حجرًا حجرًا أتهدّمُ
حبّةَ رملٍ تعانقُ حبّةَ رملٍ
إلى جدثي أتقدّمُ
لم أكترثْ
برسائلَ ما فتئ الموتُ يُودِعُها
جسدي
لم أُعِرْ لارتجافِ يدي
دونما سببٍ واضحٍ
حين أبسطها فوق طاولتي في
الصباحِ انتباها
لم يرعني البياضُ الذي
كادَ يدحرُ جيشَ السوادْ
ولم أكترثْ للخطوطِ التي
لم تزل في ازديادْ
تحت عينيَّ
عند زوايا فمي
في جبيني
لم أكن واعيًا بالذي يتساقطُ
عن شجري من سنيني
مشبهًا ما يلي النارَ إثرَ انطفاءِ
توقّدها من رمادْ
آخذًا بيدي نحو ما لستُ أعرفُهُ
من بلادٍ غريبةْ
يستوي الحيُّ (أعني الذي كان حيًّا) بأرجائها والجمادْ
كنتُ أوقنُ (رغمَ التجاهلِ غيرِ البعيدِ عن الجهلِ)
أن النهايةَ مني قريبةْ (أم تُراني أنا صرتُ منها قريبا؟)
لم أكن عابئًا بالإشاراتِ
يرسلها جسدي المتخاذلُ
عضوًا فعضوًا
فوق مضمارِ آلامِهِ
كنتُ أُعرضُ عن صوتِ أسقامِهِ
وهي تصعدُ من قعرِ بئري
(ليس بالماءِ بل ضدّهِ)
لتحيلَ الذي كان أخضرَ
من كلِّ عضوٍ بأعضاءِ جسمي
جديبا
مثل بحرٍ تبرّأَ من مدّهِ
مثل سهمٍ توجّه نحو الفريسةِ
يعجزُ من أطلقَ السهمَ عن ردّهِ
كنتُ أبصرُ وجهًا غريبا
إذا وقعتْ مقلتايَ على صورتي
في المرايا
كأنَّ يدًا ما ضبابيةً قذفتْ حجرًا
في بحيرةِ وجهي وعكّر فيها
المياها
كنتُ أصعدُ أنفاسَ صدري
نفسًا نفسًا
لحظةً لحظةً
لتحدّقَ في مقلتيّ المنايا
وتدنو رويدًا رويدًا إلى أن أراها
وتمتدَّ نحو يديها يدايا
حينها سوف يعلنُ فصلُ الختامِ
نهايتَهُ
لأودّعَ هذي الحياةَ وآلامها للأبدْ
حينها سوف أخلعُ ثوبَ الجسدْ
فوق هذا الترابِ الذي جاءَ منه
وأصعدُ فيمن صعدْ
حينها سوف تأخذُ روحي بعيدًا
بعيدًا لما لستُ أدري
ليودعَ ما قد تبقّى من الجسدِ
المتهدمِ في حفرةٍ
لا بصيصَ من النورِ يدخلها
كي ترى ما يدورُ بها مقلتايا
ولا صوتَ يُسمعُ
لا نأمةٌ لا أنينٌ
ولا وجعٌ لا حنينٌ
ولا صرخةٌ للألمْ
(وكيف سيصرخُ، إن أنتَ فكّرتَ في الأمر، من كان من دون فمْ!)
حينها سوف أصبحُ ذرّةَ رملٍ بكفِّ العدمْ
حيث لا أثرٌ من ملامح وجهي يدلُّ عليّ
ولا خيطُ دمْ
قائلًا دون قولٍ
لأنيَ من دون صوتٍ ومن دون ثغرِ:
يا لخيط الحياةِ القصيرِ الذي امتدَّ
من فوق هاويةٍ طرفاها اللصيقانِ مهدي وقبري!
وأنا لم أكن غَيْرَ قصرِ الرمالِ الذي
مرَّ من فوقه الموجُ في لحظةٍ
ف
ا
ن
ه
د
م
اترك تعليقاً