مجلة ثقافية منوعة تصدر كل شهرين

Warning: Attempt to read property "name" on bool in /home/qafadmin/public_html/wp-content/themes/qafilah/header.php on line 45

استهلاك المعادن الحرجة في صناعة الطاقة الخضراء


نظمي محمد الخميس

أدى الطلب المتسارع والمتزامن على الأجهزة الرقمية وصناعة الطاقة الخضراء (مثل توربينات الرياح والألواح الشمسية والمركبات الكهربائية) إلى زيادة الطلب على المعادن بشكل يثير تساؤلاً حول استدامة التحوُّل إلى الطاقة الخضراء. فقبل الانتقال التام نحو تبنيها، 
لا بد من تحديد القيود التي قد تعوق الوصول إلى هذا الهدف، ومنها جملة القيود المتوقعة في سلسلة الإمداد بالمعادن الحرجة والنادرة، التي تعتمد تكنولوجيات الطاقة الخضراء عليها بشكل جوهري.

حتى اليوم، لم تولِ دراسات التغيُّر المناخي وتحوُّل الطاقة اهتماماً يليق بأهمية الآثار السلبية المترتبة على الانتقال التام إلى تبني الطاقة الخضراء، مع ما يعنيه ذلك من تأثيرات مباشرة وغير مباشرة على الاقتصاديات العالمية، والمجتمعات الإنسانية، والتبادل التجاري، والأمن الإقليمي والدولي، وكذلك متطلبات التطوير التكنولوجي. حيث سيكون لتحوُّلات الطاقة نحو التوسع في كهربة مستلزمات الحياة المختلفة بتقنيات الطاقة الخضراء، مثل السيارات الكهربائية وخلايا الوقود وتوربينات الرياح والألواح الشمسية آثارٌ اقتصادية واجتماعية كبيرة ومتعدِّدة. فهل تستطيع سلاسل توريد المعادن مواكبة النمو المتوقع في صناعة الطاقة الخضراء بطرق مستدامة وتحوُّل قطاع الطاقة التام نحو اقتصاد منخفض الكربون؟

أهمية استخدام المعادن في صناعة الطاقة الخضراء
المعادن الحرجة

مع زيادة جودة الحياة، أصبح لا غنًى عن المعادن الحرجة في عديد من التطبيقات الصناعية في الصناعات المتقدِّمة والصناعات الطبية والطيران والبناء والهواتف الخلوية والأجهزة الرقمية والإلكترونيات الاستهلاكية وكذلك الألواح الشمسية وتوربينات الرياح والسيارات الكهربائية. وتقترن زيادة استهلاك عديد من المعادن المستخدمة في صناعة التكنولوجيا الحديثة، بما في ذلك تلك التي تستخدم في الطاقة الخضراء، بمستويات عالية من مخاطر سلاسل الإمداد للمعادن.

وبشكل عام، يمكن تصنيف المعادن التي تُستخدم في صناعة الطاقة الخضراء إلى قسمين: معادن ذات مستويات ندرة غير حرجة كالنحاس والألمنيوم والحديد، ومعادن حرجة ذات مستويات ندرة مرتفعة أو مخاطر مرتفعة ضمن سلاسل إمدادها. 

تولي دراسات التغيُّر المناخي وتحوُّل الطاقة اهتماماً يليق بأهمية الآثار السلبية المترتبة على الانتقال التام أو الجوهري إلى تبني الطاقة الخضراء، مع ما يعنيه ذلك من تأثيرات مباشرة وغير مباشرة على الاقتصاديات العالمية، والمجتمعات الإنسانية، والتبادل التجاري، والأمن الإقليمي والدولي، وكذلك متطلبات التطوير التكنولوجي.

قد ترجع هذه المخاطر إلى مستوى ندرة مؤقت كالوصول إلى حد أعلى لإنتاجها من المناجم، أو لعدم إمكانية استبدالها وتدويرها، وقد يرجع بعضها إلى أسباب طارئة تتعلَّق بالعوامل الجيوسياسية، أو إلى التمركز الجغرافي لخاماتها. وفي بعض الحالات، يمكن استبدال تقنيات استخدام المعادن الحرجة بأخرى بديلة، وذلك باستخدام معادن أقل “ندرة” ولكن مع تكوين مختلف يوصف بأداء أقل أو تكلفة أعلى. وغالباً، تستخدم المعادن الحرجة لسببين: إما لخواصها الكيميائية والفيزيائية الفريدة حيث يتعذر استبدالها بأخرى على مستوى الأداء نفسه، وكذلك لتقليل استخدام المعادن غير الحرجة وبالتالي تقليل التكلفة أو الحجم أو الوزن، فيكون استخدامها على أساس المفاضلة بين التكلفة والكفاءة، مما يجعل كثافة استخدام المعادن غير الحرجة، ومستوى استبدال المعادن الحرجة بها غير مستقر.

استخدام المعادن
في صناعة الألواح الشمسية

تكمن أهمية استخدام الفضة، الكادميوم، والجاليوم، والجرمانيوم، والإنديوم، والسيلينيوم، والتيلوريوم في المفاضلة بين كفاءة امتصاص ضوء الشمس وتحويله إلى طاقة كهربائية وتقليل التكلفة. وتُستخدم حالياً تقنيتان رئيستان لطاقة الألواح الشمسية: تقنية السيليكون البلوري وتقنية الفلم الرقيق. وتُعد الألواح السيلكونية البلورية الأكثر شيوعاً بنسبة %90، لكنها ذات كثافة عالية في استخدام المعادن غير الحرجة لإنتاج كيلو وات واحد، وتتراوح كفاءتها بين 15 و%25. 

اما تقنية الفِلْم الرقيق فتتكون من طبقات عديدة من أشباه الموصلات. وتهدف التقنية إلى تقليل التكلفة بالمفاضلة بين استخدام أقل كثافة للمعادن غير الحرجة للكيلو وات واستخدام معادن حرجة بدلاً من الفضة، فهي أقل وزناً وحجماً من تقنية السيليكون البلوري، بينما يقع نطاق كفاءتها بين 7 و%10.

كثافة استخدام المعادن في تكنولوجيا الألواح الشمسية 
بتكنولوجيا السيليكون البلوري.

استخدام المعادن في صناعة توربينات 
الرياح والمحركات الكهربائية

يتولد المجال المغناطيسي إما من عن طريق المغناطيس الدائم أو من حقن المجال الكهربائي في ملف نحاسي. وتستخدم بعض المعادن المغناطيسية كالدسبروسيوم والنيوديميوم والتيربيوم في توربينات الرياح والمحركات الكهربائية لزيادة ما يسمى “شدة الحقل المغناطيسي القسري”. وتتميَّز المحركات التي تستخدم مغناطيساً دائماً بشدة العزم، وانخفاض الوزن والحجم. 

يوجد تصميمان رئيسان لمحطات توربينات الرياح: مولّد من دون علبة تروس (مغناطيس دائم محفز كهربائياً أو عالي المحتوى من المواد المغناطيسية باستخدام مولد متزامن)، ومولّد مع علبة تروس (مغناطيس كهربائي أو مولد مغناطيسي دائم ذو محتوى منخفض) وهو الأكثر شيوعاً والأكفأ، ولكنه الأكثر استخداماً للنحاس. ويستخدم غالباً في الأجواء ذات الرياح الأقل نشاطاً. بينما يستخدم المولد من دون علبة تروس غالباً في مزارع الرياح البحرية، وهو أكثر موثوقية وتكلفة باستخدامه للمعادن النادرة. ومن الممكن اعتماد هذه المفاضلة في محركات السيارات الكهربائية، فهي إما أن تكون محركات متزامنة مع مغناطيس دائم، أو محركات ذات حقن كهربائي. وللأسباب نفسها يفاضل مهندسو السيارات الكهربائية بين التكلفة والكفاءة في الاختيار بين النوعين.

كثافة استخدام المعادن في تكنولوجيا توربينات الرياح.

استخدام المعادن في صناعة
البطاريات الكهربائية

البطارية الكهربائية السائدة اليوم هي بطارية الليثيوم. ويستخدم كلٌّ من الليثيوم والنيكل والكوبلت والمنغنيز والجرافيت كمكونات رئيسة في البطاريات الكهربائية ذات القابلية لإعادة الشحن، والمستخدمة في عديد من الإلكترونيات الاستهلاكية، إضافة إلى السيارات الكهربائية.

