مجلة ثقافية منوعة تصدر كل شهرين
مايو - يونيو 2023

في‭ ‬رحاب‭ ‬بلاد‭ ‬زهرة‭ ‬اللوتس.. إطلالة‭ ‬على‭ ‬فيتنام‭ ‬اليوم


هادي السنان

بالنسبة‭ ‬لمن‭ ‬هم‭ ‬كبار‭ ‬في‭ ‬السن‭ ‬اليوم،‭ ‬يكاد‭ ‬اسم‭ ‬فيتنام‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬مرادفًا‭ ‬للحرب‭ ‬التي‭ ‬عصفت‭ ‬بتلك‭ ‬البلاد‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬نحو‭ ‬عشرين‭ ‬عامًا‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تنتهي‭ ‬فصولها‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1975م. ‬ولربما‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬الربط‭ ‬بين‭ ‬فيتنام‭ ‬والحرب‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬مستمرًا‭ ‬حتى‭ ‬اليوم‭ ‬هنا‭ ‬أو‭ ‬هناك،‭ ‬بفعل‭ ‬استعادة‭ ‬السينما‭ ‬بين‭ ‬الحين‭ ‬والآخر‭ ‬لبعض‭ ‬مجرياتها. ‬غير‭ ‬أن‭ ‬واقع‭ ‬فيتنام‭ ‬مختلف‭ ‬تمامًا؛‭ ‬فهي‭ ‬اليوم‭ ‬مقصد‭ ‬سياحي‭ ‬بارز‭ ‬في‭ ‬جنوب‭ ‬شرق‭ ‬آسيا،‭ ‬يقصدها‭ ‬مئات‭ ‬الآلاف‭ ‬للاستمتاع‭ ‬بطبيعتها‭ ‬الخلّابة،‭ ‬وما‭ ‬توفره‭ ‬هذه‭ ‬الطبيعة‭ ‬للنفس‭ ‬الباحثة‭ ‬عن‭ ‬زوايا‭ ‬هادئة‭ ‬في‭ ‬عالمنا‭ ‬الصاخب‭.‬

الحرف‭ ‬والصورة‭: ‬هادي‭ ‬السنان

تضج‭ ‬العاصمة‭ ‬هانوي‭ ‬بالحياة‭ ‬ليلًا‭ ‬ونهارًا. ‬وتتجاور‭ ‬في‭ ‬أسواقها‭ ‬الحديثة‭ ‬والصاخبة‭ ‬محلات‭ ‬بيع‭ ‬الأطعمة‭ ‬والإلكترونيات‭ ‬مع‭ ‬متاجر‭ ‬التذكارات‭ ‬التي‭ ‬لكل‭ ‬منها‭ ‬أصل‭ ‬أسطوري،‭ ‬وتهمس‭ ‬بحضور‭ ‬قوي‭ ‬لتراث‭ ‬البلاد‭ ‬في‭ ‬ثقافتها‭ ‬اليومية. ‬أما‭ ‬الباحث‭ ‬عن‭ ‬الهدوء‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المدينة‭ ‬فيمكنه‭ ‬أن‭ ‬يقصد‭ ‬بحيرة “هوان‭ ‬كيم” ‬التي‭ ‬تغص‭ ‬بالمتنزهين‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬وقت‭ ‬من‭ ‬أوقات‭ ‬النهار‭ ‬والليل. ‬واسم‭ ‬هذه‭ ‬البحيرة‭ ‬هو‭ ‬بدوره‭ ‬وليد‭ ‬أسطورة‭ ‬تقول‭ ‬إن “آلهة‭ ‬البحر” ‬أعارت‭ ‬قديمًا‭ ‬سيفًا‭ ‬للملك‭ ‬لوي‭ ‬ليقضي‭ ‬به‭ ‬على‭ ‬أعداء‭ ‬الدولة،‭ ‬ففعل. ‬وبعدما‭ ‬ترسّخ‭ ‬الأمن‭ ‬والاستقرار،‭ ‬وبينما‭ ‬كان‭ ‬ذات‭ ‬يوم‭ ‬يصطاد‭ ‬على‭ ‬ضفة‭ ‬هذه‭ ‬البحيرة‭ ‬جاءته‭ ‬سلحفاة‭ ‬لتستعيد‭ ‬هذا‭ ‬السيف. ‬فسُميّت البحيرة‭ “‬هوان‭ ‬كيم ‬أي‭ ‬السيف‭ ‬المُعاد”.

وعلى‭ ‬ضفاف‭ ‬هذه‭ ‬البحيرة‭ ‬علمنا‭ ‬أن‭ ‬في‭ ‬فيتنام‭ ‬2360‭ ‬نهرًا،‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬16‭ ‬نهرًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬ورئيسًا. ‬واحد‭ ‬منها‭ ‬هو‭ ‬النهر‭ ‬الأحمر‭ ‬الذي‭ ‬ينبع‭ ‬من‭ ‬غرب‭ ‬الصين‭ ‬ويصب‭ ‬في‭ ‬خليج‭ ‬تونكين‭ ‬على‭ ‬بعد‭ ‬90‭ ‬كيلومترًا‭ ‬من‭ ‬المدينة. ‬فالأنهار‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬ترسم‭ ‬تضاريس‭ ‬هذه‭ ‬البلاد،‭ ‬ولا‭ ‬بُد‭ ‬للزائر‭ ‬من‭ ‬القيام‭ ‬برحلة‭ ‬نهرية،‭ ‬وقد‭ ‬وقع‭ ‬اختيارنا‭ ‬على‭ ‬نهر “‬نجو‭ ‬دونغ”.

قد‭ ‬تشكّل‭ ‬هذه‭ ‬الصورة‭ ‬لقطة‭ ‬مثالية‭ ‬لفيتنام؛‭ ‬ماءٌ‭ ‬وخضرة‭ ‬وقارب‭ ‬وصيّاد‭.‬

حقول‭ ‬خضراء‭ ‬وتضاريس‭ ‬جبلية‭ ‬أخّاذة

لركوب‭ ‬قارب‭ ‬في‭ ‬رحلة‭ ‬نهرية،‭ ‬اقتضى‭ ‬الأمر‭ ‬التوجه‭ ‬إلى‭ ‬مدينة “‬تام‭ ‬كوك‭”‬، ‬وهي‭ ‬الأنسب‭ ‬لقربها‭ ‬من‭ ‬هانوي،‭ ‬إذ‭ ‬لا‭ ‬تبعد‭ ‬عنها‭ ‬أكثر‭ ‬من ‭‬100‭‬كيلومتر،‭ ‬ويمكن‭ ‬الوصول‭ ‬إليها‭ ‬بالحافلة‭ ‬أو‭ ‬الدراجة‭ ‬النارية‭ ‬أو‭ ‬السيارة‭ ‬خلال‭ ‬ساعة‭ ‬ونصف‭ ‬أو‭ ‬ساعتين‭.‬

يقود‭ ‬القوارب‭ ‬المنطلقة‭ ‬من‭ ‬ضفة‭ ‬نهر‭ ‬نجو‭ ‬دونغ‭ ‬في‭ ‬المدينة‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬السكان‭ ‬المحليين‭ ‬الكبار‭ ‬في‭ ‬السن. ‬ويلاحظ‭ ‬المرء‭ ‬بسرعة‭ ‬مهاراتهم‭ ‬في‭ ‬دفع‭ ‬القارب‭ ‬والتعامل‭ ‬مع‭ ‬مجرى‭ ‬النهر‭ ‬وقوة‭ ‬التجديف‭ ‬لديهم،‭ ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬بعضهم‭ ‬يجدّف‭ ‬تارة‭ ‬بيديه،‭ ‬وأخرى‭ ‬بقدميه‭ ‬ليريح‭ ‬ذراعيه. وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬ضعف‭ ‬التواصل‭ ‬اللغوي،‭ ‬فإن‭ ‬قائد‭ ‬القارب‭ ‬الذي‭ ‬كنا‭ ‬فيه،‭ ‬المتمرس‭ ‬في‭ ‬عمله‭ ‬هذا‭ ‬منذ‭ ‬ثلاثين‭ ‬سنة،‭ ‬تَمكّن‭ ‬من‭ ‬جعل‭ ‬الرحلة‭ ‬ممتعة‭ ‬بابتساماته‭ ‬اللطيفة‭ ‬ومحاولاته‭ ‬للشرح‭ ‬والتعريف‭ ‬بالمناطق‭.‬

أول‭ ‬ما‭ ‬يبهر‭ ‬النظر‭ ‬من‭ ‬القارب‭ ‬المنساب‭ ‬بهدوء‭ ‬على‭ ‬صفحة‭ ‬الماء‭ ‬هو‭ ‬اخضرار‭ ‬المصاطب‭ ‬الزراعية‭ ‬المتدرجة‭ ‬على‭ ‬الجبال‭ ‬الشاهقة‭ ‬القائمة‭ ‬على‭ ‬الجانبين. ‬وفيتنام‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬معلوم‭ ‬بلد‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬الزراعة‭ ‬في‭ ‬المقام‭ ‬الأول‭ ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬الأحواض‭ ‬النهرية،‭ ‬إذ‭ ‬إن‭ %‬50‭ ‬من‭ ‬المحاصيل‭ ‬الأساسية‭ ‬تأتي‭ ‬من‭ ‬دلتا “الميكونغ” ‬والنهر‭ ‬الأحمر‭. ‬

والأرز‭ ‬هو‭ ‬أهم‭ ‬محصول‭ ‬زراعي‭ ‬في‭ ‬البلاد،‭ ‬يليه‭ ‬قصب‭ ‬السكر‭ ‬والذرة‭ ‬والبطاطا‭ ‬الحلوة‭ ‬والمكسرات‭.‬

كهوف‭ ‬غائرة‭ ‬وإطلالات‭ ‬واسعة

وأبرز‭ ‬ما‭ ‬تمر‭ ‬به‭ ‬الرحلة‭ ‬النهرية‭ ‬هذه‭ ‬هو‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الكهوف‭ ‬المختلفة‭ ‬لكل‭ ‬منها‭ ‬اسمه‭ ‬وأسطورته: “‬هانغ‭ ‬كاي‭،”‬ “هانغ‭ ‬باي”، “هانغ‭ ‬با‭”.. ‬ أما‭ ‬الكهف‭ ‬الأكثر‭ ‬استقطابًا‭ ‬للزوّار‭ ‬فهو‭ ‬كهف‭ ‬جبل “الموا”، ‬الذي‭ ‬يمكن‭ ‬تسلّقه‭ ‬لرؤية‭ ‬مجرى‭ ‬النهر‭ ‬الأحمر‭ ‬من‭ ‬الأعلى،‭ ‬وإلقاء‭ ‬نظرة‭ ‬بانورامية‭ ‬ساحرة‭ ‬على‭ ‬تضاريس‭ ‬المنطقة‭ ‬وأرضها‭ ‬الخضراء‭.‬

ويُروى‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الجبل‭ ‬سُمي‭ ‬بـ‭ “‬الموا‭”‬ أي‭ ‬الرقص،‭ ‬بفعل‭ ‬أسطورة‭ ‬تقول‭ ‬إن‭ ‬الملك‭ ‬تران‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬متوجهًا‭ ‬إلى ‭”‬هاو‭ ‬لو”‬،‭ ‬عاصمة‭ ‬فيتنام‭ ‬القديمة،‭ ‬توقف‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المكان‭ ‬للراحة،‭ ‬وأقام‭ ‬فيها‭ ‬احتفالات‭ ‬تضمنت‭ ‬الغناء‭ ‬والرقص. ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬المكان‭ ‬الذي‭ ‬أقيم‭ ‬فيه‭ ‬مستشفى‭ ‬خلال‭ ‬الحرب‭ ‬الفيتنامية،‭ ‬يوجد‭ ‬أيضًا‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬التماثيل‭ ‬والمقاصد‭ ‬الدينية‭ ‬البوذية‭.‬

يبلغ‭ ‬عدد‭ ‬درجات‭ ‬الجبال‭ ‬المؤدية‭ ‬إلى‭ ‬أعلاه‭ ‬نحو‭ ‬500‭ ‬درجة،‭ ‬والطريق‭ ‬منحدر‭ ‬وصعب. ‬ولكن‭ ‬المنظر‭ ‬البانورامي‭ ‬عند‭ ‬قمته‭ ‬يمحو‭ ‬تعب‭ ‬التسلّق‭.‬

‭”‬نون‭ ‬لا‭ “.. ‬أيقونة‭ ‬فيتنام

في‭ ‬طريق‭ ‬عودتنا‭ ‬بالقارب‭ ‬إلى‭ ‬المدينة‭ ‬صادفنا‭ ‬امرأة‭ ‬تعتمر‭ ‬قبعة،‭ ‬وكانت‭ ‬قد‭ ‬خرجت‭ ‬إلى‭ ‬ضفة‭ ‬النهر‭ ‬لصيد‭ ‬السمك‭.‬

تُسمى‭ ‬هذه‭ ‬القبعة‭ ‬بالفيتنامية‭ “‬نون‭ ‬لا”،‭ ‬وتعني‭ ‬حرفيًا “‬القبعة‭ ‬المخروطية” ‬تقليديًا،‭ ‬كانت‭ ‬النساء‭ ‬يعتمرن‭ ‬هذه‭ ‬القبعة‭ ‬المصنوعة‭ ‬من‭ ‬القش‭ ‬لحماية‭ ‬أنفسهن‭ ‬من‭ ‬الشمس‭ ‬وقطرات‭ ‬المطر‭ ‬في‭ ‬فصل‭ ‬الصيف‭ ‬خلال‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬حقول‭ ‬الأرز‭.‬

‭ ‬وهي‭ ‬تُثبت‭ ‬على‭ ‬الرأس‭ ‬بواسطة‭ ‬قطعة‭ ‬قماش‭ ‬ملوّنة. ‬ولكن‭ ‬مع‭ ‬تزايد‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬الدراجات‭ ‬النارية‭ ‬في‭ ‬وسائل‭ ‬النقل،‭ ‬وما‭ ‬يفرضه‭ ‬ذلك‭ ‬قانونًا‭ ‬لجهة‭ ‬ارتداء‭ ‬خوذة‭ ‬حماية،‭ ‬تراجع‭ ‬الاستخدام‭ ‬اليومي‭ ‬للقبعة‭ ‬المخروطية. ‬لكنها‭ ‬لم‭ ‬تندثر‭ ‬تمامًا‭ ‬فهي‭ ‬حاضرة‭ ‬بكثرة‭ ‬في‭ ‬هانوي‭ ‬وشمال‭ ‬فيتنام،‭ ‬ويقل‭ ‬عددها‭ ‬كلما‭ ‬اتجهنا‭ ‬جنوبًا‭ ‬إلى‭ ‬هو‭ ‬تشي‭ ‬منه سايغون‭ ‬سابقًا،‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬عاصمة‭ ‬فيتنام‭ ‬الجنوبية. ‬ونظرًا‭ ‬لشهرتها‭ ‬كأيقونة‭ ‬ترمز‭ ‬إلى‭ ‬البلاد‭ ‬وثقافتها‭ ‬والحياة‭ ‬الزراعية‭ ‬فيها،‭ ‬أصبحت‭ ‬هذه‭ ‬القبعات‭ ‬من‭ ‬التذكارات‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬بُد‭ ‬للسائح‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يحمل‭ ‬في‭ ‬جعبته‭ ‬إحداها‭ ‬بعد‭ ‬زيارته‭ ‬لفيتنام‭.‬

تكشف‭ ‬شوارع‭ ‬فيتنام‭ ‬للزائر‭ ‬تباينًا‭ ‬بين‭ ‬المعاصرة
والتمسك‭ ‬بالتقاليد،‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬ارتداء‭ ‬الخوذة‭ ‬أو‭ ‬قبعة “نون‭ ‬لا” ‬الأيقونية‭.‬
في‭ ‬أحد‭ ‬شوارع‭ ‬هانوي،‭ ‬لقطة‭ ‬لإحدى‭ ‬الأدوات‭ ‬شائعة‭ ‬الاستخدام‭ ‬
في‭ ‬فيتنام‭ ‬لتسهيل‭ ‬نقل‭ ‬البضاعة‭ ‬بين‭ ‬مكان‭ ‬وآخر‭.‬

زهرة‭ ‬اللوتس‭ ‬ورمزيتها‭ ‬الوطنية

تتزين‭ ‬النساء‭ ‬عند‭ ‬التقاط‭ ‬صور‭ ‬لهن‭ ‬بالقبعات‭ ‬المخروطية‭ ‬وبأزهار‭ ‬اللوتس. ‬وفي‭ ‬رحلتنا‭ ‬النهرية،‭ ‬ولربما‭ ‬صح‭ ‬القول‭ ‬أينما‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬فيتنام،‭ ‬يمكن‭ ‬للمرء‭ ‬أن‭ ‬يشاهد‭ ‬هذه‭ ‬الزهور‭ ‬الجميلة‭ ‬حيثما‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬مياه‭ ‬راكدة.. ‬في‭ ‬البحيرات‭ ‬والمستنقعات‭ ‬والبرك‭ ‬والأحواض‭ ‬المنزلية. ‬كما‭ ‬تحضر‭ ‬بنفسها‭ ‬أو‭ ‬ممثّلة‭ ‬بمنحوتات‭ ‬أو‭ ‬رسوم‭ ‬في‭ ‬المعابد‭ ‬والقصور‭ ‬والأبنية‭ ‬الفخمة. وهذه‭ ‬الزهرة‭ ‬الجميلة،‭ ‬التي‭ ‬تطفو‭ ‬على‭ ‬سطح‭ ‬الماء‭ ‬وسط‭ ‬أوراق‭ ‬خضراء‭ ‬وتبقي‭ ‬ساقها‭ ‬وجذورها‭ ‬مغمورين،‭ ‬هي‭ ‬الزهرة‭ ‬الوطنية‭ ‬في‭ ‬فيتنام‭ ‬ورمز‭ ‬الدولة‭ ‬لدلالاتها‭ ‬على‭ ‬النقاء‭ ‬والجمال‭ ‬والاستبشار‭ ‬بالمستقبل‭.‬

بين‭ ‬1600‭ ‬جزيرة

إضافة‭ ‬إلى‭ ‬الرحلة‭ ‬بالقارب‭ ‬على‭ ‬نهر “نجو‭ ‬دونغ”‬،‭ ‬يمكن‭ ‬للباحث‭ ‬عن‭ ‬الأجواء‭ ‬الهادئة‭ ‬والمناظر‭ ‬الطبيعية‭ ‬الخلّابة‭ ‬أن‭ ‬يقصد‭ ‬أرخبيل “هالونغ‭ ‬باي” ‬الذي‭ ‬يُعتبر‭ ‬من‭ ‬المقاصد‭ ‬السياحية‭ ‬الكبرى‭ ‬في‭ ‬البلاد‭.‬

يتألف‭ ‬هذا‭ ‬الأرخبيل‭ ‬من‭ ‬نحو‭ ‬1600‭ ‬جزيرة‭ ‬متفاوتة‭ ‬الأحجام. وتحتوي‭ ‬هذه‭ ‬الجزر‭ ‬الخضراء‭ ‬على‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الكهوف‭ ‬والمعالم‭ ‬الطبيعية‭ ‬والتاريخية،‭ ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬منظمة‭ ‬اليونسكو‭ ‬أدرجت “هالونغ‭ ‬باي” ‬على‭ ‬قائمة‭ ‬مواقع‭ ‬التراث‭ ‬العالمي‭.‬

الوسيلة‭ ‬الأكثر‭ ‬اعتمادًا‭ ‬للقيام‭ ‬برحلة‭ ‬ممتعة‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬الأرخبيل‭ ‬هي‭ ‬السفن‭ ‬السياحية،‭ ‬التي‭ ‬تجوب‭ ‬أرجاءه‭ ‬سالكة‭ ‬خطوطًا‭ ‬متعرجة‭ ‬بين‭ ‬جزره،‭ ‬وتتيح‭ ‬للزائر‭ ‬أن‭ ‬يتصرف‭ ‬على‭ ‬هواه‭ ‬بين‭ ‬الاسترخاء‭ ‬على‭ ‬متن‭ ‬السفينة‭ ‬والاكتفاء‭ ‬بجمال‭ ‬مناظر‭ ‬الجزر،‭ ‬وتسلّق‭ ‬جبال‭ ‬بعضها،‭ ‬أو‭ ‬السباحة‭ ‬والنوم‭ ‬تحت‭ ‬الشمس‭ ‬على‭ ‬شواطئ‭ ‬بعضها‭ ‬الآخر‭.‬

حيث‭ ‬بقيت‭ ‬بعض‭ ‬ندوب‭ ‬الحرب

في‭ ‬أرجاء‭ ‬الطبيعة‭ ‬الفيتنامية،‭ ‬ينعم‭ ‬المرء‭ ‬بهدوء‭ ‬عزّ‭ ‬نظيره،‭ ‬حتى‭ ‬يكاد‭ ‬ينسى‭ ‬أنّ‭ ‬هذه‭ ‬البلاد‭ ‬عرفت‭ ‬أطول‭ ‬وأعنف‭ ‬حرب‭ ‬بعد‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية. ‬وحتى‭ ‬في‭ ‬معظم‭ ‬المدن،‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬جراح‭ ‬الحرب‭ ‬قد‭ ‬شُفيت‭ ‬تمامًا. ‬ولكن‭ ‬في‭ ‬بعضها‭ ‬الآخر‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬بعض‭ ‬الندوب‭ ‬ظاهرة‭ ‬للعيان‭ ‬حتى‭ ‬يومنا‭ ‬هذا‭.‬

في‭ ‬سنوات‭ ‬انقسام‭ ‬فيتنام‭ ‬إلى‭ ‬شمالية‭ ‬وجنوبية‭ ‬كانت‭ ‬مدينة‭ ‬سايغون‭ ‬عاصمة‭ ‬فيتنام‭ ‬الجنوبية،‭ ‬ومقر‭ ‬قيادة‭ ‬الحرب‭ ‬ضد‭ ‬فيتنام‭ ‬الشمالية‭. ‬ولكن‭ ‬بعد‭ ‬توحيد‭ ‬البلاد‭ ‬أُسميت‭ ‬هذه‭ ‬المدينة‭ ‬على‭ ‬اسم‭ ‬الزعيم‭ ‬الفيتنامي‭ ‬الذي‭ ‬قارع‭ ‬الاستعمار‭ ‬الفرنسي‭ “‬هو‭ ‬تشي‭ ‬منه‭”.‬

في‭ ‬مدينة‭ ‬هو‭ ‬تشي‭ ‬منه‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬آثار‭ ‬الحرب‭ ‬وتذكارات‭ ‬ويلاتها‭ ‬ظاهرة‭ ‬للعيان،‭ ‬خلافًا‭ ‬لما‭ ‬هو‭ ‬حال‭ ‬العاصمة‭ ‬هانوي‭ ‬في‭ ‬الشمال‭ ‬الذي‭ ‬انتصر‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الحرب. ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬يمكن‭ ‬لرحلة‭ ‬نهرية‭ ‬أن‭ ‬تبعد‭ ‬الزائر‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬ذلك. ‬تقع‭ ‬هو‭ ‬تشي‭ ‬منه‭ ‬على‭ ‬نهر‭ ‬الميكونغ،‭ ‬وهو‭ ‬أحد‭ ‬أطول‭ ‬أنهار‭ ‬العالم. ‬ويصطحب‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬السكان‭ ‬الزوّار‭ ‬في‭ ‬نزهة‭ ‬نهرية‭ ‬على‭ ‬متن‭ ‬قواربهم‭ ‬الصغيرة‭ ‬لمشاهدة‭ ‬الخضرة‭ ‬الندية‭ ‬على‭ ‬ضفتيه‭ ‬وأشجار‭ ‬جوز‭ ‬الهند‭ ‬المتوفرة‭ ‬بكثرة‭.‬

لكل‭ ‬رحلة‭ ‬بالقارب‭ ‬على‭ ‬نهر‭ ‬في‭ ‬فيتنام‭ ‬وقع‭ ‬مختلف‭ ‬في‭ ‬النفس. ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬لبعض‭ ‬الشوائب‭ ‬هنا‭ ‬أو‭ ‬هناك‭ ‬أن‭ ‬تمحو‭ ‬جمالًا‭ ‬يطغى‭ ‬عليها‭ ‬بقوة‭. ‬جمالٌ‭ ‬يتمثل‭ ‬بالدرجة‭ ‬الأولى،‭ ‬ولو‭ ‬رمزيًا،‭ ‬بزهرة‭ ‬اللوتس‭ ‬التي‭ ‬تنمو‭ ‬في‭ ‬الشمال‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬الجنوب‭ ‬على‭ ‬حدٍ‭ ‬سواء‭.‬


مقالات ذات صلة

خلف هذه المنشآت الرياضية الباهرة، تتكشف قصة أعمق تتعلق بالتخطيط الحضري وفنون العمارة وصناعة المكان. إذ إن الفعاليات الرياضية، حتى إن لم تصل في ضخامتها إلى مستوى الألعاب الأولمبية، تحفّز تحولات عمرانية كبيرة، وتُثير تساؤلات مهمة حول دورها في تطور المدن وعمرانها.

وعينا ومشاعرنا تشكلت من خلال التفاعل الحقيقي مع الطبيعة، وأن الابتكارات التكنولوجية وُلدت من تجارب حية مع العالم الطبيعي..

موسكو مدينة تترك بصمة لا تُنسى على زوَّارها. مدينة نابضة بالحياة، نظيفة، آمنة، ودودة، وتستقبل العائلات والسيَّاح بحرارة.


0 تعليقات على “فيتنام.. زهرة اللوتس”


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *