١- تمرين
Practice By Rosalind Brown
تأليف: روزاليند براون
الناشر: 2024م، Farrar, Straus and Giroux
٢- المادة
The Material by Camille Bordas
تأليف: كميل بورداس
الناشر: 2024م، Random House
تدور أحداث روايتين صدرتا، مؤخرًا، وهما “تمرين” لروزاليند براون و “المادة” لكميل بورداس، في حرم جامعي؛ إذ تسلِّط كل منهما الضوء على التحديات المتمثلة في محاولات مُضنية لاستنباط أفكار جديدة لكتابة نص مبتكر، سواء حول عمل كلاسيكي، أو تأليف مسرحية كوميدية مختلفة تمامًا. يركِّز كتاب “تمرين” على يوم في حياة طالبة جامعية بجامعة أكسفورد تحاول فيه العثور على موضوع مناسب لمقالة عن سوناتات شكسبير، من المقرر تسليمها بعد ظهر اليوم التالي. أمَّا رواية “المادة”، فيكافح فيها مجموعة من الطلاب وأعضاء هيئة التدريس في برنامج ماجستير الفنون الجميلة في الكوميديا الارتجالية في شيكاغو، لتوجيه أسلوبهم الفكاهي في الحياة بهدف كتابة مقاطع من مسرحية كوميدية بأسلوب مبتكر بحيث يكون جديرًا بالأداء على خشبة المسرح.
على عكس كثير من الروايات التي تتحدث عن كتّاب يسعون للتعبير عن أنفسهم على الصفحات الفارغة، فإن راوية “تمرين” هي في الواقع تدور حول فن القراءة أكثر من الكتابة، وذلك بعد أن نصح أستاذ الطالبة أنابيل، بطلة الرواية، بالتعامل مع نصوص سوناتات شكسبير من خلال التركيز على تجربة قراءتها، وبعد أن استلهمت من نصيحة جلال الدين الرومي”أن تكون مركّزًا ومستأسدًا في البحث عما هو غذاؤك الحقيقي”. تستيقظ أنابيل عند الساعة السادسة قبل وقت طويل من شروق الشمس في صباح أحد ضبابي في نهاية شهر يناير، لمواجهة موضوعها. كان يومها يحمل مهمة أساسية واحدة وهي كتابة ورقة بحثية عن سوناتات شكسبير. لكن أنابيل كائن روتيني، ولا بدَّ أن تتصرف وفقًا لذلك: “الأشياء التي تقوم بها، تقوم بها بشكل صحيح”، لذلك تتجه أولًا لتحضير فنجان من الشاي لنفسها، وتترك نظام التدفئة مغلقًا لإبقاء الغرفة “باردة ومعتمة يسكنها الهدوء”، وتستقر مع خطة: قضاء الصباح في القراءة وتدوين الملاحظات، وبعدها تناول وجبة غداء من الخضار النيئة، ثم جلسة يوغا منفردة في فترة ما بعد الظهر، ثم الكتابة. باختصار، يوم مليء بإمكانات “إنتاج الذات” الأمثل. غير أن تلك الذات كانت تستمر في المُضي في طريقها الخاص؛ لأن عقلها وجسدها، هاتان القوتان المتنافستان اللتان تجذبان انتباهنا بالتناوب، كانا يصرفانها مرارًا وتكرارًا بعيدًا عن شكسبير. وكانت النتيجة أن القليل جدًا من الكتابة قد تمَّ في نهاية الأمر؛ وذلك لأن انضباط أنابيل الذاتي “المتبجح” كان يواجه حاجزًا تلو الآخر، فكانت تريد زيادة تركيزها، ولكنها عوضًا من ذلك كانت تمشي وتتململ وتتجول في الطرق الجانبية غير المنظمة لعقلها. وكانت أفكارها ومشاعرها قوية وواسعة النطاق، تدور حول الحياة والحب والأدب والعزلة والانضباط الذاتي والشهوات الجسدية والفكرية وغيرها الكثير. ومن خلال كل تلك الصراعات، تقدِّم هذه الرواية نظرة مبتكرة ومبهجة في آنٍ على معضلة فلسفية قديمة، وهي الصراع بين العقل والجسد.
