كتب عربية
نظرية الفيزياء لدى الفيزيائيين المعاصرين
تأليف: آبيل راي
ترجمة: د. نادرة السنوسي
الناشر: دار الروافد الثقافية – ابن النديم للنشر والتوزيع، 2018م
قد يخدع عنوان كتاب “نظرية الفيزياء لدى الفيزيائيين المعاصرين” بعض القرَّاء؛ فهو سيبدو للوهلة الأولى وكأنه بحث علمي كتبه متخصِّص في علوم الفيزياء، لكن الواقع أن مؤلّفه آبيل راي (1873 – 1940م) فيلسوف فرنسي ومؤرِّخ علوم، وصل إلى شغل منصب رئيس قسم تاريخ الفلسفة وعلاقتها بالعلوم في كلية الآداب بجامعة السوربون، والكتاب الصادر بالفرنسية عام 1909م، والمُترجم إلى العربية حديثاً، من المتخصِّصة في الفلسفة الدكتورة في جامعة تونس نادرة السنوسي، هو بمثابة بحث فلسفي تاريخي، يدرس العلاقة بين الفلسفة والعلوم وتطوّرها.
وقد شكَّل جهد الفيلسوف الفرنسي راي إسهام فعّال في التخلص من الجمود في طريقة النظر والتفكير في المسائل الفيزيائية الكبرى، بداية من بحثه الأكاديمي الأول (1896م) حول اللامتناهي الرياضي، الذي كان بمثابة حدث علمي يؤذن بعودة الفلسفة إلى دراسة العلم، واستئناف التقليد المتخلى عنه منذ مدة، ثم عزّز مسعاه باختيار موضوع أطروحة دكتوراة في الآداب حول نظرية الفيزياء لدى الفيزيائيين المعاصرين؛ وهو موضوع هذا الكتاب، ثم توّج جهوده العلمية عبر تأسيسه لـ”معهد تاريخ العلوم والتكنولوجيا”، ضمن جامعة السوربون، لتشجيع التعاون بين العلوم والإنسانيات: الفلسفة وعلم الاجتماع.
يتناول الكتاب مسائل متعلِّقة يعجز التفسير الفيزيائي (الميكانيكي) عن الإجابة عن أسئلة العقل، حتى بات هنـاك اعتقـاد بأن المنهج العلمي نفسه قد فشـل في تقديـم “الحقيقة عن الكون”، ومن ثم اكتسبت النزعات غير العلمية زخماً، ومن جانب آخر كانت هناك معضلة متعلِّقة بكيفية تجنب الغموض التقليدي للأطروحات الفلسفية، وباقي مجالات العلوم الإنسانية.
ولا تندرج أهمية هذا العمل في هذا الإطار فحسب، بل بأهمية المسألة المطروحة من قبل راي، وكذلك النتيجة التي توصَّل إليها بدقة. فقد حاول في كتابه هذا جمع وترتيب آراء الفيزيائيين أو المنطقيين في الفيزياء تجاه “الآلية” (حركة الأجسام والعلاقات فيما بينها)، فتجد لهذا السبب ثلاثة مواقف مختلفة تجاه الميكانيكية للمادة: موقف مناوئ، وثانٍ مجرد نقدي، وأخيراً الموقف الإيجابي.
ويرصد راي في كتابه التحوُّلات الحاسمة في نظرية الفيزياء لدى الفيزيائييـن المعاصريـن، إذ يشير إلى أنـه “قبل خمسين سنة كان يعتقد أن تفسير الطبيعة هو ميكانيكي بحت، لقد افترضنا أن الفيزياء ليست سوى تعقيد للميكانيك، ميكانيكا جزيئية، واليوم يبدو أن الصورة التي قدَّمتها العلوم الفيزيائية قد تغيَّرت بالكامل. حيث يتم استبدال الوحدة العامة بالتنوُّع الشديد، ليس فقط في التفاصيـل، ولكن في الأفكار القيادية والأساسية”.
كيف تشاهد فِلماً سينمائياً
تأليف: محمود عبدالشكور
الناشر: دار نهضة مصر، 2018م
يطمح الكاتب الصحافي والناقد محمود عبد الشكور في كتابه “كيف تشاهد فِلْماً سينمائياً” إلى أن يقدِّم إجابات عن “كل أسئلة هواة السينما وعُشَّاقها، بالإضافة إلى الشباب المهتم بصناعة الأفلام”. ويشير المؤلِّف إلى أن الفكرة الأساسية التي يدور حولها الكتاب هي أن الفِلْم ليس “حدوتة”، ولكنه “بناء سمعي وبصري مركّب ينقل فكرة ما، من خلال الدراما”. ثم يقدِّم عرضه الافتتاحي للقارئ: “سأصطحبك في جولة لاكتشاف السينما، وقصتها، وكيفية صناعة الأفلام، ومكوّنات الفِلْم، وكيف يستطيع المشاهد العادي تفكيك عناصر العمل، وكيف يعيد تركيبها، وما هي معايير تقييم كل عنصر”، عبر أمثلة عديدة من أفلام مصرية وعالمية.
ويشرح المؤلف معنى الدراما بالتفصيل، ومكوّناتها، وما هي القصة والمعالجة والسيناريو والحوار، وطرق السرد المختلفة، ودور المخرج وتوظيفه لعناصر الفِلْم، ويتعمق في شرح تكوين الصورة السينمائية، ودلالات هذه التكوينات، من خلال عدد من الصور.
يقع هذا الكتاب في 250 صفحة موزّعة على ثمانية فصول. ومن البداية يعرض المؤلِّف قواعد مهمة للتعامل مع الفِلْم السينمائي ومن أبرزها ضرورة أن يدرك المشاهد أن الفِلْم، أياً كان نوعه، يعبِّر عن وجهة نظر صانعه ورؤيته للناس والحياة، وعلى المشاهد أن يقدِّر أن الفِلْم إنما هو وجهة نظر المخرج والكاتب يقدِّمانها كما يشاءان، وعليه أن يتلقيها كما تم عرضها سواء اتفق مع رؤيتهما أو اختلف معها، وأن السينما ليست نوعاً واحداً، فهي أنواع متعدِّدة مختلفة، وعلى كل متفرج أن يدرك ويحدِّد نوعيته المفضَّلة، وعليه المضي عميقاً في المشاهدة. فالفِلْم ليس مجرد “قصة” يمكن حكايتها ببساطة، بل هناك عناصر عديدة تؤثر كلها في عملية التلقي، ثم يقدِّم قاعدته الحاسمة اللافتة: “هناك فِلْمان يؤثران عليك في الوقت نفسه أثناء المشاهدة: فِلْم داخلي يتمثل في كل ما يدور في عقلك وأفكارك المسبقة وحالتك النفسية والعاطفية، وفِلْم خارجي هو العمل الذي تشاهده على الشاشة. وكلما نجحت في تقليل أثر الفِلم الداخلي كانت ظروف استقبالك وتذوقك أفضل وأعمق للفِلْم الخارجي”.
وإضافة إلى ما تقدَّم، يتناول الكتاب فن التمثيل، وكيف يستطيع المشاهد تقييمه بطريقة صحيحة. ويقدِّم نماذج للطريقة التي يمكن من خلالها قراءة الفِلْم، سواء أكان ذلك عبر تفكيك عنصر واحد وتحليله، أو من خلال تجميع كل العناصر في رؤية نقدية واحدة. وفي نهاية الكتاب يقترح على القارئ ثلاثين عنواناً لكتب قديمة وحديثة حول فن السينما وصناعتها، يمكنها أن تكون نواة لمكتبة سينمائية جيِّدة، بحيث يصبح القارئ في النهاية قادراً على تذوُّق فن السينما، وقراءة الأفلام بشكل أفضل وأعمق، وأكثر إمتاعاً.
الكل يكذب: البيانات الضخمة، البيانات الحديثة وقدرة الإنترنت على اكتشاف الخفايا
تأليف: سيث ستيفنز – دافيدوتس
ترجمة: أحمد الأحمري
الناشر: الدار العربية للعلوم ناشرون، 2018م
قد يكذب الأفراد على الأصدقاء والأحباء والأطباء ومستطلعي الآراء وعلى أنفسهم أيضاً. ولكن في اللحظات الساكنة، عندما يكون الأشخاص بمفردهم وهم يقومون بالبحث على الإنترنت في خصوصية منازلهم، من المرجّح أن يكشفوا عن رغباتهم ونواياهم الداخلية الدفينة بصدق أكبر وأوضح. هنا تتمثل الأطروحة الأساسية لهذا الكتاب في أن البيانات عبر الإنترنت حول السلوك البشري، بما في ذلك عمليات البحث على غوغل والبيانات المستمدة من مواقع التواصل الاجتماعي والتسوق ومتابعة المحتويات الأخرى، يمكنها مجتمعة أن تكشف كثيراً عن طريقة التفكير البشرية الفعلية أكثر بكثير مما تظهره البيانات الواردة من الدراسات الاستقصائية وعلم النفس وعلم الأعصاب.
يقول مؤلِّف هذا الكتاب سيث ستيفنز – دافيدوتس، وهو خبير اقتصادي وعالم بيانات سابق في غوغل وكاتب في صحيفة نيويورك تايمز، إن الآراء الفعلية والكمية الكبيرة من البيانات المتعلِّقة بالسلوك البشري عبر الإنترنت ليست فقط “ضخمة” ولكنها “جديدة” أيضاً وغير مسبوقة في التاريخ البشري، مما يعني أن نوع البيانات التي يمكننا الوصول إليها يختلف تماماً عن ما اعتدنا عليه في السابق. فعلى حد تعبير المؤلف، نحن نعيش في عالم يمكن فيه اعتبار كل ما يتم شراؤه عبر الإنترنت وأي تعليق يتم التعبير عنه، وكل نقرة أو التفاتة أو حتى إيماءة عين، هي في الواقع تعبير عن نية البحث، وهذه بيانات نوعية قيِّمة، تعطي مؤشرات إلى كيفية السلوك الفردي التالي.
أما الأداة الأساسية لإجراء تحليل تلك البيانات فهي تحليل الارتباط. حيث يتم النظر في عمليات البحث على الإنترنت ومحاولة إيجاد ارتباطات بين بعض المصطلحات والعوامل مثل الموقع الجغرافي والجنس والعِرْق. وتؤدي تلك التحليلات إلى أطنان من الدراسات المفيدة والمثيرة للاهتمام التي تكشف عن رغبات الإنسان وسلوكه عبر مجموعة واسعة من المجالات، بما في ذلك الترفيه والرياضة والتعليم والتسوق وغيرها.
ومن الأمثلة على الفوائد الكبيرة لتلك الدراسات، يذكر الكاتب أنه عندما تشير البيانات إلى وجود فجوات في التحصيل التعليمي في أجزاء مختلفة من بلد معيَّن، يؤدي ذلك إلى تسهيل عملية تصحيح السياسات التعليمية العامة، كما تسهّل بعض الدراسات الأخرى تتبع انتشار الأنفلونزا وغيرها من الأمراض والأوبئة. ويضيف أنه في بعض الأحيان يكون إيجاد الارتباطات أمراً مربحاً مالياً. فهناك قصة حول كيف وجد أحد خبراء الخيول أن الفوز في سباقات الخيل يبدو مرتبطاً بعامل واحد أكثر من أي عامل آخر: حجم البطين الأيسر. كما أنه ليس هناك من شك في أن الشركات المالية والمتاجر الكبرى والصحف والمستشفيات وكل جهات البيع على الإنترنت، من تلك التي تبيع المواد التعليمية إلى الفول السوداني، سوف تراقب هذه البيانات عن كثب لتحقيق أقصى قدر من الوصول إلى الجمهور المستهدف وبالتالي الأرباح.
