تأليف: إيميلي توماس
ترجمة: نشوى ماهر كرم الله
الناشر: نادي الكتاب، 2024م
يمكن التعامل مع هذا الكتاب بوصفه تأريخًا خاصًّا للسفر من وجهة نظر الفلسفة، فهو يتجاوز المعنى العام البسيط لهذا الفعل الذي تتعدَّد أغراضُه عند البشر، ليقف عند أكثر دلالاته عمقًا كما تجلَّت عند مجموعة من الفلاسفة، بداية من القرن السادس عشر إلى عصرنا الحالي. وتطرح أستاذة الفلسفة المساعدة بجامعة دورام البريطانية ومؤلِّفة الكتاب “إيميلي توماس”، كثيرًا من الأسئـلة عن موضوعه الرئيس، تبدؤها بسؤال مركزي هو: لماذا يهتمُّ الفلاسفة بالسفر؟ تَعْقُبُه أسئلة أخرى، منها: ما الخرائط؟ ولماذا بدأت السياحة؟ وهل السفر مفهوم ذكوري؟ وهل سيُبيِّنُ السفرُ إلى الفضاء الخارجي أن الأرض لا قيمة لها؟ وتناقش كذلك مفهوم أدب الرحلات، وتجاربه الفكرية، ومعنى السفر عبر الجبال، وعلاقته بفلسفة الفراغ ومفهوم المكان اللامحدود، وأخلاقيات “سياحة الفرصة الأخيرة”، التي تعني السفر إلى الأماكن التي يتزايد الشعور بأنها ستختفي من الأرض قريبًـا جدًّا بسبب تغير المناخ.
تقول المؤلِّفة في سياق توضحيها الهدفَ من كتابها إن ثمة أسطورة تَدَّعي أن الفلاسفة لا يسافرون، فـ”سقراط” لم يخطُ خطوةً واحدة خارج أسوار مدينة أثينا، و”كانط” الفيلسوف الألماني الشهير لم يَبعُدْ قطّ عن كونيجسبرج مسقط رأسه. لكنها تنفي هذا الزعم، وتؤكد أن بعض الفلاسفة كانوا كثيري السفر، مثل توماس هوبز وجون لوك، وكان منهم من يرى أن السفر ضروري ولازم للتعليم، مثل جان جاك روسو. وتشير إلى أن “السفر والفلسفة يتعانقان”، وأن تأثير الفلسفة والسفر، كلٌّ في الآخر، كان متبادلًا. إذ شجَّعت فلسفة المكان السياحة الساحلية، وحفَّزت أفكار السُّمو الفلسفية تسلُّق الجبال ودخول الكهوف، وأخرجت فلسفة العلم علماء السفر مثل عالم الطبيعة الإنجليزي جون راي.
وتؤكد إيميلي توماس ضرورة أن يكون السفر “مبحثًا فلسفيًّا” في حد ذاته، وهو النهج الذي اتَّبعته في كتابها الذي جاء على هيئة رحلة كبيرة ذهبت فيها إلى كثير من الأماكن، ضمَّنتها تأملاتها في معنى السفر. وبهذه الطريقة، طرحت أسئلتها عنه، واستكشفت السُّبل التي غيَّرت بها الفلسفة مفهومه، وأثبتت أن الفلاسفة “ليسوا جميعًا جافِّين بقدر ما نظن، فكثير منهم خاض حياة أخرى بعيدة عن كرسي المكتب”.
وخلال اثني عشر محورًا تناولها الكتاب، يتبيَّن للقارئ معنى السفر من وجهة نظر الفلسفة. فهو يعني التواصل مع غير المألوف، و”إنه الشعور بأن الأشياء مختلفة وغريبة”، وهو “تغيير في الحركة”. والسفر يُعيد النظر في معارفنا، وإنه تأمُّل في “ما لمَّا يأتِ بعد”، وبحثٌ عن الحقائق الجديدة. ويحمل السفر فلسفيًّا معنى الخوف كذلك، ففي الكتاب نقرأ ما تقتبسه المؤلِّفة عن ألبير كامو الأديب الفرنسي المعروف صاحب رواية “الطاعون”، لتكشف كيف ربط بين السفر وهذا الشعور الذي يجتاحنا ويُقلقنا، حين يكتب: “الخوف هو ما يعطي السفر قيمته، ذلك لأننا، في لحظة محددة، حين نكون على مسافة بعيدة جدًّا عن أوطاننا، يستولي علينا خوف غامض”. لكن هذا الخوف لا يجعلنا نتوارى أو ننكمش؛ بل يكون، كما تشرح إيميلي، مثل “الفزع الذي يجعلنا ننفتح على العالم، ومواصلة السفر وسط هذا الخوف والانفتاح، يختبرنا روحيًّا، لكن التحدي يستحق”.
اترك تعليقاً