تأليف: ستيفن بنكر
ترجمة: بندر الحربي
الناشر: صفحة سبعة، 2024م
وصفت صحيفة نيويورك تايمز هذا الكتاب، الذي صدرت ترجمته إلى العربية حديثًا، بأنه “مُهم جدًا وواضح وبارع، ويفيض بالمعلومات”، وعَدَّه رجل الأعمال المؤسس المشارك لمايكروسوفت بيل جيتس، من “أكثر الكتب إلهامًا مما قرأه كافةً”. وقد حظي هذا العمل، الذي ألَّفه اختصاصيُّ عِلم النفس الإدراكي وعِلم نفس اللُّغويات ستيفن بنكر، منذ نشره، بإشادات كثير من النقاد؛ ربَّما لأنه يذهب بمضمونه في اتجاه يبدو مغايرًا تمامًا لتصوُّر متشائم سائد يؤكد أن طبيعتنا البشرية عنيفة، ويدفع بأطروحة جديدة بهذا الشأن تُبرهن على أن العنف يتناقص في المجتمعات الإنسانية، وأن الخير ما زال حاضرًا في وجودنا البشري، وأن ثمة أملًا في مستقبل ليس قاتمًا كما يبدو الأمر من تأمُّل مجريات الأحداث التي يعيشها عالُمنا المعاصر.
يعترف مؤلف الكتاب، كما يكتب في مقدمته، بأنه يعلم أن أكثر الناس لا يصدقون أن العنف قد تناقص على مدى فترات طويلة من الزمن. وعلى الرغم من ذلك، فهو يؤكد من خلال البحث التاريخي المستفيض في تلك الظاهرة “أننا نعيش في العصر الأكثر سلامًا في تاريخ جنسنا البشري”، وأن العنف قد انحسر فعليًا خلال مراحل التاريخ، وأن الحياة تتحسن، وأن بها أشياء جميلة، مع كل ما تنقله الشاشات الموجودة في منازلنا من مشاهد قتل.
وقد سعى بنكر إلى إثبات هذه الفكرة المركزية لكتابه عبر عشرة فصول رصدت ستة منها ما سمَّاه “قصة التحوُّلات التي شكَّلت تراجعًا لأنواع عنف البشر”، وشملت، وفقًا لما يرى، ستة اتجاهات. يمثِّل الاتجاه الأول التحوُّل من فوضى مجتمعات الصيد والالتقاط والبستنة إلى الحضارات الزراعية الأولى منذ خمسة آلاف سنة تقريبًا، التي تناقصت فيها حالات التناحر والإغارة المتأصلة التي ميزت هذه الحياة، إلى وضع مستقر انخفض فيه معدل القتلى على إثر العنف عن خمسة أضعاف مما كان في الفترة السابقة عليها. وامتد التحوُّل الثاني إلى أكثر من خمس مائة عام، ووثق بطريقة أفضل في أوروبا التي شهدت انخفاضًا في معدل القتل بمقدار عشرة أضعاف إلى خمسة عشر ضعفًا. أمَّا الاتجاه الثالث، فخاصٌّ بالتحوُّل الذي بدأ مع عصر العقل والتنوير الأوروبي في القرنين السابع عشر والثامن عشر، وقد شهدت هذه المرحلة أولى الحركات المنظمة لإلغاء العنف بأشكاله المقبولة اجتماعيًا، مثل الاستبداد والاستعباد والوحشية ضد الحيوانات. ويُعبِّر الاتجاه الرابع عن تَحوُّل حدث بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، حين توقفت القوى العظمى، بوجه عام، عن شن الحروب الكبرى.
ويتعلَّق الاتجاه الخامس بتحوُّل خاص أيضًا بالقتال المسلح، وهو تطوُّر في اتجاه تناقُص العنف، وفيه انخفضت جميع أنواع الصراعات المنظمة. وثمة اتجاه سادس لتحوُّل أخير نحو الابتعاد عن العنف يرتبط بالحقبة التي شهدت شجبًا متزايدًا للعدوان على مستويات أصغر من الحروب، مثل العنف ضد الأقليات العرقية والنساء والأطفال.
ويُحدِّد المؤلف في الفصل العاشر من الكتاب القوى التاريخية التي تُفضِّل “دوافعنا المسالِمة”، التي أدت إلى تناقُص العنف، ومنها الدور الإيجابي الذي يُمكن أن تمارسه الدولة والقضاء معًا في هذا الخصوص. وكذلك الأدوار الفاعلة لـ “قوى الفكر العالمي”، مثل: الثقافة، ووسائل الإعلام الجماهيرية، والتطبيق المكثف للمعرفة، والتفكير العقلاني في الشؤون الإنسانية، الذي من شأنه أن يجبر الناس على إدراك عدم جدوى العنف، وإعادة تأطيره، بوصفه “مشكلة حريّ بها أنْ تُحلّ عوضًا عن اللجوء إليه”.
اترك تعليقاً