كتب عربية
حمد الجاسر.. التكوين الثقافي
تأليف: عمر سليمان العقيلي
الناشر: المجلة العربية، 2021م
يُعدُّ الشيخ حمد الجاسر أحد روَّاد الرعيل الأول، الذين طافوا أرجاء المملكة للتعرُّف على مختلف معالمها. لذا جاء كتاب (حمد الجاسر.. التكوين الثقافي)، لمؤلفه عمر العقيلي، تأكيداً على ضرورة نشر سيرة هذا المثقف والمؤرخ، الذي كان يتحقق من صحة ما ورد في كتب الأقدمين من المؤرِّخين، والجغرافيين، والأدباء، والشعراء، والرحالة.
وأشار العقيلي في كتابه إلى ريادة الجاسر، في البحث والكتابة والتحقيق والنقد، في كل ما يختص بتاريخ الجزيرة العربية وجغرافيتها وحضارتها، وباللغة العربية وآدابها، فعاش حياة علمية وعملية واجتماعية حافلة بالعطاء والتقدير.
احتوى الكتاب، الصادر عن المجلة العربية، على ملخص ومقدِّمة عن حياة الشيخ الجاسر، وركَّز على مولده ونشأته وتكوينه الثقافي، حيث قال العقيلي إن الجاسر بدأ حياته الدراسية في كُتَّاب قرية البُرُود، وعقب وفاة والده سنة 1922م، كفله جده لأمه، الذي كان إمام مسجد القرية وخطيب الجمعة، فاجتهد في تنشئة حفيده وتثقيفه، وكان يطلب منه قراءة كتب الفقه، ونسخ خطب الجمعة كل أسبوع، قبل أن يتوجه عام 1928م إلى مدينة الرياض ليطلب العلم الشرعي على كبار المشايخ فيها.
ويذكر العقيلي في كتابه، أن حمد الجاسر انتقل في عام 1930م إلى مكة، بهدف الحج وطلب العلم وللبحث عن الرزق، مشيراً إلى أنه بدأ في هذه المرحلة الاعتماد على نفسه، قبل انتقاله إلى المعهد الإسلامي السعودي ليتخصَّص في القضاء الشرعي، حيث تم اختياره ليكون أحد المبتعثين للدراسة في مصر، بعد أن أمضى سنوات خمس في مكة. وعند اندلاع الحرب العالمية الثانية عاد الجاسر إلى جدة، ومن ثم مرَّة أخرى إلى مكة، حيث توقف عن التعليم الرسمي، وأخذ يجتهد في تثقيف نفسه.
وما بين مكة المكرمة والمدينة المنورة، كان يتردَّد الجاسر على المكتبات، وبدافع حبه وعشقه الكبير للقراءة والنسخ من المخطوطات والكتب النادرة، يُقدِّم حمد الجاسر نصيحة لطالبي العلم، مفادها أن نسخ الكتب يُعدُّ من أنجع الوسائل لتوسيع مدارك المعرفة، وصقل الملكات، وتنمية المواهب.
وعن المِحن التي تعرَّض لها الجاسر، ذكر العقيلي في كتابه ثلاثة منها: الفقر، والقهر، والفقد لمكتبته الخاصة. موضحاً أن الجاسر اضطر في مرحلة من حياة الفقر التي عاشها إلى بيع مخطوطة نفيسة مقابل مائتي جنيه مصري، وهو مبلغ زهيد في ذلك الوقت، لولا الحاجة التي اضطرته إلى بيعها. وعن القهر، ينقل عن الجاسر قوله “إن المرء مهما بلغ من الثقافة والتهذيب، فإنه تبقى في نفسه رواسب مما كان متأثراً به في أول حياته من خشونة الأخلاق”. أما فقده لمكتبته الخاصة، فكان ذلك في بيروت، إثر نهبها واحتراق ما فيها من كنوز ثقافية خلال الحرب الأهلية اللبنانية عام 1975م.
يؤكد الكتاب في مجمله استفادة الجاسر مما تعلمه في مراحل حياته الدراسية، ثم من قراءاته وكتاباته ومناقشاته، وصولاً إلى رحلاته العلمية ومشاهداته، بينما سخَّر كل ما اكتسبه من معرفة في تقديم أفكار ومقترحات، كان لها عميق الأثر والوقع الحسن.
الفلسفة.. من الذي
يحتاج إليها؟
تأليف: آين راند
المترجم: خالد حافظي
الناشر: صفحة سبعة، 2021م
كثيرة هي الأسئلة التي تطرحها الفلسفة على الإنسان، وما قبل القرن الثامن عشر، كانت تُعدُّ جزءاً من ترف المجتمع، ولا يقترب منها سوى النخبة، ويخافها عامة الناس، حتى تكوَّنت قناعة عامة بأن الابتعاد عن الفلسفة حصانة دون الإصابة بالجنون.