وتمامًا مثلما تعرض رواية “تمرين” أحداث يوم واحد في حياة الطالبة أنابيل، تسرد رواية “المادة” لكميل بورداس، قصة يوم واحد في حياة مجموعة من الكتَّاب، وهم يتنقلون بين التحديات والمتعة المتمثلة في الانغماس في كتابة نص كوميدي بوصفه شكلًا من أشكال الفن المسرحي. يخلو يومهم من الأحداث الكبيرة والدرامية، ولكن ما يحدث في الغالب هو أن الكتّاب يفكرون ويدونون الملاحظات، ويتحدث بعضهم مع بعض على أمل دائم في استخدام أحداث اليوم، “مادته”، في كتابة مسرحيتهم المنشودة. جميع الكتَّاب هم ممثلون كوميديون ممارسون أو مبتدئون؛ بعضهم مدرّسون، وبعضهم الآخر طلاب، ولكن جميعهم منتسبون إلى برنامج ماجستير الفنون الجميلة بجامعة شيكاغو الخيالية في الكوميديا الارتجالية في قسم اللغة الإنجليزية.
تبدأ رواية بورداس في مكان غير ملائم للكوميديا، وهو اجتماع لأعضاء هيئة التدريس. والأسوأ أن الاجتماع ساده سخط الحاضرين إزاء التعيين الوشيك لأستاذ زائر، الكوميدي الشهير ماني راينهارت ذي السمعة السيئة؛ بسبب سلسلة من الفضائح التي طالته على الصعيد الشخصي. تمتد الرواية إلى يوم أربعاء واحد، وتتنقل بين وجهات نظر المشاركين في البرنامج: أعضاء هيئة التدريس، والطلاب، ومن بينهم: “أوليفيا” التي كانت تتردد في الغوص في أعماقها واستخدام الصدمة التي كانت تعانيها بوصفها مادة للضحك؛ و “فيل” الذي كان مُكبّلًا فيما يقوله من جرّاء خوفه من الإساءة إلى أي شخص آخر؛ و “جو” المهووسة بالكوميدي الأمريكي الشهير آندي كوفمان، الذي كانت تعتقد أنه لا يزال على قيد الحياة بعد مرور 40 عامًا على غيابه؛ و “آرتي” الذي كان شخصًا لطيفًا، ولكنه كان يشعر بأن وسامته كانت تقف عائقًا أمامه.
ووسط كل ذلك، يكمن الجوهر الحقيقي لهذه الرواية في فكرة التنقيب عن “المادة” الكوميدية في الحياة الواقعية، بحيث تبرز أسئلة جدلية أساسية، مثل: أين الخط الفاصل بين حياة الفرد الخاصة وبين ما يمكن استخدامه مادةً للضحك؟ هل يمكن تناول ما هو مأساوي، مثل: المرض وإدمان المخدرات وإطلاق النار في مدرسة للأطفال في الكوميديا؟ وكيف يمكن الفصل بين الحدة والقسوة؟ وكيف يمكن للحزن أن يتحول إلى أمر مضحك من الزاوية الصحيحة؟ هل العواطف عدو الكوميديا؟ وكيف يمكن للأسوأ أن يكون هو الأفضل أحيانًا؟ وكيف يمكن للحقيقة أن تكون أسوأ ما يُقال في بعض المواقف؟ ومتى يكون من المقبول “الاقتراض” من فكرة أو من تجربة شخص آخر؟
باختصار، تتبع كلتا الروايتين، “تمرين” و “المادة”، كتَّابًا ناشئين، وهم يكافحون من أجل الإجابة عن أسئلة كبيرة حول الحياة والفن. فرواية “تمرين” هي رواية عن حياة العقل وحياة الجسد، وعن تداعيات الروتين الصارم ومتع الأدب العميقة. في حين تذهب رواية “المادة” إلى ما هو أبعد من الكوميديا واستطرادات الطلاب الغريبة إلى استكشاف عميق لتكاليف الفن وعزائه.
اترك تعليقاً