التداوي بالفلسفة
تأليف: سعيد ناشيد
الناشر: دار التنوير، 2018م
يحاول المؤلِّف المفكِّر المغربي سعيد ناشيد في هذا الكتاب إخراج الفلسفة من الطابع التقني والنظري الذي انحصر فيه تدريسها، مما أفقدها القدرة على تعليم الحياة، وجعلها مجرد فرصة لكي يتباهى من يتعلَّمها أنه يتكلم عن الفلاسفة أو يتكلم مثلهم. فقد أسهم تدريس الفلسفة اليوم في نسيان ثلاثة مفاهيم أساسية فيها، وهي: الحكمة، والتأمل، والتفلسف، وهي المفاهيم الأكثر أصالة في تاريخ الفلسفة، وقد أدى نسيانها إلى إغفال حقيقة أن الخبرة الحياتية الذاتية تظل العنصر الأهم التي تدور حوله الفلسفة.
وفي تعريفه للحياة البسيطة يقول المؤلف إنه إذا ما استحضرنا كل ما قاله فلاسفة فن العيش، من أمثال أفلاطون، وزينون الرواقي، وأبيقور، وديوجين، وشيشرون، وسينيكيا الأصغر، وجلال الدين الرومي، وفونتين، ونيتشه، وشوبنهاور.. إلخ، فسنجد أن مقومات الحياة البسيطة تعتمد على خمس قواعد أساسية: أولاً، حياة بأقل ما يمكن من الشقاء والألم والأوهام. ثانياً، التصالح مع القدر. ثالثاً، العيش كما يكون عليه المرء وليس كما يريده الآخرون. ورابعاً، صدق المشاعر والانفعالات والبُعد عن الزيف. وخامساً، وأخيراً، صنع المتعة بأقل الأشياء، وهنا يمكن استحضار ما قاله سقراط بأن “سر السعادة كما ترى لا يتم في السعي إلى مزيد ولكن في تنميـة القدرة على التمتع بأقل”.
ولكن ما هي بالتحديد علاقة الفلسفة بالحياة البسيطـة وبالتالي تحقيق السعادة؟
يجيب الكاتب أن الفلسفة تنمِّي فينا القدرة على التفكير وترتبط مباشرة بالقدرة على الحياة، لأننا كما نفكِّر نكون. وعندما نفكِّر بطريقة جيِّدة نستطيع أن نعيش بطريقة جيِّدة أيضاً. إن إعمال الفكر يؤدي إلى الفهم العميق للنفس الإنسانية مما يساعد في مواجهة صعوبات الحياة من قبيل الفشل والإحباط والمرض والألم والطلاق والموت، وذلك وفقاً لطريقة التفكير في تلك الصعوبات والنظرة إليها. كما أن الفلسفة بمفهومها الفعلي الأساسي تساعد على تقليص مجال الأوهام، لأن العيش في الأوهام يفقدنا القدرة على الحياة. وكل ذلك يساعد في تحسين نوعية الحياة وتقليص دائرة الشقاء. ومما يزيد من منسوب السعادة أن التفكير الفلسفي الصحيح يعطينا القدرة على العيش المشترك وتحقيق السلام بين الإنسان وأخيه الإنسان.
من هنا يؤكد الكاتب على وظيفة الفلسفة كوسيلة للتداوي لا سيما لكل من يعيش الحياة في ظروف شديدة القسوة، ومن بينهم هو نفسه، خاصة وأنه أشار إلى توجيه الكتاب إلى نفسه قبل توجيهه إلى القُرَّاء، حين قال: “هذا الكتاب قبل أن يكون كتابي، هو كتاب لي كتبته لنفسي أولاً”.
كتب من العالم
لماذا نتعلم التاريخ (عندما يكون على هاتفك بالفعل)
Why Learn History (When It’s Already on Your Phone) by Sam Wineburg
تأليف: سام وينبرغ
الناشر: 2018 ,University of Chicago Press
هناك حقيقتان في عصرنا الحديث: أولاً، أننا محاطون بمعلومات متاحة بسهولة أكثر من أي وقت مضى؛ وثانياً، أن نسبة كبيرة منها غير دقيقة على الإطلاق، على الرغم من أن بعضها قد يكون كذلك عن حُسن نية وبعضها الآخر خطأ عمداً. فمع وجود الإنترنت الدائم في متناول اليد، ما هي فائدة أستاذ التاريخ؟ لدى المؤلف سام وينبرغ إجابة عن هذا السؤال، حيث يقول إنه بدايةً لا يمكننا الالتزام بطريقة التعليم القديمة نفسها التي تنص على قراءة الفصل والإجابة عن الأسئلة في آخره، التي أخضعنا لها الطلاب لعقود من الزمن. فإذا ما أردنا اليوم أن نعلِّم الطلاب الذين يمكنهم الاطلاع على المعلومات من حولهم وفصل ما هو حقيقي عمّا هو مزيَّف، فعلينا أن نعمل بصراحة على منحهم أدوات التفكير النقدي الضرورية.
ويتابع وينبرغ ليوضِّح أن التفكير التاريخي لا علاقة له بالنمط التقليدي في التعليم الذي يتطلَّب حفظ المعلومات، وإنما بدلاً من ذلك، يجب أن يعتمد على توجه عام يمكننا أن ننميه، يشجِّع على التشكيك المنطقي ويخفف من نزعتنا إلى التسرع كما يقاوم ميلنا إلى تأكيد تحيزاتنا. ويعتمد وينبرغ على الاكتشافات المثيرة لمجموعة من الأبحاث والتجارب، بما في ذلك استطلاعات الطلاب والمحاولات الأخيرة لتحديث مناهج التاريخ وتحليل كيفية قيام المؤرخين والطلاب، بل وحتى المدققِّين بمصادر المعلومات عبر الإنترنت، برسم صورة مليئة بالألغام والمطبات المعلوماتية الخطيرة. ولكننا مع الاهتمام والوعي الكافيين، يمكننا جميعاً أن نتعلَّم كيفيـة تجنبها والسير بأمان بينها.
جمال الأشياء في الحياة اليومية
The Beauty of Everyday Things by Soetsu Yanagi, Translated by Michael Brase
تأليف: سوتسو ياناجي
الناشر: 2019 ,Penguin Classics
تزخر الحياة اليومية للناس العاديين بالأشياء والأدوات المستخدمة في الإعدادات الشائعة. وبعض هذه الأشياء ترافقهم بشكل دائم في حياتهم. فما مدى الأهمية التي يجب أن نعلّقها على صناعة هذه الأدوات؟ هذا ما يبحثه سوتسو ياناجي (1889 – 1961م)، الذي كان فيلسوفاً ومؤرِّخاً فنياً متخصصاً في الحِرَف الشعبية اليابانية الأصلية. يشدِّد ياناجي على أهمية أن تكون هذه الأشياء مصنوعة بعناية، ومركّبة بإتقان. وبالتالي، يجب أن تعامل باحترام وحتى بشيء من العاطفة. كما عليها أن تكون طبيعية وبسيطة وقوية وآمنة، وأن تكون النتيجة الجمالية ذات وظيفة تلبِّي الاحتياجات النفعية بكل إخلاص. باختصار، يجب أن تكون أشياءً من الجمال العملي.
وفي عصر الاستهلاك السريع والأشياء سيئة الصنع بسبب التركيز على طابعها الوظيفي دون غيره، تدعونا المقالات المتضمِّنة في هذا الكتاب إلى تعميق علاقتنا بالأشياء البسيطة التي تحيط بنا. كما تدعونا للاحتفاء بأعمال الحرفيين البسيطين الذين قابلهم ياناجي خلال رحلاته طوال حياته عبر اليابان وكوريا. فهذا الكتاب يدافع عن أشياء متواضعة، وصادقة، ومصنوعة يدوياً، من أكواب الشاي التقليدية إلى الجرار والقماش والورق، ويكشف عن مفهوم خاص ومميّز لقيمة هذه الأشياء التي تحيط بنا، يختلف تماماً عن المفهوم الشائع الذي يتصف بشيء من اللامبالاة حيالها.
المجال الأدبي الرقمي: قراءة وكتابة وبيع الكتب في عصر الإنترنت
The Digital Literary Sphere: Reading, Writing, and Selling Books in the Internet Era by Simone Murray
تأليف: سيمون موراي
الناشر: 2018 ,JHUP
ثَمَّة مبالغة في التقارير المتداولة عن احتضار الكتاب. فالكتاب آخذ في الازدهار في عصر الإنترنت، حيث تُناقش الكتب وتتم مراجعتها على نطاق واسع في منتديات القراء عبر الإنترنت، ويتم نشرها من خلال عروض الكتب المختصرة والمدونات الخاصة بالمؤلِّفين. لكن خلال السنوات الخمس والعشرين الماضية، غيرت منصات الإعلام الرقمية ثقافة الكتب بشكل لا يمكن إنكاره، فمنذ تأسيس شركة أمازون في عام 1994م، تغيّرت بشكل كامل الطريقة التي يتم بها إصدار الكتب وتسويقها ونشرها وبيعها ومراجعتها وعرضها وقراءتها والتعليق عليها. ولم يعد المجال الأدبي الرقمي مجرد ملحق بعالم الطباعة، بل أصبح المكان الذي تُصنع فيه الشهرة، وتولد فيه الحركات الأدبية. وبالاعتماد على مقاربات الدراسات الأدبية والإعلامية والدراسات الثقافية وتاريخ الكتاب والسياسة الثقافية والعلوم الإنسانية الرقمية، تتساءل سيمون موراي في هذا الكتاب: ما هي أهمية تواصل المؤلِّفين المباشر مع القرَّاء عبر وسائل التواصل الاجتماعي؟ كيف تسهم وسائل الإعلام الرقمية باللقاءات الحية بين المؤلفين والقرّاء؟ وهل يشير الجيش المتنامي من القرّاء والمراجعين إلى نمو التعددية في الثقافة الأدبية أو تفتيت السلطة الثقافية؟ وباستكشاف الأجوبة عن هذه الأسئلة، تسلّط موراي الضوء على التغيرات المفاجئة في صناعة الكتاب، وتتحقق من التعايش المعقّد بين الكتب والوسائط الرقمية المعاصرة.
باريس في أغان
Paris en chansons
by Stéphane Hirschi , Pierre Nicou
تأليف: ستبفان هيرشي، بيير نيكو
الناشر: 2018 ,Charles Massin
يأخذنا هذا الكتاب في رحلة عبر شوارع باريس ومعالمها وآثارها من خلال أغنيات تغنَّت بها وبسحرها وهوائها ونكهتها الثقافية الرومانسية الخاصة. وفيه يعمل المؤلِّف ستيفان هيرشي، الأستاذ في دراسة الأغاني في جامعة فالنسيان الفرنسية، كدليل سياحي بطريقة غير معتادة في المتنزهات والشوارع والميادين والجادات الفرنسية. ويتساءل عن الروابط التي تربطها بأصحاب أغنيات تحدّثت عنها لعدد من أهم المغنين، مثل بريل وداهو وبراسينز وغاينسبورغ وجو داسان وإيف مونتون وشارل ترينيه وداليدا. فمن الأمس إلى اليوم، نسمع صدى الأماكن السياحية ومساحات من الذاكرة في حي مونمارتر السياحي الشهير وحي مونتبارناس وجامعة السوربون العريقة وساحة فاندوم في باريس، كما تتألّق الأولمبيا بسحرها الفريد وكذلك نهر السين ملهم الفنَّانين وحاضن أسرارهم.
يأتي هذا الكتاب بعد سنة من العمل المتواصل، ويتضمَّن مجموعة من الصور للمصور بيير نيكو، ويعرض لأغنيات 46 مغنياً بارزاً غنوا لباريس في النصف الثاني من القرن العشرين، ليرسخ في الذاكرة أبرز الأماكن فيها، وليحاول إعادة تصوير تاريخ باريس في تلك الفترة من الزمن بالغوص في كلمات تلك الأغاني واستشراف معانيها الحقيقية بكل دلالاتها. ويؤكد المؤلف أن هذه الأغاني تتضمّن دلالات تاريخية وأنثروبولوجية قد تكون بنفس أهمية الإنتاج الأدبي الغني الذي تحدَّث عن باريس في الشعر والنثر.
مجموعة قصص ماتشادو دي أسيس
The Collected Stories of Machado de Assis by Joaquim Maria Machado de Assis تأليف: جوكيم ماريا ماتشادو دي أسيس
ترجمة: مارغريت جول كوستا، روبن باترسون
الناشر: 2018 ,Liveright
عرف ماتشادو دي أسيس على نطاق واسع بأنه رائد الأدب الخيالي في أمريكا اللاتينية في القرن العشرين، وكان يحتفى به في حياته كأعظم كاتب في البرازيل.
ولد ماتشادو في إحدى الضواحي المتواضعة لمدينة ريو دي جانيرو، ولكنه على الرغم من خلفيته الفقيرة أبدى اهتماماً دائماً بالكتب واللغات، وأصبح شخصية فكرية معروفة في عاصمة البرازيل في أوائل العشرينيات من عمره. وكان إنتاجه الضخم من الروايات والمسرحيات والقصص ينافس الكُتَّاب العظماء في العالم وقتئذ مثل تشيخوف وفلوبير وموباسان. ولكن أعماله لم تترجم إلى اللغة الإنجليزية حتى عام 1963م. وعلى الرغم من ذلك، وحتى اليوم، لم يأخذ حقه الكامل من الاعتراف والتقدير اللذين يستحقهما. ولذلك قام المترجمان مارغريت جول كوستا وروبن باترسون بجمع مجموعات ماتشادو السبع للقصص القصيرة المنشورة في حياته من عام 1870م إلى عام 1906م في مجلد واحد يضم ستاً وسبعين قصة تتميز جميعها بتقنياته السردية الجريئة، ونقده المتهكم الرصين على غرار أسلوب توماس هاردي وهنري جيمس. لكن أكثر ما يميِّز أسلوبه هو أنه يعلق أهمية كبيرة على القارئ، إذ لطالما كان يعتقد أن صفحة الغلاف في أي كتاب يجب أن تحمل اسمي كل من المؤلف والقارئ بما أنهما يتشاركان أبوته. وهو الذي يقول عن نفسه بأنه يلتقـط هوس حيـاة الآخرين، ويكتب ليقول: “لا توجد أسرار لمؤلف يمكنه تفحص كل زاوية وركن من قلب الإنسان”.
مقارنة بين كتابين
معضلة الاكتئاب: قد لا تكون العقاقير دائماً هي الحل
العلاقات المفقودة: كشف الأسباب الحقيقية للاكتئاب
تأليف: جوهان هاري
الناشر: 2018 ,Bloomsbury USA
Lost Connections: Uncovering the Real Causes of Depression
by Johann Hari
ليس هو اكتئاب دائماً
تأليف: هيلاري جاكوبس هيندل
الناشر: 2018 ,Spiegel & Grau
It’s Not Always Depression by Hilary Jacobs Hendel
ما الذي يسبِّب الاكتئاب فعلاً، وكيف يمكننا معالجته؟
عانى مؤلف كتاب “العلاقات المفقودة: كشف الأسباب الحقيقية للاكتئاب، والحلول غير المتوقعة”، الصحافي يوهان هاري من الاكتئاب منذ أن كان طفلاً، وبدأ تناول مضادات الاكتئاب في سن المراهقة. وقد أخبره الأطباء وقتها بأنَّ مشكلته ناجمة عن اختلال في التوازن الكيميائي في دماغه، وأن عليه تناول العقاقير من أجل تصحيح هذا العيب الذي أصابه. وهكذا استمر في تناول تلك المضادات مع تعديل لجرعاتها حسب ظهور العوارض واختلاف حدّتها، إلى أن أصبح في الحادية والثلاثين من عمره عندما قرر إيقاف كل العقاقير واعتماد منهج مختلف.
ولهذه الغاية، قرر القيام برحلة بحث طويلة أخذته إلى مختلف أنحاء العالم، قابل فيها علماء اجتماع نظروا في مشكلة الاكتئاب في مجتمعات متنوِّعة وتحدث إلى المئات من مرضى الاكتئاب (بما في ذلك أولئك الذين تعافوا منه تماماً)، ليقدِّم نظرية تتحدّى بشكل مباشر المعتقدات القديمة حول أسباب الاكتئاب والعلاجات الموصوفة له.
توصل الكاتب إلى أدلة على أن الشعور بالاكتئاب لا ينتج عن خلل جوهري بيولوجي منفصل عن السياق الاجتماعي، بل عن المشكلات الرئيسة في الطريقة التي نعيش بها اليوم، والتي تشمل الانفصال عن العمل والمجتمع والقيم والطبيعة والخوف من المستقبل. وهذه العوامل تتناقض بشكل مباشر مع فرضية الخلل الكيميائي المتصلبة في المجتمع الطبي المعاصر. ولكن الكاتب يتخطى تحديد أسباب الاكتئاب للإشارة إلى بعض التجارب العالمية التي تقدِّم حلولاً عملية للاكتئاب، من مشروع سكني في برلين إلى سلسلة من التجارب العقلية في بالتيمور لإعادة اكتشاف ما يعده منافع “مضادات الاكتئاب الطبيعية” التي تعتمد على العمل الهادف والتفاعل الاجتماعي ونكران الذات.
وتتفق المعالِجة النفسية هيلاري جاكوبس هيندل مع رأي جوهان هاري بأن الاكتئاب لا علاقة له بأي خلل كيميائي بيولوجي في الدماغ. إذ تشير في كتابها الجديد، “ليس هو اكتئاب دائماً: العمل بمثلث التغيير للاستماع إلى الجسد، اكتشاف العواطف الأساسية، والتواصل مع الذات الحقيقية”، إلى أن الاكتئاب هو فقدان الذات الحقيقية الذي لا يمنعنا فقط من معرفة ما نريده حقاً من الحياة، ولكن من معرفة كيفية الحصول عليه. وتضيف أن جذور المشكلات النفسية تعود إلى التنشئة الأساسية، حيث إن “مدى محبتنا وقبولنا من قبل الآخرين يرتبط بشكل مباشر بالمقدار الذي نحب فيه أنفسنا”.
تقدِّم هيندل، أداة فريدة وعملية تسميها “مثلث التغيير” لمواجهة الاكتئاب. ويمثل “مثلث التغيير” هذا خارطة تعمل كدليل لحملنا من مكان الانفصال عن النفس إلى ذاتنا الحقيقية، وذلك بطريقة تدريجية تدخل في صلب العلاج النفسي الديناميكي التجريبي المعجل (AEDP)، الذي يعلم المرضى تحديد الدفاعات والعواطف المثبطة (العار والقلق والشعور بالذنب) التي تمنعهم من الاتصال مع مشاعرهم الأساسية (الفرح والغضب والحزن والخوف والإثارة). وفي السماح لأنفسنا تجربة الانفعالات الأساسية بشكل كامل، ونتجه نحو حالة نفسية منفتحة، حيث نكون هادئين وفضوليين ومترابطين ومتعاطفين وواثقين وشجعان وواضحين. وكتبت هيندل أن الشفاء ليس شيئاً يحدث فقط عندما نبحث عن العلاج، بل هو دافع إنساني فطري من أجل التصحيح الذاتي. ومن خلال قصص واقعية ومقنعة لعمل مثلث التغيير مع مرضاها، تعلِّمنا هيندل كيفية تطبيق مبادئ مثلث التغيير على حياتنا اليومية.
ومع تحديد أسباب الاكتئاب الفعلية والطرق المختلفة التي يطرحها هذان الكتابان لمعالجة الاكتئاب أو “الكلب الأسود”، كما سماه ونستون تشيرشل عندما كان يتحدث عن نوبات الاكتئاب التي كان يعاني منها، يمكننا القول إن علاج الاكتئاب قد لا يكون دوماً بالعقاقير، إذ هناك وسائل وعلاجات أخرى أكثر إفادة واستدامة وأقل ضرراً.
اترك تعليقاً