اللبس: تاريخ الملابس
Worn: A People’s History of Clothing by Sofi Thanhauser
تأليف: صوفي ثانهوزر
الناشر:Pantheon, 2022
في هذا الكتاب تتناول صوفي ثانهوزر، أستاذة فن الكتابة في معهد برات بولاية نيويورك الأمريكية، التاريخ الاجتماعي للملابس لتروي قصة أصول ما نرتديه اليوم وما كنا نرتديه كبشر على مدار 500 عام مضت. ينقسم الكتاب إلى خمسة فصول يختص كل منها بنوع من الأقمشة وهي: الكتان والقطن والحرير والأقمشة الاصطناعية والصوف، بحيث تبدأ ثانهوزر بدراسة عميقة لهذه الأقمشة باعتبار أنه “نادرًا ما يكون هناك جزء من التجربة الإنسانية، تاريخية أو حالية، لا تمسه قصة الملابس”. وهكذا تسلط الضوء على فترات تاريخية معينة، مثل الملابس الفاخرة التي كانت تُرتدى في بلاط الملك الفرنسي لويس الرابع عشر، وتحلل التأثيرات السياسية والثقافية والبيئية لإنتاجها، كما تخبرنا كيف كانت المنسوجات تُصبغ بالأشنة والأصداف واللحاء والزعفران وحتى الخنافس، وكيف أعادت صناعة الملابس الغربية الحديثة تشكيل ملابسنا إلى أزياء موحدة ومتجانسة وشائعة وصولًا إلى العلامات التجارية للأزياء.
خلال هذا العرض التاريخي، تستكشف ثانهوزر بعض اللحظات التاريخية حين تتعارض الرغبة الإنسانية مع الثقافة المادية، ففي 1670م، كتب موليير مسرحية “البورجوازي النبيل” عن متسلق اجتماعي أراد أن يرتقي إلى طبقة النبلاء، الأمر الذي تطلب منه، من بين أمور أخرى، الحصول على بعض الأزياء الجديدة الفاخرة. وبعد قرن من الزمان، انقلب مغزى نص موليير عندما حاولت الملكة ماري أنطوانيت أن تستكشف أزياء من نوع آخر مستلهمة خطوتها هذه من فلسفة جان جاك روسو حول العودة إلى الطبيعة، فقامت بالترويج لأزياء الفلاحين في قصر فرساي مما تطلب استيراد كميات كبيرة من قماش الموسلين الأبيض، فكانت النتيجة القضاء على صناعة الحرير المحلية وطرد المئات من الحرفيين الذي يعملون في استخراج الحرير. ومن ثم تتحدث ثانهوزر عن مركزية المرأة في نشاط صناعة النسيج في العالم، لا سيما أن ذلك العمل كان متوافقًا مع مهماتها المنزلية وتربية الأطفال. ولكن المرأة كانت مهمشة في جانب التسويق، فعلى مر التاريخ حُرمت النساء من حقهن في ممارسة النشاط الاقتصادي، وعلى سبيل المثال، كانت النقابات المهنية مخصصة للذكور فقط.
ولكن هذا الكتاب يتضمن أكثر من مجرد سلسلة من الحكايات المسلية حول تاريخ الملابس، فثانهوزر تسلط الضوء أيضًا على الحالة الراهنة لصناعة الملابس، التي وصفتها بأنها “كابوس” من الإفراط في الإنتاج، والنفايات السامة، والأنهر الملوثة، وعمالة الأطفال. لكنها تنهي كتابها بنفحة من الأمل عندما توضح كيف باتت المجتمعات الصغيرة وشركات النسيج وصانعو الملابس في كل ركن من العالم يعيدون مراجعة الأساليب القديمة والأخلاقية الأكثر استدامة في صناعة الملابس.
آفاق: تاريخ عالمي للعلوم
Horizons: A Global History of Science by James Poskett
تأليف: جيمس بوسكيت
الناشر: Viking، 2022
فيما يتعلق بتاريخ العلم الحديث هناك ادعاءات غربية سائدة مفادها أن العلوم قد نشأت في أوروبا، وأنها كانت نتاجًا محضًا لعقول عظيمة مثل نيكولاس كوبرنيكوس وإسحاق نيوتن وتشارلز داروين وألبرت أينشتاين. لكن جيمس بوسكيت، الأستاذ المتخصص في تاريخ العلوم والتكنولوجيا في جامعة وارويك البريطانية، يقول إن هذا الأمر ليس صحيحًا وإن العلم لم يكن أبدًا مسعًى أوروبيًا خالصًا. ويهدف بوسكيت في هذا الكتاب إلى لفت الانتباه إلى أبطال مجهولين وأسماء مهمشة في مجال العلوم عبر خمسة قرون من التقدم العلمي، فضلًا عن إعادة التأطير أو وضع سياق جديد لرؤيتنا للعلوم متحديًا بذلك الرواية العلمية الأوروبية المركزية السائدة، ليشدد على فكرة وجود مراحل متطورة من التقدم العلمي في أماكن أخرى من العالم.
يقول بوسكيت إنه في إفريقيا، وفي مملكة بنين بالتحديد، شهدت العصور الوسطى، أي قبل ملاحظات عالم الفلك الدنماركي تايكو براهي بزمن طويل، نشاطًا لمجموعة من علماء الفلك المعروفين باسم “جمعية القمر الصاعد”، الذين كانت مهمتهم تتبع تحركات النجوم. ولم يكن هؤلاء وحدهم في ذلك المسعى بل كان علم الفلك في القارة الأفريقية منتشرًا على نطاق واسع حيث كان يُعتبر أساسًا لمختلف الأغراض الدينية والزراعية والملاحية. كما يذكر أن كوبرنيكوس اعتمد على تقنيات ونظريات رياضية مستعارة من النصوص العربية والفارسية لا سيما في رؤيته لمركزية كوكب الشمس في هذا الكون. ويؤكد المؤلف أن إسحاق نيوتن عندما وضع قوانين الحركة اعتمد على ملاحظات فلكية استمدها من علماء في آسيا وإفريقيا، وعندما كان داروين يكتب عن أصل الأنواع استعان بموسوعة صينية من القرن السادس عشر، أما آينشتاين فحين كان يدرس ميكانيكا الكم استوحى إلهامه من عالم الفيزياء الهندي ساتيندرا ناث بوس.
يتنقل بوسكيت في كتابه هذا بين المواقع الجغرافية المتباعدة، ويحاول سد الفجوات الموجودة في قصة العلم، ومن خلال ذلك استطاع أن يقدم سردًا عالميًا حقيقيًا للعلم بالإضافة إلى تفسير للكيفية التي حفزت بها الروابط الدولية التقدم العلمي عبر الزمن، ليظهر لنا كيف كان الفضول والاستكشاف الفكري، وما زال، ظاهرة عالمية.
ورق البردي: اختراع الكتب في العالم القديم
Papyrus: The Invention of Books in the Ancient World by Irene Vallejo, Translated by Charlotte Whittle
تأليف: أيرين فاليجو
ترجمة: شارلوت ويتل
الناشر: Knopf، 2022
في هذا الكتاب شرعت المؤرخة وعالمة اللغة الإسبانية إيرين فاليجو في تقديم مسح بانورامي لكيفية تشكيل الكتب، لا للعالم القديم فحسب بل لعالمنا الحديث أيضًا، ومن هنا حاولت الإجابة على الأسئلة التالية: لماذا ظهرت الكتب لأول مرة؟ ما هو التاريخ المجهول لجهود إعادة إنتاجها أو تدميرها؟ ما الذي ضاع منها على طول الطريق؟ لماذا أصبح بعضها من الكلاسيكيات؟ ما هي الكتب التي أُحرقت في حالة من الغضب وأيها نُسخت بأكبر قدر من العاطفة؟ وكم هي الكتب التي تتشابه فيما بينها؟
وتولي فاليجو اهتمامًا خاصًا للمواد التي تُصنع منها الكتب، وتطورها من أوراق البردي إلى الجلود ثم الورق كما نعرفه اليوم، كما تهتم بما يدور داخل أغلفة الكتب، وما يحدث داخل عقل القارئ عندما يأخذ كتابًا ويشرع في “رقصة تخيلية وفكرية” قد تغير حياته، وهكذا فإن هذا الكتاب بقدر ما هو عرض لتاريخ الكتب فهو يروي تاريخ القراءة أيضًا. كانت المخطوطات المنسوخة يدويًا على أوراق نبات البردي المستخرج من ضفاف النيل من كنوز العالم القديم، فعندما أراد القائد الروماني مارك أنتوني إثارة إعجاب ملكة مصر البطلمية كليوباترا في الفترة التي سبقت معركة أكتيوم في عام 31 قبل الميلاد، كان يعلم أن المجوهرات والأشياء الثمينة الأخرى لن تحظى بإعجابها، فوفد إليها حاملًا 200 ألف مخطوطة من ورق البردي للمكتبة الكبرى بالإسكندرية.
وفي هذا الكتاب تعود فاليجو مرارًا وتكرارًا إلى مكتبة الإسكندرية العظيمة التي تعدّها التطور الأهم في العالم القديم من حيث القيمة المعرفية ومن حيث إسهاماتها الحضارية. تصف فاليجو كيف شرع ملوك مصر البطالمة من أسلاف كليوباترا، خلال القرن الثالث قبل الميلاد، في تحديد المكان وشراء كل كتاب في العالم وجلبه إلى مصر، وعندما كانت محاولاتهم تبوء بالفشل كانوا يعمدون إلى سرقة تلك الكتب وضمها إلى مجموعة المكتبة. وتفصّل فاليجو أجواء مكتبة الإسكندرية، فتصفها بمكان للقاء بهيج للعقول المفعمة بالحيوية، حيث كان المهتمون بشتى أنواع المعرفة يجتمعون ليناقشوا ما كانوا يقرؤون. وأيضًا من خلال استحضار فسيفساء الأدب العظيم في العالم القديم من شعراء اليونان المتجولين إلى فلاسفة روما، ومن المزورين الانتهازيين إلى أمناء المكتبات المتعلمين، حاولت فاليجو تسليط الضوء على الأفكار القديمة حول التعليم والرقابة والسلطة والهوية التي لا تزال تتردد حتى يومنا هذا، كما عمدت إلى استكشاف مدى هوس البشرية بالكلمة المطبوعة على مر العصور وتقديرها بوصفها وسيلة ثمينة للحضارة.
مملكة الحروف: الثورة اللغوية التي جعلت الصين حديثة
Kingdom of Characters: The Language Revolution That Made China Modern by Jing Tsu
تأليف: جينغ تسو
الناشر: Riverhead Books, 2022
بعد صعود كبير أصبحت الصين اليوم إحدى أقوى دول العالم، ولكنها قبل قرن من الزمان فقط لم تكن قادرة على مجاراة التحول التكنولوجي الهائل الذي كان يدور في العالم من حولها، ويهدد بتركها متخلفة عن ركب التقدم لا سيما أن معرفة القراءة والكتابة فيها كانت محصورة بنخبة قليلة. في كتابها “مملكة الحروف”، تؤكد جينغ تسو، أستاذة لغات وآداب شرق آسيا والأدب المقارن ورئيسة مجلس دراسات شرق آسيا في جامعة ييل الأمريكية، أن التحدي الأصعب الذي واجهته الصين كان تحديًا لغويًا، ومن أجل ذلك خاضت كفاحًا دام قرنًا كاملًا لجعل اللغة الصينية في متناول العالم الحديث.
تروي تسو في هذا الكتاب قصة الذين قاموا بتكييف الكتابة الصينية مع العالم الحديث، بحيث أصبحت قصتهم هذه هي قصة تحوّل الصين نفسها إلى دولة حديثة. تحدثنا عما قام به شخص يُدعى تشو هوكون الذي جلب معه في عام 1916م آلة كاتبة من الولايات المتحدة الأمريكية، واستطاع وهو في عمر 27 عامًا صناعة نسخة صينية منها، من خلال تعديل لوحة المفاتيح الخاصة بها التي صُممت لأحرف الأبجدية الإنجليزية، إلى آلة يمكنها كتابة 4000 رمز نظرًا لأن النص الصيني يعتمد على مجموعة هائلة من الرموز، بحيث يعادل كل رمز فيه تقريبًا ما يمكن أن تعنيه كلمة إنجليزية واحدة.
وتعرفنا الكاتبة أيضًا على وانغ جاو، الإصلاحي المنفي الذي عبر الصين متنكرًا في زي راهب، وخاطر بحياته لتقديم أبجدية صينية جديدة كان يعتقد أنها ستوحد البلاد تحت لغة مشتركة واحدة وهي لغة الماندرين. كما تروي لنا قصة الكونت بيير هنري ستانيسلاس دي إسكايراك دي لوتور، المغامر الفرنسي الذي ساعد في تطوير التلغراف الصيني، وتفصل لنا كيف قام شاعر صيني مسلم بوضع الأساس لنظام الكتابة الصوتية للرئيس ماو، وكيف استطاع مهندس كمبيوتر اكتشاف كيفية تحويل اللغة الصينية إلى لغة يمكن لأجهزة الكمبيوتر قراءتها باستخدام الشفرة الثنائية للأصفار والآحاد، وكان قد كتب الرموز على فنجان شاي بقلم وجده على أرضية زنزانة السجن الذي كان مسجونًا فيه.
في كل خطوة على الطريق، كان على هؤلاء المبتكرين طرح أسئلة مثل: كيف يمكن تنظيم النص الصيني المكتوب بطريقة عقلانية؟ هل يمكن كتابة اللغة الصينية بحروف أبجدية بدلًا من الرموز التي تكونها؟ وهل يمكن لأية حروف أبجدية أخرى أن تترجم النغمات اللازمة للتمييز بين الرموز؟ تخلص تسو في النهاية إلى أن اللغة الصينية لم تمت ولكنها بدلًا من ذلك تحدت كل الصعوبات فازدهرت، وعلى حد قولها: “كل تقنية واجهت اللغة الصينية في أي وقت مضى أو تحدتها كان عليها أن تنحني أمامها“.
اترك تعليقاً