كتب عربية
مدرسة الجبل في الظهران
تأليف: د. عبدالرحمن بن عبدالله الأحمري
الناشر: المجلة العربية، 2021م
يوثِّق كتاب “مدرسة الجبل في الظهران” نواة التعليم النظامي في أرامكو، وبداية الاحتكاك الثقافي ما بين الشركة والمجتمع في المنطقة الشرقية. إذ تتناول هذه الدراسة بدايات التعليم في الشركة، مستعينة بالوثائق الإدارية لمدرسة أرامكو الشهيرة والمعروفة باسم “مدرسة الجبل”، وهي أول مدرسة أنشأتها الشركة، وتخرَّج فيها عدد ممن تولوا لاحقاً مناصب رفيعة في الشركة.
اعتمدت شركة كاليفورنيا أريبيان ستاندرد أويل كومباني (كاسوك) في بداياتها (1940 – 1944م) على تدريب العمال السعوديين وليس تعليمهم، “حيث كان التدريب وإكساب العمال المهارات الفنية في أعمال الشركة هو المطلب الأول لها”. وبعد أن اكتشف مدرِّبو الشركة أن “العمال لا يعرفون القراءة والكتابة، وبالتالي لا يعرفون قياس الأطوال والكميات، وقراءة تعليمات الآلات التي يتدرَّبون عليها، تحوَّل التدريب من الميدان إلى الفصول الدراسية”.
يقول الأحمري في كتابه إن “اللغة الإنجليزية هي لغة صناعة النفط في تلك المرحلة. وتلبية لهذه المتطلبات، افتتحت أول مدرسة تعليمية في مايو 1940م في منزل مستأجر من أحد موظفي الشركة وعُرفت بمدرسة الخبر. وفي يوليو من العام نفسه بنت الشركة في الحي السعودي ضمن مقر الشركة في الظهران مدرسة صغيرة وعيَّنت فيها معلماً واحداً”.
كانت فرص الالتحاق بالمدرسة متاحة للموظفين وللراغبين من غير الموظفين. وحينما ازداد عدد الطلاب إلى أكثر من 165 طالباً، افتتحت الشركة في شهر يناير 1941م فصولاً دراسية خاصة لبعض المهن. كما ضمَّت الفصول العاملين في الخدمة المكتبية. ولاحقاً أنشأت في الحي السعودي مدرسة صغيرة ثالثة عرفت باسم “مدرسة الجبل”. كانت الفصول في مدرسة الجبل أصغر وأقل عدداً، وبالتالي أكثر فائدة للطلاب.
عن بدايات مدرسة الجبل وأهميتها يقول الأحمري “إن المدرسة الثالثة من مدارس كاسوك عُرفت بمدرسة الجبل، وتقع في الحي السعودي في الظهران، حيث نظَّمت مواعيد التعلُّم وبرنامج التدريب المهني من ديسمبر 1943م، عندما كلَّف جلبرت ماكلين نيرباص مشرفاً على برنامج تعليم السعوديين والأمريكيين – كان الأمريكيون يتعلمون العربية حينها – ووصل عدد الطلاب السعوديين إلى 123 طالباً”.
ويضيف الأحمري أن العام الدراسي 1946 – 1947م شهد “توسعاً في مدرسة الجبل، حيث أضيفت غرفتان في المبني المجاور للمدرسة وفي أواخر ربيع 1947م أصبحت كل مدارس العرب الإعدادية ومدارس الفرص تحت إدارة القسم الأكاديمي، وهذا القسم كان مسؤولاً عن المدارس الابتدائية الأمريكية في الظهران ورأس تنورة، وفي عام 1947م عدل اسم (مدرسة الجبل) إلى (مدرسة العرب المهنية الإعدادية)”.
ويقول الأحمري إن أرامكو استشعرت مسؤوليتها تجاه التعليم، ولذلك رفعت خطاباً إلى الحكومة ممثلة في وزير المالية، تشعره أنها أعدَّت خطة لتطوير التعليم عبر دفع أجور ومكافآت للطلاب. وأشار ممثل أرامكو في جدة في بداية خطابه إلى أن الشركة تعمل في مجال التعليم وأنها نجحت جزئياً في إبقاء صغار العمال وأبناء العمال في المدرسة أطول وقت ممكن لتعليمهم وتدريبهم علمياً، لتأهيلهم لتولي أعمال متوفرة في الشركة.
