قراءة القراءة في الوطن العربي.. الاتجاهات والميول
إعداد: د.خالد أعزب
الناشر: اتحاد الناشرين العرب، 2023م
يستعرض هذا الكتاب نتائج دراسة أعدها الباحث خالد عزب ضمن إصدارات اتحاد الناشرين العرب عن واقع القراءة في الوطن العربي من حيث اتجاهات القراء وميولهم سعيًا للإجابة عن سؤال: “ماذا يريد القارئ العربي من الناشر؟”.
ويُعدّ الكتاب، حسب مقدمته، “محاولة أولية في ظل ندرة الأرقام وقلة الدراسات في هذا الاتجاه، خاصة مع صعوبة إجراء الدراسات الميدانية في هذا الشأن في العديد من الدول العربية”. وتكمن أهمية هذه الدراسة في أنها واكبت التطور الذي يشهده الواقع التكنولوجي الراهن للاتصال الذي طال عادات القراءة؛ فقد تضمنت رصدًا لاتجاهات الشباب القرائية عبر الوسائط والمنصات الرقمية إلى جانب القراءة الورقية. ويُشير الكتاب إلى أن ثمة مبالغة في تقدير المقروئية لدى المواطن العربي؛ فليس صحيحًا ما يُشاع حول ضعفها، وكذلك فاعتبار أن نسب القراءة في مختلف الدول العربية تشهد حالة من الارتفاع لا يُعدّ توصيفًا دقيقًا للواقع .لكن توجد مع ذلك بعض المؤشرات الفعلية حول تطور فعل القراءة مع اختلاف الوضع بين دولة عربية وأخرى، فثمة مشروعات رقمية عربية قوية مُحفزة للقراءة مثل المكتبة الرقمية السعودية وبنك المعرفة المصري، وكذلك هناك مؤشرات تُبرهن على أن متوسط القراءة السنوي في العالم العربي أعلى بكثير من التقارير التي كانت نتائجها مبنية على دراسات مسحية غير دقيقة.
وعلى هذا الأساس، يدعو الكتاب إلى مراجعة بعض المقولات النمطية، مثل ”العرب لا يقرؤون”، فحسب أحدث بيانات مؤشر الإنجاز الثقافي لعام 2021م “إن أو بي وورلد كلتشر سكور إندكس” NOP World Culture Score Index دخلت كل من مصر والمملكة العربية السعودية ضمن الشعوب الأكثر قراءة عالميًّا. كما تؤكد زيادة أعداد متاجر الكتب على شبكة الإنترنت وتحميلات الكتب عليها، وارتفاع نسب شراء الكتب من المعارض الدورية، أن ثمة حراكًا إيجابيًّا في واقع القراءة العربية.
وفيما يخص القراءة الرقمية، توضح الدراسة وجود فجوة بين الدول العربية في تملك أدوات المهارات الرقمية، فثمة دول، على سبيل المثال، ترتفع فيها نسبة هذه المهارات، مثل المملكة والمغرب ومصر؛ بما يجعل مشهد القراءة الرقمية مشهدًا فعليًّا يستجيب للفرص الهائلة التي يتيحها التدفق المعرفي غير المسبوق، وهي نتيجة يؤكدها ما توفره بعض المكتبات الوطنية العربية من خدمات رقمية، مثل إتاحة كتب مجانية للقراءة، وكذلك العديد من الخدمات عبر الإنترنت، مثلما تفعل مكتبة الملك فهد التي تقدم ملخصات للكتب، ومثل الخدمات التي تتيحها المكتبة الوطنية المغربية، ومشروع المكتبة الخلدونية على موقع المكتبة الوطنية التونسية والقرية الإلكترونية بأبو ظبي.
وفيما يتعلق بالمواقع الأكاديمية، أوضحت نتائج الدراسة أن موقع المكتبة الرقمية السعودية “SDL” كان أكثر المواقع الأكاديمية العربية إقبالًا من المستخدمين، حيث يقدم خدمات متكاملة للباحثين، ويضم 50,000 مجلة، و450,000 كتاب و5 ملايين رسالة علمية و169 قاعدة بيانات.
وقد استعرضت الدراسة بالتفصيل نتائج تخص اتجاهات وميول القراءة في عدد من الدول العربية، وفي هذا الصدد أوضحت جهود بعضها في تنمية القراءة لدى شعوبها، ومنها المملكة العربية السعودية التي تنشط فيها الأندية الثقافية والأدبية، وأوضحت تأثير هذه الأندية الملحوظ؛ لأنها “لعبت دورًا كبيرًا لسنوات في الحراك الثقافي والأدبي والقرائي” ،وأوجدت “عالمًا ثقافيًّا موازيًا لها”.
تاريخ علم الحرارة.. مراحل تطور مفاهيم الحرارة وتطبيقاتها وإسهامات العلماء العرب والمسلمين فيها
تأليف: سائر بصمه جي
الناشر: هنداوي، 2023م
يسعى الفيزيائي السوري سائر بصمه جي في هذا الكتاب إلى توضيح إسهامات العلماء العرب والمسلمين في تطوير علم الحرارة، وهو التوجه الذي أغفله مؤرخو التراث العلمي من المستشرقين بشكل أو بآخر، ولم يولوه العناية التي يستحقها كما تشير كلمة الناشر، التي أوضحت أيضًا أن المؤلف اعتكف نحو عشر سنوات على مخطوطات التراث العلمي العربي الخاصة بهذا الحقل العلمي المتخصص، ليخرج بالكثير من هذه الإسهامات التي كان لها دَور كبير في تطوير علم الحرارة، والتي استفادت منها الحضارة الأوروبية وتأثرت بها بشكل لافت.
ينقسم الكتاب إلى أربعة أبواب. بحث الباب الأول في مفاهيم الحرارة وآليات انتقالها وعلاقتها بالحركة، ويوضح الباب الثاني مراحل تطور علم القياس الحراري لدى اليونانيين وعند العرب والمسلمين وكذلك لدى الأوروبيين، ثم يستعرض المؤلف في الباب الثالث مصادر الحرارة الرئيسة، قبل أن يشرح في الباب الأخير طرق عمل الآلات الحرارية والعلاقة بين الحرارة والعمارة.
ويفيض الكتاب بمعلومات حاول أن يقدمها المؤلف بلغة يمكن استيعابها من قِبَل القارئ غير المتخصص، لتعكس جهدًا بحثيًّا واضحًا من أجل تحديد دقيق لمفهوم الحرارة وآليات عملها عند كافة العلماء والباحثين على اختلاف ثقافاتهم. لكن تظل قيمة هذا العمل في تأكيده تفرّد المُنجَز العربي في هذا الميدان من أجل إعادة كتابة تاريخ الفيزياء بحضور الإسهامات العلمية العربية والإسلامية لإكمال الحَلقة العربية المفقودة في تاريخ هذه العلوم، حسب كلمات سائر بصمه جي الذي أكد في مقدمة الكتاب مراعاته السياق التاريخي الذي عمل في إطاره العلماء العرب والمسلمون ليقدموا إبداعاتهم؛ لأنه لا يمكن دراسة العلم العربي معزولًا عن الإرث اليوناني الذي ارتكز عليه، أو التأثير الذي مارسه على الغرب فيما بعد.
ويطالع القارئ في خاتمة الكتاب سؤالًا مُركَّبًا طرحه المؤلف وأجاب عنه، وهو لماذا لم يأخذ العلماء الأوروبيون في العصور الوسطى والنهضة عن العلماء العرب والمسلمين طرائقهم ومعالجاتهم، سواء النظرية أو العملية في علم الحرارة؟ وما الذي جعل علمًا حيويًّا وحسَّاسًا لهذه الدرجة يتأخر حتى القرن السابع عشر الميلادي، حين عاد الاهتمام به للظهور من جديد؟ وتتعدد الإجابة بين عدة احتمالات من شأنها تفسير ذلك، منها أن ترجمة الكتب العلمية العربية قد وصلتْهم ولم يفهموها تمامًا، وبالتالي لم يعرفوا كيف يطبِّقونها، ومنها تشكيك البعض بوجود أول شخصية عربية بدأت بالعمل على تقنين كمية الحرارة وهي شخصية جابر بن حيان واعتبارها أسطورة نسجها خيال الشرق، كما نسج قصص ألف ليلة وليلة؛ لذلك فإنه لا يُعتدُّ بكل ما تقوله في كتاباتها، وكذلك رفض كل ما طرحه الكيميائيون العرب، والزعم بأن أعمالهم ليست إلا ضربًا من الخيمياء، أي من الأفكار الخرافية، مثل محاولاتهم الحصول على الذهب من القصدير والرصاص.
في البدء كانت الحيلة
تأليف: نعيمة بنعبد العالي
الناشر: المتوسط، 2023م
تقول الباحثة المغربية نعيمة بنعبد العالي في مقدمة هذا الكتاب إن أنجح طريقة تسمح بالتجول عبر متاهات الحكايات العالمية المتشعبة كما تتجلى في أنواع الفنون الأدبية المختلفة في الثقافات المتباينة هي الحيلة؛ لأنها “الخاصيَّة المشتركة بين الشعوب عبر الأزمنة والأمكنة”. من هنا قد يفهم القارئ لماذا حمل كتابها عنوان “في البدء كانت الحيلة”، فمن خلال مضمونه يتأكد أن الحيلة طريقة خاصة تعامل بها الإنسان منذ القدم مع واقعه للتكيف معه وتدبير أموره وفقًا لبيئته.
وتوضح المؤلفة، عبر أربعة أقسام رئيسة للكتاب، أن الحيلة ليست هي الغش، فما يفرق بينهما هو ما يفرق بين المطبوخ والنّيء، بين الخشن واللطيف، وبين المهذب والفظّ. وقد يكون الفرق لغويًّا وأدبيًّا، في الخطاب ومستوى التعبير والأسلوب وطريقة عرض الأمور. وتظل الحيلة أوسع مجالًا، فهي قد تمس العلاقات الإنسانية والاجتماعية جميعها وليس فقط العلاقات الاقتصادية. إنها “تخضع للتأليف والتنميق اللغوي وتدخل في خزانة الذاكرة الشعبية “ويتم توثيقها بين طيات الكتب” . والحيلة، حسبما نفهم من الكتاب، ليست هي الحكمة، رغم عدم وضوح الفرق لوجود قدر من الالتباس في معنى كل منهما، فكثير من سمات الحكمة تُميِّز بعض الشخصيات المشهورة بتحايلها، مثل بعض أبطال التراث الإغريقي، لكن تبقى الحكمة أكثر سموًّا، أما الحيلة “فلا تتكلم منطق الحق، ولكن منطق الفعالية دون احتراز العدالة دائمًا”، وحتى إذا استهدفت الحق؛ فهي تفعل ذلك بطرق ملتوية تنطوي على الخداع.
وفي سياق تعريفها لمعنى الحيلة وسلوك صاحبها ومن خلال العديد من الأمثلة لمتحايلين ورد ذكرهم في الأعمال الأدبية والسِّيَر الشعبية وفي الفلكلور العالمي، تشرح نعيمة بن عبدالعالي أن المتحايل يكشف دائمًا عن قِناعه في آخر الأمر. إنه، حسب كلماتها، يتلذذ بهذا الفضح في ابتسامة أو ضحكة استهزاء، أو افتخار، وهو يسعى دائمًا إلى إثارة الإعجاب، كما هو الشأن في المقامات والنوادر وفي بعض أنواع الروايات البوليسية.
والمُحتال له قدرات متعددة وفريدة يحاول من خلالها الوصول إلى هدفه، ويحرص حين تُوصد أمامه جميع الأبواب على أن يسلك طريقًا مختلفًا عن المسالك المتوقعة من خصمه؛ لأن “الحيلة البارعة هي التي لا يمكن التنبؤ بها”، تمامًا كما كان يفعل جحا مع أي ندٍّ له، فحيلته تنتهي قبل أن يعرف هذا الخصم أنها ابتدأت بعد. أما المخدوع فليس ثمة شك في أنه سيعرف في النهاية أنه قد “سقط في مصيدة”، وهنا تحديدًا “تكمن حلاوة الخُدعة”.
تدبُّر الكِبَر.. محاورات حول التقاعد والحب والتجاعيد والندم
تأليف: مارثا نوسباوم وسول ليفمور
ترجمة: هشام ممدوح طه
الناشر: المركز القومي للترجمة، 2023م
يبحث هذا الكتاب، كما تشير مقدمته، في مسألة تدبُّر العيش في حالة كِبَر السن بعيدًا عن مفاهيم القلق والاحتياج المصاحبة لها، وبالنظر إليها بصفتها مرحلة من الحياة، مثلها مثل الطفولة والشباب البالغين ومنتصف العمر، تتضمن ألغازها الخاصة بها التي تحتاج إلى التأمل، والتي قد تحمل أيضًا تغيرات في سلوكيات واهتمامات وتفضيلات أصحابها، وتتضمن تحديات في إمكانية التفاعل مع الآخرين بنجاح.
الكتاب من تأليف مارثا نوسباوم، أستاذة القانون والأخلاق في جامعة شيكاغو الأمريكية، وسول ليفمور، عميد كلية الحقوق في الجامعة ذاتها، وهما يوضحان أن الدافع وراء كتابته كان سلسلة من المحاورات جرت بينهما عن جزء من دورة الحياة في فترات العمر المتقدمة. وهو ينقسم إلى ثمانية فصول تناقش مجموعة من المظاهر والسمات المرتبطة بالكِبَر، مثل التجاعيد وشيخوخة الجسد والعلاقات العاطفية وفكرة التقاعد عن العمل، والصداقة والإيثار ومشاعر العيش في الماضي. ويُشجع المؤلفان من خلال مضمون عملهما، عبر منظور فلسفي، على التواصل بشأن الموضوعات التي عادة ما يُنظر إليها على أنها مُحرجة، وذلك قبل التدخل الحتمي للإعاقة أو للموت. يكتبان: يتكلم قليل من الناس بجدية عن الأسئلة الفلسفية مثل طبيعة توق المرء إلى ترك تأثير دائم. في النهاية، يعي معظم الأفراد التغيرات التي تطرأ عليهم وهم يكبرون وعيًا تامًّا، ومع هذا فإنهم لا يرتاحون للحديث عن أجسادهم. وفي هذا السياق، يتعامل الكتاب مع “الكِبَر” بوصفه فرصة، ويطرح بشأنها أسئلة معقدة ترتبط بالمَحيا أكثر من تعلقها بالممات. ويظل واقعًا مؤكدًا، كما يطالع القارئ، أن “الكِبَر” مرحلة عمرية تحمل “متعًا ومباهج فريدة إلى جانب الآلام”، ويمكن النظر إلى الأفكار التي يبسطها بمثابة دفاع منطقي عن حق من تشيخ بَشرتهم بفعل الزمن في بدء حياة جديدة من نوع خاص، حياة تبتعد عن كل المفاهيم السلبية التي تقترن بمن يتقدمون في أعمارهم، مثل الافتقار إلى الإبداع، وأن الجسد لا يمكن أن يقدم إنجازًا جديدًا غير الذي كان بالفعل قد منحه لصاحبه في الماضي، وأنها فترة خالية من البهجة بسبب الحضور الدائم للموت فيها. وهذه هي مجموعة من الاتهامات التي وردت في كتاب الخطيب الروماني “شيشرون” عن “الكِبَر”، الذي يعود إلى عام 45 قبل الميلاد، واستلهمت منه مارثا نوسباوم وسول ليفمور كتابهما، كما يشيران في مقدمته.
وهما مثل شيشرون، الذي ابتكر حوارًا يتحدث فيه شخص كبير السن هو “كاتو” البالغ 83 عامًا مع شخصين في الثلاثينيات من العمر حول سمات “الهَرَم”، يُضَمِّنان كتابهما مقالات لهما، وقد دخلا في الستينيات من العمر، يرد أحدهما في كل مقال على الآخر ويقدم نهجًا مختلفًا في النقاش حول موضوع بعينه يخص مرحلة يعتبرها الكثيرون البداية التي يخبو معها كل شيء.
اترك تعليقاً