تتكوَّن بطارية الليثيوم الكهربائية من قطبين كهربائيين: الأنود والكاثود. ويتكوَّن الأنود عادة من الجرافيت مع جامع تيار من رقائق النحاس. بينما يشكل تصميم الكاثود الذي يحتوي على الليثيوم المحدد الرئيس لسعة وعزم البطارية بكفاءته وسرعته في إطلاق واستقبال الليثيوم أثناء عمليتي الشحن والتفريغ. 

وللوصول إلى طاقات أكبر وزيادة السعة، يستخدم مصنِّعو البطاريات كيمياء عالية النيكل في تصميم الكاثود، لكنه يقلل، في الوقت نفسه من عمرها الافتراضي، مما يحملهم على التقليل منه وبمزاوجته مع الكوبلت الأكثر ندرة، وكذلك مع عناصر كيميائية أقل تأثيراً كالمنغنيز والألمنيوم.

الفرق بين سيارة الاحتراق الداخلي والسيارة الكهربائية في كثافة استخدام المعادن (جرام/سيارة صغيرة).

البُعد الاقتصادي لصناعة
الطاقة الخضراء
الاستخدام المشترك للمعادن

من العوامل الأخرى ذات التأثير الكبير على سلاسل الإمداد بالمعادن، الاستخدام المشترك للمعادن في التطبيقات والتكنولوجيات المختلفة، مما يجعل الطلب عليها أقل مرونة. فالمعادن، وخصوصاً الحرجة، ذات أهمية استراتيجية لعدد من الصناعات المتقدِّمة في القطاعات العسكرية والإلكترونية والطبية، وصناعة الفضاء الناشئة، إضافة إلى صناعة الطاقة الخضراء. وللاستخدام المشترك تداعيات مهمة على اتجاهات النمو الصناعي والابتكار في قطاعات التكنولوجيا المتقدمة، وبالتالي مستويات الاستهلاك والإنتاج في المستقبل. إذ ستلعب التطورات التقنية في القطاعات الأخرى التي تتنافس مع قطاع الطاقة الخضراء على المعادن الحرجة دوراً في تشكيل ديناميكية النضوب الاقتصادي لها. وسوف يترتب على ذلك الافتراضات المتعلقة بكيفية تطور الطلب على المعادن الحرجة وتأثير ذلك على أسعارها الآنية.

من العوامل الأخرى ذات التأثير الكبير على سلاسل الإمداد للمعادن هو الاستخدام المشترك للمعادن في التطبيقات والتكنولوجيات المختلفة، مما يجعل الطلب عليها أقل مرونة. المعادن، وخصوصاً الحرجة، ذات أهمية استراتيجية لعدد من التكنولوجيات المتقدِّمة في قطاعات الصناعات العسكرية، والإلكترونيات الاستهلاكية والصناعات الطبية، وقطاعات التصنيع المختلفة، وصناعة الفضاء الناشئة، وصناعات الطاقة الأخرى بالإضافة إلى تكنولوجيا الطاقة الخضراء.

العلاقة المتنامية بين المعادن والطاقة
تُعدُّ صناعات التعدين وإعادة تدوير المعادن من الصناعات المستهلكة للطاقة بكثافة. وتقدِّر “وكالة الطاقة الدولية” أن ما يقرب من %11 من إجمالي استهلاك الطاقة العالمي يُعزى إلى قطاع التعدين. وتتوقع الوكالة ازدياد هذه النسبة مستقبلاً بازدياد الطلب على المعادن.

ويُعزى النمو المطرد لاستهلاك الطاقة في قطاع التعدين إلى عدة أسباب، أولها انخفاض نسبة تركيز المعادن بشكل عام في ما تبقى من الصخور الرسوبية، مما يجعل استهلاك المعادن للطاقة من بدء عملية الاستخراج إلى نهاية عملية المعالجة يتزايد باستمرار. ويرجع السبب الثاني إلى زيادة نشاط عملية إعادة تدوير المعادن، الذي يُعد نشاطاً كثيف الاستهلاك للطاقة. أما السبب الثالث فيرجع تزايد اهتمام شركات التعدين باستخراج المعادن الثانوية المصاحبة، التي تتطلب طاقة إضافية لتنقيتها. 

وهنالك سبب رابع يسهم في إنشاء علاقة غير مباشرة بين المعادن والطاقة، وهي تتعلق خصوصاً بطبيعة مصادر الطاقة المتجدِّدة المتغيرة: أي الألواح الشمسية وتوربينات الرياح. ويأتي هذا من إصرار بعض صانعي السياسات على محاولة جعلها المصادر الوحيدة لإنتاج الطاقة، حتى من دون الانتهاء من تطوير تقنيات لخزن الطاقة ذات جدوى اقتصادية. فبسبب صعوبة مساواة الطلب على الطاقة الكهربائية الآني والمستقبلي مع إنتاج الطاقة المتجددة المتغيرة لموسميتها وكذلك لارتباطها بالطقس وصعوبة التنبؤ به، تستثمر بعض الدول في زيادة سعتها القصوى من الألواح الشمسية وتوربينات الرياح لتتجاوز نقطة الحمل الأقصى بنسبة كبيرة، مما يجعلها أقدر على تغطية الأحمال على مدار الساعة وفي جميع فصول السنة. 

فعندما يتجاوز الإنتاج الطلب، وهذا يحدث في الغالب، يتم تحويل بعض الفائض للخزن الكهربائي ذي السعة المحدودة، بينما يتم فصل الفائض المتبقي “بتقليص” تشغيل محطة طاقة الرياح أو الكهروضوئية بأقل من قدرتها الفعلية للتوليد. ولذلك تداعيات تتجاوز “الاستثمار الضائع”، فالاستثمار في زيادة السعة سيؤدي حتماً إلى زيادة الطلب على المعادن، سواء لصناعة الألواح الشمسية وتوربينات الرياح أو لتقنيات خزن الطاقة.

إن جملة الأسباب الأربعة تجعل جزءاً من العلاقة بين المعادن والطاقة يدور في حلقة متشابكة، وإن كانت محدودة في الوقت الحاضر ولكنها مع مرور الوقت ستصبح مؤثرة في سلسلة الإمداد للمعادن. فمزيد من الطاقة يعني استهلاكاً أكبر للمعادن، وكذلك فإن استهلاكاً أكبر للمعادن يعني مزيداً من استهلاك الطاقة.  

البطارية الكهربائية السائدة اليوم هي بطارية الليثيوم. ويستخدم كلٌّ من الليثيوم والنيكل والكوبلت والمنغنيز والجرافيت كمكونات رئيسة في البطاريات الكهربائية ذات القابلية لإعادة الشحن، والمستخدمة في عديد من الإلكترونيات الاستهلاكية، إضافة إلى السيارات الكهربائية.

التمركز الجغرافي للخامات وما قد يتسبَّب به
مما لا يدركه كثيرون هو أنه إذا ما تم التحوُّل إلى الطاقة الخضراء فإننا ندخل عصراً جديداً، لن تكون فيه أهمية الجغرافيا السياسية أقل مما هي في عصر النفط. حيث تتركز سلسلة إمداد المعادن بمراحلها المختلفة من استخراج ومعالجة وتجديد وتصنيع واستخدام نهائي في مناطق جغرافية محدودة، ولكن التهديد الأكبر يكمن في التركز الجغرافي لتواجد بعض خامات المعادن. 

تزداد المخاطرة إذا ما تركز الخام في بلدان ذات موثوقية منخفضة. ويعتمد أمان سلسلة الإمداد على مستوى موثوقية البلدان المصدرة من حيث الاستقرار السياسي وطبيعته، وكفاءة القطاع البيروقراطي، ومدى تفشي الفساد.

نظرياً، تؤدي ندرة العرض إلى زيادة المنافسة، لكن عندما لا يوجد مستخرج للمعدن يستطيع المنافسة بخامات ذات جدوى اقتصادية، فإن تنوُّع مصادر المعروض من المعادن لن يكون أمراً محتملاً.

عموماً، تتركز معظم المعادن الحرجة في الصين حيث يتم إنتاج حوالي %70 من المعادن الحرجة المستخدمة في صناعة الألواح الشمسية وتوربينات الرياح، و%82 من التنغستن و%95 من الغاليوم. إضافة إلى ذلك تمتلك الشركات الصينية سيطرة كبيرة على سلاسل الإمداد، بما في ذلك التعدين والمعالجة والتصنيع، والصين هي أيضاً أكبر سوق نهائي. أما الكوبلت فيتركز الخام بنسبة %65 في جمهورية الكونغو الديموقراطية، وتستحوذ البرازيل على إنتاج %88 من النيوبيوم. أما البلاتين والبلاديوم فيتركزان بنسبة %48 في جنوب إفريقيا.

