Yesterday: A New History of Nostalgia by Tobias Becker
تأليف: توبياس بيكر
الناشر: 2023م، Harvard University Press
لطالما كان للنوستالجيا أو الحنين إلى الماضي سمعة سيئة، ولطالما رفضها منتقدوها باعتبارها مجرد عاطفة أو توق خطير إلى عصر متخيل من النقاء، كما أنه عادة يُلقى اللوم عليها لأنها تبسط الماضي وتحجب جوانبه القبيحة. ولكن المفكر الألماني توبياس بيكر، قدم في هذا الكتاب وجهة نظر أكثر دقة وتعاطفًا ليظهر أن النوستالجيا أكثر تعقيدًا، وأحيانًا أكثر فائدة، مما تبدو عليه.
صِيغت كلمة النوستالجيا في القرن السابع عشر من قبل الطبيب السويسري يوهانس هوفر، لتشخيص الحنين إلى الوطن، الذي كان يعتبر مرضًا قاتلًا في ذلك الوقت. جمع هذا التعبير الجديد بين الكلمتين اليونانيتين القديمتين “نوستوس” التي استخدمت لوصف عودة ملك إيثاكا الأسطوري “أوديسيوس” إلى وطنه من معركة طروادة، وبين كلمة “ألغوس” التي تعني الألم. وبمرور الوقت، أفسح هذا المعنى الأصلي المجال لمعنى جديد للنوستالجيا وهو الحنين: إلى الماضي.
يشير توبياس إلى أن الباحثة سفيتلانا بويم، كانت قد ميزت في كتابها “مستقبل النوستالجيا” (2001م)، بين نوعين من الحنين، “الحنين التصالحي” الذي يسعى إلى إحياء الماضي، وهو المكان الذي تكمن فيه المخاطر لأنه يحثنا على عدم الاعتراف بالواقع والسعي إلى استرجاع ما يصعب استرجاعه، و “الحنين التأملي” الذي يسكن في الألم وفي الشوق والخسارة وفي عملية التذكر غير الكاملة.
يسلط بيكر الضوء على “الازدهار التاريخي”، أي الاهتمام المتزايد بالتراث، كما يظهر في الحفاظ على المباني القديمة وانتشار المتاحف وإعادة التمثيل التاريخي وعلم الأنساب، ويشير إلى فوائده النفسية وحتى الجسدية، لا سيما فيما بات معروفًا اليوم بـ “العلاج بالذكريات” لعلاج الخـرف. في التجارب التي أجرتها عالمة النفس إلين لانجر من جامعة هارفارد، أظهر المشاركون المسنون المصابون بالزهايمر تحسنًا ملحوظًا في صحتهم العقلية والفسيولوجية في البيئات التي تعيد خلق شبابهم من ناحية تحفيز الذاكرة الإيجابية للأحداث والمشاعر الماضية.
وهكذا، على الرغم من الازدراء الذي قد يعرب عنه الكثيرون تجاه النوستالجيا، إلا أننا نمارسها ثقافيًا طوال الوقت ونوظفها لفوائدها النفسية والصحية في عصرنا الحالي، فبينما تقودنا التكنولوجيا الحديثة دائمًا نحو المستقبل، إلا أننا ما زلنا نحتفظ بنظرة خاطفة ثابتة إلى الوراء.
اترك تعليقاً