قبل ذهابك إلى المكتبة لشراء مجموعة من الكتب، كيف تبني القائمة الخاصة بك؟ هل تشتري أكثر الأعمال مبيعًا فقط، أو تلك التي تحمل تقييم خمسة نجوم على موقع “جود ريدز”، أو ربَّما تلك التي رشحها أحد ما في مقطع مصور على اليوتيوب؟ الكثير منا قبل أن يبدأ في قراءة كتاب ما أو رواية، يميل إلى البحث عن آراء كتبت حولها، ولكن أين يبحث؟
تطبيق “جود ريدز” هو من الخيارات الأولى والمشهورة لتقصي الآراء. تعتمد فكرته على تقييم الكتب من خمس درجات (نجوم)، ويمكن للمشارك كتابة مراجعة للكتاب إضافة إلى التقييم. كما يمكنه وضع تحدٍ سنوي للقراءة، ومشاركة باقي القراء، وغيرها من الأنشطة. الكتب التي تحصل على تقييم خمسة نجوم على التطبيق، يُفترض أن تكون هي أفضل الكتب.
يمكن لكل زائر للموقع اختيار عنوان أي كتاب، وقراءة المراجعات حوله، ورؤية التقييمات، وهنا قد يحدث التحول؛ إمَّا بالتشجيع والتحفيز على قراءة ذلك الكتاب، وإمَّا بالتنفير والدفع إلى ترك الكتاب والعزوف عن قراءته؛ ليغوص في كومة الأعمال الأدبية التي تُركت مهجورة دون تقييمات، أو عُلّق عليها بمراجعات وتقييمات سلبية.
ومن بين الخيارات الأخرى لتقييم الكتب، مجموعات الفيسبوك؛ حيث تجد مجموعة تضم آلاف القراء، ويمكنك مشاركتهم قراءتك وكتبك وآراءك حولها، وقراءة تعليقات الآخرين حولها.
برزت أيضًا ظاهرة “البوكتيوبرز”. وأصحابها شباب مثقفون يظهرون في مقاطع فيديو قصيرة يتحدثون عن مراجعاتهم وتقييماتهم لبعض الكتب، أو عن ترشيحاتهم لكتب جديدة، أو حتى رحلاتهم الخاصة مع القراءة وتجاربهم الشخصية.
وأخيرًا، هناك تطبيقات مخصصة حصرًا لتلخيص الكتب، وإعطاء المستخدم “زبدة” عن كل كتاب.
هناك الكثير من الطرق القصيرة والسريعة والمختصرة للوصول إلى ما يحتويه أي كتاب، من دون الغوص في تفاصيله، والتمعّن في نصوصه، وعيش التجربة التي أرادها الكاتب كاملة. ولكن يبقى السؤال الذي يرن في آذاننا: هل حقًا نصل بتلك الطرق المختصرة إلى جوهر الكتب؟
يعلم جميعنا أن مراجعة الكتب تعتمد على استخلاص الفكرة الأساسية، وطرحها في عدد كلمات أصغر بكثير من حجم الكتاب. وإذا كان العمل المقروء رواية، يجب أن تكون المراجعة منصبّة حول الحبكة، دون التطرّق إلى الحل في نهاية الرواية. يعتمد الأمر فقط على مدى فهم القارئ للنص الذي أمامه، وسرد انطباعاته الشخصية عنه، والتي قد لا تكون صحيحة دائمًا بالضرورة. لكن يجري التعامل معها في الوقت الراهن كما لو كانت الحقيقة المطلقة عن الكتاب، دون الأخذ في الاعتبار ذائقة القارئ ونضجه الفكري ونوعية قراءته، فتموت الكثير من الكتب وسط تدافع المراجعين.
هناك قائمة طويلة بالكتب التي قتلها المراجعون المتحمسون؛ روايات فلسفية اعتبرها البعض بطيئة، وأخرى تغوص في أعماق النفس دون اللهث وراء الأحداث والشخصيات الكثيرة اتهمت بأنها مملة. وكتب سألت أسئلة جريئة صنّفت من الممنوعات، والكثير من الأعمال التي راحت ضحية المشاهدات والتفاعل.
ظُلم العديد من الكتب في حمى المراجعة والترشيح، فبعض الكتب لا يكفيه منشور فيسبوك أو فيديو عدة دقائق للحديث عنه، والبعض الآخر ضُخم في العديد من السطور بلا معنى.
ثم نأتي لظاهرة تأويل الكتب، إذ إنه كثيرًا ما تقابلنا مراجعة لنص ما، سواء كان رواية أم كتابًا، تدور حول رمزية لم نرها، أو فكرة لم تمر علينا داخل النصوص، وندرك حينئذٍ أن الأمر يتعلق بتأويلات مختلفة بين قارئ وآخر، وبين كاتب المراجعة والقارئ للنص نفسه. فالواحد منا يفهم النصوص وفقًا لمعتقداته وآرائه وإسقاطاته وتجاربه الشخصية. فالقراءة رحلة فردية، قد نقرأ جميعًا الكتاب نفسه، لكننا لا نمر بالتجربة نفسها بالضبط، لا نرى السطور بالكيفية نفسها، وبالطبع لا نملك الشعور نفسه. على سبيل المثال، لو قرأ اثنان رواية ما، فأحدهما سيبحث عن الجماليات فيها، والآخر ربَّما يبحث عن المغزى العميق والرمزية في الرواية، وآخر قد يبحث عن الدرس المستفاد، وهكذا. فأي من هذه المراجعات، في أي مكان، تملك الصورة الحقيقية عن الرواية؟ ولا واحدة. لا توجد صورة واحدة حقيقية مطلقًا للعمل الأدبي، فجميعها وصل إلى ما أراد الوصول إليه بالفعل.
تحضر هنا مقولة لغابرييل غارسيا ماركيز، قال فيها:
“… وهو ما رسَّخ قناعتي بأنَّ هوسَ التأويل، بالغًا ما بلغ، ينتهي إلى أن يكون شكلًا جديدًا من الخيال الذي ضلَّ طريقه غير مرَّة بفعل ملاحظة حمقاء”.
فكم من الأعمال حُمّلت فوق ما تستطيع حمله، فقط بسبب تأويل ما، وكم من الأعمال جُرّدت من معانيها!
يجب علينا جميعًا، بصفتنا قرَّاء، أن ننظر للمراجعات باعتبارها مجرد وجهات نظر شخصية، وانطباعات خاصة حول المادة المقروءة، لا أكثر. ويجب ألا نأخذها كمسلّمات تثنينا عن قراءة شيء ما، أو حتى تعظّم من توقعاتنا تجاه نص ما. كل ما علينا فعله هو القراءة، وخوض تجربة كل كتاب بأنفسنا.
المقال أتى على ما في نفسي حذو الحرف بالحرف