1- التحوّل.. البحث عن فرانز كافكا
تأليف: كارولينا واتروبا
Metamorphoses: In Search of Franz Kafka by Karolina Watroba
تأليف: كارولينا واتروبا
الناشر: 2024م، Pegasus Books
2- كافكا.. صناعة أيقونة
Kafka: Making of an Icon by Ritchie Robertson
تأليف: ريتشي روبرتسون
الناشر: 2024م، Bodleian Library
في العام الحالي 2024م، بعد مرور مائة عام بالضبط على وفاة فرانز كافـكا، تجددت رغبة كثيـر من القرَّاء في جميع أنحاء العالم في إعادة قراءة أعماله. كما أُثير فضولهم من جديد لمعرفة المزيد عن الرجل الغامض الذي كتب بعض أبرز الكتب الكلاسيكية التي تتحدث عن المحاكم الغامضة والحشرات الوحشية. فمَن هو فرانز كافكا بالتحديد؟ وكيف أصبح مَن كان يعمل وكيلًا لإحدى شركات التأمين، وتُوفّي في عمر الأربعين، أيقونة أدبية عالمية؟ ولماذا كان أحد أكثر الكتاب غموضًا وتأثيرًا في القرن العشرين؟ ولماذا ما زالت أعماله مصدر إلهام للإبداعات الأدبية والمسرحية والسينمائية الجديدة في العالم؟ للإجابة عن كل تلك الأسئلة وغيرها، يمكننا الاطلاع على كتابين صدرا حديثًا ضمن سلسلة من الكتب المخصصة للاحتفال بالذكرى المئوية لغياب كافكا، وهما: “التحول.. البحث عن فرانز كافكا” للمؤلفة والباحثة في الأدب الألماني والإنجليزي والبولندي في جامعة أوكسفورد البريطانية، كارولينا واتروبا؛ و”كافكا.. صناعة أيقونة”، الكتاب الذي حرَّره ريتشي روبرتسون، ويضم مجموعة مقالات مصورة كتبها القيّمون على معرض مخصص لمذكرات كافكا وكتاباته تستضيفه هذا العام مكتبة بودليان في أكسفورد.
يتعمق كتاب “التحول.. البحث عن فرانز كافكا” في الجوانب التحويلية لحياة كافكا وأدبه، بحيث تستكشف المؤلفة واتروبا كيف تعكس أعمال كافكا، وخاصة روايته “التحوّل”، اضطرابه الداخلي والأزمات الوجودية الأوسع في عصره. يركِّز الكتاب على مفهوم التحوّل، ليس بالمعنى الحرفي لرواية “التحوّل” الشهيرة فحسب، بل أيضًا بمعنى التحوّلات المجازية الواضحة في حياة كافكا الشخصية والإبداعية. فلا يمكن تقدير نتاج كافكا الأدبي بالكامل من دون فهم حالة التحول المستمر التي شهدها في حياته الخاصة وصراعاته الداخلية وهوياته المتغيرة، وتذبذبه بين الأمل واليأس، وبين الوفاء لتراثه العائلي وبيئته الثقافية.
من جهة أخرى، تقول واتروبا إنه على الرغم من كل السير الذاتية التي تناولت حياة كافكا، فإن أهم الأشياء التي حدثت له لم تكن في حياته، بل بعد موته. فحياة كافكا كانت قصيرة وغير مكتملة، تمامًا مثل الروايات غير المكتملة التي لم تُنشر إلا بعد وفاته، والتي أكسبته شهرة عالمية دائمة. إنها مفارقة كافكاوية نموذجية: فبعد الموت فقط، أصبح خالدًا.