كثافة الطاقة بالميغا جول اللازمة لاستخراج كيلوجرام من المعدن.

أهمية إعادة تدوير المعادن
إعادة التدوير شرط ضروري في استدامة التحوُّل نحو الطاقة الخضراء. فبإعادة التدوير فقط، يمكن غلق الدورات الاقتصادية للمعادن. يهدف تطبيق الاقتصاد الدائري بالأساس إلى عدم تأثر نمو النشاط الاقتصادي بالقيود على نمو إنتاج المعادن، وذلك بابتكار تقنيات قادرة على إعادة تدوير المعادن الحرجة على طول سلاسل الإمداد للمعادن المختلفة.

وفي حين أن إعادة التدوير تغطي بالفعل جزءاً كبيراً من الطلب الحالي على معادن مهمة كالحديد والألمنيوم والنحاس، لا تزال معدلات إعادة التدوير منخفضة في مجال المعادن الحرجة والمعادن الأخرى ذات الاستخدامات عالية التقنية. فتكنولوجيات إعادة التدوير الحالية غير قادرة بكفاءة على استعادة معظم المعادن الحرجة في المنتجات المصنَّعة اقتصادياً. ويتعلق أحد الأسباب بمدى ملاءمة تصميم منتجات الطاقة الخضراء لابتكار تقنيات جديدة قادرة على استعادة المعادن الحرجة منها. فمثلاً، تمثل الطرق الحالية لتجميع المنتج، مثل اللحام الموضعي، تحدياً كبيراً لعمليات استعادة الكميات الصغيرة المتناثرة من المعادن الحرجة.

ومن القيود الأخرى على زيادة معدل إعادة تدوير المعادن الحرجة هو صعوبة التصنيف الصحيح للمعادن وتوفيقها مع مصانع إعادة التدوير المناسبة. لذلك لا بد من تبني ممارسة “التعدين الحضري”. فهو عملية ممنهجة لجمع النفايات عن طريق المستخدم بتصنيفها حسب المحتوى، بحيث تتم الاستفادة القصوى من كل مكوناتها المعدنية بكفاءة. وتقلل إعادة التدوير من الحاجة إلى زيادة استخراج المعادن الحرجة، وبالتالي إطالة عمر قاعدة الموارد، وتوفر فوائد إضافية مثل توفير الطاقة وتقليل التلوث.

إن تفكيك وفصل الأجزاء من المنتجات في نهاية حياتها أمران أساسيان وينطويان على تقنيات ذات تكلفة عالية في عمليات ما قبل المعالجة للفصل المادي. ولذا، يجب بشكل جاد استيعاب تكاليف إعادة تدويرها بتكاليف الإنتاج الأولي للمعادن الحرجة عن طريق السياسات الحكومية، للتحفيز على إعادة تدويرها. 

تتسبَّب صناعة التعدين في تأجيج بعض النزاعات وكذلك في تلوث الهواء وتلوث مياه الأنهار وتسهم بشكل مهم في انبعاثات الغازات الدفيئة وتهديد الحياة البرية وتقويض مساحات الغابات.

وبسب حداثة صناعة الطاقة الخضراء بالنسبة لعمرها الافتراضي، فمن المبكر الحديث بالقطع عن تكلفة إعادة التدوير. لكن يبدو من الدراسات أن إعادة التدوير مرتفعة لمواد الزجاج والألمنيوم والنحاس والفضة والجرمانيوم وغيرها من المواد الخام، وهي ذات جدوى اقتصادية واعدة. من جهة أخرى، فإن تقنيات إعادة تدوير المعادن الحرجة من توربينات الرياح والمحركات الكهربائية والبطاريات الكهربائية وخلية الهيدروجين إما أنها غير اقتصادية أو لم تصل إلى مرحلة النضج، كما أنها تستهلك كميات كبيرة من الطاقة.

تقييم استدامة توافر 
المعادن الحرجة

إن التحوُّل نحو الطاقة الخضراء ما زال في بدايته، ومن المتوقع أن تنمو تقنيات توربينات الرياح والألواح الشمسية والسيارات الكهربائية في نطاق ومعدل غير مسبوقين. وغني عن القول إنه لم يختبر حتى الآن استهلاكاً واسع النطاق للمعادن الحرجة. إذ لا تقتصر مخاطر تعطل سلاسل إمدادات المعادن على تهديد التحول إلى تكنولوجيات منخفضة الكربون، ولكن أيضاً بأمن إمدادات الطاقة، حيث يمكن أن يؤدي تأخير أو تعطيل نشر هذه التقنيات إلى تعريض أمن الطاقة للخطر من خلال تقييد التوسع المخطط لقدرة إضافية لتوليد الكهرباء، أو منع صيانة وتحديث أنظمة الطاقة الخضراء المثبتة مسبقاً.

معدل إعادة التدوير للمعادن الحرجة.

ثمَّة عوامل عديدة قد تزيد من احتمال حدوث خلل في الإمداد لبعض هذه المعادن: الندرة الجيولوجية، واختلالات أسواق المعادن، والتركز الجغرافي لبعض الخامات في عدد قليل من البلدان بعضها غير مستقر، والزيادات المطردة في الطلب بسبب استحداث أو تطور تكنولوجيات منافسة على المعدن، والإمداد غير المرن بسبب إنتاج المعدن فقط كمنتج ثانوي، وقدرة محدودة في إعادة التدوير بعد الاستهلاك الأول، والانخفاض المستمر لتركز المعادن في الخامات المعدنية، ونقص البدائل المناسبة.

إن التحوُّل التام والمستدام إلى الطاقة الخضراء أمر مستبعد في المدى المنظور، إلا أنها سوف تلعب دوراً جوهرياً في مزيج الطاقة العالمي.

تتميز المعادن الحرجة بصغر حجم أسواقها واختلاف كبير في معدلات إنتاجها ومعدلات الطلب. ولذلك، فإن فروقات الأسعار تختلف تباعاً بين المعادن الحرجة، وتتميَّز بتقلب كبير مع عدم ارتباط ذلك بالضرورة بقيمة المعدن أو ندرته. 

التمركز الجغرافي لبعض المعادن الحرجة التي تستخدم في صناعة الطاقة الخضراء.

هنالك عامل مهم يسهم في جعل سلاسل الإمداد لبعض المعادن غير مرنة، وهو أن تكون المعادن الحرجة، على سبيل المثال، منتجات ثانوية أو مرافقة لاستخراج معادن أخرى ذات مستوى ربحي أهم. فمثلاً، يميل البلاتين والبلاديوم والروديوم، غالباً، إلى الظهور في نفس الرواسب الأولية مع كبريتيد الحديد وكبريتيد النيكل والكوبالت والنحاس. فإذا ما أصبح استخراج المعدن الرئيس غير ربحي، فمن شبه المؤكد أن تتأثر سلاسل الإمداد للمعادن الثانوية والمرافقة بهذا التغير.

تشير دراسات كثيرة، ومنها دراسة موثوقة من البنك الدولي، إلى تعذر مواكبة صناعة التعدين بمعدل استخراجها الأقصى للمعادن الحرجة معدل نمو الطاقة الخضراء المتوقع بالتكنولوجيات الحالية، كما أن النضوب الاقتصادي سيحول دون التحوّل التام إليها. لكنها حتماً ستكون عنصراً مهماً في مزيج الطاقة العالمي. هنالك عدة أسباب لافتراض أن أسواق المعادن لن تكون قادرة على الاستجابة وتلبية الطلب المتزايد على بعضها. إذ يتم تصنيف عناصر مثل الليثيوم، والكوبلت، والنيكل، والنيوبيوم، والإنديوم، والدسبروسيوم، والنيوديميوم، والتيربيوم، والتنغستن، والجاليوم، والجرمانيوم، والسيلينيوم، والفضة، على سبيل المثال، على أنها حرجة أو شبه حرجة في بعض الدراسات. ولا بد من الانتباه إلى أن المعادن غير الحرجة سوف تشهد قفزات سعرية إذا كان توسع الطاقة الخضراء متسارعاً وأعلى من مجموع معدل القدرة الاستخراجية ومعدل التدوير.

إن المعادن ركن أساسي لكي تستطيع التكنولوجيا المحافظة وتطوير جودة الحياة البشر، فلا بديل لها. ويتوقع أن تكون ذات أهمية متزايدة في المستقبل. لذلك فمن مبدأ التنمية المستدامة، لا بد من الحفاظ عليها للأجيال القادمة. إن التحوُّل نحو الطاقة الخضراء ما زال في بدايته. ولا تزال هناك حاجة لابتكار عديد من تكنولوجيات سلاسل المعادن لكي نحافظ على استدامة استهلاكها للأجيال القادمة. باختصار، يجب تطوير نهج متكامل للاقتصاد الدائري للمعادن وخصوصاً الحرجة. 

نسبة مقدار المتراكم لاستهلاك المعادن الحرجة إلى احتياطاتها المعروف في دراسة للبنك الدولي.

المراجع:

1- Greenfield A, Graedel TE (2013) The omnivorous diet of modern technology. Resour Conserv Recycl 74: 1–7. Available: http://www.sciencedirect.com/science/article/pii/S0921344913000396. Accessed 29 October 2013. 

2- Graedel TE, Erdmann L (2012) Will metal scarcity impede routine industrial use? MRS Bull 37: 325–331. doi:10.1557/mrs.2012.34. 

3- Van der Voet E, Salminen R, Eckelman M, Mudd G, Norgate T, et al. (2013) Environmental Risks and Challenges of Anthropogenic Metals Flows and Cycles. A Report of the Working Group on the Global Metal Flows to the International Resource Panel. United Nations Environment Programme (UNEP). 

4- Kleijn R, van der Voet E, Kramer GJ, van Oers L, van der Giesen C (2011) Metal requirements of low-carbon power generation. Energy 36: 5640–5648. Available: http://www.sciencedirect.com/science/article/pii/ S0360544211004518. Accessed 24 July 2013. 

5- Elshkaki A, Graedel TE (2013) Dynamic analysis of the global metals flows and stocks in electricity generation technologies. J Clean Prod. Available: http://www.sciencedirect.com/science/article/pii/S0959652613004575. Accessed 24 July 2013. 

6- Graedel TE, Harper EM, Nassar NT, Reck BK (2013) On the materials basis of modern society. Proc Natl Acad Sci: 201312752. Available: http://www.pnas.org/content/early/2013/11/27/1312752110. Accessed 16 December 2013. 

7- Graedel TE, Allwood J, Birat J-P, Buchert M, Hagelüken C, et al. (2011) What Do We Know About Metal Recycling Rates? J Ind Ecol 15: 355–366. Available: http://onlinelibrary.wiley.com/doi/10.1111/j.1530-9290.2011.00342.x/abstract. Accessed 1 October 2012. 

8- Chapman PF, Roberts F (1983) Metal resources and energy. Butterworths. 260 p. 

9- Gupta CK (2004) Chemical Metallurgy. Wiley-VCH Verlag GmbH & Co. KGaA. Available: http://onlinelibrary.wiley.com/doi/10.1002/3527602003. fmatter/summary. Accessed 24 July 2013. 

10- IEA (2010) Energy Technology Perspectives 2010: Scenarios and Strategies to 2050. Paris: International Energy Agency (IEA). Available: http://www.iea.org/publications/freepublications/publication/name,26100,en.html. Accessed 30 October 2013. 

11- Norgate T, Jahanshahi S (2011) Reducing the greenhouse gas footprint of primary metal production: Where should the focus be? Miner Eng 24: 1563– 1570. Available: http://www.sciencedirect.com/science/article/pii/S089268751100286X. Accessed 19 March 2013. 

12- Norgate TE, Jahanshahi S, Rankin WJ (2007) Assessing the environmental impact of metal production processes. J Clean Prod 15: 838–848. Available: http://www.sciencedirect.com/science/article/pii/S0959652606002320. Accessed 24 July 2013. 

13- Norgate T, Jahanshahi S (2010) Low grade ores – Smelt, leach or concentrate? Miner Eng 23: 65–73. Available: http://www.sciencedirect.com/science/article/pii/S0892687509002568. Accessed 24 July 2013. 

14- Laznicka P (2006) Giant Metallic Deposits: Future Sources of Industrial Metals. Berlin Heidelberg: Springer. Available: http://link.springer.com/book/10.1007/978-3-642-12405-1/page/1. Accessed 24 July 2013. 15. Verhoef EV, Dijkema GPJ, Reuter MA (2004) Process Knowledge, System Dynamics, and Metal Ecology. J Ind Ecol 8: 23–43. Available: http://onlinelibrary.wiley.com/doi/10.1162/1088198041269382/abstract. Accessed 24 July 2013. 

15- Erdmann L, Graedel TE (2011) Criticality of Non-Fuel Minerals: A Review of Major Approaches and Analyses. Environ Sci Technol 45: 7620–7630. Available: http://dx.doi.org/10.1021/es200563g

16- Graedel TE, Barr R, Chandler C, Chase T, Choi J, et al. (2012) Methodology of Metal Criticality Determination. Environ Sci Technol 46: 1063–1070. Available: http://dx.doi.org/10.1021/es203534z

17- Nuss P, Harper EM, Nassar NT, Reck BK, Graedel TE (2014) Criticality of Iron and Its Principal Alloying Elements. Environ Sci Technol 48: 4171–4177. Available: http://dx.doi.org/10.1021/es405044w. Accessed 10 April 2014.

18- Philip Nuss1, Matthew J. Eckelman (2014) Life Cycle Assessment of Metals: A Scientific Synthesis. PLOS ONE. July 2014, Volume 9, Issue 7.

19- El-Kretsen (2016). Årsrapport 2015. 2016-06-09. Retrieved 1st December 2016, from: http://www.el-kretsen.se/%C3%A5rsrapport-2015 Energy.gov. (2016). 

20- Critical materials hub. U.S. Office of Energy Efficiency & Renewable Energy. Retrieved 31st December 2016, from: https://energy.gov/eere/amo/critical-materials-hub.

21- H. Kim, S. Alam, N. R. Neelameggham, H. Oosterhof, T. Ouchi, and X. Guan, Rare Metal Technology 2017. Springer, 2017.

22- A. Kumari, M. K. Sinha, S. Pramanik, and S. K. Sahu, “Recovery of rare earths from spent NdFeB magnets of wind turbine: Leaching and kinetic aspects,” Waste Manag., vol. 75, pp. 486–498, 2018.

23- Alicia Valero, Antonio Valero, Guiomar Calvo, Abel Ortego, Sonia Ascaso, Jose- Luis Palacios. (2017), Global material requirements for the energy transition. An exergy flow 1 analysis of decarbonization pathways.


مقالات ذات صلة

ظهر مفهوم ريادة الأعمال الخضراء حديثاً، نتيجة لنمط الإنتاج والاستهلاك وطريقة الحياة التي فرضتها الثورات الصناعية المتعاقبة، التي أدَّت إلى تغيُّراتٍ جذرية على العصر الذي نعيش فيه، لم تكن موجودة عند انطلاق الثورة الصناعية وريادة الأعمال التقليدية، تمثَّلت في تغيُّر مناخي خطير يهدِّد الحياة على الكرة الأرضية، واستنفاد لمواردها الطبيعة، وغير ذلك من الآثار السلبية.وقد […]

لصناعة السفر والسياحة أهميّة هائلة في الازدهار الاقتصادي والاجتماعي، فهي تنشئ فرص عمل، وتوفِّر وظيفة فريدة للمرأة وللأقليّات والشبان أيضاً، وهي عنصر أساسي في إجمالي الناتج المحلي، تعتمد عليه الدول. كما تواصل السياحة تَصَدُّر توقعات النماء العالمي على المدى الطويل، مع دخل كبير يبلغ 1.5 بليون دولار من السياح الدوليّين في 2019م. وكان قطاع السفر […]

يُشير الذكاء الاصطناعي إلى تقنيات تُحاكي ذكاء الدماغ البشري، وأي آلة تقوم بوظائف عقل الإنسان. وظهر المصطلح في عام 1956م، ثم تبعه مصطلح “تعلم آلة” بعده بثلاث سنوات. ولأهميته، فمن المتوقع أن يتضاعف الإنفاق العالمي على تقنيات الذكاء الاصطناعي، حيث سينمو من 50.1 بليون دولار في 2020م إلى أكثر من 110 بلايين دولار في 2024م. […]


0 تعليقات على “صناعة الطاقة الخضراء”


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *