تأليف: نزار الصياد
ترجمة: هالة حسنين
الناشر: العين، 2024م
هذا الكتاب، لأستاذ الفخري في العمارة والتخطيط وتاريخ العمران يكلية التصميم البيئي بجامعة كاليفورنيا بيركلي، نزار الصياد، يأتي امتدادًا لاهتمام مؤلفه بالسينما. فبالإضافة إلى مشاركته السابقة في إنتاج فيلم وثائقي للتلفزيون الأمريكي بعنوان “عمارة الطين”، وإخراجه فيلمًا آخر بعنوان “القاهرة الافتراضية”، كان يستخدم المادة الفيلمية، بوجه عام، وسيلةً تجريبية في تدريس مواد التصميم المعماري والتاريخ العمراني. وفي هذا العمل، يؤكد الصياد اعتقاده بقدرة الأفلام على تحرير الخيال وخلق مساحات جديدة للتعامل مع الواقع، وذلك من خلال تحليل ما سمَّاه “المدن السينمائية” في سياق تاريخي يربطها بمراحل التطور الحداثي في الغرب.
يفترض الكاتب أنه ما دامت الأفلام تُؤثِّر في الطريقة التي يصنع بها المشاهد صورًا تُشكِّل فهمه للعالم، وأن هذه الأفلام صارت جزءًا أصيلًا من الحياة في المدن، فيجب إذًا أن يكشف التكنيك والتمثيل السينمائيان عن الكثير من أحوال هذه المدن وعن أوضاعها الحضرية. وهكذا يتشكَّل مفهوم المدينة السينمائية، وهي وفقًا له، ليست تلك المدينة التي تُمثِّل مضمون ما نراه على الشـاشة وحسب، بل أيضًا “المدينة المتخيلة في الأذهان التي صنعها الوسيط السينمائي”، ثم يعود المتفرج إلى المقارنة بينها وبين ما يختبره واقعيًّا عن المدينة الحقيقية.
من هذا المنظور، يوضح المؤلف في مقدمة الكتاب، أن عمله ليس عن الأفلام بحسب الفهم الشائع عنها، بل هو جهد بحثي يرتكز على الأفلام بوصفها مادة أولية لسرد تاريخ عمراني بديل. وهو، بهذا المعنى، لا يهتم بالمدن في حد ذاتها، ولا السينما كونها فنًّا له خصائصه المميزة، وإنما يركِّز على “الفضاء البيني الواقع بين عمران المدينة الحقيقي أو الواقعي والفضاء المصور على الشريط السينمائي”، بل إنه تحليل متعمق لما سمَّاه “الفراغ الرمزي” الذي يفصل بين المدينة التي يعيش فيها الأفراد فعليًّا، والمدينة كما التقطتها عدسة الكاميرا في مجتمع الحداثة وما بعد الحداثة. وفي هذا السياق، يروي: “كيف تولّدت فكرته واختمرت في ذهنه حين طرح على طلابه عام 1999م، سؤالًا افتراضيًّا هو: كيف بوسعهم تخيُّل أي نوع من التاريخ سيُكتب عن مدينتي نيويورك أو لوس أنجلس إذا اختفتا فجأةً، ولم يبقَ منهما أي أثر إلا الأفلام التي اتخذت منهما مسرحًا لأحداثها؟”.
ويخلص الكتاب إلى عديد من النتائج، أبرزها أن المدينة السينمائية، كما جرى تصويرها، كانت مجالًا واسعًا للكشف عن التغيرات الزمنية والتاريخية التي لحقت بها. فعلاقتها بالحداثة، تضمنت أكثر من طور، فقد كان للأفلام في مرحلة ما دور مهم في التوثيق للمدينة، بحيث تماهى الواقع الحقيقي مع صورته السينمائية، ثم في مرحلة أخرى، بدأت المعالجات تعكس جوانب من واقع المدينة مغلفة بالنقد الواقعي والساخر. أمَّا المدينة في التجربة السينمائية للأفلام ما بعد الحداثية التي تجاوزت التقنيات الدرامية التقليدية، وعمدت إلى التعامل مع الواقع انطلاقًا من تفكيكه؛ اعتقادًا بأن معرفة العالم لا يمكن أن تجري إلا عبر طرائق “غير مترابطة وفوضوية”؛ فصارت كما عُرضت على الشريط السينمائي واقعًا جديدًا قائمًا بذاته بغض النظر عن علاقته بالحقيقة. إنه واقع “مُفرط”، تُجسده مدن افتراضية صارت أكثر إثارة للاهتمام من المدن الواقعية.
اترك تعليقاً