أمَّا كتاب ريتشي روبرتسون “كافكا.. صناعة أيقونة”، فيسلّط الضوء على كيفية تطوّر كافكا من “مؤلف محلي يتميز بنكهة مدينة براغ التي يصعب التعرّف عليها حتى بالنسبة إلى القراء الألمان خارج بوهيميا”، كما تذكر إحدى مقالات الكتاب، إلى شخصية عملاقة في الأدب العالمي. كما يهتم الكتاب باستكشاف العوامل الثقافية والتاريخية التي أسهمت في شهرة كافكا بعد وفاته وجعلته رمزًا للأدب الحداثي. مجموعة المقالات التي تضمنها الكتاب، المرفقة بمخطوطات توضيحية ومواد أرشيفية وبطاقات بريدية وصور عائلية، لا تضع كافكا في سياق حياته وزمانه فحسب، بل تُظهر أيضًا كيف تغذى خياله بتجاربه الشخصية الخاصة. فقد تجلت مخيلته الجغرافية من خلال البطاقات البريدية التي أرسلها من وجهات العطلات التي قضاها في وسط أوروبا وشمالها، ومن افتتانه بقصص الاستكشاف، ومن التأثير الواضح للاستعمار الأوروبي على نصوصه. وتوضح إحدى مقالات الكتاب، وهي من توقيع الأستاذ المشارك في كلية لغات العصور الوسطى والحديثة بجامعة أكسفورد، باري مورنان، كيف أن الأطر المجهولة في رواياته، التي تبدو كأنها “لا مكان”، ومن ثَمَّ تجد صداها في أي مكان في العالم، هي في الواقع خرائط للمناظر الطبيعية التشيكية التي نشأ فيها، من القلاع القوطية إلى الشوارع الضيقة المظلمة. ويُظهر مقال آخر، كيف يشكك كافكا في الحدود الفاصلة بين البشر والحيوانات، وكيف كان يسعى إلى تخيل وعي الحيوان بمصطلحات غير بشرية. لذلك عندما كتب عن الحيوانات، سعى إلى الدخول بشكل خيالي إلى طريقة وجودها وإلى ترجمة أفكارها وأحاسيسها بطرق فريدة.
تتعلق إحدى الحجج المركزية للكتاب بالدور المحوري الذي أدَّاه صديق كافكا ومؤرخ حياته، ماكس برود. فلم ينشر كافكا خلال حياته سوى سبعة كتب صغيرة فقط، لكنه ترك وراءہ ثلاث روايات غير مكتملة وكمًا كبيرًا من القصص والتأملات والكتابات الشخصية، التي أوصى بإحراقها جميعها بعد موته. ولكن صديقه ماكس برود، الذي كان هو نفسه كاتـبًا وناقدًا، كان يدرك القيمة الأدبية لأعمال كافكا، فتحدَّى طلب كافكا وعمل على المحافظة على جميع أعماله؛ فقام بتحرير دقيق لمخطوطاته غير المنشورة، وسعى إلى نشرها فأخرج أعمالًا رئيسة مثل “المحاكمة” و”القلعة”.
من ناحية أخرى، يشير روبرتسون إلى أنه بعيدًا عن مجرد نشر أعمال كافكا، كان لبرود دور فعال في تحديد صورة كافكا وفهم مساهماته الفريدة في الأدب. لقد كتب على نطاق واسع عن كافكا، مُقدّمًا تحليلًا نقديًا ورؤى شخصية أثّرت في تفسير نصوص كافكا وفي فهم أعمق للرجل الذي يقف وراء تلك الكتابات العظيمة، ووضعت سياقًا واضحًا لموضوعاته الوجودية وأسلوبه السردي المميز.
أمَّا لماذا لا نزال نهتم بكافكا؟ فربَّما لأن كتاباته تُظهر قدرة غير عادية على التحدث إلى الاهتمامات المتغيرة للأجيال اللاحقة. حتى إننا اليوم، في عصرنا الرقمي، يمكننا أن ندرك الصدى الفعلي لمصطلح “الكافكاوية”، مع كل ما يشمله من مشاعر الاغتراب والقلق الوجودي ومتاهات الحياة؛ وذلك لأننا بتنا نعيش في ظل بيروقراطيات المراقبة الخوارزمية القائمة على البيانات، التي أشارت إليها واتروبا في كتابها. لقد تحوّلت حكايات كافكا عن البيروقراطية المحيرة والقبضة التي لا مفرَّ منها للسلطات غير المرئية، من رموز أدبية إلى ظواهر في العالم الحقيقي، تتجسد في الانتشار الواسع النطاق لخوارزميات البيانات وتقنيات المراقبة.
اترك تعليقاً