا النمط من القصِّ خلال فترات زمنية معيّنة، ومنها: اعتمادهم على غيرهم، وأنهم لا يظهرون إلا في حالات عدم الاستقرار واختلال الأمن، وأنهم كما يتسببون في إحداث حالات من عدم التوازن في المجتمع، يكون بمقدورهم كذلك صناعة التوازن والإبقاء عليه. أمَّا القسم الأخير من الكتاب، فيتضمن قراءة في التصورات النقدية لمفهومي النخبة والجماهير، كما وردت في الفكر العربي الحديث، التي فككت أوهام النخب وانحيازاتهم، وهو ما ساعد على تلاشي المفهوم التقليدي للعامّة وانحساره.
اترك تعليقاً