تأليف: أم الزين بنشيخة المسكيني
الناشر: هنداوي، 2023م
“مَن بوسعه إبداع المستقبل؟”، و “بأي معنى يمكن الخوض في تجارب جديدة عن إمكانية المستقبل في أوطاننا؟”، و “أي مستقبل نريد الانتماء إليه؟”. ثلاثة أسئلة كبيرة يتكرر فيها مفهوم المستقبل بشكل مركزي، وتسعى الشاعرة والباحثة التونسية أم الزين بنشيخة المسكيني، إلى الإجابة عنها في كتابها الذي صدر بعنوان: “الفن وسرديات المستقبل.. في السؤال عن الأمل”.
يتأسّس الطرح الذي تبنته المؤلفة على تصوّر فلسفي يرتبط بعلم الجمال، الذي تتخصص فيه، وبالفنون بوجه أعم.
وتقدّم الكاتبة تعريفها الخاص للمستقبل، فهو وفقًا لها ليس “قدرًا جاهزًا”، بل هو فقط “مسار طويل يقتضي قدرة على السرعة”، حتى في ظل وجود بعض الثقافات التي تتعثر وتنحدر بسبب بطئها في التطور، وتعتبر المستقبل “موضعًا” لتشغيل الأسئلة بوصفه سؤالًا عن الأمل. وترى أن المستقبل من منظور الحاضر هو “المكان الأكثر هشاشة”، ولا يُعد السؤال عنه ترفًا فكريًّا، بل هو إشكال خطير يولد من القلق العميق إزاء مستجدات العصر الراهن. وتشير إلى أن كتابها يختبر فرضية رئيسة تذهب إلى أن ثمة مستقبلًا بالفعل، لكنه “لا ينتظرنا في أي مكان”؛ فهو يخضع لسلطة التخيل من خلال الفنون مثل: الشعر والأدب والمسرح والسينما والفنون الرقمية، التي يمكن من خلالها “جعل الحلم بمستقبليات جديدة ممكنًا في ثقافتنا”. بهذا المعنى، تستعرض أم الزين بنشيخة المسكيني، في كتابها، أشكال المستقبل الممكنة التي أنتجها الفكر الإنساني، والتي يمكن من خلالها اختبار مدى قدرة الفلسفة والفن والعلم معًا على اختراع مستقبل جديد عبر النضال “ضد وحشية العالم الحالي”.
ويضم الكتاب قسمين، عنوان الأول منهما: “سرديات المستقبل”، ويناقش مجموعة من المفاهيم التي عالجها عدد من المفكرين والفلاسفة في مؤلفاتهم، مثل: اليوتوبيا أو مدينة السعادة المنشودة التي يتساوى فيها جميع الناس في الخيرات والحقوق والواجبات، وأطفال الثورة الرقمية الذين يعيشون ثورة معرفية استثنائية في واقع تغيَّر فيه كل شيء، و “الإنسانيون الجدد” بوصفه مفهومًا يضم في طياته أطيافًا ثقافية وفكرية متعددة، ويعبر عن مبادئ أبرزها اعتبار الإنسان قيمة في حد ذاته والاعتراف بالتعدد الثقافي.
ويبحث القسم الثاني من الكتاب في مفاهيم علم الجمال المرتبطة بقراءة الأعمال الفنية وتأويلها من أجل المساهمة في “بناء ألفة جمالية بيننا وبين العالم الذي تحوّل كل شيء فيه إلى سلعة”، وفي استكشاف حدود الفن في العصر الرقمي، الذي “لا يخضع إلى تقييمات ثقافية أو أسلوبية جمالية تقليدية، وجماليته تخرج من أفق التمييز الكلاسيكي بين الجميل والقبيح”، والذي يتطلب بالضرورة إعادة التفكير في المقاييس التي يتعين الاستناد إليها لتحديد ما هو فن، وما ليس بفن. يتناول هذا القسم، أيضًا، مستقبل المسرح الذي بمقدوره إظهار الواقع الحقيقي والجوهري للأفكار التي يعالجها بالابتعاد عن المفاهيم المألوفة للفن المسرحي، وسينما “نهاية العالم” التي تصوّر العالم في أوضاع كارثية، والتي تترك للبشر دومًا “القدرة على المقاومة من أجل البقاء على قيد الحياة”. ويشرح الدور الذي يمكن أن يؤدّيه الأدب كوجه مشرق “يرسم الأمل كلما انهار الواقع واهتزت ثقة الناس بالحياة”. فوفقًا للكاتبة، وحدَه الفن، أدبًا كان أو مسرحًا، بوسعه أن يسخر من كل تراجيديا الوضع البشري.
اترك تعليقاً