عبدالوهاب خليل أبو زيد
تستهل القافلة صفحات العدد الأولى بوقفة وفاء لواحد من حداتها الذين ارتبط اسمهم باسمها وتاريخهم المهني بشطر من تاريخها الطويل. والمعنيُّ هنا هو الأستاذ عبدالله الخالد، الذي انتقل إلى جوار ربه مؤخرًا عن عمر ناهز السبعين عامًا، والذي شغل منصب رئيس تحرير مجلة القافلة على مدار عشرة أعوام حافلة بالعطاء والتميُّز. يكتب لنا محمد الدميني، وهو حادٍ آخر من حداة القافلة السابقين، مقالة يسترجع فيها ذكرياته مع الراحل، ويرسم بقلمه المشبع بروح الشعر صورة مشرقة له، فيما يستعيد فريق القافلة أبرز محطات الخالد ومسيرته مع القافلة.
في الباب الأول من المجلة “ثقافة وفنون” يصافح أعيننا عددٌ من المقالات الغنية والمهمة. أولى تلك المقالات جاءت بقلم د. سعد البازعي متناولًا فيها ما أسماه “تبيئة المفاهيم في الثقافة العربية”، كما ورد في العنوان، مستعرضًا الكيفية التي استقبلت بها الثقافة العربية عددًا من المفاهيم الفكرية والفلسفية المرتبطة بالثقافة الغربية مثل التقدم والتنوير، وما أحدثته تلك المفاهيم من تغيرات في بنية العقل العربي بدءًا من القرن التاسع عشر حتى الآن.
في المقالة الثانية من هذا الباب، تشن الكاتبة والمترجمة العراقية لطفية الدليمي هجومًا لاذعًا على جائزة نوبل للآداب التي ترى أنها تتعصب تعصبًا واضحًا وظاهرًا للعيان للأدب المكتوب في الغرب على وجه التحديد، وتقترح مخرجًا لحل مشكلة هذا التحيز الواضح من خلال تطبيق ما تسميه “إستراتيجية المحاصصة النوبلية الثلاثية” إيفاء بمتطلبات العدالة الجغرافية والتكافؤ بين الجنسين؛ وتقصد بذلك أن تمنح الجائزة لثلاثة أسماء أدبية: كاتب وكاتبة، وكاتب أو كاتبة من خارج نطاق الجغرافيا الغربية.
المقالة الثالثة التي كتبها د. مبارك الخالدي، تتناول وتحلل أسباب الفجوة الموجودة في الوقت الراهن ما بين السينما المحلية التي لا تزال تترسم خطاها الفعلية الأولى بعد طول غياب غير مبرر من جهة، وبين الأدب المحلي من جهة أخرى. هذه الفجوة وهذه القطيعة ليست مصدر قلق بالنسبة للخالدي الذي يعتقد أن التفات بعض السينمائيين المحليين إلى الأدب المحلي مسألة وقت، مؤكدًا أن المعول الأساس والأمر الأهم ينبغي أن يكون في توجه السينما المحلية صوب المستهلك المحلي نفسه.
المحطة الرابعة في هذا الباب جاءت بعنوان “الفلسفة في المملكة..بين الواقع والمآل” حيث يقدم لنا رئيس جمعية الفلسفة، د. عبدالله المطيري، توصيفًا لواقع الحراك الفلسفي الناشئ في المملكة الذي يتخذ طابعًا اجتماعيًّا في خضم توجه أعداد متزايدة من المهتمين لحضور المؤتمرات الخاصة بالفلسفة والحرص على المشاركة فيها، وما أحدثه ذلك من حيوية وطاقة محفزة في المنطقة على الرغم من غياب الفلسفة على الصعيد الأكاديمي حتى الآن.
في المحطة الخامسة يكتب لنا د. سمير محمود مقالة يتمازج فيها التأبين والاحتفاء بواحد من أبرز الروائيين العرب من جيل الستينيات، والذي رحل عن عالمنا في شهر أكتوبر الماضي بعد رحلة حافلة من الإبداع في كتابة الرواية والقصة القصيرة وكذلك الترجمة.
أما المحطة السادسة فيقدم لنا فيها الشاعر والكاتب حسن الربيح قراءة نقدية متأنية لواحد من الكتب الصادرة مؤخرًا، والذي حظي باحتفاء نقدي واسع نسبيًّا رغم حداثة صدوره. الكتاب هو “مهاكاة ذي الرمة”، الذي يسعى فيه مؤلفه الشاعر حيدر العبدالله لتقديم “أطروحة الهايكو العربي” كما يشير إلى ذلك عنوان الكتاب الفرعي.
نقرأ في الباب الثاني من هذا العدد “طاقة وبناء” عددًا من المقالات الثرية والمنوعة؛ وأولها مقالة كتبها المهند الهشبول متطرقًا فيها إلى بعض أهم المصطلحات والمفردات المرتبطة بصناعة البترول، التي تتردد على الألسن والأسماع دون إدراك أغلب الناس من غير المتخصصين بصناعة البترول للمقصود بها على وجه الدقة.
ما الذي يرد إلى الذهن عند سماع مصطلح “التصميم البيوفيلي” وما الذي يعنيه على وجه التحديد؟ هذا ما تكشف عنه النقاب المقالة الثانية في هذا الباب، التي كتبها د. محمد أحمد عنب، حيث يتبين لنا أن المقصود هو ربط العمارة الحديثة بالعناصر البيئية الطبيعية للحد من الآثار السيئة للعمارة التقليدية على مكونات الطبيعة.
وبعد انقطاع دام لمدة خمسين عامًا، منذ ارتاد البشر القمر أول مرة، هل آن الأوان لعودة جديدة إلى الجرم السماوي المضيء الذي طالما تغنى بجماله الشعراء وتعلقت به أهداب العشاق وأفئدتهم؟ هذا ما يعدنا به برنامج “أرتميس” الذي أعلنت عنه وكالة الفضاء الأمريكية ناسا. الكاتب حسن الخاطر يقدم لنا في المقالة الثالثة من هذا الباب تعريفًا بهذا البرنامج الطموح الذي وقعت المملكة الاتفاقية الخاصة به في شهر يوليو الماضي.
المقالة الرابعة والأخيرة في هذا الباب كتبها د. جاستن توماس، وتتناول موضوعًا مهمًا سيحدث ثورة غير مسبوقة في الطرق التي نتواصل بها، وربما في طبيعة ونسق حياتنا في المستقبل القريب. هذا الموضوع هو الميتافيرس، أو عالم ما وراء الواقع الذي يربط بين وسائل التواصل الاجتماعي والإمكانات الفريدة لتقنيات الواقع الافتراضي والواقع المعزز الانغماسية.
وفي باب آفاق نقرأ حوارًا مطولًا مع الفنان والنحات العراقي نداء كاظم، الذي تفتحت موهبته في منتصف القرن الماضي، ونمت وتطورت ليصبح واحدًا من أبرز الأسماء الفنية العراقية والعربية، حتى عُدَّ خليفة للفنان العراقي الأبرز في القرن العشرين، جواد سليم.
يلي ذلك مقالة تتطرّق فيها الكاتبة تسنيم العداربة لموضوع بالغ الأهمية؛ لأنه يمس فلذات أكبادنا ممن أصبحوا عرضة للإصابة بالتوحد، الذي أصبح الوعي به وبالمشاكل المرتبطة به أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى، خاصة مع تزايد حالات الإصابة به.
وفي مقالة أخرى يكتب لنا د. صهيب عالم عن انفتاح الأدب الهندي المعاصر على اللغة العربية من خلال ظهور أدب هندي معاصر مكتوب باللغة العربية، وهو ما يُعَدُّ فصلًا جديدًا يُضاف إلى فصول حضور اللغة العربية في الهند، وهو حضور راسخ الجذور لمئات السنين.
أما آخر مقالات هذا الباب فيتواشج فيها الشعر مع النثر في وصف مكان أثير لدى كاتب المقالة الشاعر عبدالمحسن يوسف، وما ذلك المكان سوى “جزيرة فرسان”، التي يرسم الكاتب بقلمه وحروفه ثماني لوحات قلمية كُتبت بحبر القلب الذي تعلق بالمكان، يبين فيها للقارئ بعض ملامح جمالها وما ارتبط بها من طقوس وعادات وتقاليد أضفت على هذا المكان طابعه الخاص وبصمته المميزة.
وفي ملف العدد يكتب لنا الكاتب والمترجم محمد الفولي عن كأس العالم الذي ينتظره عشاق الساحرة المستديرة على أحرِّ من الجمر كل أربعة أعوام، حيث تتسمر الأنظار على الشاشات وتمتلئ مدرجات الملاعب بالجماهير المتعطشة لمتابعة منتخباتها الوطنية في منافسات محتدمة وحامية الوطيس تنتهي بتتويج منتخب واحد بالكأس التي يحلم بها أبرز لاعبي العالم وأكثرهم مهارة ليتوجوا به مسيرتهم ويخلدوا أسماءهم بين أساطير الكرة الذين تتردد أصداء أسمائهم في كل مكان وزمان.
اترك تعليقاً