الإنتاج السينمائي في منطقة الخليج العربي
تأليف: مجموعة باحثين
الناشر: مركز الأدب العربي للنشر والتوزيع، 2020م
رغم أن عمرها تجاوز المائة عام، إلا أنها في حالة من التجدُّد الدائم والمستمر، مما يجعل الكُتب المتخصصة في صناعة السينما قليلة جداً على مستوى العالم، وشبه معدومة على مستوى العالم العربي، ولكن مهرجان أفلام السعودية وبدعم من مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي “إثراء”، أسهم بإغناء المكتبة العربية سنوياً بعدد من الكتب المتميِّزة في مجال صناعة الأفلام.
أسهم في وضع هذا الكتاب عدد من الباحثين السعوديين (الوليد المهيدب، تركي الشهري، عبدالرحمن الغنام، محمد العوبثاني، مصعب العمري)، وجميعهم من المتخصصين في المجال السينمائي. ويرتكز هذا الكتاب على عدد من الموضوعات منها “مهنة الإنتاج السينمائي في الخليج، وكيف يتعامل صانعو الأفلام الوثائقية السعوديون مع القضايا الأخلاقية لصناعة الأفلام في المملكة العربية السعودية”، كما يركِّز على العوامل التي شكَّلت نماذج وممارسات صناعة الأفلام، وكيف أتاحت العولمة والرقمنة تطوير النماذج التقليدية والجديدة لصناعة الأفلام في منطقة الخليج.
يحتوى الكتاب على خمسة فصول في قسمين رئيسين. فيناقش القسم الأول العلاقة بين المؤسسات غير الربحية، بما فيها المهرجانات السينمائية، والتأثير على تطوير قطاع الإنتاج في المنطقة. إذ يتناول مصعب العمري في الفصل الأول دور مبادرات مركز “إثراء” في الإسهام لتطوير صناعة الأفلام المستقلة في المملكة، وتحليل دور مهرجان دبي السينمائي الدولي الذي يقول عنه إنه “سهّل نمو السينما العابرة للحدود الوطنية من خلال دعم السينما العربية”. واختتم دراسته متحدثاً عن خطوة أرامكو السعودية في إنشاء مركز متخصص لدعم الصناعات الإبداعية والثقافية، مؤكداً أن “إثراء” يقدِّم “مثالاً فريداً للعلاقة بين المنظمات غير الربحية وصناعة الأفلام التجارية لخدمة المصلحة العامة في المملكة العربية السعودية”.
وفي الفصل الثالث كتب الوليد المهيدب عن “تأثير شبكة المهرجانات السينمائية الدولية على أفلام هيفاء المنصور”.
وفي القسم الثاني بحث بعنوان “الفِلْم الوثائقي وتساؤلات أخلاقيات المهنة في المملكة العربية السعودية” من إعداد تركي الشهري حول ممارسات ونماذج إنتاج الأفلام الروائية والوثائقية في المنطقة وتأثيراتها على مهنة صناعة الأفلام بشكل عام. وجاء فيه أن موضوع أخلاقيات الفِلْم الوثائقي لا يزال يحتاج إلى مزيد من التأصيل النظري مع دمجه بالأمثلة والبيانات من الميدان.
وجاء الفصل الخامس بعنوان “عوامل التمكين ونماذج تطوُّر الإنتاج السينمائي في دول مجلس التعاون الخليجي” للباحث عبدالرحمن الغنام الذي سلَّط الضوء على أهم الاتجاهات الحديثة والعوامل التمكينية لإنتاج الأفلام الوطنية الطويلة في دول مجلس التعاون الخليجي في الفترة ما بين 2004 و2019م. واختتم دراسته قائلاً يجب ألَّا يقتصر مفهوم السينما الخليجية على دراسة الجوانب التقليدية لإنتاج الأفلام الطويلة في صالات السينما والمهرجانات السينمائية وإنما يجب أن يمتد ليشمل أشكالاً مختلفة وفي أوساط غير تقليدية مثل العالم الرقمي ومقاطع الفيديو القصيرة، وأكَّد أن دخول السينما في السعودية بشكل رسمي قد يسهم في فتح ملايين من فرص العمل في صناعة وإنتاج الأفلام المحلية.
صورة المرأة في رحلات الغربيين إلى وسط الجزيرة العربية
تأليف: د. دلال مخلد الحربي
الناشر: مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، 2021م
تقول مؤلِّفة الكتاب الدكتورة دلال الحربي إن كتابها يرصد الكتابات الخاصة بالرحَّالة الغربيين سواءً أكانوا من أوروبا أو أمريكا، الذين تمكَّنوا من الوصول إلى وسط الجزيرة العربية وتتبّع آرائهم حول المرأة وأوضاعها في الجزيرة العربية.
وتؤكد الحربي أنها لم تتدَّخل في نقد نصٍّ أو استحسان آخر إلا عند الضرورة؛ وأن هدفها الأول والأخير من هذا الكتاب هو إبراز الصورة كما كانت عليه عند أولئك الرحَّالة، مؤكدة أن هذه الدراسة سعت لإبراز موضوع لم يكن مطروقاً من قبل، وهو من الموضوعات المهمة التي توثق جانباً من حياة المرأة في الجزيرة العربية “لم تسجله كتب التاريخ المحلية، ولم تتعرَّض له في أية حال من الأحوال”.
يحتوى الكتاب على أربعة فصول وخاتمة. فجاء الفصل الأول بعنوان “نجد والرحَّالون”، ركَّزت فيه المؤلفة على تقسيم مناطق الجزيرة العربية عند الرحالة إلى ثلاثة أقسام رئيسة: “الصخرية في الشمال الغربي، الصحراوية في الشمال الشرقية، والسعيدة في الجنوب. وسادت هذه التسميات في كتب الجغرافيا الغربية حتى القرن التاسع عشر الميلادي”.
وفي الفصل الثاني الذي جاء بعنوان “الأوضاع العامة للمرأة”، تركيز على الكيفية التي وردت بها الإشارات إلى المرأة و”الأمور المتصلة بها في كتب الرحَّالين الغربيين، وهي من دون شك تمثل الرأي الآخر القادم من بيئة مختلفة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً ودينياً. ومن ثم لا غرابة في أن تكون هناك بعض الآراء أو الصور التي لا تتوافق مع الحقائق التاريخية من منظورنا”.
وفي الفصل الثالث، استعرضت الدكتورة الحربي العادات والتقاليد من وجهة نظر الرحَّالة، مثل الزواج والملابس والزينة وغطاء الوجه. ورأت أن هؤلاء وصفوا كثيراً المرأة ولباسها في تنقلها خارج البيت وداخل البيت أيضاً، وتقول: “أبدى كثير من الرحَّالين رأيهم في غطاء وجه المرأة بشقيه، النقاب والحجاب، عند مقابلة الغرباء ومن هم من غير محارمها، وعند خروجها من منزلها”.
وفي الفصل الرابع، “الصورة وتعميق التصوُّر”، تحدثت عن اهتمام الرحالين بالصورة، سواء أكانت رسماً أم فوتوغرافية، لأنها كانت عماد التوثيق عندهم، فمن لم يستطع أن يحمل آلة التصوير معه قام برسم الأشخاص أو المعالم أو مظاهر الحياة المختلفة. وعرضت مجموعة من الصور المعبِّرة التي تضمنتها كتب الرحالة ومنها “صورة لعائلة بدوية كانت تخيم بالقرب من آبار الرمحية عام 1945م التقطها الرحالة والفريد ثيسيخر”.
يذكر بأن كتاب الدكتورة دلال الحربي تم ترشيحه ضمن القائمة الطويلة لجائزة الشيخ زايد للكتاب لفرع “التنمية وبناء الدولة”، لدورتها الخامسة عشرة 2020/2021م.
الأسس النفسية للإبداع الموسيقي
تأليف: د. وائل يوسف
الناشر: روابط للنشر وتقنية المعلومات، 2021م
يبحث هذا الكتاب في العلاقة بين العملية الإبداعية والجوانب النفسية للمبدع وتأثيرها في إنتاجه الفني في مجال محدَّد هو التأليف الموسيقي. وقد صدر الكتاب بمقدِّمة كتبها الراحل الدكتور شاكر عبدالحميد اعتبر فيها مضمونه رائداً في مجال الدراسات النفسية للموسيقى على مستوى الوطن العربي لأن مؤلفه حاول أن يتتبع مراحل عملية الإبداع الموسيقي لدى مؤلفين عالميين وعرب، وتابع كذلك بشكل علمي عمليات الحماس والشغف والدافعية العالية وتوهج الخيال وتدفُّق الموسيقى والبهجة المصاحبة لذلك لدى هؤلاء المؤلفين.
يتضمَّن الكتاب عدداً من المحاور المهمة، منها المعاني المتنوِّعة للتفكير الإبداعي في الموسيقى والمحددات الأساسية لعملية الإبداع نفسها خاصة ما يتعلق بشخصية المبدع والبيئة المحيطة به، والخصائص الجوهرية المميزة للتأليف الموسيقي واستراتيجياته وإدراك المؤلف الموسيقي لعمله باعتباره أول المتلقين أو المتذوقين له، والعوائق التي قد تعتريه وكيفية التغلب عليها من خلال ما سمَّاه الكاتب “المرونة التأليفية” وما يعنيه ذلك من القدرة على التحرر من الجمود العاطفي والانفتاح على مختلف الخبرات.
ينقسم الكتاب إلى أربعة فصول، يناقش أولها مفهوم الإبداع والعملية الإبداعية ومحدَّداتها وأشكال النواتج الإبداعية الموسيقية باعتبارها ظاهرة ثقافية بالأساس “ينقل بها الإنسان انفعالاته إلى الآخرين”، بطريقة أشد تأثيراً بكثير من الأحاسيس التي قد يوجدها أي منتج فني آخر، وحيث يُنظر إلى الموسيقى من المنظور النفسي بوصفها “شعوراً متجسِّداً في رموز إيقاعية يظهر في ما ينتجه العازف من ألحان وإيقاعات على آلته”.
ويناقش الكاتب في الفصل الثاني المفاهيم الخاصة بفن التأليف الموسيقي وقيوده، والنموذج الإدراكي الخاص به الذي يعني مدى استيعاب وقبول المُبدع لمنتجه الفني من ناحية وفهم وتقدير المتلقين له من ناحية أخرى وهو النموذج الذي يسمح بتطوير عملية التأليف الموسيقي نفسها من مرحلة لأخرى.
ويستعرض الكتاب في الفصل الثالث مراحل العملية الإبداعية في الموسيقى والانفعالات المصاحبة لها وعمليات التقييم والتعديل والنقد الذاتي التي ترافق كافة تلك المراحل، منذ كتابة المسودة الأولى وحتى إتمام النوتة الموسيقية ككل. ويُنهي المؤلف عمله بفصل يحمل تصوره الشخصي للعملية الإبداعية في التأليف الموسيقي بما تتضمَّنه من دوافع، وبما تكشف عنه من قدرات وجدانية خاصة للمبدع، وأفكار خلاقة تمثل نواة عمله الفني التي يستمدها بوعي من مصادر متعدِّدة، مثل الطبيعة أو أشخاص بعينهم أو أحداث محددة عبر الملاحظة والتأمل المستمر للبيئة التي تحيط بوجوده.
كتب من العالم
عصر الخشب: المادة الأكثر فائدة لنا ولبناء الحضارة
The Age of Wood: Our Most Useful Material and the Construction of Civilization by Roland Ennos
تأليف: رولاند إينوس
الناشر: Scribner, 2020
يستكشف هذا الكتاب علاقة البشر الطويلة بالخشب، ويجمع عالِم الأحياء رولاند إينوس بين الأبحاث الحديثة والمعرفة الموجودة في مجالات واسعة النطاق مثل علم الحيوانات الأولية والأنثروبولوجيا وعلم الآثار والتاريخ والهندسة المعمارية والنجارة، ليعيد تفسير التاريخ البشري، ويظهر كيف أن قدرتنا على استغلال الخصائص الفريدة للخشب قد شكَّلت أجسامنا وعقولنا ومجتمعاتنا وحياتنا.
يعود بنا المؤلف إلى عشرة ملايين سنة مضت، ويأخذنا إلى جنوب شرق آسيا وغرب إفريقيا، حيث كانت القردة تتأرجح بين الأشجار وتبني مساكن وتصنع أدوات لها؛ وإلى تصاميم المعابد الخشبية في الصين واليابان، وصناعة العجلات الأولى وطواحين الهواء وسفن الفايكنج الكبيرة والبراميل الخشبية والآلات الموسيقية وكمانات ستراديفاريوس الشهيرة، ومن ثم إلى شمال إنجلترا، حيث يتتبع علماء الآثار كيف مكّن الفحم البشر من بناء عالم صناعي متطوِّر.
يؤكد إينوس أن العلماء على مر التاريخ لم يقدّروا بشكل كافٍ تأثير الخشب على تطور البشر ومسار الحضارة، ربما لأن الخشب – على عكس المعادن والحجر – معرَّض للاهتراء مما يجعل إسهاماته أقل وضوحاً. وقد يكون هذا هو السبب الذي دفع عالِم الآثار الدانماركي كريستيان تومسن في القرن التاسع عشر إلى تصنيف “عصور الإنسان”، وفقاً لمواد مثل الحجر والبرونز مع عدم ذكر لـ “عصر الخشب” مع كل بقاياه الهشة والمتحللة بسرعة.
ولكن التقدُّم التكنولوجي في مختلف العصور كان يدور حول الخشب، إذ إن البشر الأوائل كانوا يركِّبون الرؤوس الحجرية للفؤوس والحراب على مقابض وقضبان مصنوعة من الخشب كما أن الأدوات المعدنية من العصر البرونزي قد مكَّنت من استخدامات متطوِّرة للخشب في القوارب والعجلات الخشبية، وصولاً إلى صهر الناس اعتماداً على الفحم المصنوع من الخشب.
وفي فصول الكتاب الأخيرة يتناول إينوس علاقتنا الحالية المتضاربة مع الغابات. إذ إن الغابات أصبحت اليوم تغطي %31 فقط من مساحة الأرض، بانخفاض %43 عما كانت عليه قبل 6000 عام.
المتحف، تاريخ عالمي: من كنز إلى متحف
Le musée, une histoire mondiale: Du trésor au musée by Krzysztof Pomian
تأليف: بوميان كرزيستوف
الناشر: Gallimard, 2020
يستكشف الفيلسوف والمؤرخ البولندي – الفرنسي بوميان كرزيستوف في ثلاثة مجلدات، صدر المجلد الأول منها، تاريخ المتحف ومفهومه، حيث يتناول هذا الكتاب تاريخ المتاحف من الكنوز التي تم جمعها من المدن اليونانية حتى عصر التنوير، ومن المجموعات الأثرية من الأضرحة المصرية والصينية والكنوز الملكية إلى المتاحف الحديثة. فهناك رحلة طويلة قطعها المتحف ليحدِّد شكله ووظيفته المتمثلة بالمحافظة على الأشياء الثمينة والأدلة المادية من تاريخ البشرية ودراستها وعرضها.
تأتي كلمة “متحف” من كلمة “mouseion” اليونانية القديمة التي تعني “مقر الآلهة”، وقد تم استخدامها للإشارة إلى مكان التأمل. وفي روما تم استخدام الكلمة اللاتينية “museum” أو “متحف” للأماكن التي كانت تجري فيها المناقشات الفلسفية. أما المرة الأولى التي استخدمت فيها كلمة “متحف” لوصف شيء مشابه للمتحف الحديث الذي نعرفه اليوم فكان في القرن الخامس عشر، وبالتحديد في 15 ديسمبر 1471م، عندما تم وضع مجموعة من المجسمات القديمة في مبنى الكابيتول في إيطاليا. ومن بعدها أدت النزعة التوسعية التي حوَّلت روما من دولة – مدينة إلى إمبراطورية شاسعة إلى تدفق كبير للفنون، فوجدت التماثيل واللوحات المنهوبة من كل ركن من أركان الإمبراطورية، لا سيما المنحوتات اليونانية، مكانها كزخرفة في الساحات الرومانية العامة. ومن ثم أدى عصر المستكشفين وانفتاح العالم الجديد على الأوروبيين إلى توسيع نطاق المجموعات القديمة، وقام هواة جمع الأشياء بتخزين مقتنياتهم في الخزائن والأدراج والصناديق وغيرها. ومع مرور الوقت كانت كل مجموعة جديدة تصبح أكثر اتساقاً وترتيباً من المجموعة السابقة، وكان يطلق على هذه المجموعات باللغة الإنجليزية “خزائن الفضول”. وبحلول القرن السابع عشر أصبحت “خزائن الفضول” هذه تسمى أيضاً بالمتاحف.
باختصار يروي هذا الكتاب قصة المتحف الذي وصفه بوميان في مقدِّمة الكتاب بأنه: “مكان عديم الفائدة وضروري في آن” لأن المتحف هو الهيكل التي تحفظ فيه ذاكرة البشرية.
المدن الافتراضية: أطلس واستكشاف مدن ألعاب الفيديو
Virtual Cities: An Atlas & Exploration of Video Game Cities by Konstantinos Dimopoulos
تأليف: كونستانتينوس ديموبولوس
الناشر: Countryman Press, 2020
تسمح لنا ألعاب الفيديو بتصميم وزيارة مدن خيالية، وتمكننا من استكشاف مساحات حضرية تتراوح بين تلك الفاضلة وأخرى تعكس أشد المظاهر المظلمة لمستقبلنا المحتمل. فألعاب الفيديو تمثل فضاءً غير مسبوق للتجربة في ما يتعلق بالبيئة الحضرية، ووسيلة فريدة لتجربة المدن المتخيلة والحقيقية بطرق تفاعلية لا يستطيع أي شكل فني آخر أن يقوم بها.
في هذا الكتاب، يأخذنا صانع ومصمم الألعاب كونستانتينوس ديموبولوس في رحلة للتعرف على 45 مدينة من المدن الافتراضية في ألعاب فيديو، من مدينة الساعة المقدسة في لعبة “The Legend of Zelda” الصادرة في عام 2000م، إلى مدينة صيد الحيتان في لعبة “Dishonored” الصادرة في عام 2012م، ومدينة نوفيغراد الحرة في لعبة “The Witcher 3: Wild hunt” الصادرة في عام 2015م.
وتتكشف في هذه الرحلة العناصر الأساسية في هذه المساحات التي، حسب الكاتب ديموبولوس: “توجد بشكل فريد في مكان ما بين الفن والهندسة والتخطيط الحضري والأدب وتصميم الألعاب والهندسة المعمارية”. ويكمن التحدي في تصميم هذه الأماكن غير الواقعية، التي غالباً ما تكون مستحيلة، في تصديق اللاعبين لها وقدرتهم على استشعار التوجهات الصحيحة في طرقات المدينة. ففي واحدة من هذه الألعاب، على سبيل المثال، حيث يشرع اللاعب في التسلل بطرق خفية في أنحاء المدينة، تكون خرائط اللعبة غير موثوقة؛ ولكنه بدلاً من الاعتماد عليها، يتعلَّم التنقل بسلاسة ويستطيع استكشاف المدينة من خلال معالم خفية، حيث توفِّر الظلال ملجأً مؤقتاً، وحيث يكون التحرُّك فوق السجادة رهاناً أكثر أماناً من المخاطرة بقعقعة الأرضيات الحجرية. وكانت لعبة “Thief” أول لعبة كمبيوتر تستخدم فيزياء الضوء والصوت في عالم اللعبة لدفع لاعبيها إلى تكتيكات المراوغة والتضليل (وهي نموذج رائد في ما أصبح يُعرف باسم ألعاب “الشبح”).
في كل فصل من فصول هذا الكتاب، هناك غوص عميق في تاريخ وتقاليد هذه المدن من منظور العالم المتخيل، ومن خلال الرسوم التوضيحية الأصلية لمدن ألعاب الفيديو والخرائط المفصَّلة، يمكن للقرَّاء استكشاف ألعاب قديمة تعود إلى أربعين سنة مضت، إضافة إلى الألعاب الحديثة. وعلى الهوامش، يمكننا الاطلاع على حكايات من وراء الكواليس في تصميم تلك الألعاب التي تكشف عن قصص من العالم الواقعي ألهمت هذه التصاميم المكانية الافتراضية المميزة.
الأصدقاء: فهم قوة علاقاتنا الأهم
Friends: Understanding the Power of our Most Important Relationships by Robin Dunbar
تأليف: روبن دنبار
الناشر: Little, Brown, 2020
في تسعينيات القرن الماضي وجد روبن دنبار، الأستاذ في علم النفس التطوُّري في جامعة أكسفورد، من خلال بحث أجراه، أن البشر لديهم عادة 150 صديقاً بشكل عام (وهم الأشخاص الذين يعرفوننا ولديهم تاريخ مشترك معنا)، وأنه لا يمكن وصف سوى حوالي خمسة أشخاص منهم فقط بأنهم أصدقاء حميمون.
في هذا الكتاب، يعيد دنبار النظر في هذا الرقم ويستكشفه من جديد، فيقوم بتحليل أبحاث إضافية في مجال الصداقة كانت قد أجريت في العقود الثلاثة الأخيرة، وكان بعضها خاصاً به، وبعضها الآخر من علماء الأنثروبولوجيا وعلماء الوراثة وعلماء الأعصاب الذين عمل معهم.
يتعمق دنبار في التعقيد المذهل للعالم الاجتماعي الذي نعيش فيه، ويستكشف الطرق المتعدِّدة التي تتقاطع فيها الأنواع المختلفة من الصداقات والعلاقات الأسرية، والآليات النفسية والسلوكية المعقَّدة التي تدعم الصداقات وتجعلها ممكنة، وينظر في كل جوانب عملية تكوين الأصدقاء والاحتفاظ بهم في الواقع. فالعالم الاجتماعي البشري هو، حسب دنبار “أكثر الأشياء تعقيداً في الكون؛ لأنه لا يمكن التنبؤ به كونه يتحوَّل ويتغير باستمرار، إذ يختلف الناس مع بعضهم بعضاً، ويجدون أصدقاء أفضل، ويتباعدون ويشعرون بالملل”.
في مراجعة شاملة لبعض التحليلات التي تم الاستشهاد بها في هذا الكتاب، نظر الباحثون في 70 دراسة أجريت على مدى سنوات سبع في المتوسط، وشارك فيها نحو 3.5 مليون شخص، ووجدوا أن أولئك الذين كانوا معزولين اجتماعياً، أو كانوا يعيشون بمفردهم أو، ببساطة، كانوا يشعرون بالوحدة المستمرة هم أكثر عرضة للوفاة بنسبة %30 مقارنة بغيرهم. أما الأسباب التي تكمن وراء ذلك فتتراوح بين قدرة الأصدقاء على تقديم المساعدة في وقت الأزمات، وإسهاماتهم في تحسين مزاجنا، إضافة إلى كون الصداقات تحفِّز إفراز الإندورفين والمواد الكيميائية التي تخفف التوتر في أجسامنا وتؤدي إلى زيادة في إنتاج خلايا الدم البيضاء التي تحمينا من البكتيريا والفيروسات.
أخيراً يقول دنبار إنه على الرغم من أن قدرتنا على رؤية أصدقائنا أصبحت محدودة بسبب جائحة الكورونا، إلا أنه لا داعي للقلق لأنه على الرغم من أن أوجه النشاط الافتراضية لا تقدِّم بديلاً مثالياً، ولكن لا يزال بإمكاننا استخلاص بعض فوائد الترابط الاجتماعي عن بُعد، لأن مواكبة الأصدقاء عبر الهاتف أو من خلال مكالمات الفيديو ستساعد على تعزيز علاقاتنا حتى نتمكن من قضاء أوقات ممتعة معاً بعد انتهاء الجائحة.
مقارنة بين كتابين
عندما يُكتب تاريخ البشرية بالإبرة والخيط
خيوط الحياة: تاريخ العالم من خلال عين إبرة
تأليف: كلير هانتر | الناشر: Sceptre 2019
Threads of Life: A History of the World Through the Eye of a Needle by Clare Hunter
نسيج الحضارة: كيف صنعت المنسوجات العالم
تأليف: فرجينيا بوستريل | الناشر: Basic Books 2020
The Fabric of Civilization: How Textiles Made the World by Virginia Postrel
ليس بالقلم وحده يُكتب التاريخ، بل يمكن ذلك أيضاً بالإبرة والخيط. هذا ما يقوله كتابان صدرا مؤخراً حول أهمية الحياكة والنسيج في تاريخ البشرية. ففي كتابها “خيوط الحياة” ترى كلير هانتر، الكاتبة والمتخصصة في فن النسيج، أن الحياكة أكثر من حِرفة نسائية وفن مهذب، فهي وسيلة: “لترك أثر لوجودنا على قطع القماش في غُرز نشدها ونثبتها بلمساتنا، وللتعبير عن هويتنا ومشاركة شيء من ذواتنا مع الآخرين”.
تقول هانتر إن للخياطة لغتها الخاصة، فعلى مدى قرون وعبر القارات تم استخدام هذه اللغة لتسجيل مختلف الأحداث التاريخية، كما لجأ إليها عديد من الأشخاص لإسماع أصواتهم حتى في أكثر الظروف بؤساً وصعوبة.
تنظِّم هانتر كل فصل من فصول كتابها حول موضوع معيَّن مثل “الأسر” و”الاحتجاج” و”الخسارة”، وفي كل منها، تستكشف فنون الحياكة والخياطة والتطريز في سياقيها التاريخي والمعاصر.
صحيح أن النساء كن في كثير من الأحيان الجهة الأساسية المتخصصة في أشغال الإبرة، ويرجع ذلك جزئياً إلى حقيقة أن هذه الأشغال هي نوع من “الكتابة” التي يمكن إجراؤها سراً ورمزياً، كما يمكن القيام بها في أوقات متداخلة بين أعباء رعاية الأسرة والإدارة المنزلية. ولكن لم تكن النساء وحدهن هن من وجدن “الصوت” في الإبرة والخيط. إذ كان التطريز على وجه الخصوص وسيلة يسجِّل من خلالها المهمشون والمُسكتون حقائقهم وقصصهم مشفرة بالغرز. وفي هذا الإطار، على سبيل المثال، وجد قدامى المحاربين البريطانيين من المعوقين والمصابين في الحرب العظمى، الراحة عن طريق أشغال الإبرة وذلك من خلال المجموعة الأولى في العالم المخصصة للعلاج المهني المعروفة بـ “صناعة التطريز للجنود المعوقين”.
وفي كتابها “نسيج الحضارة” تؤكد الصحافية والكاتبة فيرجينيا بوستريل كذلك أهمية المنسوجات ودورها المركزي في تاريخ البشرية، حيث أسهمت لوقت طويل في تطوُّر التكنولوجيا والتجارة والسياسة والثقافة. والكتاب عبارة عن قصة ابتكار – أو بشكل أدق سلسلة من القصص – تصف فيها بوستريل مراحل الابتكارات في صناعة المنسوجات منذ أول اكتشاف لخيوط الكتان في العصر الحجري إلى الجهود الحالية لهندسة “المنسوجات الذكية”. وتشرح بوستريل المبادئ الأساسية للغزل والنسيج والعلاقة غير المتوقعة بين النسيج والرمز الثنائي، وذلك منذ 1804م عندما نجح التاجر والنساج الفرنسي جوزيف ماري جاكار في اختراع نول ميكانيكي يعتمد على البطاقات المثقوبة القابلة للتبديل التي تحتوي على تعليمات لنسج أنماط وتصاميم مختلفة، وأحدث ثورة في كيفية نسج القماش المنقوش، وكان مفتاح نجاح اختراع جاكار مقدِّمة للحوسبة الحديثة، وألهمت تصميم أجهزة الكمبيوتر الأولى.
وفيما يتعلق بالصناعة يكفي أن نعرف أن عجلة المغزل كانت العجلة الأولى في العالم، ومن ثم أسهم تطوُّر مصانع النسيج في إطلاق الثورة الصناعية، كما تكمن أصول الكيمياء في تلوين القماش وصقله وذلك منذ أن قام المينوييون (أي الذين ينتمون إلى الحضارة المينوية التي تُعدُّ من أقدم حضارات اليونان) بصبغ الصوف. كما تظهر بوستريل كيف أسهمت التغييرات في صناعة المنسوجات في تشكيل العالم من جوانب مختلفة بما في ذلك تطوُّر تقنيات المعلومات نتيجة تجارة النسيج لمسافات طويلة منذ الخطابات الأولى الخاصة بالتجارة في آشور القديمة، وخدمة البريد المنتظمة في إيطاليا في العصور الوسطى، ومسك الدفاتر المزدوج في عصر النهضة بإيطاليا، وجذور الخدمات المصرفية الحديثة.
اترك تعليقاً