مجلة ثقافية منوعة تصدر كل شهرين
مايو – يونيو | 2024

سينما القلوب الوحيدة


تأليف: د. ياسر ثابت

الناشر: المُحرِّر، 2024م

وعلى الرغم من أن د. ياسر ثابت، مؤلف الكتاب، ركّز في جزء كبير من مضمونه على مناقشة أعمال إبداعية في سياق الإنتاج السينمائي المصري، فإنه لا يتعين التعامل معه من منظور محلي صرف؛ ذلك لأنه يُقدِّم نمطًا من التحليل النقدي الرحب للتجربة السينمائية في معناها الأشمل.

يكتب المؤلف مخاطبًا القارئ: “تستضيف الأفلام أحلامك وكوابيسك، تضعك في روحانية اللحظة وعظمة اللقطات، ثم توجّه إليك سؤالًا وجوديًا: أين مكانك في العالم؟”. ويضيف: “السينما هي الجحيم الذي لا بدَّ منه. جلسة حميمية طويلة، تخرج منها مُعتدًّا بأوهامك. صُرَّة من المشاعر بعثرها الهواء”. وهي، في أحيان أخرى، مثل “معجنات مُصممة لاسترضاء المعدمين بأحلام يقظة عن نعمة لا يمكن الوصول إليها”.

ويصف السينما بالمدرسة التي “تربي ذائقتنا وطريقتنا في النظر، في الحكم، وفي المتعة”. ويعدُّها “فسحة للجميل والمدهش والممتع والمرِح والمعتم والمقيت، أي لعواطفنا وانفعالاتنا في أعلى تجلياتها الفردية والاجتماعية”. ويوضح كيف أن لشريط الفِلم أسراره وطرقه الخاصة في جذب محبيه من حيث لا يدرون، والذين ربَّما يجدون فيه مكانًا لإيواء فجيعتهم، وينالون أخيرًا “زمنًا مظللًا بمودة مفتقدة أو خلاص مأمول“.

ويؤكد ثابت أن السينما اكتسبت فرادتها وتطوراتها، من اعتمادها على الرأسمال التقني والبصري والسردي من داخلها، عبر خبرات التصوير والسيناريو والإخراج والتمثيل وثقافة الحيز المكاني.

ويشير إلى أن هدفه من هذا الكتاب يتمثَّل في استعادة رموز المتعة البصرية والسردية ذات الرونق الخاص ممَن قدَّموا مسارات مختلفة ومُلهمة في العمل السينمائي، ونجحوا في تطويره. فيستعرض في هذا السياق، مجهودات مجموعة من المخرجين والممثلين مثل: محمد خان، وداود عبدالسيد، وعز الدين ذو الفقار، وأحمد زكي، وأبرز مديري التصوير السينمائي في مصر.

ويناقش مضمون الكتاب، الذي لا ينقسم إلى فصول، بل يضم موضوعات قائمة بذاتها، بعض المفاهيم الفلسـفيـة التي ترتبط بالصورة السينمائية، ومن أهمها مفهوم “السأم”. يقول المؤلف إن الملل يرتبط في السينما، وفي تجربتنا اليومية، بفقدان عام للمعنى أو الاهتمام، ووفقًا لذلك غالبًا ما يُنظر إلى السأم على أنه ما يجب تجنبه. مع ذلك يمكن اعتباره في السينما أداة لفهم فعل المشاهدة. فعلى النقيض من التصور العادي للسأم كشيء يمكن الهرب منه، يمكن أن يكون حافزًا للتفكير في محتوى الصور المعروضة أمامنا، وطرق التفاعل معها، خاصة حين تكون مغايرة لأنماط الأفلام السائدة، فتتبنى نهجها الخاص من حيث البطء في سير الأحداث الدرامية، أو غموضها وتنافرها مع بقية مكونات العمل السينمائي. وبهذا المعنى، يعدُّ السأم في عالم الفرجة “الوجه الآخر لعملة التأمل التي لا تصدأ” .


مقالات ذات صلة

صدر مؤخرًا كتابان يسلطان الضوء على العلاقة العميقة بين الخيل والإنسان. يُقدم “الغزاة والحكام والتجار” للمؤرخ ديفيد شافيتز لمحة عن دور الخيول في الحضارات، بينما يُعيد “ضربات الحوافر” لويليام تايلور صياغة القصة الملحمية للخيل مستندًا إلى أحدث الاكتشافات العلمية، ليحل محل الأساطير القديمة.

Money: A Story of Humanity
by David McWilliams
تأليف: ديفيد ماكويليامز
الناشر: 2024م، Simon & Schuster UK

The Haunted Wood: A History of Childhood Reading by Sam Leith 
تأليف: سام ليث  
الناشر: 2024م، Sutherland House Books


0 تعليقات على “سينما القلوب الوحيدة”


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *