تأليف: أنوب سينغ
ترجمة: حسام علوان
الناشر: جسور، 2024م
يُماثل مُفتتح المُمثل الهندي أميتاب باتشان، لهذا الكتاب، البداية المشوقة التي لا تكاد تخلو منها الأفلام السينمائية الهندية، التي تربط المشاهد بالصورة، وتجعله مشدودًا إليها طوال مدة العرض. يكتب باتشان فيه بصدق لافت عن زميله الراحل عرفان خان، الذي كان موضوعًا لهذا العمل المُعنون بـ “عرفان.. حوارات مع الريح”، من تأليف المخرج أنوب سينغ. وقد صدرت ترجمة الكتاب إلى العربية ضمن الموسوعة السعودية للسينما، بمبادرة من جمعية السينما التي تسعى جاهدةً لنقل المعرفة المُتخصصة في المجال السينمائي.
يكتب أميتاب باتشان: “كشمس مشرقة تُنحّي في صعودها ظلال الماضي. كما لو كنا نضع جانبًا كل ما عرفناه وتعلمناه… مُفسحين المجال لبداية جديدة. أشعر أن عرفان هو هذه الشمس الجديدة التي غربت عنا مبكرًا“.
تكمن عبقرية عرفان خان، كما نقرأ في مفتتح الكتاب، في إنتاجه للون فريد وهو يؤدي أدوارًا متباينة، فقد أدى أكثر من 150 شخصية مختلفة، مانحًا جسده وعقله وروحه لكل دور. وهكذا “كان في منطقة تخصه وحده”، فقد “وجد الشخصيات دون خطأ، وقدم جميع الفروق الدقيقة فيها بسهولة متدفقة”. وبهذا المعنى، كان لديه “توقيعه الخاص على كل شخصية”.
يضم الكتاب مجموعة من المقالات المترابطة، يعرض فيها المؤلف بلغة شاعرية وسرد متماسك، لقطات ومقتطفات من ذكريات لقاءات جمعته مع عرفان خان، الذي تُوفِّي إثر مرضه بالسرطان عن عمر ناهز 53 عامًا. وسيتبيّن القارئ أن هذه المقالات تقدِّم في النهاية صورة متكاملة عن لحظات متواصلة من التوهج والإبداع والأوجاع، طبعت حياة الممثل الهندي الشهير.
يقول المؤلف إنه على الرغم من العذاب والكآبة التي صاحبت الكتابة عن الوقت الذي قضاه مع عرفان خان، ووميض ذكراه الذي كان مؤلمًا جدًّا، فإنه قد حرص على إتمام كتابه من أجل “مشاركة النار والجمال”، الذي جلبه هذا الفنان إلى حياته. وبالفعل، يتضح من مضمون الكتاب عُمق الألم الذي غلّفه منذ سطوره الأولى، التي استعاد فيها “سينغ” وقائع علمه بموت عرفان، يوم 29 أبريل 2020م. وكان الممثل الهندي قد أخبره قبل هذا التاريخ بعام واحد فقط بمرضه، وأراد منه مساعدته في الحصول على معلومات عنه وعن الأطباء والمستشفيات في سويسرا حيث كان يعيش.
ثم يواصل المخرج الهندي سرد تفاصيل تطور العلاقة التي جمعته ببطل الكتاب، و”الحكايات” المرتبطة بتعاونهما الفني؛ إذ كان قد أخرج فِلمين له، هما: “قصة” و”أغنية العقارب”. في “تدفق شرس للذكريات”، ربَّما كان “المذاق الأخير للصداقة وما يتبقى منها”، على حد تعبيره، يذكر كيف كان عرفان يجسد أدواره، وطريقته في اتخاذ القرارات بشأنها، وكيف كان يضبط نفسه في “البروفات” حين يُظهر قدرة استثنائية على الاحتفاظ بحالات متعارضة تمر بها شخصياته التي يؤديها، وتحولات وانتقالات عاطفية عديدة تنعكس على جسده، ومن ثَمَّ على صوته. فبمجرد الاستماع إليه، تبدأ الشخصية التي يستحضرها في الظهور. وهذا كله كان يدلل، بحسب المؤلف، “على الطريقة الجريئة والحسية التي بدا أن عرفان يعيش حياته بها”؛ طريقة تتغير على الدوام لتعدد أدواره التي يؤديها حتى يصير إدراك شخصيته الفعلية أمرًا عسيرًا. وهنا يتساءل أنوب سينغ: هل من كتب عنه “هو عرفان حقًا؟”، ويُجيب: يُمكننا أن نقول عن عرفان إنه “ليس هذا، وليس ذاك”.
اترك تعليقاً