ومنذ العصر اليوناني وما بعده، كان الفلاسفة يأخذون طلابهم في جولات بحثية، ونزهات فكرية، كي يبحثوا عن الإجابات الضرورية للأسئلة الجوهرية التي تخالج الإنسان. ومع بداية القرن العشرين أصبحت الفلسفة تمثِّل مادة تعليمية أساسية في مدارس الدول الأوروبية، بهدف تبسيطها أمام المتلقي، وبحثاً عن الإجابات عن الأسئلة الجوهرية فيها، وهذا ما حاولت المؤلفة “آين راند” تقديمه في كتابها (الفلسفة.. من الذي يحتاج إليها) الصادر بطبعته الإنجليزية عام 1961م، والعربية في عام 2021م.
كتبت راند في مقدِّمة كتابها أن البشر يقضون أيامهم وهم يكافحون للتهرُّب من ثلاثة أسئلة، والإجابات التي تكمن وراء كل فكرة وشعور وعمل لدى الإنسان، سواءً أكان واعياً بذلك أم لا: أين أنا؟ كيف أعرف ذلك؟ ماذا عليّ أن أفعل؟ مؤكدة أن هناك علماً واحداً فقط يمكنه الإجابة عليها هو: الفلسفة.
ومن هنا تنطلق راند في تعريف الفلسفة حسب مفاهيمها العلمية، فتكتب بأن الفلسفة تدرس الطبيعة الأساسية للوجود والإنسان، وعلاقة الإنسان بالوجود. وفي مقابل العلوم الخاصة التي تتعامل فقط مع جوانب معيَّنة، تتعامل الفلسفة مع تلك الجوانب من الكون التي تتعلق بكل شيء موجود. ففي عالم الإدراك، العلوم الخاصة هي الأشجار، لكن الفلسفة هي التربة التي تجعل ظهور الغابة ممكناً.
تثير راند في كتابها كثيراً من الأسئلة التي تحاول نقل القارئ إلى منطقة البحث عن الإجابة معها، وتستحث العقل نحو مزيد من البحث، وذلك حينما تتساءل: هل العقل مؤهل لإدراك الواقع؟ أم أن الإنسان يمتلك إحدى القوى المعرفية الأخرى التي تفوق العقل؟ هل يمكن للإنسان أن يحقق اليقين؟ أم أنه محكوم عليه بالشك الدائم؟
يأتي الكتاب مركزاً على الإنسان، وعلاقته بالظواهر الذاتية التي تجعله متأثراً بما يحدث، حيث كتبت راند قائلة “إن النسق الفلسفي هو رؤية متكاملة للوجود. وأنت بوصفك إنساناً، ليس لديك خيار بشأن حقيقة أنك بحاجة إلى فلسفة. فخيارك الوحيد هو ما إذا كنت تحدِّد فلسفتك من خلال عملية فكرية واعية، وعقلانية منضبطة، ومن خلال تدبر منطقي دقيق، أم تختار ترك عقلك الباطن يراكم كومة من الاستنتاجات غير المبرَّرة، والتعميمات الخاطئة، والتناقضات غير المحدَّدة، والشعارات غير المهضومة، والرغبات المجهولة، والشكوك والمخاوف، التي تجتمع عن طريق الصدفة، لكنها تُدمج بواسطة عقلك الباطن في نوع من الفلسفة الهجينة، لتشكّل بعد ذلك كتلة واحدة صلبة هي: الشكّ الذاتيّ”.
يتكوَّن كتاب (الفلسفة.. من الذي يحتاج إليها) من 15 فصلاً، تحاول المؤلفة من خلالها البحث في ماهية الطبيعة الإنسانية، وكيفية الخروج من الأزمة الذاتية، والبحث عن إجابات فلسفية تمنح الإنسان القوة في الاستمرار، ومزيداً من العطاء المختلف.
سينمات عربية
تأليف: محمد رضا
الناشر: دار رشم للنشر والتوزيع، 2021م
من إصدارات مهرجان أفلام السعودية، وبدعم من مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي (إثراء)، صدر كتاب “سينمات عربية”، لمؤلفه الناقد اللبناني محمد رضا، الذي حرص من خلال كتابه الاحتفاء بالسينما السعودية، انطلاقاً من عودة الإنتاج السعودي في المجال السينمائي بشكل كبير ولافت.
ضم الكتاب قراءات نقدية لأكثر من 200 فِلم، صدرت خلال عامي 2015م و2020م، من بينها ستة أفلام سعودية، فيما قال الناقد محمد رضا، في تصريح خاص لـ “القافلة”، إن علاقته بالسينما السعودية بدأت بعد التقائه السينمائي عبدالله المحيسن، في لندن، حيث تعاونا سوياً في كتابة سيناريو أحد الأفلام، وتعرَّف منذ ذلك الوقت على السينما السعودية، وعندما عاد الإنتاج السعودي للظهور في مجال الصناعة السينمائية، كان حريصاً على تخصيص فصل كامل تضمَّن قراءة نقدية معلوماتية، ذات حيادية شديدة.
جاء الفصل الأول للكتاب بعنوان “الهوية”، والمقصود بها هوية الفِلم، حيث يقول رضا إن العماد الأساسي في هوية الفِلم هي جهة الإنتاج، فإذا كانت سعودية فهوية الفِلم ستكون سعودية، وحتى في الإنتاج المشترك، فإن الجهة التي تدفع أكثر من %50 من تكاليف الإنتاج، تصبح هي المتحكمة في خطاب الفِلم، وبالتالي تصبغه بهويتها، فالمنتج هو من يوجه خطاب الفِلم، أما المخرج فهو المسؤول عن الجانب الفني فقط داخل الفِلم، وليس الخطاب الذي يوجهه.
وحول رؤيته للحركة النقدية الحالية في مجال السينما، ذكر رضا أن النقد يحتاج لأرضية ثقافية، وليس مجرد تقييم للفِلم أكان جيداً أم غير جيد، مشيراً إلى أن النقد الحقيقي غائب بعض الشيء عن الساحة، لأن كثيراً ممن يعملون في ذلك المجال لا يعرفون أن الناقد هو الوسيط بين الشاشة والجمهور، فإذا عمل الناقد بشكل صحيح وجد الجمهور يتآلف معه، لذا يجب على الناقد أن يتيح للقارئ المشاركة في التفكير، مضيفاً أن معظم النقاد لا يطالعون الأفلام القديمة، ولا يقرأون كتب النقد للاستفادة منها، فهم يكتفون بمشاهدة الأفلام الحديثة التي ينتقونها دون غيرها، رغم أن النقد الحقيقي يقتضي جمع المعلومات ومواصلة التعليم، وليس التعامل مع النقد باعتباره وظيفة يقبض الناقد مقابلها راتبه وكفى.
تناول الكتاب في فصله الثاني بعض الأفلام السعودية، وهي (آخر زيارة – للمخرج عبدالمحسن الضبعان، وبركة يقابل بركة – للمخرج محمود الصباغ، وحد الطار – للمخرج عبدالعزيز الشلاح، وسيدة البحر – للمخرجة شهد أمين، وعمرة والعرس الثاني – للمخرج محمود الصباغ، والمرشحة المثالية – للمخرجة هيفاء المنصور).
وعن فِلم (آخر زيارة)، رأى محمد رضا أن السيناريو، الذي كتبه فهد الأسطا، يُعدُّ جيداً، وأن المخرج استطاع تفعيله بأسلوب عمل متميز، كما عَدَّ فِلم (حد الطار) عملاً خالياً من الحرارة والديناميكية، مشيراً إلى أنه يتَّكل كثيراً على منهج وأسلوب السرد التلفزيوني، وتطرَّق إلى فِلم هيفاء المنصور (المرشحة المثالية)، واعتبر أنه مرّ بسلاسة عبر مناطق ساخنة دونما حدَّة.
كل شيء وأكثر.. تاريخ موجز للانهائيّة
تأليف: ديفيد فوستر والاس
ترجمة: بيومي إبراهيم بيومي
الناشر: مؤسسة هنداوي، 2021م
يسرد هذا الكتاب، الذي صدرت ترجمته إلى العربية حديثاً، تاريخ أبرز إنجازات مجموعة من علماء الرياضيات بطريقة قصصية، حاول مؤلفه، كاتب الخيال العلمي الأمريكي ديفيد فوستر والاس، أن يعرض المفاهيم الرياضية المعقَّدة بأسلوب سلس، وبشكل واقعي يسهل استيعابه من قبل القارئ غير المتخصص، لكنه يُشبع في الوقت نفسه نهم القارئ الضليع بهذا العلم، الذي يُعدُّ أحد أهم العلوم الأساسية.
ويصف والاس في تمهيده للكتاب بأنه “مُتخصص، لكنّه كتب باللغة الرائجة”، ولعل ذلك يُعدُّ واحداً من أبرز الأسباب وراء شهرته كعمل يناقش قضايا علمية، كتبه روائي، كما يؤكد النقَّاد، في جعل كتابه أقرب ما يكون إلى الوثيقة التاريخية، التي تسجِّل التطور الذي حدث في التفكير الرياضي خلال مراحل زمنية مختلفة.
وتشير المقدِّمة التي كتبها الروائي “نيل ستيفنسون” إلى أن هذا العمل يمنح القارئ تبصراً بموضوعه، لأنه يروّج للعلم بشكل متعمق، وبأسلوب خاص في الكتابة، فهو من ناحية يُعدُّ نوعاً من السيرة الذاتية لصاحبه، يروي من خلالها كيفية تعلمه علم الرياضيات، وهو، من ناحية أخرى، كتاب عن تاريخ هذا العلم، نتعلَّم منه بدورنا تفاصيل كثيرة عن الحياة الشخصية والمهنية لعدد من علماء الرياضيات الأكثر تأثيراً في مجالهم، ومنهم الألماني “ريتشارد ديديكند” الذي وضع نظرية الأعداد الجبرية، ومواطنه “جورج كانتور” صاحب الإسهامات المهمة في مفهوم اللانهائية وغيرهما. يكتب ستيفنسون: “يعكس أسلوب كتابة ديفيد فوستر والاس موقفاً مستنداً في أغلبه إلى أسس جيدة، بأنك تستطيع توضيح أي شيء بالكلمات، إذا اجتهدت بما فيه الكفاية، وأظهرت قدراً من الاحترام الكافي للقُرَّاء”.
وينقسم الكتاب إلى سبعة أجزاء، استعرض فيها المؤلف بالشرح والتحليل، بالإضافة إلى مفهوم اللانهائية، مفاهيم أخرى، مثل النسبية، وميكانيكا الكم، والتجريد، ونظريات الأعداد، وغير ذلك من المصطلحات الرئيسة التي تشكِّل أساس الحقل العلمي الرياضي. ولعل ما يميِّز المنهج الذي تبنَّاه الكاتب في تناوله لها هو استعانته بمجموعة متنوِّعة من الأمثلة، مصدرها الحياة اليومية، ليُبرهن من خلالها على الفكرة الأساسية التي يطرحها، مثلما فعل في مناقشته لمفهومي التجريد واللانهائية باعتبارها أقصى مستوياته. فالتفكير المجرد، كما يوضح، يشبه وقوف الإنسان على أعلى درجات السُلَّم ببضعة مستويات، ولكي يتحرك سيكف عن التفكير في الأرضية أو في وزنه، لكنه سيفكِّر في قاعدة أكثر تعميماً، أو في قانون أو مبدأ يجعله يتخذ قرار نزول الدرج باطمئنان، وهي قاعدة الثقة، أو “الاستقراء” باستخدام المصطلحات الرياضية، فهو في الواقع يثق بأن في مقدوره فعل ذلك، لأنه سبق وأن قام به كثيراً من قبل دون أن يمسه سوء. وعلى المنوال نفسه يتعامل المؤلف مع كافة المفاهيم الرياضية التي وردت في كتابه، سعياً إلى الإجابة عن سؤاله الأساسي الخاص بمعنى الأشياء اللامتناهية وغير المحدودة.
كتب من العالم
الشكل: الهندسة الخفية للمعلومات والبيولوجيا والاستراتيجية والديمقراطية وكل شيء آخر
Shape: The Hidden Geometry of Information, Biology, Strategy, Democracy, and Everything Else, By Jordan Ellenberg
تأليف: جوردان إلنبيرغ
الناشر: Penguin Press, 2021
تحتل الهندسة الرياضية مكاناً غريباً في مخيلتنا، حسب جوردان إلنبيرغ، مؤلف هذا الكتاب وأستاذ الرياضيات في جامعة ويسكونسون الأمريكية، حيث إن هناك من يجد فيها صعوبة كبيرة ويحمل عنها ذكريات بغيضة منذ أيام الدراسة، بينما هناك من يعدُّها الفرع الوحيد من الرياضيات الذي كان ممتعاً ومنطقياً بالنسبة له، وقليلون من هم محايدون بالنسبة لموقفهم من الهندسة الرياضية. ومع ذلك فالهندسة الرياضية هي التي تساعدنا على فهم العالم بطريقة أكثر وضوحاً، وتمنحنا الشعور بالوحي الصافي الذي يوضح وينقي أفكارنا وإدراكنا للأشياء من حولنا. ولهذا السبب، كما يقول إلنبيرغ، كتبت الشاعرة والكاتبة المسرحية الأمريكية إدنا سانت فنسنت ميلي، تقول “لقد نظر إقليدس وحده إلى الجمال العاري”، وربما، لهذا السبب أيضاً، هناك تقارب متبادل بين الشعراء وهواة الهندسة الرياضية، فقد ذكر دانتي تربيع الدائرة في مؤلفه “باراديسو” واستدعى الشاعر وليم وردزورث مراراً وتكراراً إقليدس في قصائده، حيث تخيل الهندسة الإقليدية عبارة عن “تشابك الروح بالروح في أنقى رابط، وتعكس العقل، دون أن يعيقها لا المكان ولا الزمان”.
تأتي كلمة “علم الهندسة” أو “Geometry” من اليونانية، وهي تعني “قياس العالم”، ولكن إلنبيرغ يقول إن الهندسة الرياضية لا تقيس العالم فقط، بل إنها تفسِّره وتوسّع مفاهيمنا عن مختلف الأشياء، وتربط بين الواقع والتجريد. فهي تشكِّل العالم من حولنا، من فهمنا لانتشار فيروس Covid-19 ورياضيات “مناعة القطيع”، إلى كيف يمكن للعمليات الهندسية أن تشكِّل نموذجاً لفهم انتشار مرض الجدري والحمى القرمزية، وتفسِّر انحرافات القطارات، وانفجارات الغلايات البخارية، وكيف يمكنها أن تساعد في مكافحة التزييف.
خلال الكتاب، يعرِّف إلنبيرغ القرَّاء بالتحديد على مجموعة من مفاهيم الهندسة الرياضية التي لها تأثير كبير على شؤوننا الحياتية، من “نظرية السير العشوائي” وآثارها فيما يتعلق بالطبيعة غير المتوقعة لسوق الأسهم المالية، وهي التي تنصّ على أن أسعار الأسهم تتحرَّك عشوائياً، وأنه لا يمكن استخدام الأسعار السابقة للتنبُّؤ بارتفاعها أو هبوطها، و”هندسة الشجرة” وكيف يمكن أن تساعدنا على الفوز بألعاب معيَّنة، إلى الخوارزميات التي تعمل بطرقها الخاصة في مباريات التنس والمسلسلات العالمية، بالإضافة إلى بعض الخوارزميات التي تعمل من خلال اختزال النصوص الأدبية إلى سلسلة ثنائية من الحروف الساكنة والحروف المتحركة، مثل “نظرية القرد اللامحدودة” التي تقول إن قرداً يطبع على آلة كاتبة بشكل عشوائي لمدة غير منتهية من الزمن، سينتج، وبشكل شبه مؤكد، نصاً معيناً مثل الأعمال الكاملة لشكسبير.
باختصار، يكشف هذا الكتاب عن الهندسة الكامنة وراء بعض أهم المشكلات العلمية والاجتماعية والفلسفية التي نواجهها، وذلك لأن الهندسة الرياضية تسأل مجموعة من الأسئلة المهمة، مثل: أين الأشياء؟ وما هي الأشياء القريبة من بعضها بعضاً؟ وكيف يمكنك الانتقال من شيء إلى شيء آخر؟
صناعة يدوية: بحث أحد العلماء عن المعنى من خلال المصنوعات اليدوية
Handmade: A Scientist’s Search for Meaning through Making, By Anna Ploszajski
تأليف: آنا بلوزاجسكي
الناشر: Bloomsbury Sigma, 2021
تقول آنا بلوزاجسكي، الكاتبة المتخصِّصة في علم المواد في هذا الكتاب، إن مما لا شك فيه أن الأشياء التي نصنعها ونشكِّلها بأيدينا تروي قصصنا، ولكن المواد التي تدخل في صناعة هذه الأشياء لها أيضاً قصصها الخاصة بها. وتضيف إنه من الهياكل الذرية إلى النظريات المتعلِّقة بالقوى المغناطيسية، قدَّم لنا العلم كثيراً من المعلومات عن التفاعلات الجزيئية التي تمنح المواد قوتها ومرونتها وصلابتها.
وترى بلوزاجسكي في كتابها، أنه وبعيداً عن العالم النظري، وفيما يختص بالصناعات اليدوية، لا يستطيع معظم العلماء اقتراح أفضل بديل للبلاستيك، مثلاً، أو تفسير: لماذا تُصنع شاشات الهاتف من الزجاج على الرغم من أنها عرضة للكسر، أو قياس درجة حرارة الفولاذ بمجرد النظر إليه، أو معرفة ما هو الشعور الفعلي الناتج عن نفخ الزجاج. لذلك تحاول بلوزاجسكي تسليط الضوء على الروابط بين البشر والمواد المختلفة واستكشاف كيف يتفاعل الحِرَفيون مع المواد من الناحية العملية، لتروي لنا قصة مواد معيَّنة من خلال صنعها والتعامل اليدوي معها.
أما المواد التي تقوم بلوزاجسكي بتفحصها فهي عشر مواد مختلفة، بحيث تبدأ بالمواد الصناعية الكلاسيكية، مثل الزجاج والبلاستيك ومعادن الفولاذ والنحاس الأصفر والخزف، ثم تنتقل إلى المواد الشائعة في الصناعات والحِرَف اليدوية، التي لا تدرس تقليدياً في علم المواد، مثل السكر والصوف والخشب والورق والحجر.
تدمج بلوزاجسكي بين وجهة نظر علم المواد، من التركيب الجزيئي غير المتبلور للزجاج، إلى التفاعلات الكيميائية بين معادن الكالسيوم والرطوبة وثاني أكسيد الكربون، التي تعطي ملاط الجير خصائصه الرائعة في “الشفاء الذاتي”، وبين تاريخ هذه المواد الاجتماعي من خلال وجودها في الأشغال اليدوية التراثية في جميع أنحاء العالم ومكانتها في علم الآثار، بدءاً من الجوارب الصوفية المحبوكة بشكل جيد وعثر عليها في مصر القديمة، والتي يعود تاريخها إلى حوالي 3000 عام، إلى الأفران التي تعمل بالرياح في العصر الحديدي في سريلانكا، وبين رواياتٍ حول ما تعنيه المواد المخلفة بالنسبة لها شخصياً، من عمل جدها المهاجر في صناعة البلاستيك؛ إلى الوجبات الخفيفة السكرية التي ساعدتها على السباحة عبر القنال الإنجليزي؛ إلى كيف أن الورق، الذي ينقل الأفكار والقصص العاطفية عبر القرون الماضية، ساعدها على فهم حياتها العاطفية.
حروب الكتب: ثورة النشر الرقمية
Book Wars: The Digital Revolutionin Publishing, By John B. Thompson
تأليف: تأليف: جون ب. طومسون
الناشر: Polity, 2021
يقول مؤلف الكتاب جون طومسون، أستاذ العلوم الاجتماعية في جامعة كامبريدج البريطانية، إنه في عام 2000م، دعت مؤسسة الأبحاث والتطوير “راند” مجموعة من المؤرِّخين – بمن فيهم هو شخصياً – لمعالجة سؤال مُلح برز في تلك الحقبة: هل ستُحدث الوسائط الرقمية ثورة في المجتمع مثل ما فعلت مطبعة غوتنبرج، وبداية استخدام ما يُعرف بـ “النوع المنقول” في الطباعة، لا سيما في المخطوطات المكتوبة بخط اليد؟ بعد عقدين من الزمان، وبعدما كانت إجابات معظم المدعوين تؤكد تأثير الوسائط الرقمية سيكون كبيراً جداً، بل اعتبر آخرون أنها ستقضي على وجود الكتب الورقية، يحاول طومسون اليوم إعادة الإجابة عن السؤال نفسه في هذا الكتاب من منظور مختلف، عندما وجد أن توقعات معظم الحاضرين كانت خاطئة، لأنهم أغفلوا بعض المتغيرات الرئيسة المحتملة.
يروي هذا الكتاب قصة العقود المضطربة، حين اصطدمت صناعة نشر الكتب بشكلها التقليدي بالثورة التكنولوجية العظيمة في عصرنا الحالي، فوجدت نفسها فجأة في دائرة الضوء، مما أدى إلى اندلاع صراعات مريرة بين الناشرين والوافدين الجدد، بما في ذلك عمالقة التكنولوجيا الأقوياء، الذين باتوا يرون العالم بطرق مختلفة تماماً. وعندها بدأت ما سمَّاه طومسون بـ “حروب الكتب”. ولكن هذه الحروب فتحت أفكاراً جديدة أمام عالم الطباعة، وأعادت تعريف العلامة التجارية للكتاب وعالم النشر، ومن هذا المنطلق يستكشف طومسون مجموعة متنوِّعة من الموضوعات في مجال النشر، من بينها القضايا القانونية، والتسويق، وظهور النشر الذاتي، واستخدام منصات التمويل الجماعي، مثل Unbound وIndiegogo وKickstarter، والقائمة الخلفية (وهي قائمة الكتب الكلاسيكية التي تحظى بثقة القرَّاء بالمقارنة مع الكتب حديثة الإصدار)، والكتب الصوتية، والدور الذي تلعبه وسائل التواصل الاجتماعي الآن في جميع أشكال النشر، سواء أكانت رقمية أم مطبوعة، والتي باتت تضم منصات مثل Wattpad، حيث “يتفاعل القرَّاء والكتَّاب حول النشاط المشترك لكتابة القصص وقراءتها”.
وفي الخلاصة، يقول طومسون إنه كما اتضح أن الكتاب المطبوع يُعد شكلاً ثقافياً مرناً، وأن له مزايا فريدة، مثل سهولة حمله والتنقل به، كما لا يحتاج إلى مصدر للطاقة، بالإضافة إلى اعتبارٍ آخر، وهو أن أرفف الكتب الممتلئة بالكتب المادية تخدم الغرض الأساسي المتمثل في الإعلان عن الأذواق الأدبية المختلفة. علاوة على ذلك، فإن هناك صعوبة بالنسبة لنشر بعض المحتويات بالشكل الرقمي، مثل كتب الطبخ والكتب المصورة. لذلك فعلى الرغم من كل التغييرات، بقي هناك مجال واسع لنموذج الكتاب المطبوع، لا سيما أن الثورة الرقمية دفعت بصناع الكتب لأن يكونوا أكثر إبداعاً في محاولة الوصول إلى القارئ والبحث عن طرق لإيجاد أسواق متنوِّعة.
اختراع الطب: من هوميروسإلى أبقراط
The Invention of Medicine: From Homer to Hippocrates, by Robin Lane Fox
تأليف: روبن لين فوكس
الناشر: Basic Books, 2020
يُعدُّ الطب أحد أهم المجالات التي قدَّم فيها الإغريق القدامى إنجازات مهمة، حيث كانوا أول من كتبوا عن الطب منذ القرن الخامس قبل الميلاد، وإلى يومنا هذا يتم الاحتفاء بأبقراط في جميع أنحاء العالم، لأنه أبو الطب الأول، ويتم العودة إلى قَسَمه الشهير باعتباره البيان التأسيسي للأخلاق والمثل العليا في مهنة الطب، وحتى إنه أصبح النص الذي عادة ما يقسم به الأطباء قبل مزاولتهم لمهنة الطب.
يضع المؤرخ البريطاني روبن لين فوكس في هذا الكتاب اختراع الإغريق القدامى للطب في سياقه الأوسع، فيتطرَّق إلى قصائد هوميروس الملحمية، وإلى الأوديسة والإلياذة التي تعتمد حبكتها الأساسية على ردَّة فعل أخيل جرَّاء إصابة طبيب الجيش اليوناني ماشاون في ساحة المعركة، ومن ثم يتفحص ما نعرفه وما لا نعرفه عن أبقراط وقسمه، والكتابات العديدة التي وصلت إلينا وكانت تحمل اسمه، ومن أهمها مجموعة من دراسات حالة مفصلة لمرضى محددين، وكتيبات ودراسات نظرية أخرى، كما يتطرَّق إلى جوانب مختلفة من الحياة الثقافية في اليونان القديمة.
يبدأ الكتاب في ساحة معركة طروادة، حيث نقل هوميروس أوصافاً دقيقة لحالات الجرحى هناك، التي اعتبرت فيما بعد مرجعاً مهماً لطلاب الطب في العالم، وينتهي في مناطق التدريب الطبي الأقل شهرة في جزيرة ثاسوس في شمال بحر إيجه، التي كانت، بعد حوالي 500 عام من حرب طروادة، مقصداً للمرضى الأثرياء الذين كانوا يذهبون إليها طلباً للعلاج، ويدفعون أموالاً طائلة للأطباء لقاء دراسة أمراضهم عن كثب.
باختصار، يقدِّم هذا الكتاب نظرة إلى الجذور الأولى للطب الغربي الحديث، ويستكشف اختراعات الإغريق القدامى بطريقة جديدة، فيحمل القراء في رحلة من ملاحم هوميروس، إلى الورثة الذين استفادوا كثيراً من دراسات الحالة التي قدَّمها الإغريق القدامى، سواء في العالم الإسلامي، أم في أوروبا الحديثة.
مقارنة بين كتابين
التقدُّم في السن وينبوع الحياة
الشباب الدائم: العلم الجديد للتقدُّم في السن دون الوصول إلى الشيخوخة
تأليف: أندرو ستيل
الناشر:
Doubleday 2021 Ageless: The New Science of Getting Older Without Getting Old by Andrew Steele
كتاب عن التقدُّم في العمر (للأشخاص الذين لا يريدون التحدث عن ذلك)
تأليف: لوسي بولوك
الناشر:
Michael Joseph Ltd 2021 (The Book About Getting Older (For people who don’t want to talk about it by Lucy Pollock
لا شك في أنَّ التقدُّم في السن واقع لا مهرب منه، ومرحلة أساسية من مراحل التجربة الإنسانية، ولكنَّ هناك كتابين صدرا مؤخراً، يؤكدان أن الافتراض بأن “التقدُّم في السن” لا بد من أن يكون مرتبطاً بـ “الشيخوخة” مع كل الضعف المتزايد والحيوية المتناقصة التي نربطها بها، لا يجب أن يكون أمراً حتمياً على الإطلاق.
يقول أندرو ستيل، الكاتب المتخصِّص في علم الأحياء الحاسوبي، في كتابه “الشباب الدائم”، إن الشيخوخة – وليس السرطان ولا أمراض القلب – هي السبب الأساسي الحقيقي لمعظم الوفيات والمعاناة البشرية في العالم، ولذلك فهي تمثِّل التحدِّي العلمي الأكبر الذي نواجهه في عصرنا الحالي. إلا أنه يضيف بأن الباحثين والعلماء المتخصِّصين في علم بيولوجيا الشيخوخة، تمكنوا في العقود القليلة الماضية من الاقتراب من القدرة على إيقاف، أو حتى عكس الأمراض المصاحبة للشيخوخة، سواءً أكانت أمراضاً عقلية، مثل الألزهايمر وضعف التركيز، أم جسدية، كالزيادة في الإحساس بالوهن والأوجاع والكسور، أم مختلف الأمراض الأخرى التي تأتي مع التقدُّم في العمر.
يتحدث ستيل عن “الشيخوخة التي لا تذكر”، وهو المصطلح الذي استلهمه من عالم الحيوان، وبالتحديد من سلحفاة غالاباغوس التي تم تصويرها على غلاف الكتاب، والتي يبلغ متوسط عمرها حوالي 170 عاماً، تبقى خلالها في حالة صحية ممتازة تُعرف باسم “الشيخوخة التي لا تذكر”، إذ إنها، وحتى سن متقدِّمة، لا تعاني من أي ضعف ظاهر في الحركة أو الحواس، ولا من انخفاض في الخصوبة المرتبط بالتقدُّم في العمر، بل تعيش ما يسميه ستيل بـ “الخلود البيولوجي”. يقدِّم ستيل سلحفاة غالاباغوس كدليل على أن “الشيخوخة التي لا تذكر” لا تخرق أي قوانين للبيولوجيا، وكتأكيد على أن الحفاظ على أنفسنا في هذا الوضع يمكن أن يشكِّل هدفاً معقولاً وممكناً للبشر.
بتفصيل دقيق، يحدِّد ستيل الوسائل التي يمكن للعلم من خلالها القضاء بشكل فعَّال على شيخوخة الإنسان، فيقسمها إلى أربع فئات، وهي: “التخلص من العناصر السيئة التي تتراكم مع الزمن”، و”تجديد الأشياء التي تتراجع مع الوقت”، و”إصلاح الأشياء التالفة أو الخارجة عن السيطرة”، و”إعادة برمجة نظامنا البيولوجي لإبطاء أو عكس الشيخوخة”. ومن خلال هذه الوسائل يوضح ستيل أن طموحنا النهائي لا ينبغي أن يكون مجرد تحسين نوعية الحياة مع التقدُّم في السن، بل يجب أن يتعداه إلى السعي لتحسين صحة الإنسان لعقود طويلة.
أما لوسي بولوك، الدكتورة المتخصِّصة في طب الشيخوخة، فتبدأ كتابها الذي يحمل عنوان “كتاب عن التقدُّم في العمر”، مع لوحة جدارية من القرون الوسطى تظهر أربعة شبان وهم يقابلون أربعة هياكل عظمية، كتب عليها ما كانت تقوله الهياكل العظمية للشبان الأربعة: “مثلكم تماماً، هكذا كنا في يوم من الأيام؛ وكما نحن الآن، كذلك ستكونون أنتم”. من خلال هذه الجدارية تريد الدكتورة بولوك أن تؤكد أن مصيرنا جميعاً سيكون الموت حتماً، ولكن مع ذلك، تماماً كما يقول الدكتور ستيل في كتابه “الشباب الدائم”، ليس بالضرورة أن نعاني من الشيخوخة ومن مؤثراتها السلبية على حياتنا.
تشير بولوك إلى رسم بياني شائع، يوضح أنه بالنسبة لمعظمنا، تبدو صحتنا وكأنها تسير وفق خط مستقيم، حتى وقوع سقطتنا الأولى، ومن بعدها يحصل هبوط حاد في هذا الرسم، تبدأ معه الشيخوخة الحقيقية التي تتخللها الأمراض المختلفة، مثل الجلطات الدموية والتهاب المفاصل وفشل القلب ومرض ألزهايمر. ولكن الأمر المشجع أن هناك كثيراً مما يمكننا القيام به لتجنب هذا المنحنى الانحداري، والبقاء طوال حياتنا على خط مستقيم، بحيث يمكننا البدء من التعامل مع الأسباب التي تؤدي إلى تلك السقطات والقضاء عليها، مثل إيجاد النظارات الطبية المناسبة للشخص المسن، وإزالة كل العوائق التي تقف أمام سهولة حركته، وتركيب قضبان حديدية في الأماكن الضيقة، والمساعدة على تخفيض ضغط الدم المرتفع، والتشجيع على اتباع نظام ثابت للتمارين الرياضية.
تركز الفكرة الأساسية للكتاب على التأكيد على أن العمر الطويل هو أمر يجب الاحتفاء به واحتضانه بكل رضا وطمأنينة، ومن أجل توضيح هذه الفكرة، تحاول بولوك الإجابة عن مجموعة من الأسئلة، الأساسية منها والثانوية أيضاً، وهي: هل من الطبيعي تناول هذه المجموعة الكبيرة من الأدوية التي غالباً ما يتم وصفها لكبار السن؟ هل فعلاً يجب على كبار السن الامتناع عن قيادة السيارات؟ ما خصائص دور الرعاية الجيدة؟ هل تراجع القدرات العقلية مع التقدُّم بالعمر أمر حتمي؟ وفي الشأن الطبي العام، كيف يمكن تجاوز المناقشات شبه المستحيلة حول الإنعاش والعلاجات المكثفة، وحول القوانين التي تنظِّم حقوق الموكلين رسمياً بتسيير أمور معيَّنة متعلقة بكبار السن؟ وما أهمية تعلُّم المتقدِّمين في السن للتكنولوجيا الحديثة؟
وأخيراً، لطالما كان البشر يبحثون عن علاج للشيخوخة منذ آلاف السنين، فقد كتب هيرودوت عن ينبوع الشباب في القرن الخامس قبل الميلاد، وتطرَّق إليه الإسكندر الأكبر في قصائده الرومانسية في القرن الثالث الميلادي، ومن ثم قام عدد لا يحصى من الأشخاص بالبحث الطويل والمضني عن إكسير الحياة، ولكن كل ذلك كان من دون جدوى، إلى أن وصلنا إلى كل هذا التقدُّم العلمي الهائل، الذي ربما سيجعلنا أقرب إلى “الخلود البيولجي” الذي تحدَّث عنه ستيل في كتاب “الشباب الدائم”، وإلى معالجة معظم الأسباب التي تؤدي إلى الشيخوخة كما تقول الدكتورة لوسي بولوك في كتابها “كتاب عن التقدُّم في العمر”.
اترك تعليقاً