كتب عربية
عَلَى خدَّ الكوْن
تأليف: د. سمية بنت سليمان السليمان
الناشر: تَشْكِيل للنشر والتوزيع، 2020م
ضمن بحثها المستمر حول الإنسانية، قدَّمت، الرئيس التنفيذي لهيئة فنون العمارة والتصاميم في وزارة الثقافة الدكتورة سمية السليمان، كتابها الأول الذي شمل 148 مقالاً، تنقش الإنسان فيه من الداخل، إذ تقول في مقدِّمة كتابها “إنني في بحث مستمر عن الإنسانية من حولنا على هيئة مواقف، أو حتى أشخاص”، وتتحدَّث عمَّا يشغلها قائلة “لديَّ هاجسٌ مستمر يكمن في محاولةٍ لفهم الحياة”.
الدكتورة سمية مسكونة بشغف الإبداع الإنساني الذي جعلها تذهب للعمارة وابتكار التصاميم، حتى حصلت على عدد من الشهادات التي تدعم تخصصها منها “زمالة ابن خلدون” في بريطانيا من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، إذ إنها شغوفة بالعلم والإبداع، تكتب رؤيتها المعمارية من خلال رؤيتها الإنسانية، حيث تقول: “الإنسان ليس في تركيبته الفيسيولوجية، بل في أخلاقياته وتعامله، ليس فيما يظهر أحياناً، بل في جوهر يطغى على كل ما يفعل”.
وحول بيئة العمل وأماكن وجود المرأة تقول السليمان: “هناك ضغوط على الجهات المختلفة لإزالة الحواجز، والتمكين الفعلي بتساوي الفرص، ولكن بدلاً من ذلك يعترف البعض من المسؤولين الرجال بأنهم لا يعرفون كيف يطبِّقون ذلك، ويظنون أن أخذ بعض الصور الجماعية التي “تزينها” النساء تفي بالغرض”.
وفي عدد من المقالات عن مبادئ التأثير قالت الدكتورة سمية: “إن المبادئ والاستراتيجيات السلوكية هي ما نراه في حياتنا اليومية، وقد تكون لها تأثيرات فعَّالة، وهدَّامة حسب استخدامها”، مؤكدة على ضرورة معرفة آلية المواقف “واكتشافها مبكراً مهمة لمعرفة إن كنا تصرفنا بكامل وعينا، وحسب قيمنا، ورغبتنا، أم أننا وقعنا ضحية أحد المبادئ”.
وفي عدد من المقالات التي تحدثت فيها عن تجربتها في قيادة السيارة إذ أشارت في إحدى هذه المقالات إلى أنها كانت سابع امرأة تذهب للبحرين بسيارتها، وتضيف في سلسلة تلك المقالات اقتراحاً مختلفاً من نوعه إذ تطالب الدكتورة سمية بإلغاء “سريان مفعول جميع الرخص السابقة، بعد سنة من تاريخ الإعلان – تقصد إعلان قيادة المرأة للسيارة – بحيث يضطر جميع السائقين لدورات واختبارات مشدَّدة تختص بالسلوك أثناء القيادة والتقيد بالأنظمة، فليس كل من يعرف كيف تعمل السيارة صالحاً لقيادتها”.
كتاب الدكتورة سمية السلمان رغم تجاوزه أربعمائة صفحة، إلَّا أنه من النوع البسيط الذي تستطيع قراءته بين الحين والآخر، ولا يتم قراءته بشكل متواصل، فهو يحكي مسيرة الكاتبة والعديد من الإنجازات التي قدَّمتها خلال الخمس سنوات الماضية.
في الموسيقى والأدب
تأليف: نجيب المانع
الناشر: المدى، 2018م
ينتمي كتاب “في الموسيقى والأدب” للكاتب والمترجم العراقي نجيب المانع (1926-1992م)، إلى فن السيرة الذاتية حسب تصنيف ناشره. فهو لا يضم فصولاً، بل مجموعة من المقالات التي تم جمعها، وتعبّر كلها عن تأمُّلات فكرية متنوِّعة ورؤى تحليلية متعمقة في قضايا ومسائل في الأدب والإبداع الموسيقي. ولعل أهم ما يميِّز مثل هذه الكتابات أنها لا ترتبط بمنهج محدَّد في الكتابة، بل تعتمد تقنية الحكي المتدفِّق الذي يجعلها أقرب إلى كتابات البوح والفضفضة التي عادة ما تجذب القرَّاء إليها. يطرح المانع في مجموعة مقالاته عدداً من الأسئلة المرتبطة بتصوراته الفلسفية عن الموسيقى، فيسأل: هل في الإمكان تكوين “أذن عالمية”، يمكنها أن تميِّز بين أنواع متباينة من الموسيقى والأغاني بغض النظر عن سياق إنتاجها أو لغة مطربيها؟ ويجيب إنه ليس بالضرورة أن يفهم مستمع الأغاني الموسيقية العربية معنى الكلمات التي يردِّدها المطربون لأنه لا يعرف لغتهم، لأن بوسعه بالمقابل أن يفهم التيار النفسي الذي توجده هذه الموسيقى ويجمع بين هؤلاء المطربين، فهذا التيار “لغة بحد ذاته” بحسب وصفه. ويقول إنه كلما ازدادت مخاطبة الموسيقى للقاسم المشترك الأدنى بين الناس ازدادت انتشاراً. فقدرة الموسيقى على اختراق الحدود أقوى من قدرة الشعر أو النثر. وفي سياق تأكيده على قدرة الإبداع الصادق على إحداث تأثير عميق في نفوس المتلقين، مثل الإبداع الأدبي وبوجه أخص الإبداع الموسيقي الذي يمكن أن يحتل وجدان المستمعين، يقدِّم نجيب المانع في هذا الكتاب بعض الرؤى النقدية التي حاول من خلالها توضيح كيف يدَّعي البعض تأثرهم العميق بالأعمال الإبداعية ومحاولتهم الإعلان عن ثراء إحساسهم. وهو يصف من يفعل ذلك بأنه “مائع عاطفياً”.
يكتب نجيب المانع كذلك عن “صمم الألحان وعمى الألوان”، ويعلن أنه لا يدري أي الأمرين منهما أشد إيلاماً لمن أصيب به. ويعني صمم الألحان عنده عدم القدرة على التذوق الموسيقي، أما عمى الألوان فالمقصود منه العجز عن فهم الألوان والظلال وجماليات الفن التشكيلي. ويصف أيضاً حالة شعورية خاصة سمَّاها “جوع الدماغ”. فالدماغ لا يطالب المرء بملئه ولو ظل فارغاً أزماناً طويلة، كما تطلق المعدة صراخها حين تتضوَّر جوعاً ولا تسكن إلا بعد “ضخ الأكل في جوفها”. فيؤكد على أن الدماغ يزداد غنى كلما حاولنا إشباعه، ويوضح أن من لا يشعر بأنه يعاني من جوع في الدماغ فهو يعاني بالتأكيد من أخطر مرض يصيب الإنسان وهو “الرضا عن الذات” الذي يجعل تصرفات المرء كلها مجرَّدة من أي نقد ذاتي وأية مراجعة أو إحساس بنقص ينبغي تلافيه.
اللغات الأم وتحصيل المعجم
تأليف: بنعيسى يشو
الناشر: الدار المغربية العربية، 2020م
يبحث المغربي بنعيسى يشو في هذا الكتاب مسألة تعلُّم الطفل للنسق العربي الصحيح في حال نشأته في بيئة لغوية ذات طبيعة خاصة، إيماناً منه بضرورة الحفاظ على اللغة بشكل عام، والإسهام في تطوير أساليب وطرائق تعليمها وتعلُّمها استجابة للمتطلبات الراهنة واستشرافاً للتطلعات والآفاق المستقبلية، لأنها تُعدُّ جزءاً من الذات، ومكوناً من أهم مكونات الهوية. إذ لا يمكن الاستعاضة عنها بغيرها من اللغات إلا في بعض الحالات الضرورية.
ينطلق هذا البحث من عدد من الافتراضات العلمية التي طرحها العلماء بخصوص عمليتي اكتساب اللغة وتعلُّمها، ومنها افتراض أن الطفل يولد مزوَّداً بجهاز فطري يمكّنه من اكتساب اللغة. في حين يتحدَّد دور البيئة اللغوية في تحفيز هذا الجهاز الفطري فقط. وافتراض آخر يذهب إلى أن مثل هذا الجهاز الفطري يتكوَّن من مبادئ كلية مشتركة بين الناس، وبفضلها يتم اكتساب اللغة مهما كان نوعها.
ويرى المؤلِّف أن أهمية هذين الافتراضين، اللذين يعرضهما بالتفصيل ويناقشهما في فصلي الكتاب وعلى مدار 208 صفحات، تكمن في كونهما يركِّزان على فطرية الاكتساب وشمولية المبادئ التي تتضمنها تلك الفطرة، خاصة في ظل سيادة تصور آخر يعدّ البيئة اللغوية عاملاً محدداً في تفسير عملية اكتساب اللغة.
ويفترض الكاتب كذلك، عبر دراسة حالة تعلُّم العربية لدى الطفل الأمازيغي المغربي كنموذج للبحث، أن اللغة المنطوقة تكتسب أهمية بالغة في عملية التعلُّم، وأن لممارسة الكلام والنشاط اللغوي من طرف المتعلمين دوراً فعالاً في تسريع وتيرة التعلُّم. ويؤكد على أن للغة “طبيعة صوتية” ويعني ذلك أن عملية بناء اللغة تستند أساساً إلى الأصوات، وهنا تبرز قيمة العرب القدماء حيث تعامل ابن جني مع اللغة باعتبارها “أصواتاً يعبِّر بها كل قوم عن أغراضهم”.
وتأتي أهمية هذا الكتاب، كما يشير سعيد يقطين في تقديمه له، من أنه يدرس حالة الاختلاف بين نسقين لغويين وما تطرحه من مشكلات. ويرى أن البحث يتجاوز بعده المحلي ليشمل أي عملية تعلّم للغة لدى الطفل بهدف الانتقال من استعمالها اليومي والشفاهي إلى المستوى الكتابي.
وفي هذا الإطار يستعرض بنعيسى يشو بشكل تحليلي أهم النظريات التي أسهمت في إثراء حقل تدريس اللغات الأجنبية واللغة العربية بشكل خاص بعديد من المفاهيم التربوية التي من شأنها أن تساعد على فهم الاستراتيجيات المختلفة المعتمدة في مجال تعليم وتعلّـم اللغــات بشكل عام.
أدب الرحلة، جدلية الأنا والآخر في عالم متغير
تأليف: مجموعة من الباحثين
تنسيق وتقديم: د. خالد التوزاني
الناشر: كنوز المعرفة، 2020م
يؤكد د.خالد التوزاني في تقديمه لهذا الكتاب، الذي يضم مجموعة من البحوث العلمية التي تنشر لأول مرَّة عن أدب الرحلة، على أن شغف العرب واهتمامهم بأدب الرحلة لم ينطفئ حتى في أشد فترات تراجعهم وضعفهم الحضاري. فقد سافروا إلى الشمال والجنوب. كما رحل إلى بلاد العرب غيرهم من الأمم الأخرى. وهكذا كان “اكتشاف الأنا ومعرفة الآخر، من زوايا مختلفة، وبعيون بريئة أحياناً وماكرة أحياناً أخرى”.
ويشير التوزاني إلى أن الكتابة عن الرحلة تُعدُّ شهادة على العصر وموقفاً من الحياة والكون عبر وصف الأحداث والأمكنة والعادات والتفاعلات الإنسانية في المواقف المختلفة. ويرى أن الرحلة “تشكِّل بوابة للتغيير الإيجابي وتحقيق طموحات الإنسان”.
ومن خلال الإسهامات الأكاديمية التي يضمها هذا الكتاب، يرتحل القارئ إلى أمكنة وأزمنة بعيدة عنه، ويتجوَّل عبر أماكن متباعدة جغرافياً، ليتعرف على أنماط أخرى من الحياة وعلى نماذج حضارية متباينة.
ويمكن توزيع بحوث الكتاب بشكل عام، كما يوضح د. التوزاني، إلى عدة محاور حسب الظواهر والقضايا التي ضمتها نماذج من الرحلات العربية والغربية وأيضاً حسب الاهتمامات العلمية للباحثين الذين تولوا إعدادها، والتي يمكن تقسيمها إلى ثلاثة اختيارات. الاختيار الأول: دراسات في الرحلات المدوّنة (مثل رحلة ابن بطوطة ورحلة إلياس الموصلي)، والثاني: قراءات في دراسات للرحلات، والاختيار المنهجي الثالث خاص بالرحلات المعاصرة التي توضح استمرارية أدب الرحلة في عالمنا المعاصر.
وتأسيساً على هذه الاختيارات، ينقسم الكتاب الذي يضم 705 صفحات إلى سبعة فصول. فيعالج الفصل الأول أدب الرحلة من منظور التواصل العلمي والثقافي من خلال استعراضه لمجموعة من رحلات العلماء. ويناقش الفصل الثاني موضوع “الرحلة واكتشاف الأنا والآخر”، فنقرأ فيه عن أدب الرحلة الفرنسية نحو الصحراء، وصورة أوروبا وأمريكا في الرحلات التي قام بها بعض العرب إلى القارتين. وكانت “الرحلات الحجازية” موضوعاً للبحث في الفصل الثالث. ثم يُحلل الفصل الرابع العلاقة بين الرحلة والمرأة من خلال دراسة بعض النصوص النسائية في أدب الرحلة. ويتضمَّن الفصل الخامس بحثاً مهماً عن العمارة الإسلامية كما يتجلى في هذا النوع من الأدب، ويرصد كتابات الرحالة العرب عن الثقافة والمجتمع والعمران في العواصم الأوروبية. ويقدِّم الفصل السادس قراءات نقدية في خطابات الرحلة. أما الفصل السابع والأخير فتحدّد موضوعه في “الرحلة المعاصرة” من خلال جولات مختلفة على الشرق والغرب.
كتب من العالم
في مديح المتاجر: ضد الأمازونية
Éloge du magasin: Contre l’amazonisation by Vincent Chabault
تأليف: فانسان شابو
الناشر: 2020 ,GALLIMARD
يشير تعبير “نهاية الدكاكين” إلى موجة إغلاق عدد كبير من المتاجر الصغيرة في الولايات المتحدة على مدار السنوات العشر الماضية، بعدما ابتلعتها المتاجر الكبرى. أما في فرنسا، فلم تصل الأمور إلى المستوى نفسه، ولكن تطوّر التجارة الإلكترونية أخذ ينافس المبيعات “المادية”، ويسهم في الضغط على المتاجر الصغيرة في وسط المدينة، وفي بعض مراكز التسوُّق. ومع ذلك، فإن مستقبل الأسواق والمحلات التجارية ومراكز التسوُّق ومتاجر التوفير وأسواق السلع المستعملة والمكتبات ليس محتوماً.
فعلى الرغم من رقمنة التسوُّق والحسومات في الأسعار بسبب التوزيع الشامل وظهور معايير استهلاك جديدة، يبقى المتجر مكاناً مركزياً ويقدِّم تجربة تسوقية خاصة. فهو يوفِّر نوعاً من الروابط الاجتماعية الحميمة بين المتسوقين وأصحاب المتاجر، ويتولى وظائف أخرى قادرة على ضمان وجوده.
في حوالي عشرين فصلاً، يعرض هذا الكتاب نتائج المسوحات الاجتماعية والإحصاءات حول أهمية ومكانة المتاجر الصغيرة، ويناقش أهميتها من خلال تسليط الضوء على الوظائف الرمزية والفائدة الاجتماعية لهذه المتاجر. ويلفت الكاتب إلى خطورة اختفاء المتاجر وما ينجم عنه من تقلّص فرص العمل والتغير في نوعية التبادل التجاري وتلاشي علاقة الإنسان بمحيطه. ومن دون أن يهاجم هذا الكتاب التقدُّم، أو أن يتشدَّد في الدفاع عن صغار التُجَّار، يسلِّط الضوء على الأسباب التي تدفع كل فرد منا إلى تكريس ما متوسطه ساعتين ونصف الساعة في الأسبوع للقيام بالتسوُّق خارج منزله.
مكان لكل شيء: التاريخ الغريب للترتيب الأبجدي
A Place For Everything: The Curious History of Alphabetical Order by Judith Flanders
تأليف: جوديث فلاندرز
الناشر: 2020 ,Picador
نتعلّمه ونحن صغار، ومن ثم نأخذه كأمر مُسلَّم به. ومع ذلك، فإنَّ الترتيب الأبجدي يؤدِّي دوراً رئيساً في مجالات عديدة في حياتنا. فمن السجل المدرسي إلى دليل الهاتف، ومن القواميس والموسوعات إلى رفوف المكتبات، يتم ترتيب معظم الأشياء في حياتنا من الألف إلى الياء.
قبل وقت طويل من سيادة البحث على غوغل، أعطانا هذا النظام السحري للترتيب الأبجدي القدرة على البحث عبر قرون في عوالم الفكر والمعرفة والأدب، مما سمح لنا بالفرز والتسجيل والعثور على المعلومات وتحديد البيانات التي نحتاجها. وفي هذا الكتاب، تلفت المؤرِّخة جوديث فلاندرز انتباهنا إلى إهمال أهمية الأبجدية والتاريخ الطويل والمعقَّد لصعودها إلى الصدارة.
فعلى الرغم من أن ترتيب الأبجدية نفسه أصبح ثابتاً بعد وقت قصير من اختراع الحروف لأول مرَّة، إلاَّ أن قدرته على الفرز والتخزين والتنظيم كانت أقل وضوحاً. فبالنسبة لعديد من أسلافنا، لم تكن فكرة تنظيم الأشياء عن طريق الترتيب الأبجدي أمراً معتمداً. إذ كانت هناك أشكال أخرى من طرق التصنيف التي تعرِّفنا الكاتبة على بعض منها من خلال استكشاف مجموعة كبيرة من الحقائق والشخصيات والقصص غير المعروفة. فنتعرَّف معها على قصة السير روبرت كوتون الذي كان يهوى جمع المخطوطات النادرة والذي أسَّس مكتبة كوتون في إنجلترا في القرن السادس عشر، وكان ينظِّم مخطوطاته بترتيب أسماء الأباطرة الرومان. كما نتعرَّف على بائع كتب في لندن في القرن السادس عشر كان أول من بادر إلى ترتيب الكتب حسب اسم عائلة المؤلِّف أولاً. وبالإجمال، يُبرز هذا الكتاب كيفية الانتصار التدريجي للترتيب الأبجدي، منذ بداياته كأداة للفرز في مكتبة الإسكندرية الكبرى في القرن الثالث قبل الميلاد، إلى تراجعه الحالي في عصرنا الرقمي مع وجود موسوعة ويكيبيديا ومحرك البحث غوغل.
حياة المنازل
Lives of Houses by Kate Kennedy, Hermione Lee
تأليف: كيت كينيدي، هيرميني لي
الناشر: 2020 ,Princeton University Press
ماذا يمكن للمنازل أن تخبِّرنا عن الأشخاص الذين يعيشون فيها؟ هل نقوم بتشكيل المباني التي نعيش فيها أم هي التي تشكِّلنا؟ ولماذا نفتن ببيوت المبدعين والكُتَّاب والشعراء وخاصة الذين غابوا عنا؟ لماذا نزور بيوتهم ونجول حول مكتباتهم المعاد بناؤها، وطاولاتهم المرتَّبة وكأنها تحضر لعشاء وهمي؟ ما الذي نبحث عنه جميعاً؟ تقول مؤلفتا هذا الكتاب، كيت كينيدي وهيرميني لي، إن ما يدفعنا هو مزيج من الرهبة والشوق والفضول والتطفل والرغبـة في استكشاف ذواتنا.
في هذا الكتاب، تستكشف المؤلفتان مع مجموعة كبيرة من المحرِّرين والمؤرِّخين والنقَّاد والكُتَّاب هذه الأسئلة وغيرها من خلال مقالات عن منازل كبار المؤلفين والشعراء والفنانين والملحِّنين والسياسيين. وبصفتها متخصِّصة في كتابة السِّيَر الذاتية تعرف لي أن “سِيَر الحياة غالباً ما تتضمَّن سِيَر المنازل أيضاً”. إذ يمكن أن يكشف وصف المنزل، كما نجده لدى عديد من الكُتَّاب في العالم كثيراً عن حياتهم الخاصة من طفولتهم إلى علاقاتهم الأسرية في جميع مراحلها. وتقول لي: “إن طريقة العيش في المنزل تكشف كل ما نحتاج إلى معرفته عن قاطنيه، سواء أكان من اختيارهم لورق الجدران أو الفوضى التي يخلفونها في المطبخ، أو في صمتهم أو أحاديثهم الحيوية حول مآدب الطعام، أو في نيران المواقد المشتعلة”.
يتناول هذا الكتاب “حياة” أكثر من أربعين منزلاً لشخصيات سجَّلوا تاريخ منازلهم من خلال أعمالهم الخاصة، كما ينظر في تجارب المشرَّدين منهم، ومن كانوا دائمي التنقل بين منازل متعدِّدة.
ويطرح أسئلة تُثار بشكل ضمني: ما أهمية عرض بيوت الكُتَّاب والمشاهير كمتاحف؟ هل يمكن أن تكون منازل الماضي، كما يعتقد الكاتب الإنجليزي هيربرت جورج ويلز، هي الأماكن التي ولدت فيها الحضارة الحديثة وترعرعت؟ هل نتفق مع الفكرة التي تقول إن الجذور هي ذات قيمة خاصة هذه الأيام، لا سيما وأن كثيراً مما نحبه ونتعلق به أصبح مهدَّداً بالزوال؟ أيهما أفضل: التعلُّق بالجذور والذكريات التي نعيشها في المنازل، أو الرفض الشائع في المجتمع الحضري للتعلُّق بالجذور؟ باختصار، يبرز هذا الكتاب ما تعنيه لنا المنازل وكيف نستخدمها للتواصل مع الماضي، ويقدِّم نظرة جديدة للتفكير في أهميـة المنـزل في حياتنا.
من هنا إلى هناك، الفن والعلم وراء إيجاد سبيلنا وفقدانه
From Here to There: The Art and Science of Finding and Losing Our Way by Michael Bond
تأليف: مايكل بوند
الناشر: 2020 ,Belknap Press: An Imprint of Harvard University Press
كيف يمكننا السير في شوارع غير مألوفة مع حفاظنا على الحس الصحيح بالاتجاه؟ وكيف يمكننا إيجاد طرق مختصرة في أماكن لم نسافر إليها مطلقاً؟ يعود السبب إلى وجود خريطة ذهنية معقَّدة في أدمغتنا. ويُعدُّ وجود مثل هذه الخريطة ميزة مهمة في إدراكنا الذي غالباً ما نأخذه كأمر مٌسلَّم به، ولكنه لطالما كان مهماً للتطور البشري.
يروي مؤلف هذا الكتاب مايكل بوند، قصصاً عن المفقودين وأمهر البحارة، لا سيما البحارة البولينيزيين، والمستكشفين والطيارين الأوائل، ويستقصي عِلْم الملاحة بشتى جوانبه.
يقول بوند إن مهارات الملاحة متضمَنة بعمق في تكويننا البيولوجي، وإن القدرة على إيجاد طريقنا عبر مسافات طويلة في عصور ما قبل التاريخ مكّنت البشرية من استكشاف أبعد مناطق العالم. كما شكَّلت طرق الملاحة والاستكشاف المكاني الوظائف المعرفية الحيوية خارج نطاق التنقل، بما في ذلك التفكير التجريدي والخيال والذاكرة. إضافة إلى ذلك، يتطرَّق بوند إلى الأبحاث الحديثة في عِلْم الملاحة التي قام بها علماء النفس وعلماء الأعصاب والمتخصصون في علم السلوك وعلماء الأنثروبولوجيا، ويتحدث عن الأشخاص الذين يصممون العالم الذي نتنقل فيه، ونتمكّن من خلالهم استكشافه بدقة، بدءاً بمتطوعي البحث والإنقاذ ورسامي الخرائط، ووصولاً إلى مخططي المدن وغيرهم. والنتيجة هي رحلة استكشافية عالمية تعزِّز من فهم التنقل البشري في البيئات الطبيعية والمبنية.
مقارنة بين كتابين
ما بين العُزلة والوحدة
(1)
تاريخ العُزلة
تأليف: ديفيد فنسنت
الناشر: 2020 ,Polity
A History of Solitude by David Vincent
(2)
سيرة الوحدة: تاريخ شعور
تأليف: فاي باوند البيتي
الناشر: 2019 ,Oxford University Press
A Biography of Loneliness: The History of an Emotion by Fay Bound Alberti
في زمن الكورونا وكثرة الحديث عن العُزلة والشعور بالوحدة التي فرضها التباعد الاجتماعي الملزم، ثمة كتابان حديثان، يتناول الأول تاريخ العُزلة بينما يتحدث الآخر عن سيرة الوحدة.
يقول ديفيد فنسنت في كتابه “تارخ العُزلة” إنَّ العُزلة ليست كالوحدة، إذ إن الأشخاص الذين يشعرون بالوحدة يتوقون إلى التفاعل مع الآخرين، في حين يسعى من ينشد العُزلة إلى الهروب من العالم. فالنُّسَّاك والشعراء الرومانسيون والمفكرون والفلاسفة يختارون أن يكونوا بمفردهم. ولكن لا أحد يختار أن يكون متروكاً ومنسياً ووحيداً. كما أن العُزلة نادراً ما تدمِّر أحداً، في حين أن الوحدة قد تقود إلى المعاناة والموت أحياناً. ويشير فينسنت إلى أن السعي إلى العُزلة هو حاجة بشرية أساسية، والتعريف الأدق للوحدة هو أنها “عزلة فاشلة”.
يؤرِّخ فنسنت للعُزلة على مدى ثلاثة قرون، ويقول إنه بالنسبة إلى عصر التنوير في القرن الثامن عشر، كان الانعزال عن العالم انحرافاً عن الطبيعة الحقيقية للبشرية التي كانت اجتماعية في جوهرها، وأن الحديث عن العُزلة لم يبدأ إلا في العصر الرومانسي. فمع الرومانسيين كانت العُزلة واحدة من الطرق القليلة للتواصل مع الماورائيات واستكشاف ما ينقص في مجتمع مادي متزايد. كما يؤرِّخ الكاتب للأنشطة الانفرادية مثل المشي وصيد الأسماك والبستنة والتطريز وجمع الطوابع وحل الكلمات المتقاطعة والألغاز والقراءة، بحيث يقارن فنسنت بين مثل هذه الأنشطة وما تقدِّمه الحياة المعاصرة من أشكال أخرى من العُزلة، كالعُزلة التي تفرضها مشاهدة التلفزيون والانفراد مع جهاز الكمبيوتر، بالإضافة إلى هواتفنا النقَّالة التي تتميَّز بعبقرية فريدة تسمح لنا بالابتعاد عن الآخرين والتواصل معهم في آن، وبأن نكون حاضرين وغائبين في الوقت عينه، ومنعزلين عن العالم ومتواجدين فيه حسب إرادتنا.
أما بالنسبة للوحدة، فلدى فنسنت شكوك حول ما يسمى بآفة الوحدة في الحياة الحديثة، فيقول إن الوحدة بدأت كخيار حين قرَّر مزيد من الأشخاص بعد الحرب العالمية الثانية العيش بمفردهم لمجرد أنه كان يمكنهم القيام بذلك. ولكن، على النقيض من ذلك، فإن فاي باوند ألبيرتي في كتابها “سيرة الوحدة” تعالج القضية بإحساس أعمق.
وباستخدام الرسائل والمذكرات والمسالك الفلسفية والمناقشات السياسية والأدب الطبي من القرن الثامن عشر حتى الوقت الحاضر، تجادل ألبيرتي بأن الوحدة ليست ظاهرة “غير تاريخية”، أي إنها غير مرتبطة بالتاريخ، ولا حتى ظاهرة عالمية، بل هي في الواقع عاطفة حديثة. إذ قبل عام 1800م، لم تكن لغتها موجودة، وحتى حين وجدت لم تكن مرتبطة بأي أمر سلبي. فهي حالة عاطفية معقَّدة مرتبطة بالملكية الفردية، وفي هذا الإطار تشير ألبيرتي إلى أنه في القرن الحادي والعشرين لم يعد هناك سوى عدد قليل جداً من المساحات، حيث يمكن للناس أن يجتمعوا من دون دفع مقابل مادي لذلك، وهذا يرجع إلى حد كبير إلى مفاهيم النيوليبرالية المادية الحديثة.
ما يميِّز هذين الكتابين أنَّ كلّاً منهما يروي رواية عن العُزلة والوحدة تتكشَّف عبر قرون لكنهما يقومان بذلك على أساس التوثيق التفصيلي. كما أن ما تقوله هاتان الروايتان أن الحل لمشكلة الوحدة قد يكون العُزلة الناجحة، إذ إن الاستمتاع بالوحدة، أو على الأقل القدرة على تحملها، هو جزء من أن يكون الشخص راشداً. لكن إمكانية العُزلة الإيجابية قد تكون متاحة لشاعر من الطبقة المتوسطة مثلاً، ولكنها ليست كذلك لربة المنزل الفقيرة التي لديها أطفال لترعاهم، ليس أقله في المجتمع الحديث الذي أصبح مادياً حتى النخاع.
اترك تعليقاً