مجلة ثقافية منوعة تصدر كل شهرين

صون التراث الثقافي.. وصولاً للقمر


رئيس التحرير

في مقابلة تلفزيونية قبل بضع سنوات، سُئل رائد الفضاء الروسي أوليغ أرتيوموف: هل ستتغيّر نظرة البشر الرومانسية للقمر حال صعودهم إليه؟ فأجاب بأنهم حين يصلون القمر، فثَمَّة رومانسية أعظم سيشعرون بها حين يشاهدون النجوم الأخرى والكواكب الرائعة، وخاصة كوكب الزهرة!
من الواضح أن علاقتنا اليوم بالقمر لا تقف عند حدود “نحن والقمر جيران”، بعد أن أصبحت رؤيتنا للقمر تتجاوز النظرة الرومانسية المستمدة من التقاليد والتراث غير المادي المتعلِّق بالطبيعة والكون. فهناك، فوق سطح هذا القمر الذي يعلو بالخيال والعاطفة، ثمَّة تراثٌ ماديّ تسعى دول العالم الآن لتوثيقه وصونه مثلما تحافظ على التراث الثقافي في الأرض.
ففي كتاب “حماية مواقع التراث الثقافي على سطح القمر”، الذي صدر العام الماضي، من إعداد آنيت فروليك، الباحثة في مركز الطيران والفضاء الألماني، رصدٌ للجهود الدولية الاستراتيجية والتكنولوجية التي تُجرى حالياً لاستكشاف الفضاء وكواكبه ولخطط العودة إلى القمر في المستقبل القريب، التي سيكون لها تأثير اجتماعي وثقافي واقتصادي كبير. وحينما يزداد النشاط الاستكشافي في الفضاء وتتطوَّر علومه، فإنها سوف تتداخل مع مصدر التراث الثقافي في العلوم الإنسانية، مثل التاريخ والفلسفة والأنثروبولوجيا، والفنون والعلوم الاجتماعية، كما هي الحال مع السياسية والاقتصاد والقانون الدولي.
يُعرف التراث الثقافي في الفضاء بأنه الثقافة المادية ذات الصلة بمهمة استكشاف الفضاء الناتجة من السلوك البشري، مثل أماكن التراث الثقافي على القمر؛ كمواقع هبوط أبولو، أو تلك التي زارها البشر، والأشياء والمعدَّات التي أرسلت إلى الفضاء وتركت هناك، تلك التي تُعدُّ دليلاً مهماً على تطوُّر البشرية وإنجازاتها، وجزءاً من التراث الإنساني الجدير بالحفاظ عليه للأجيال القادمة، لأهميته العلمية والتقنية والاجتماعية. ومن أجل صون هذا التراث، تجري الآن جهود لوضع قوانين وطرق ملموسة بالاعتماد على اتفاقيات دولية قائمة مثل اتفاقية التراث العالمي.
مثل هذه الجهود الدولية، تُؤكِّد الأهمية الكبرى التي توليها الدول للتراث الثقافي في مفهومه الشامل، فالشعوب بمجملها تسهم في هذا التراث وتحميه، وهذا التراث لا يشمل شواهد العِمارة والفنون، بل كل أدلة الإبداع والتعبير البشري في البيئة، والممارسات والتصوُّرات، وأشكال المعارف والمهارات، وما يرتبط بها من آلات وقطع ومصنوعات وأماكن تتوارثها الأجيال. إنه التراث الذي ينمِّي إحساس المجتمعات بهويتها واستمراريتها، ويصل ماضيها بمستقبلها، ويمنحها الشعور بالانتماء والأمان في عالم سريع التغيُّر.
وفي المملكة، تقوم هيئة التراث اليوم برعاية التراث الوطني في كافة أنحاء البلاد، وتخدم التراث المادي وغير المادي عبر عدد من المشروعات والمبادرات. ومنها توثيق عدد من المواقع والعناصر التراثية والثقافية محلياً وفي المنظمات العالمية. ومن أحدث هذه العناصر، فن حياكة السدو التقليدي المشهور في شبه الجزيرة العربية، هذا الفن الذي يعكس القدرة والبراعة في التكيُّف مع البيئة الطبيعية.
ومع هذا الاهتمام الكوني الواسع، تظهر أهمية المحافظة على هذا التراث، الذي يجعلنا ننظر إلى فنون الحياة وجمالياتها، ويكيِّف أمامنا البيئة لتصبح متفاعلة كالإنسان بمشاعر وأحاسيس. قال رائد الفضاء الروسـي الذي أمضى أشهراً في محطة الفضاء الدولية ينظر من هناك إلى كوكبنا: “تبدو الأرض كائناً حياً”.


مقالات ذات صلة

رأت ما نشره الكاتب أحمد السعداوي في مجلة القافلة، في العدد الماضي (العدد 700)، تحت عنوان “الرواية.. فن التواضع”، إذ استعرض رأي “جون برين” بخصوص كتابة الرواية الأولى التي أشار إلى أنها تبدو أشبه بالتنويعات على السيرة الذاتية.

ذا أردت أن تقرأ بفاعلية، فاقرأ كتبًا مُعمّرة، أي تلك الكتب القديمة المُتخمة بالدروس الحياتية طويلة المدى؛ كتبًا قديمة ذات قيمة عالية، مليئة بـ “الزبدة” والطاقة الكامنة للمعلومة، ذلك لأنها استمرت طوال السنين وقودًا لتقدم البشرية.

يقول أبو العلاء المعري في واحدة من قراءاته لمستقبل الطفولة: لا تَزدَرُنَّ صِغــارًا في ملاعبِـهِم فجائزٌ أَن يُرَوا ساداتِ أَقوامِ وأَكرِمـوا الطِّفلَ عن نُكـرٍ يُقـالُ لهُ فـإِن يَعِـشْ يُدعَ كَهـلًا بعـدَ أَعــوامِ المعري وهو الذي لم يُنجبْ أطفالًا؛ لأنَّه امتنع عن الزواج طوال عمره، يؤكد من خلال خبرة معرفية أهمية التربية في البناء النفسي للأطفال، […]


0 تعليقات على “صون التراث الثقافي.. وصولاً للقمر”


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *