السعودية المتغيّرة.. الفن والثقافة والمجتمع في المملكة
تأليف: د. شون فولي
ترجمة: د. نهى عبدالله العويضي
الناشر: دار أدب للنشر والتوزيع، 2022م
يسجّل الكتاب كما يشير غلافه الأخير حِجاجًا علميًّا قويًّا أمام كثير من الأطروحات الغربية التي تنظر إلى المملكة وتغيّراتها نظرة مختزلة ضمن أقوال جامدة تفتقر إلى المعرفة التامة بطبيعة هذا المجتمع والعلاقات التي تحكم حركته الاجتماعية، كما يرصد في هذا السياق “بزوغ خطاب فني وثقافي بوصفه قوة وطنية مع تسليط الضوء على الدور الذي قام به الفنانون في تحوُّلات المملكة خلال العقدين الأوّلين من القرن الحادي والعشرين”.
الكتاب من تأليف الأكاديمي الأمريكي د. شون فولي، أستاذ التاريخ بجامعة ولاية تينيسي الوسطى، وتأتي أهمية الأفكار الواردة فيه من تخصص كاتبه في تاريخ الشرق الأوسط ودول الخليج، ومعايشته بنفسه واقع التحوُّلات في المملكة العربية السعودية، وهي موضوع كتابه الذي صدرت نسخته الإنجليزية عام 2019م ونُشرت حديثًا ترجمته إلى العربية بتوقيع د. نهى عبدالله العويضي، رئيسة قسم اللغة الإنجليزية والترجمة بالجامعة السعودية الإلكترونية.
يتكون الكتاب من خمسة أقسام ترصد آليات التغيير في المملكة وتطور حركة الفنون البصرية الحديثـة وفن الكوميـديا فيها، وحلَّلت العلاقة بين الشركات الإعلامية وصناعة الأفلام، واستشرفت المستقبل في ضوء معطيات وتطورات واقع المملكة في الفترة الراهنة.
وقد خصّ المؤلف قُرّاء العربية بمقدمة جديدة لكتابه أكد فيها أن إطار التغيير في المملكة يستند إلى رؤية السعودية 2030 وخطة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان التي تسعى إلى الترويج للصناعات غير القائمة على الطاقة، مثل الإعلان والترفيه والخدمات اللوجستية والسياحة، وتسعى كذلك إلى “الاستفادة من شغف السعوديين بتحقيق سيرة ذاتية ضمن مجموعة متنوعة ومدهشة من أنواع الفنون مثل الأفلام والموسيقى والأوبرا والأدب والشعر والتلفزيون وعروض الكوميديا الارتجالية”. وأشار المؤلف إلى أن تلك الرؤية أفادت منذ طرحها عديدًا من الشباب الفنانين، وأوضح كذلك جوانب الدعم الذي توفره وزارة الثقافة بالمملكة لمختلف قطاعات الفن السعودي، إلى جانب مبادرات أخرى تقدمها مجموعة من المؤسسات لمساعدة المجتمع الإبداعي، مثل مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي “إثراء”، ومؤسسة “فن جميل” التي تقدِّم مِنَحًا للمبدعين، وأشرفت على إنشاء حي ملتقى الإبداع بجدة.
ويتطرّق فولي من خلال رصده التفصيلي على مدار كتابه إلى جوانب الازدهار الفني بالمملكة، مستشهدًا بأعمال فنية مميزة، ومستعرضًا مضمون عديد من اللقاءات التي كان قد أجراها مع نماذج من مبدعي المملكة، مؤكدًا أن الوضع الحالي للفنانين السعوديين يتناقض مع ما افترضته كتابات أخرى لم تُقدِّر قيمة النهضة الفنية التي تحــققت على أرض الواقع ولم تلتفت
إليها، ولم يبذل أصحابها جهدًا في التفكير بشأنها ولا في إعمال نظرهم بخصوص مساهمات الفنانين في “سعودية متغيِّرة” من الذين يأتون في “طليعة التغيير الاجتماعي؛ بوصفهم مرآة المجتمع ورواد الثقافة، فيقدمون طرقًا مبتكرة لمعالجة التناقض والتنافر والتنوع”.
العربية وفلسفة الجمال.. قراءة جمالية في لسان العرب
تأليف: سعد الدين كليب
الناشر: مركز أبوظبي للغة العربية، 2022م
يطرح الباحث السوري سعد الدين كليب في كتابه مجموعة من الأسئلة منها: هل يمكن البحث عن فلسفة للجمال في اللغة التي هي مجرد ألفاظ أو علامات؟ وهل تنتظم اللغة أصلًا وفق فلسفة محددة حتى يمكن البحث في موادها المعجمية عن منظومة من المعاني الثقافية المحددة؟ وعلى افتراض أن في اللغة بعض الملامح الجمالية الواضحة، فهل يجوز تعميمها والارتفاع بها إلى مستوى الفلسفة الاجتماعية الجمالية المتكاملة؟ وكيف تكون طبيعة تلك الفلسفة اللغوية الجمالية إن وُجِدت؟ وما علاقتها بحياة البشر الناطقين بها؟
ويسعى المؤلف للإجابة عن أسئلته البحثية من خلال دراسة دقيقة في معجم “لسان العرب”، أحد أبرز المعاجم العربية، الذي ألَّفه ابن منظور الأنصاري المُتوفَّى عام 711هـ، ويتوزع البحث في الكتاب على قسمين.
جاء القسم الأول بعنوان “قراءة جمالية في لسان العرب”، واشتمل على أربعة فصول قدم أولها تنظيرًا لمفاهيم اللغة والوعي والثقافة، واستعرض الفصل الثاني فلسفة الجمال وأسسها العامة في اللغة العربية، موضحًا أنها تعني مجمل المفاهيم والمصطلحات الدالة على الأنشطة والتجارب والمشاعر والأشياء والأشكال المرتبطة بالانفعال والذوق والمعبّرة عن الواقع والطبيعة والفن، وهي تتعامل مع الإنسان باعتباره “كائنًا جماليًّا” ينتج ألفاظه وفق تصوراته الذهنية الجمالية، فالوعي الجمالي “محكوم باللغة، شأنه شأن سواه من أشكال الوعي الأخرى؛ فهو لا يتحدد ولا يتبلور خارج اللغة، بل إنه وعي باللغة وعبرها”.
وناقش الفصل الثالث مجموعة من المفاهيم اللغوية الفنية والجمالية، مثل القبح والجمال والجلال والهزل وجمالية الألوان والمشاعر، وتضمّن الفصل الرابع قراءة في دلالة مجموعة من الألفاظ الجمالية المختارة اشتملت على 25 مادة معجمية، منها الأبهة والأنس والأناقة والبساطة والبشاعة والتفاهة والظرف والطلاقة والعجب والرشاقة والفكاهة.
أما القسم الثاني من الكتاب وعنوانه “معجم الألفاظ الجمالية في لسان العرب”، وكما يوضح مؤلفه، فقد اشتمل على ما يقرب من 800 مادة معجمية مقتطفة من اللسان ومحكومة بالدلالة الجمالية المعبّرة عن الوعي الاجتماعي والمتبدية في الثقافة بشكل عام، وغير معنيّة بسواها من الدلالات.
ويشير سعد الدين كليب، عبر قراءته الجمالية في معجم لسان العرب، الذي يُعَدّ حسب كلماته “أكثر المعاجم دقة وإحاطة واستيعابًا للعربية”، إلى أن المواد الجمالية الداخلة في نسيج اللغة العربية المعاصرة لا تؤكد التواصل اللغوي عبر تاريخ العربية وحسب، بل تؤكد أيضًا الامتداد الثقافي الجمالي في وعي الأمة، ولا سيما أن الكثير منها له حضوره الملموس في اللهجات العربية المعاصرة.
صور الوجود.. في السينما والفلسفة
تأليف: محمد نور الدين أفاية
الناشر: المركز الثقافي للكتاب، 2022م
يتابع الباحث المغربي محمد نور الدين أفاية في هذا الكتاب تأصيله للظاهرة السينمائية، التي أفرد لها من قبل عددًا من مؤلفاته، شملت “الخطاب السينمائي بين الكتابة والتأويل” و”معرفة الصورة” و”الصورة والمعنى”، لكنه يذهب هذه المرة خطوة أبعد بتحليله للعلاقة بين السينما، باعتبارها حقلًا إبداعيًّا متفردًا، ومجموعة من القضايا الوجودية المرتبطة بحياة البشر.
يستعرض الكتاب تصورات فلاسفة معاصرين عن دور الأفلام في طرح وصياغة مجموعة من الأسئلة التي تتناول ما يندرج ضمن ما أسماه المؤلف “جوهر الأشياء وتموُّجات الوضعيّات الإنسانية”، ويناقش أفكار السينمائيين بشأن مساءلة الإنسان “في سكينته وتوتره، في وحدته وانفصامه، في قلقه وفرحه، وفي حبه وانفصاله”، ومدى نجاحهم في “إنتاج آثار واسعة في الوعي والوجدان”.
ويتمحور الكتاب حول فكرة مركزية هي أن السينمائي يفكر في الموضوعات نفسها التي ينشغل بها الفيلسوف، لكن بالاعتماد على وسائط مختلفة تأتي على رأسها الصورة السينمائية؛ فالفلاسفة، كما يوضح الكاتب، يتفاعلون مع السينما بطرقهم الخاصة، فهي التي تجذبهم بما تمتلكه من إغراء، فيتحدثون عن الأفلام التي يراها الآخرون، ويجدون فيها ما يستنفر تفكيرهم ويحرك تأويلهم باحثين فيها عن دلالات بعينها.
ويشير محمد نور الدين أفاية في مقدمته للكتاب إلى أن عمله لا يدَّعي تقديم تأويلات فلسفية للأفلام، ولا يعرض ما قدمته السينما من حكايات وصور سمحت للفلسفة بالتجدُّد، إنما يعمل على صياغة أسباب وأعماق ومستويات الانشغال الفلسفي بالسينما، انطلاقًا من أسئلة من قبيل: هل يمكن الحديث عن فكر فلسفي يتخذ من السينما موضوعًا له؟ وإلى أي حد يجوز القبول بقدرة السينما على التفلسف؟ وكيف انتقل الفن السينمائي منذ اختراعه في أواخر القرن التاسع عشر من مجال للترفيه فحسب إلى أن يكون موضعًا جديًّا للتفكير والتأمل؟ وما أوجه اللقاء بين السينما بوصفها صناعة وفنًّا، وبين الفلسفة كميدان للمعرفة وإنتاج المفاهيم؟
ويتضمن الكتاب، في سعيه إلى الإجابة عن هذه الأسئلة، 11 فصلًا توزّعت على خمسة أقسام رئيسة شكَّلت في مجموعها ما يمكن عدُّه تصورًا متكاملًا للأفكار الفلسفية السينمائية عند أبرز ممثلي المدرسة الفرنسية، مثل إدجار موران وجيل دولوز وآلان باديو، وكذلك عند ستانلي كافيل كنموذج للفكر الفلسفي الأمريكي، ومن خلالهم يتعرف القارئ على قدرة السينما على الكشف عن النوازع الإنسانية المتباينة، وكيف تعبر عن الروح البشرية، وكيف تعالج أسئلة الحب والموت والحقيقة، ومعنى الوهم السينمائي وأنواع الصور البصرية ودلالتها، وعلاقة السينما بالزمان والمكان، وبالحضور والغياب.
الحمض النووي الريبي منقوص الأكسجين، تاريخ اختلافاتنا
ترجمة: محمد أحمد طجو
الناشر: مؤمنون بلا حدود للدراسات والنشر، 2022م
“جمال البشرية وقوتها في تنوعها”؛ جُملة مُقتبسة اختار برنار سابلونيير، عالم البيولوجيا المحاضر في جامعة ليل الفرنسية، أن يفتتح بها أحدث مؤلفاته الذي تُرجم إلى العربية؛ ليؤكد من خلالها توجهه البحثي في هذه الدراسة العلمية الرصينة، التي تتمحور حول فكرة أساس مفادها أن الأصل في حياة البشر هو التنوع والاختلاف.
ويؤكد المؤلف أن مصدر اختلافاتنا الذي يدل على التنوع البشري هو الحمض النووي الريبي منقوص الأكسجين (DNA)، فهو كما يقول “مخزون هائل للحظوظ أو للمصائب الجينية”، والمسؤول عن الطفرات والتغيرات والخصائص التي تميز بعضنا عن البعض الآخر، من لون العينين والبشرة وكثافة الشعر، والطول والبدانة، وحجم شحمة الأذنين والمنخرين وشكل الذقن، بل حتى عاداتنا الغذائية؛ لماذا على سبيل المثال يفضل البعض مذاق القهوة على مذاق الشاي؟ وهل نهضم الحليب دون أن نُصاب بانتفاخ البطن؟ وماذا عن إيقاع حياتنا وتكيُّفنا مع المناخ: هل نتأثر سريعًا بالبرد؟ ولماذا ينام البعض متأخرًا ويستيقظ آخرون مبكرًا رغم كل شيء؟
وهكذا يتطرق المؤلف لخصائص جينية تتعلق بالقدرة على التعامل مع الألم ودرجات الإحساس به ومقاومة الشدائد والصعاب، وجينات ترتبط بقابلية التأثر بأمراض بعينها مثل الحساسية وارتفاع ضغط الدم، وحتى الجينات التي تؤثر في العقل وفي فعاليَّة الدماغ، مثل بعض الجينات التي تتوفر فقط عند الموهوبين، ومنها تلك التي تشارك في وظيفتي السمع والحفظ، حيث يمتلك أصحابها ما يُعرف بـ “الأذن الموسيقية المُطلقة”، وتَعني القدرة غير العادية على التعرف على نغمة الصوت المسموع، وعلى حفظ اللحن وإعادة عزفه.
ويدرس سابلونيير على مدار 13 فصلًا 64 اختلافًا موروثًا فسرها العلماء من خلال فك رموز حمضنا النووي الريبي منقوص الأكسجين إذ تعبر هذه الاختلافات عن نحو 150 جينًا.
ورغم أهمية الموروثات الجينية في تحديد التنوع الإنساني والكشف عن تاريخ نشوء الاختلافات بين البشر سواء الجسدية أم العقلية وحتى الثقافية والتي لم تكن لتتم، حسب ما نطالعه في الكتاب، إلا من خلال “فك شفرة هذا الأرشيف الكبير الذي يشكله الحمض النووي”، يلفت الأكاديمي الفرنسي النظر إلى أنه يصعب قياس العديد من المتغيرات الجينية التي تُعد أحد ملامحنا الجسدية أو العقلية حتى على علماء الوراثة الأكثر خبرة، وإلى أنه يمكن تعديل تأثير هذه الجينات بالبيئة و”بقرار خلايانا تشغيل هذا الجين أو ذاك”، ويؤكد كذلك أنه “لا يوجد جين للقلق، وجين للشهية، وجين لهذا الشيء أو ذاك. وأننا لسنا محددين %100 بتراثنا الجيني، وإنما بتفاعل بين تأثير العديد من الجينات، وبيئتنا وغذائنا وأسلوب حياتنا”.
اترك تعليقاً