مجلة ثقافية منوعة تصدر كل شهرين
يوليو - أغسطس 2023

طيور “نادرة”

في غابات عسير


إبراهيم الشوامين

تحتضن منطقة عسير أعدادًا ضخمة من أنواع الطيور النادرة المحلية، كما تزور المنطقة أنواع نادرة من الطيور المهاجرة في فصلي الصيف والربيع، فتقيم فيها خلال هجرات استثنائية مختلفة عن هجرة الطيور المعتادة، حيث تمكث فترة كافية للتكاثر، ثم تعود مرة أخرى إلى موطنها الأصلي.
“القافلة” كانت هناك لترصد مع الهواة من الزوار والسياح جماليات تلك الطيور النادرة، ولتنقل للقارئ أجواء ممارسة هذه الهواية لدى البعض، ولتبحث عن متعة السياحة في صور “طيريّة” تكشف عن جانب من الجمال المثير للحياة الفطرية.

خلف ذوات الريش   

بواسطة كاميرا حديثة ومنظار ودليل للطيور، تستطيع أن تمارس رصد الطيور، التي باتت من الهوايات الترفيهية المتنامية كمًا ونوعًا، حيث يمكنك مشاهدة أنواع كثيرة جدًا من الطيور في الطبيعة وتصوير حركاتها والاستمتاع بأصواتها المختلفة ومشاهدة أشكالها الجميلة. ما يميز هذه الهواية الممتعة أنها لا تحتاج إلى معدات معقدة أو مهارات أو تحضير مسبق، كما أنها تجمع بين ممارسة الرياضة البدنية من جهة، وبين التأمل والرياضة الفكرية من جهة أخرى، فضلًا عن الدور غير المباشر للممارس وإسهاماته في التوعية بأهمية التوازن البيئي، وضرورة التعاون والعمل الجاد والمشترك في حماية الحياة الفطرية.

بيئة حاضنة

في عسير، ثمَّة بيئات مكانية مناسبة لتكاثر هذه الأنواع النادرة من الطيور المحلية والمهاجرة، حيث الأماكن الجبلية والأودية والشواطئ والجزر البحرية. ويفضّل عديد من ممارسي هذه الهواية زيارة مواقع طبيعية مختلفة من أرجاء منطقة عسير، حيث الفرصة المناسبة لمشاهدة تلك الطيور النادرة، ومعرفة أنواعها، والاستمتاع بأصواتها العذبة، وكذلك الأمر بالنسبة إلى تأمل الغطاء النباتي الخاص بالمنطقة والذي يحتضن تلك الطيور ويؤويها، إلى جانب من الاستجمام في جو عليل معتدل ذي نسمات باردة، بين السحب الممطرة وأشعة الشمس الذهبية وموجات الضباب، ما يضيف تميزًا لطبيعة المكان.

العقعق العسيري

العقعق العسيري من أكثر الطيور ندرة على مستوى العالم، إذ لا يتجاوز عددها 100 زوج على مستوى العالم، ولا تُوجد إلا في المرتفعات الجنوبية من المملكة العربية السعودية، وتحديدًا في منطقة عسير ومن مميزات هذا الطائر النوعية الذكاء الحاد، والصوت الصاخب الذي يستخدمه في نداء أفراد مجموعته العائلية. ويتنقل العقعق العسيري ما بين أشجار العرعر للبحث عن غذائه في مجموعات أو أزواج، حيث يتغذى على اللافقاريات والحشرات والبذور. ومما تجدر الإشارة إليه، أن هذا الطائر من الطيور الغامضة ويحتاج إلى دراسات ميدانية مكثفة، فلا توجد معلومات كافية عن مسارات سيره وأنماط معيشته وطريقة تكاثره.

نقار الخشب العربي

إن التجول في الصباحات الباكرة في المتنزه والأودية له متعته الفريدة والمميزة، خاصة مع تغريد الطيور المألوفة كالبلبل والحسون، بيد أنه هناك بعض الطيور التي لها أصوات مختلفة، مثل نقار الخشب العربي. وقد سمي بذلك نظرًا للصوت الناتج عن نقره بمنقاره القوي في جذوع الشجر باحثًا عن غذائه. يُعدُّ هذا الطائر من الطيور النادرة والمستوطنة في المنطقة، وهو يستخدم النقر أيضًا، لبسط نفوذه في المنطقة أو للمناداة أو لصنع العُش، ويتغذى على اليرقات والحشرات التي تكمن داخل الأشجار الكبيرة. ويبلغ طول نقار الخشب العربي 18سم، ويعيش في المناطق الجبلية والغابات التي تحوي أشجار الطلح أو العرعر، وهو من الطيور المستوطنة ذات النوع الوحيد من عائلته الموجودة في المملكة العربية السعودية.  

أبو معول وشمعي المنقار العربي

ومن الطيور التي تصدر أصواتًا صاخبة، أبو معول ومطرقي المنقار، وهي طيور ذات حجم كبير، وتتحرك بطريقة مختلفة عن الطيور الصغيرة بالقرب من الأودية الصخرية التي تجري فيها مياه الأمطار العذبة. أما أصغر الطيور في المملكة العربية السعودية، فإنه شمعي المنقار العربي، الذي لا يتجاوز طوله 10 سم، وهو من الطيور الاجتماعية التي تطير في مجموعات صغيرة بين الأودية والتلال الصخرية ذات الغطاء النباتي الكثيف، ويعيش على ارتفاع 250م إلى 2400م فوق مستوى سطح البحر. ويُعدُّ هذا الطائر من الطيور المميزة، بسبب أنه من الأنواع محدودة العدد، فلا يتجاوز عددها 35 ألف زوج على مستوى العالم، وينحصر تواجد هذه السلالة فقط في جنوب المملكة.

الزرزور البنفسجي

في أماكن متفرقة من الغابات الجبلية لعسير، تلاحظ بعض الطيور المهاجرة في الأصل من قارة إفريقيا، حيث تزور بعض مناطق المملكة وتستقر فيها فترة كافية للتكاثر في فصلي الربيع والصيف. ومن تلك الطيور طائر الزرزور البنفسجي الذي يبني عشه ويعتني بصغاره حتى يستطيعوا القيام بوظائفهم الحيوية من تلقاء أنفسهم، ثم تعود في هجرة معاكسة إلى موطنها الأصلي في نهاية الصيف أو بداية الخريف. ويبلغ طول طائر الزرزور أبيض البطن أو البنفسجي 19 سم، ويختلف الذكر عن الأنثى في ألوانه، إذ يتميز الذكر باللون البنفسجي والأبيض على الصدر، بينما تتصف أنثى الزرزور باللون البني الداكن مع المخطط أسفل الصدر، ويمكن تمييزها باللون الأصفر للعينين. ويعيش الزرزور في الأودية الصخرية والغابات الجبلية، ويتغذى على الفواكه والبذور والحشرات، ويشاهد في مجموعات صغيرة.

درسة والأبلق والقبرة العربية

وعلى الصخور الجبلية وبين ثناياها، طيور محلية استخدمت التمازج مع البيئة والتمويه اللوني كوسيلة للتخفي والبقاء والهروب من الأعداء. ومن هذه الطيور التي شاهدناها في المنطقة، سمنة الصخرية الصغيرة، وطيور درسة الصخرية، والأبلق أحمر الصدر، والقبرة العربية، حيث تبدو ألوانها قريبة من ألوان الصخور التي تتنقل فوقها. ولنا أن نشاهد الصورة الأجمل لهذه الطيور فوق القلاع الحجرية أو الصخور في سبيل توثيق طبيعة المكان والعمق التاريخي للمنطقة. والجدير بالذكر أن أسماء هذه الطيور مستمدة من ألوانها وسلوكها وطبيعة حركتها.

طيور الشمس

في غابات عسير الجبلية، تنتشر أنواع مختلفة لونًا وحجمًا من الزهور في فصلي الربيع والصيف، فتجذب بألوانها ورائحتها العطرية مجموعة من طيور الشمس المعروفة بطيور التمير، فتتغذى هذه الطيور على رحيق الزهور لتلك النباتات العطرية. وقد رصدت مناظير المراقبين وكاميراتهم ثلاثة أنواع من طيور التمير، حيث شوهدت ما بين المناطق الجبلية المرتفعة وفي مواقع بالقرب من تهامة والأودية الدافئة. طيور الشمس هذه تشبه في سلوكها طيور الطنان في القارة الأمريكية، وهي تتغذى على رحيق الزهور بواسطة منقارها الطويل المقوس. أما سبب تسميتها بطيور الشمس فيرجع إلى اللون الزاهي لريشها عندما يتعرض لأشعة الشمس. أما عن بيئة طيور التمير، فهي المناطق الجبيلة المنخفضة والمتوسطة الارتفاع، وكذلك التلال الصخرية والأودية ذات الغطاء النباتي الكثيف.

هازجة العربية
لقد وفرت كثافة أشجار الطلح والسدر بيئة مناسبة للطيور صغيرة الحجم، مثل طيور تدعى بـ”دخلة الغابة البنية”، التي يبلغ طولها 11سم فقط، وهي من الطيور نشيطة الحركة ذات اللون الأخضر الزيتوني. وتتنقل هذه الطيور بحركة انسيابية غاية في الجمال بين الأغصان والأشجار، وتتميز بأنها من عائلة الهوازج (هازجة العربية)، وتتغذى على الحشرات والفواكه وتتواجد هازجة العربية في المتنزهات والمواقع الجبلية والأودية.

آكل النحل الأبيض

 يبلغ ارتفاع جبال السودة في عسير أكثر من 3 آلاف متر فوق سطح البحر، الأمر الذي يشكِّل محيطًا ملائمًا للطيور الجارحة في المطلات على سفوح الجبال والمتنزهات، حيث تحلُّق أنواع من النسور المهدَّدة بالانقراض، فضلًا عن العقبان والصقور التي تعبر أجواء المنطقة ضمن رحلتها الموسمية. لكن الحديث حول الطيور النادرة لا يكتمل دون الإشارة إلى آكل النحل أبيض الحنجرة الذي يبلغ طوله 30 سمًا، والذي يتميز بذيله الطويل. ويزور هذا الطير منطقة عسير في فصلي الربيع وبداية الصيف للتكاثر مهاجرًا من قارة إفريقيا، حيث يصنع عشه في جحور ترابية بالقرب من الأودية والتلال التي ترتفع فوق مستوى سطح البحر بحوالي 1500م. ويتغذى هذا الطائر الغريب المهاجر على الحشرات والنحل ويلتقطها أثناء الطيران، وهناك أربعة أنواع من طيور آكل النحل في بعض مناطق المملكة العربية السعودية.

طيور بحرية

يمتد الساحل البحري لمنطقة عسير على البحر بطول يصل إلى أكثر من 140 كيلومترًا، حيث ترتاح فيه الطيور البحرية أثناء فترات الهجرة الطويلة. وهناك لك أن تشاهد مجموعة من الطيور المقيمة، كالبلشوان الصخري، والحنكور، والخرشنة بأنواعها. أما طيور الفلامنجو والبجعة ففي السواحل الطينية. وتعشش الطيور البحرية في الجزر وتشاهد فيها كمجموعات، وهناك عديد من أنواع النوارس الشائعة المشاهدة، حيث تحلق بشكل جميل وقريب من الزائرين، وتجثم بالقرب من الشواطئ البحرية. هناك قرابة عشرة أنواع من النوارس في المملكة العربية السعودية أغلبها مهاجر ما عدا النورس أبيض العين والنورس الأسحم. 


مقالات ذات صلة

هل سلوكنا على وسائل التواصل الاجتماعي يعكس تفضيلاتنا؟ متى يصبح انتشار المعلومات انتشارًا فيروسيًا؟ ما السبل لتغيير هذا السلوك على وسائل التواصل الاجتماعي؟

عالم الأطفال، وهو عالم الخيال والتجدّد والتغير والاستكشاف المستمر، قادر على التعامل بشكل أفضل مع تطورات العصر والمستقبل التي تشبه أكثر عالم الأطفال هذا.

أسماؤنا جزء لا يتجزأ من حياتنا، فتشكّل تصوراتنا عن أنفسنا، وتؤثر في كيفية نظرة الآخرين إلينا، وتتحول إلى الشارة التي نقدّمها إلى العالم، أو “علامتنا التجارية الخاصة”


0 تعليقات على “طيور نادرة في غابات عسير”


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *