في عام 2022م، اُفتتِح أحد أهم المشروعات المبتكرة في المملكة العربية السعودية، وتحديدًا بمدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية بالرياض، وذلك بعد أن جرى تحويل موقف سيارات سابق متعدد الطوابق في قلب الرياض، إلى أكبر حاضنة للشركات الناشئة في الشرق الأوسط. أمَّا جوهر فكرة تحويل ما كان مجرد مرآب للسيارات إلى أكبر وأهم مركز للابتكار في المملكة، فيكمن في مفهوم متجذر بعمق في روح ريادة الأعمال، وهو تحويل ما هو بعيد وغير ممكن إلى أفضل صورة للنجاح. كما أنه يُحاكي مسألة الانطلاق من البدايات المتواضعة لما هو أهم وأعظم، على غرار انطلاق شركات مهمة أخرى في العالم، مثل: غوغل وأمازون وأبل.
أمَّا هدف إنشاء “الكراج”، كما جرت تسميته، فهو احتضان الشركات الناشئة من حيث تقديم مجموعة من الخدمات كالدعم التقني والفني والإداري والتدريب وغيرها، والمساعدة على تحويل الأفكار الابتكارية إلى منتجات وخدمات ذات قيمة سوقية، إلى جانب تطوير المهارات الإدارية لروّاد الأعمال من خلال آليات ومنهجيات تربط الشركات بالجهات الداعمة، واستخدام المنح المالية للربط مع موردي الخدمات والمرشدين، بحيث يمكن للمنحة المالية أن تصل إلى 100 ألف ريال سعودي لكل شركة مؤهلة، ويمكن أن يصل الاستثمار لبعض الشركات الناشئة إلى أكثر من 500 ألف ريال سعودي. ويُذكر أنه منذ اكتماله في أواخر عام 2023م، عقد “الكراج” شراكات مع عمالقة الصناعات الحديثة مثل شركة “غوغل”، وكذلك مع المركز الوطني لتطوير تكنولوجيا المعلومات.
من جهة تصميمه الهندسي، فقد كان هناك حرص على الحفاظ على الجو الصناعي للمرآب، والإبقاء على الشكل الأساس للمبنى الأصلي؛ لذلك صُمّم هيكل “الكراج” حول المنحدر المركزي للسيارات بطريقة توفر مساحات إضافية للشركات والاجتماعات. كما جرى استيعاب حجر الرصيف ومنحدرات السيارات والأسقف المغطاة في لغة التصميم الداخلي، ودُمِجت مع الفن الحضري، وكذلك أُبقيت أقسام المرآب الأصلية ولافتات المرور المدمجة في جميع أنحاء المساحات الداخلية. أمَّا مساحته الداخلية، فتبلغ 28,000 متر مربع، بحيث يمكنه أن يوفر مساحة عمل لأكثر من 300 شركة ناشئة.
ويضم 24 غرفة اجتماعات مصممة على أحدث طراز، ومساحة واسعة للفعاليات يمكنها استضافة أكثر من 1000 شخص، بالإضافة إلى مناطق مخصصة لورش العمل، وحجيرات للنوم ومركز للمعارض.كما جرت دراسة كل تفاصيل الهيكل بعناية من الداخل إلى الخارج، حتى إنه غُلّفت واجهة المبنى المؤلف من ثلاث طبقات بالألومنيوم المضلع، وهو ما يعطي إيحاء بالحركة التي يمكنها أن تعكس ديناميكية المكان.
في السنوات الأخيرة، أصبحت إعادة الاستخدام المتكيف في الرياض بديلًا أكثر شيوعًا واستدامة للبناء. ومن هنا، يُعدُّ “الكراج”، الذي تبلغ مساحته الخرسانية صفرًا تقريبًا، أحدث مثال في المنطقة على كيفية تحويل المباني غير المستغلة إلى بيئة أكثر عملية وأكثر ملاءمة من الناحية الوظيفية. ومع عبارات محفزة على الجدران في مختلف أنحاء المكان مثل: “لا تقنع بما دون النجوم”، و “إلى الأمام”، يجسِّد الكراج روح ريادة الأعمال في المملكة، ويعزِّز مكانتها بوصفها مركزًا رائدًا للابتكار ونقطة جذب للمشروعات التقنية الناشئة في الشرق الأوسط.
من جهة أخرى، يحاكي “الكراج” تقليدًا متجذرًا في الثقافة العربية إجمالًا، وفي المملكة تحديدًا. وهو تقليد الاجتماع في مجلس الضيافة العربية، الذي هو بمنزلة مساحة مشتركة للتجمع والمناقشة والتفاعل الاجتماعي، والمكان الذي يجري فيه تبادل الأفكار والتواصل وإقامة العلاقات. وبالمثل، يجسِّد “الكراج”، بوصفه مركزًا لالتقاء الشركات الناشئة، روح التعاون والتفاعل المثمر، وإن كان ذلك في نطاق عالم الأعمال؛ حيث يلتقي رواد الأعمال لتبادل الآراء والأفكار، وتتشكل الأحلام، وتتلاقح الأفكار، وتُرسم ملامح المستقبل.
اترك تعليقاً