مجلة ثقافية منوعة تصدر كل شهرين
يوليو – أغسطس | 2024

كيف يمكن لأندية كرة القدم أن تساعد المجتمعات؟


عدنان المناوس

ترتبط كرة القدم في جوهرها باللعب والتسلية، وبهذا تعود جذور العلاقة بينها وبين الحياة الاجتماعية بتفاصيلها اليومية إلى فترة قديمة جدًا، تتجاوز التاريخ الحديث لهذه اللعبة كما نعرفها اليوم. ففي الصين، كان البهلوانات القدامى يراقصون بأقدامهم كرةً مصنوعة من الجلد ومحشوة بالقنب منذ خمسة آلاف سنة، كما يذكر ذلك الكاتب والروائي الأوروغواياني، إدواردو غاليانو، في كتابه “كرة القدم بين الشمس والظل”. وكان ركل الكرة إحدى التسليات الشعبية لدى المصريين واليابانيين في عصور ما قبل التاريخ. أما لدى الإغريق، فقد يعود تاريخ العلاقة إلى أكثر من خمسة آلاف سنة قبل الميلاد، إذ يصور نقشٌ على أحد القبور القديمة من تلك الحقبة شخصًا يلاعب الكرة بركبته. لكن كرة القدم الحديثة، منذ بدايتها الفعلية، قفزت سريعًا من مركب التسلية المحضة لتلعب أدوارًا أكبر في المجتمع والثقافة والاقتصاد، وسرعان ما أصبحت العلاقة بينها وبين حياتنا اليوم ذات أبعاد متشعبة تتجاوز تلك البدايات البسيطة. وفي ضوء استحواذ أرامكو السعودية على نادي القادسية في مدينة الخبر، ضمن برنامج الاستثمار والتخصيص للأندية الرياضية في المملكة، يقفز إلى الذهن تساؤل حول طبيعة العلاقة التي يمكن أن تنشأ بين نادي رياضي وشركة طاقة، وما الذي يمكن لهذه العلاقة أن تقدمه على صعيد المجتمع المحلي وما وراءه.


في مفهومها المجرَّد، لطالما ارتبطت كرة القدم بفلسفة المتعة والمرح. وينقل إدواردو غاليانو في كتابه شاهدًا معبرًا عن ذلك على لسان المنجّمة الألمانية، دوروثي سولل. فحين سألها أحد الصحفيين: “كيف توضحين لطفلٍ ما هي السعادة؟!”، اختزلت الأمر بهذه الإجابة البسيطة: “لا أوضّح له، بل أعطيه كرةً ليلعب”.

مع مرور الوقت، أصبحت هذه اللعبة رياضةً ذات قواعد وأسس، وأخذت شعبيتها تتنامى على نطاق أوسع، حتى جاء الإقرار بها رسميًا بشكلها الحالي في بريطانيا نتيجة اتفاق 12 ناديًا بريطانيًّا عام 1863م. وأُدخلت بعد هذه الاتفاقية عديد من التطورات والقواعد على رياضة كرة القدم حتى نهاية القرن التاسع عشر، الذي أنهى الاحتكار البريطاني للّعبة مع إعلان ميلاد الاتحاد الدولي لكرة القدم “الفيفا” عام 1904م.

اليوم، لم تعد كرة القدم مجرَّد لعبة، فجماهيرها باتت تُقدر بـ 4 مليارات، وهو ما يمثل نصف سكان الكوكب تقريبًا، بينما يبلغ عدد ممارسيها نحو 270 مليونًا حول العالم. وقد أصبحت رافدًا اقتصاديًا مهمًا يمكن للاستثمار فيه أن ينعكس إيجابًا على المناطق الحاضنة لهذه الأندية الرياضية، بل وما يتجاوزها أيضًا. كما باتت الدول والجهات المستثمرة تنظر إليها بوصفها قوة ناعمة تنعكس آثارها الإيجابية على الوسط الاجتماعي، باستغلال ما تزرعه الأندية بأنشطتها الرياضية والاجتماعية المختلفة من قيم ثقافية وإنسانية في نفوس الجماهير.

أثرها اجتماعيًا وثقافيًا

مع نمو شعبية كرة القدم بين الناس وامتدادها جغرافيًا في بقاع مختلفة، بدأت أندية كرة القدم تتشكل شيئًا فشيئًا، وتوسَّع حجم تأثيرها ونطاقه بالتدريج على الصعيد الاجتماعي، لتشارك في مختلف الأنشطة الاجتماعية والثقافية التي توثق أواصر الترابط بين هذه الأندية وأفراد المجتمع، ولتُسهم بدورها في رفع منسوب الوعي والثقافة على المستوى الفردي والمجتمعي.

وقد أغرى هذا البعد الاجتماعي لرياضة كرة القدم العديد من الفلاسفة وعلماء النفس والاجتماع لوضعها تحت مجهر التشريح والدراسة. ففي ثمانينيات القرن الماضي بدأت مجموعة من الأكاديميين الشباب في دراستها جديًا، ليعتبروا كرة القدم “شكلًا من أشكال الثقافة التعبيرية”. لاحقًا، أصبح يُنظر إلى كرة القدم بوصفها لغة عالمية، كالموسيقى، إلا أنها لغة بصرية، كما يشير إلى ذلك الدكتور علي ناصر كنانة في كتابه “الولاء البديل.. دراسة ثقافية في التأثيرات العميقة لكرة القدم”. أما لوران دوبوا، مؤلف كتاب “لغة اللعبة.. كيف نفهم كرة القدم”، فذهب إلى حد اعتبار كرة القدم “اللغة الأكثر عالمية على هذا الكوكب”.

وبالرغم من وجود بعض الآراء الثقافية المناهضة لهذه الرياضة، كما هو موقف نعوم تشومسكي أو أومبرتو إكو، فهناك العديد من الدراسات والآراء التي خرجت من الحقل الفلسفي أو علم اجتماع الحشود لتدعم دور كرة القدم الثقافي في المجتمع، وتؤكد أهمية وجود الأندية في تشكيل ملامح المدينة وصقل الوعي الفردي والمجتمعي فيها. يقول المفكر الفرنسي جان بول سارتر: “يمكنك مقارنة لعبة كرة القدم بمدرسة الحياة، حيث يمكنك أن تتعلم في سن مبكرة أن تكون في مجموعة، وأن تقدم التضحيات، وأن تكون مسؤولًا، وأن تكون مُؤْثِرًا”. أما الفيلسوف والروائي الفرنسي ألبير كامو، الذي كان حارس مرمى في الجزائر، فيقول: “إنني مدين إلى كرة القدم بكل ما أعرفه عن الأخلاق”. وقد عدّها الشاعر توماس إليوت “العنصر الأساس في الثقافة المعاصرة”.

بعد أن اعتبرها البعض شكلًا من أشكال الثقافة التعبيرية، بات يُنظر إلى كرة القدم بوصفها لغة عالمية. أما لوران دوبوا فذهب إلى حد اعتبارها “اللغة الأكثر عالمية على هذا الكوكب”.

ارتباطها بالصناعة ليس وليد اليوم

ورغم أن علاقة أندية كرة القدم بعالم الصناعة قد تبدو حديثة للوهلة الأولى، إلا أن هناك ارتباطًا تاريخيًا بين الجانبين نلمسه في عدة نماذج عالمية. ومن الأمثلة البارزة على ذلك قصة تأسيس بعض نوادي الكرة الأوربية، فأندية مثل مانشستر يونايتد وبايرن ميونخ وغيرها كانت قد نشأت في المراكز الصناعية وليس في المناطق الحضرية، وفقًا لكتاب “الولاء البديل.. دراسة ثقافية في التأثيرات العميقة لكرة القدم”.

ففي عام 1878م، أُنشئ في مدينة مانشستر نادي “نيوتون هيث” لأجل عمال شركة سكك الحديد، ليُصبح فيما بعد نادي مانشستر يونايتد. ساعدت الثورة الصناعية لاحقًا على توافد الأيدي العاملة من جميع المناطق البريطانية إلى العمل في المدينة في مجال صناعة السيارات وعربات النقل، فارتفع عدد سكانها نتيجة لذلك. وكان لهذه الزيادة السكانية أثر مهم في ازدهار كرة القدم بين العمال الذين أحبوها؛ لأنها كانت توفر لهم ملجأ للتسلية، كما منحتهم ممارسة الرياضة شعورًا باللحمة الاجتماعية ذكرهم بأوطانهم الأصلية. وسرعان ما تحولت مدينة مانشستر إلى مركز رئيس لعشاق كرة القدم، حيث بلغت الأندية في محيطها 43 ناديًا كرويًا لتكون بذلك المنطقة الكروية الأكثر كثافة في العالم.

وفي كوريا الجنوبية واليابان، ارتبطت بعض أندية كرة القدم بشركات صناعية كُبرى، مما وفَّر لها موارد مالية مهمة أسهمت في تطورها. وتُعتبر تجربة هاتين الدولتين في “أندية الشركات” من أنجح التجارب الآسيوية اقتصاديًا ورياضيًا. فكما يشير التقرير المالي الصادر عام 2014م من شركة “لويدز”، ارتفعت القيمة السوقية للأندية في كلا الدولتين إلى 286 مليون دولار، بمعدل 157 مليون دولار للدوري الياباني، و111 مليون دولار للدوري الكوري. وعلى سبيل المثال لا الحصر، هناك نادي “يوكاهاما إف مارينوس” الياباني، الذي تمتلك شركة نيسان فيه حصة تبلغ 80%، بينما استثمرت فيه مؤخرًا مجموعة “سيتي قروب” القابضة لكرة القدم، التي تضم نخبة من أقوى الأندية، وعلى رأسها نادي مانشستر سيتي. وفي التجربة الكورية هناك نادي “أولسان هيونداي”، الذي تعود ملكيته إلى مجموعة “هيونداي”، ونادي “جيونبوك هيونداي موتورز” الذي تعود ملكيته إلى شركة “هيونداي موتورز”.

ارتبط نادي “نيوتون هيث” بعمال شركة سكك الحديد، ليُصبح فيما بعد نادي مانشستر يونايتد.

كيف يمكن استثمارها لصالح المجتمع؟

بالحديث عن الفوائد التي يمكن أن تجلبها أندية كرة القدم للمجتمعات، لا يمكن إغفال الجدوى الاقتصادية المباشرة لهذه الرياضة التي تحولت إلى صناعة ضخمة يمكنها أن تخلق آلاف فرص العمل لأفراد المجتمع. وعلى سبيل المثال، تُقدر القيمة التي أضافها الدوري الإنجليزي الممتاز وأنديته إلى الاقتصاد البريطاني في موسم 2021-2022م بـ8 مليارات جنيه إسترليني، بينما ساند هذا القطاع أكثر من 90,000 وظيفة في المملكة المتحدة.

أما على صعيد السياحة، فتُعد السياحة الكروية من أبرز وجوه السياحة الصاعدة حول العالم. فوفقًا لإحصاءات مرصد السياحة في برشلونة، فإن 20% من السيَّاح في المدينة زاروها من أجل حضور أنشطة رياضية. وقد بلغ عدد زوار متحف نادي برشلونة وحده خلال عام 2021م أكثر من 378,000 زائرًا. كما رصدت التوقعات تسجيل مطار ميامي بولاية فلوريدا الأمريكية لرقم قياسي على مستوى عدد المسافرين خلال العام 2024م، حيث أرجعت ذلك إلى عدة عوامل من أبرزها استضافة مباريات بطولة كوبا أمريكا  2024 بما فيها نهائي البطولة.

بل يمكن لتوفر المنشآت الرياضية لأندية كرة القدم، بالتكامل مع البنى التحتية الأخرى ونقاط الجذب العامة، أن يكون مصدرًا لاجتذاب السياح، كما هو الحال مع مركز مدينة ماربيا الإسبانية لكرة القدم، الذي اجتذب 227 فريقًا لكرة القدم في عام 2019م، بمعدل إقامة بلغ ثمانية أيام. ويمتد الأثر نفسه إلى اجتذاب لاعبي كرة القدم المؤثرين، كما هو الحال مع الأيقونتين ميسي ورونالدو، اللذين يساهمان في إبراز الوجهات السياحية المحلية.

ولذلك تتسابق الدول على استضافة البطولات الكروية المهمة لأجل إنعاش اقتصادها من جهة، وإبراز ثقافتها وحضارتها للعالم من جهة أخرى. وهو ما حصل مع دولة قطر في استضافة كأس العالم لعام 2022م، حيث بلغ عدد زوارها خلال البطولة 1.4 مليون زائر، وازدهرت من خلال تنظيم الحدث البنية التحتية للضيافة الفندقية. وقد نجحت البطولة في تعريف شريحة من السياح الأجانب على الثقافة المحلية، حيث شاهدنا حينها، على سبيل المثال لا الحصر، كثيرًا من الأجانب يصورون أنفسهم وهم يرتدون الزي الرسمي القطري.

فوائد اجتماعية متنوعة

وكما هو الحال مع الأندية الرياضية عمومًا، تبرز فائدة أندية كرة القدم في تعزيز ممارسة الرياضة، وبذلك يمكن الاستفادة منها في تحسين جودة الحياة في المجتمع. ووفقًا لنموذج العائد الاجتماعي على الاستثمار (Social Return on Investment model)، الذي طوره الاتحاد الأوروبي لكرة القدم، يمكن تقدير أثر مباشر لكرة القدم في مجالات من قبيل: تحسين الصحة الوقائية، وتجنب بعض الأمراض الخطيرة، والرفاهية الذاتية والتنمية الشخصية، والتعليم، وانخفاض معدلات الجريمة، وغير ذلك. وقد بات تأثير الرياضة يُقاس في هذه الجوانب ضمن ما يُعرف بـ “الفوائد الضمنية لكرة القدم” (Implied benefits).

وتتجه بعض الأندية مدفوعة بالشركات الراعية لها لتقديم الخدمات المجتمعية والمساهمة الفعالة في تحقيق أهداف الاستدامة الإنسانية والبيئية. وهناك أندية كثيرة قطعت شوطًا طويلًا في تحقيق هذه الأهداف، مثل نادي ريال مدريد الإسباني الذي دعم وشارك في العديد من الخدمات الإنسانية محليًا وعالميًا. فقد قامت مؤسسة ريال مدريد التابعة للنادي بإنشاء مدارس رياضية اجتماعية تُعنى بالقاصرين الذين يعيشون ظروفا اجتماعية صعبة، ضمن مشاركة المؤسسة في تحقيق التنمية المستدامة لخطة الأمم المتحدة عام 2023م. وعلى المستوى المحلي، تقوم عديد من الأندية السعودية بأدوار اجتماعية مشابهة، مثل نادي الهلال، الذي قام في عام 2021 برعاية خمسة مبادرات اجتماعية بالمنطقة تضمنت: دعم وتمكين الأسر المنتجة، واستقبال الأطفال والشباب في دار رعاية اجتماعية لفعالية رياضية ضمن برنامج “تحقيق الأمنيات”. ولنادي الفيصلي أيضًا مبادرات مشابهة في مجال المسؤولية الاجتماعية مثل: المشاركة في المهرجان الوطني الترفيهي لذوي الإعاقة، وإطلاق مبادرة “كيف تحمي قلب” ومبادرة دعم الأنشطة المدرسية، والكسوة الشتائية ومبادرة “حرمة الخضراء”، وغيرها من المبادرات العديدة التي تُضاف إلى سجل النادي الاجتماعي.

وهناك أيضًا دور يتصاعد للأندية الرياضية عمومًا في تعزيز التنوع والشمولية المجتمعية، وتحديدًا في مجال مشاركة المرأة في الرياضة. وتستهدف إستراتيجية منظمة الفيفا مضاعفة عدد النساء الذين يمارسون كرة القدم؛ ليُصبح 60 مليون امرأة وفتاة بحلول عام 2026م. ولا شك أن أندية كرة القدم النسائية لها دور كبير في تحقيق هذا الهدف. كما تستهدف الأندية أن تُسهم في التأهيل وإتاحة الفرص لذوي الاحتياجات الخاصة. فعلى سبيل المثال لا الحصر، يعقد نادي ريال مدريد مشاريع موجهة لأصحاب الإعاقة منذ عام 2009م. وتُشير آخر الإحصائيات على الموقع الرسمي للنادي، إلى وجود 27 مشروعًا من هذا النوع، يستفيد منها 722 شخصًا.

البُعد البيئي أيضًا يحظى باهتمام أكبر من ذي قبل في صناعة كرة القدم. فعلى موقعه الإلكتروني، أوضح الاتحاد الأوروبي لكرة القدم إلى أنه سعى إلى تطبيق ممارسات أكثر استدامة لتحسين البصمة الكربونية التي ترتبط بتنظيم الدورة الحالية لبطولة أمم أوروبا (يورو 2024) في ألمانيا. شملت الجهود أخذ الاعتبار البيئي في جدولة برنامج المباريات المصمم للحد من الحاجة إلى التنقل بين المدن، وتهيئة الملاعب المستضيفة للاعتماد الكامل على الطاقة المتجددة، وتحفيز الكادر التنظيمي والجماهير على استخدام وسائل التنقل العامة. كما خصص الاتحاد صندوق دعم للتعويض عما لا يمكن تفاديه من انبعاثات كربونية، بمقدار 25 يورو لكل طن من ثاني أكسيد الكربون، بحيث تُوجَّه هذه الأموال للاستثمار في مشاريع استدامة نافعة.

أرامكو والقادسية والخُبر

بينما كانت الأندية الرياضية في فترة ماضية تمثل اللاعبين وهيئة الإدارة ورابطة المشجعين، أصبح النادي الرياضي “الحديث” يمثل الجهة المالكة أيضًا، بعدما درجت عادة الاستحواذ على الأندية الرياضية من قبل متمولين وشركات كبرى. ولكن في حالة استحواذ أرامكو السعودية على نادي القادسية في مدينة الخبر بالمنطقة الشرقية من المملكة، كان هنالك بُعد رئيس يُؤخَذ في الحسبان، وهو الانتماء المشترك إلى المنطقة الجغرافية ذاتها. ومن هنا يمكن الحديث عما يمكن أن يقدمه هذا التعاون في إعادة رسم الحدود الرياضية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية للمنطقة الشرقية، وتعزيز حضورها على المستويين الوطني والعالمي أيضًا.

ويمثل نادي القادسية في نشأته نموذجًا واضحًا للارتباط بين الأندية الرياضية وقطاع الصناعة، ولعب التجاور الجغرافي بين النادي وبين مقر أعمال أرامكو دورًا مهمًا في ذلك. فقد كان لبعض موظفي الشركة الذين يسكنون في الخبر دور رئيس في تأسيس النادي الذي انبثق منه القادسية عام 1935م، وذلك بعد سنتين فقط من تاريخ تأسيس الشركة. واستمر هذا الدور عبر رحلة تطور النادي، الذي مر بمسميات مختلفة واندماجات عدة، حتى سُمي القادسية عام 1967م، فتولى مسؤوليته آنذاك علي البلوشي، وهو أحد قدامى موظفي أرامكو. وأحد الشواهد البارزة على العلاقة بين موظفي الشركة ونادي القادسية يتمثل في عبدالله جمعة، الذي كان حارس مرمى القادسية في العام 1968م، والذي شغل لاحقًا منصب رئيس أرامكو وكبير إدارييها التنفيذيين منذ عام 1995م وحتى عام 2008م.

المستقبل بحدود أوسع

ارتباط أرامكو بالرياضة في العديد من الألعاب الرياضية يعود إلى البدايات الأولى لتأسيس الشركة. لكنه اتخذ خلال السنوات الخمس الماضية شكلًا أوسع نطاقًا، وأصبح جزءًا من العلامة التجارية للشركة حيث تتوسع في مناطق عديدة في العالم. ففي سياق الإعلان عن الشراكة التي عقدتها أرامكو مؤخرًا مع منظمة الفيفا، قال رئيس الشركة وكبير إدارييها التنفيذيين، أمين الناصر: “تدعم أرامكو سباقات الفورمولا 1 ورياضة الغولف النسائية ورياضات السلة في الصين والكريكت في الهند. وهي تعتز بملكيتها لنادي القادسية، وأنها اصبحت أيضًا الشريك العالمي الرئيس مع الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا). وتستند شراكتها على الالتزام المشترك بالابتكار والتطوير وإطلاق مبادرات اجتماعية مؤثرة تتماشى مع قوة كرة القدم وقوة الرياضة وتأثيرها الإيجابي على حياة الناس حول العالم”.

وتنطلق المرحلة الجديدة للعلاقة بين نادي القادسية والشركة من إسهام أرامكو في مجال المواطنة والعمل المجتمعي، ولكن السياق العام لها يرتبط بمستهدفات رؤية السعودية 2030، التي تُولي اهتمامًا خاصًا بتنويع الاقتصاد والارتقاء بجودة الحياة وصحة المجتمع. وبالتالي تأمل الشركة أن تُسهم هذه الخطوة في إطار سعيها لتحقيق تنمية اقتصادية شاملة للأفراد والمجتمعات. ويقول النائب التنفيذي للرئيس للموارد البشرية والخدمات المساندة، نبيل الجامع: “نؤمن بأن مسؤوليتنا في أرامكو لا تنحصر في توفير الطاقة، بل تشمل أيضًا تحقيق تنمية اقتصادية شاملة للأفراد والمجتمعات، خصوصًا في مناطق أعمالنا. ونتمنى أن يكون هذا التملك (لنادي القادسية) إهداءً من الشركة للجماهير في الشرقية والخبر. كذلك نطمح أن تملُّك أرامكو للنادي سيسهم في رفع مستوى الرياضة السعودية والوصول للعالمية بإذن الله في إطار سياسة تخصيص الأندية الرياضية”.

ولا شك أن الاستثمارات الجديدة سترفع سقف التطلعات حول ما يمكن لنادي القادسية أن ينجزه على الصعيد الرياضي. ومع أن كرة القدم ستأخذ حصتها من الاهتمام، نظرًا لما تحظى به من شعبية جارفة محليًا وعالميًا، إلا أن جهود النادي لن تقتصر عليها بل هناك سعي إلى التوسع في الرياضات الأخرى بما ينسجم مع المفهوم الشامل للرياضة. وقد نجح النادي مؤخرًا في زيادة عدد الرياضات المرتبطة به من 18 إلى 30 رياضة مختلفة. يُضاف إلى ذلك السعي إلى توفير الفرص للارتقاء بمستوى الرياضة النسائية في المنطقة.

وبالتطلع إلى المستقبل، يسعى النادي إلى تبني برنامج شامل على المديين القصير والطويل، بهدف التحوُّل إلى منظومة عمل مؤسسية رياضية شاملة تستقطب أفضل الكفاءات وتطبق الممارسات العالمية. ويَعِد هذا بكثير من التحولات الإيجابية للمنطقة وازدهارها، ويفتح الباب أمام توسيع نطاق الشراكة والتعاون في دعم القطاعات غير الربحية وتنظيم البرامج. وبهذا يمكن للقادسية أن يُسهم في تعزيز الأثر من خلال فتح القنوات المُساعدة والمُساهمة في إثراء الساحة المجتمعية بالبرامج والأنشطة المتنوعة. كما يمكن له أن يكون واجهةً تعزز من هُوية مدينة الخبر، وتزيد من ارتباط سكانها بها وتُسهم في تحسين جودة الحياة لهم. ويبدو هذا التوجه واضحًا في الهوية الجديدة للنادي التي أُطلقت حديثًا، حيث تمثِّل خريطة المدينة أحد العناصر التي أُخذت في تصميمها. وخلال حفل تدشين الهوية الجديدة، أوضح رئيس مجلس إدارة نادي القادسية، بدر الرزيزاء، أن هذا الحفل هو بمنزلة بدء عهد جديد يتطلع فيه النادي إلى تعزيز الارتباط بينه وبين أهالي الخبر، وإلى صنع لحظات تاريخية تحتفي بما حققه النادي من إنجازات في الفترة الماضية في كافة الرياضات.


مقالات ذات صلة

خلف هذه المنشآت الرياضية الباهرة، تتكشف قصة أعمق تتعلق بالتخطيط الحضري وفنون العمارة وصناعة المكان. إذ إن الفعاليات الرياضية، حتى إن لم تصل في ضخامتها إلى مستوى الألعاب الأولمبية، تحفّز تحولات عمرانية كبيرة، وتُثير تساؤلات مهمة حول دورها في تطور المدن وعمرانها.

وعينا ومشاعرنا تشكلت من خلال التفاعل الحقيقي مع الطبيعة، وأن الابتكارات التكنولوجية وُلدت من تجارب حية مع العالم الطبيعي..

موسكو مدينة تترك بصمة لا تُنسى على زوَّارها. مدينة نابضة بالحياة، نظيفة، آمنة، ودودة، وتستقبل العائلات والسيَّاح بحرارة.


0 تعليقات على “كيف يمكن لأندية كرة القدم أن تساعد المجتمعات؟”


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *