مجلة ثقافية منوعة تصدر كل شهرين
يوليو - أغسطس 2023

قول في مقال

تعال هنا أيها العالم!


يوسف المحيميد

في مقال منشور في القافلة بعنوان “الدبلوماسية الثقافية ليست ترفًا، بل رهان حيوي” في (عدد القافلة مايو – يونيو 2021) تناول الكاتب البحريني عبدالقادر عقيل ماهية “القوة الناعمة” بوصفها القدرة على الحصول على ما تريد بالجذب بدلًا عن الإكراه أو الدفع، حسب جوزيف ناي، وتاريخها وتحوُّلاتها المهمة في أوروبا، خاصة في الشأن الثقافي، الأمر الذي جعلني أتأمل تأثير “القوة الناعمة” بشكل عام، سواء في الثقافة أو الفنون، أو حتى الرياضة في كافة ألعابها، التي بدأت تظهر بشكل واضح خلال السنوات الأخيرة في السعودية، وتملك تأثيرًا عالميًّا لافتًا، لمسته بنفسي من تجارب شخصية مررت بها في الأسابيع الماضية.

فخلال إجازتي الصيفية هذا العام، دخلت محلًا صغيرًا وسط روما القديمة، وبعد أن اخترت قميصًا قطنيًّا، سألني الشاب الإيطالي، من أين؟ أجبته من السعودية، فصاح بدهشة: واو. ابتسمت دون أن أستغرب دهشته حين نطقت باسم السعودية، لأنني قبلها بأيام، وفي أحد المطاعم في منطقة دومو وسط ميلانو، أدهشني النادل الإيطالي الظريف، الذي صاح حين علم أننا من السعودية قائلًا: أنا نصراوي، وبدأ يعدُّ لاعبي النصر: رونالدو، تاليسكا، بروزوفيتش.. فسألته وماذا عن الدوري الإيطالي؟ قال بسخرية: لن يبقى في إيطاليا سوى النُدل أو الجرسونات!

سمعة الدوري السعودي تطير بعد هذا “الميركاتو” الصيفي إلى مدن العالم وبلداته، مع نجوم كبار من الدوريات الأوروبية الشهيرة، كريم بنزيمه من الدوري الإسباني، ساديو ماني من الدوري الألماني، بروزوفيتش من الدوري الإيطالي، وقبلهم كريستيانو رونالدو الذي جاء من الدوري الإنجليزي والإيطالي والإسباني. هذا يعني أن أنديتنا تنافس برشلونة ومانشستر سيتي وبايرن ميونخ وإنتر ميلان، على حسم الصفقات في سوق الانتقالات، ليتردَّد اسم السعودية في مختلف وسائل الإعلام الأجنبية. فأي قوة ناعمة تضاهي هذه القوة التي جعلت اسم الدوري السعودي، وبالتالي المملكة العربية السعودية، اسمًا لامعًا وجاذبًا لرؤوس الأموال، فضلًا عن الأثر الفني والأدائي الذي ستعكسه هذه الأسماء على اللاعب المحلي، وبالتالي على تطوُّر منتخبنا الوطني واستحقاقاته المقبلة.

ولم يكن الاستثمار الرياضي مقتصرًا على استقطاب نجوم كرة القدم، وإنما شمل استضافة المملكة لبعض الأحداث الرياضية المهمة، والمتابعة من قِبَل الملايين، فكان لها دور مبكِّر في لفت الأنظار، مثل رالي داكار، والسوبر الإسباني، وعرض المصارعة الحرة، والملاكمة للوزن الثقيل، وغيرها من الفعاليات اللافتة، التي كان لها بالتأكيد دور كبير في ازدهار القوة الناعمة للمملكة. كل ذلك لم يكن ليتحقق لولا القوة الاقتصادية التي تمتلكها المملكة، وجعلتها عضوًا مهمًا في مجموعة الدول العشرين الأقوى اقتصادًا في العالم.

ولكن، ماذا لو توسَّع هذا الاستثمار إلى مستويات أخرى، وفي قطاعات جديدة كالثقافة والفنون بأشكالها المختلفة، لو أنجزنا متحفًا عظيمًا للفنون الحديثة والمعاصرة على غرار المتاحف العريقة، واستطعنا اقتناء أعمال فنية لأبرز الفنانين العالميين، من تشكيليين ونحَّاتين، وتحوَّلت متاحفنا منارةً فنيَّةً يقصدها الأجانب في قطاع السياحة؟

ماذا لو جذبنا شركات أجنبية متطوِّرة في مجال الإنتاج الفني والسينمائي، وأصبحت مناطقنا السياحية المميزة في العلا وتبوك والأحساء وغيرها موقعًا مفضَّلًا لتصوير الأفلام السينمائية العالمية؟

ماذا لو شجَّعنا الجميع على تصدير مواهبنا وأعمالنا إلى العالم؟ وأصبح أكثر من لاعب سعودي يمثلنا في الدوريات الأوروبية؟ ويقدِّم شخصية الشاب السعودي الجاد والملتزم والشغوف بمهنته؟

ماذا لو دعمنا أبرز الفنانين السعوديين وأصبحت أعمالهم مطلوبة في المتاحف والمزادات العالمية؟

ماذا لو أصبح المطبخ السعودي، بوجباته المحلية المعروفة، حاضرًا في العواصم العالمية؟ أليست كل هذه المخرجات هي ما يدعم القوة الناعمة في العالم؟ ألم يشارك لاعبو اليابان وكوريا الجنوبية في الدوريات الأوروبية، وكذلك حضر المطبخ الصيني والياباني في معظم دول العالم؟ أكاد أجزم بأننا نملك القدرة والإمكانات لنحقِّق ما هو أكثر من ذلك. لدينا رؤوس الأموال، وقبلها لدينا رأس المال البشري، ممثلًا في القدرات والطاقات الشابة المذهلة، ولدينا قيادة داعمة ومدركة لأهمية كل ذلك في تعزيز قيمة وأثر الشخصية السعودية في العالم. وما تحقق في “الميركاتو” الصيفي لهذا العام من تعاقدات مذهلة لأبرز نجوم كرة القدم العالمية ما هو إلا خطوة أولى وراسخة في طريق طويل سنصل في نهايته إلى قفزات كبيرة في مكانتنا العالمية.


مقالات ذات صلة

الثقافة تعارفٌ وتثاقف، وحوار وتواصل وتآلف؛ إنها نوافذ مشرعة وأبواب مفتوحة، وطرق تُمهّد وجسور تُبنى. بتلك النية بدأت القافلة..

عبدالله الحواس، رئيس مكتبة إثراء، يكتب عن أهمية القراءة والكتب في حياتنا، ودور مسابقة “أقرأ” في التشجيع على جعل القراءة أسلوبًا للحياة.

كما تقول هيلين كيلر، نحن نسافر لنشعر بأننا أحياء، ونكتشف أنفسنا في المجهول، بينما يعلمنا السفر التواضع ويُثري تجاربنا الإنسانية..


0 تعليقات على “تعال هنا أيها العالم!”


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *