ظهر مفهوم ريادة الأعمال الخضراء حديثاً، نتيجة لنمط الإنتاج والاستهلاك وطريقة الحياة التي فرضتها الثورات الصناعية المتعاقبة، التي أدَّت إلى تغيُّراتٍ جذرية على العصر الذي نعيش فيه، لم تكن موجودة عند انطلاق الثورة الصناعية وريادة الأعمال التقليدية، تمثَّلت في تغيُّر مناخي خطير يهدِّد الحياة على الكرة الأرضية، واستنفاد لمواردها الطبيعة، وغير ذلك من الآثار السلبية.
وقد ركَّزت الأبحاث الحديثة حول الأعمال البيئية على كيفية جعل أوجه نشاط الشركات الكبيرة أكثر استدامة. ومنذ أقل من عقد تحوَّلت إلى التركيز على الصلة بين ريادة الأعمال والاستدامة، وأصبحت الأبحاث والنشاطات حول ريادة الأعمال الخضراء أكثر رسوخاً.
حقَّقت ريادة الأعمال التقليدية تقدُّماً مذهلاً على صعيد الاقتصاد والأعمال والخدمات. وقدَّمت للبشرية مستوياتٍ عاليةً من الرفاهية لم يعرفها الإنسان في تاريخه. لكن هذا السعي إلى التقدُّم وجني الثروات جرى دون حساب بعيد المدى للآثار السلبية على البيئة والحياة.
وعلى الرغم من التبني الواسع النطاق للتنمية المستدامة بعد قمَّة الأرض في ريو دي جانيرو في البرازيل عام 1992م، ومحاولة الجمع بين أهداف السياسة الاقتصادية والبيئية والاجتماعية، كان التقدُّم ضئيلاً في معظم الدول الصناعية. فقد ظلَّت سياسات التنمية الاقتصادية، بشكلٍ عام مرتبطة بالسمات نفسها منذ انطلاق الثورة الصناعية دون حساب لأي تأثيراتٍ سلبية:
- نمو مرتفع كهدفٍ رئيس.
- قائم على الاستهلاك.
- قائم على الكربون.
- النجاح من خلال زيادة إجمالي القيمة المضافة فقط.
- لم تدخل الأضرار البيئية ضمن تكلفة إنتاج السلع والخدمات.
أدى هذا النمط من الإنتاج والاستهلاك وطريقة الحياة إلى تغيراتٍ جذرية على العصر الذي نعيش فيه، لم تكن موجودة عند انطلاق الثورة الصناعية وريادة الأعمال التقليدية، تمثلت بما يلي:
- تغيُّر مناخي خطير يهدِّد الحياة على الكرة الأرضية.
- استنفاد الموارد الطبيعية.
- تفاوت كبير في الدخل بين الأفراد والدول يهدِّد الاستقرار.
- تغيرٌ في الجغرافيا الاقتصادية، يتعلَّق بهجرة الناس الذين يعيشون في مناطق لن تعود صالحة للسكن.
ريادة الأعمال الخضراء
حتّم هذا الوضع الخطير ظهور ريادة الأعمال الخضراء. ولما كان ظهورها حديثاً، فإن الأبحاث حولها لا تزال محدودةً جداً. قبل ذلك، ركَّزت الأبحاث حول الأعمال البيئية على كيفية جعل أوجه نشاط الشركات الكبيرة أكثر استدامة. ومنذ أقل من عقد تحوَّلت إلى التركيز على الصلة بين ريادة الأعمال والاستدامة وأصبحت الأبحاث والنشاطات حول ريادة الأعمال الخضراء أكثر رسوخاً.
في النهاية، استخدم الباحثون مصطلح “ريادة الأعمال الخضراء”، جنباً إلى جنب مع التعبيرات المضافة مثل “ريادة الأعمال المستدامة” أو “ريادة أعمال البيئة”. وقد أصبح يُنظر إلى هذا النوع من نشاط ريادة الأعمال على أنه جزء من اتجاه مجتمعي عالمي جديد يُعَوَّلُ عليه في إنقاذ البشرية من أخطار التغيُّر المناخي والتصحّر وانقراض الأنواع. وبالفعل، فقد أصبح التركيز على السياسات الخضراء الآن أقوى من أي وقت مضى. وتتمحور هذه السياسات حول الأهداف بعيدة المدى التالية:
- التصالح بين البيئة والتنمية الاقتصادية ورفاهية المجتمع.
- إدخال مفاهيم جديدة على علم الاقتصاد.
- ترسيخ أنماط جديدة من الإنتاج والاستهلاك.
- الابتكارات التكنولوجية الخضراء تشكِّل المصدر الأساسي للتميُّز والمنافسة.
يتحقق ذلك من خلال تحوُّل ريادة الأعمال الخضراء إلى محرك أول للحركة الاقتصادية. لتحقيق ذلك، يضع معظم روَّاد الأعمال الخضراء أهدافاً قريبةً ومتوسطة المدى تتمحور حول جودة البيئة، والتنمية الاقتصادية، والاستدامة، والرعاية الاجتماعية، والابتكار التكنولوجي.
الاستراتيجية المناسبة للتغيير
ومع التوسع والنمو المتزايد لريادة الأعمال الخضراء خلال السنوات القليلة الماضية، يدور نقاش بين علماء الاقتصاد والبيئة حول الاستراتيجيات المناسبة للانتقال من ريادة الأعمال التقليدية إلى هذا النمط الجديد. ومن ضمن النظريات الرئيسة التي يتم تداولها، أُعيد الاعتبار لمفاهيم عالِم الاقتصاد النمساوي الأمريكي جوزيف شومبيتر، 1883-1950م الذي صاغ وأدخل مفهوم وتعبير “ريادة الأعمال” إلى الاقتصاد منذ قرن تقريباً. ويُعدُّ عديدٌ من علماء الاقتصاد أنها صالحة اليوم للانتقال إلى اقتصاد أخضر.
إن ريادة الأعمال، كما حدَّدها شومبيتر في الأصل، هي أكثر بكثير من مجرد بدء أي عمل تجاري جديد، وتشمل مايلي:
- إدخال تغييرات ثورية حقاً في أساليب وممارسات العمل.
- إطلاق منتجات جديدة متميزة.
- إطلاق تقنيات جديدة للإنتاج.
- ابتكار أساليب تنظيمية جديدة.
أصبح يُنظر إلى ريادة الأعمال الخضراء على أنها جزء من اتجاه مجتمعي عالمي جديد يُعَوَّلُ عليه في إنقاذ البشرية من أخطار التغيُّر المناخي والتصحّر وانقراض الأنواع.
لتحقيق ذلك، يقترح شومبيتر ما سماه “عاصفة التدمير الإبداعي”، التي تنطوي على الاعتبارات التالية:
- إن ريادة الأعمال هي القوة الدافعة للتقدُّم الاقتصادي.
- إن روَّاد الأعمال الحقيقيين هم وكلاء التغيير الديناميكيون، وأصحاب الرؤى الذين من خلال قدراتهم الإبداعية واجتهادهم، يعرقلون بشكل دوري الطرق التقليدية لممارسة الأعمال التجارية.
- عملية التحوُّل الصناعي تُحدث ثورة مستمرة في الهيكل الاقتصادي من الداخل بواسطة الابتكار التكنولوجي والاكتشافات العلمية، تدمِّر الهيكل القديم، وتخلق بنية جديدة باستمرار.
بهذا المعنى، يمكننا اليوم اعتبار شخصياتٍ مثل جيمس وات، وتوماس إديسون، وهنري فورد، وستيف جوبز، وإيلون ماسك وغيرهم، هم روَّاد أعمال حقيقيون.
الابتكار الأخضر
تتضاعف أهمية الابتكار في عصر ريادة الأعمال الخضراء عما كانت عليه. حتى لأمكننا القول إن التعبيرين مرادفان. إذ يُعَوَّل على هذه الريادة تحقيق الأهداف التالية:
• الاستدامة – تحقيق الاستدامة لكوكب الأرض وتأمين مصلحة المجتمع ومصلحة الأعمال التجارية الحالية في الوقت نفسه. ابتكار الإنترنت، على سبيل المثال، استفاد منها معظم المجتمعات، وفي الوقت نفسه نشأت شركات عملاقة جديدة لم تكن موجودة من قبل وفَّرت عشرات ملايين فرص العمل. وإذا أخذنا صناعة النشر مثالاً على تأمين الاستدامة، فإن النشر الرقمي وفَّر كثيراً من الملوثات والطاقة ابتداءً من قطع الأشجار وصناعة الورق إلى النقل وغير ذلك. كما أتاحت لمعظم الناس الحصول على المعلومات بشكلٍ شبه مجاني. وربما لا يعلم الجيل الجديد المعاناة الكبيرة والتكلفة الباهظة، التي كان يتكبَّدها الباحث أو الكاتب، للحصول على المعلومات قبل الإنترنت.
• تحويل الأزمات إلى فرص – يستفيد الابتكار البيئي من الأزمات الناشئة على أنواعها إلى فرصٍ للأعمال. إن المشكلة الكبيرة الناتجة عن ترَكُّز غاز ثاني أكسيد الكربون في الجو، مثلاً، دفعت في المدة الأخيرة بعض روَّاد الأعمال الخضراء إلى ابتكار تكنولوجيا تحتجزه من الجو. فقد أُعلن في سبتمبر 2021م عن إنشاء أكبر مصنع حتى الآن لامتصاص أطنان من ثاني أكسيد الكربون مباشرة من الهواء في جنوب غرب أيسلندا، ويدعى “أوركا”؛ ويبدو أن شركاتٍ عديدة بدأت حديثاً بتتبع خطاه في كافة أنحاء العالم.
• كما تخلق الضغوط المتزايدة على الأعمال التجارية، نتيجة الأزمات المتعدِّدة، ظروفاً ملائمة للابتكارات الخضراء، كما يظهر في الشرح أدناه.
• المكتسبات من الابتكار الأخضر – تبدأ مكتسبات الابتكار الأخضر من مزايا بدائل الطاقة وتستمر على امتداد سلسلة القيمة: من استخراج مبتكر للمواد الأولية، وتصنيع المنتجات والمكونات، إلى البيع بالتجزئة، وانتهاءً بـدورة حياة السلعة. ثم يعاد استخدامها في دورة جديدة، حيث يتحقَّق بذلك الاقتصاد الدائري.
الصورة الكلية للاستثمارات الخضراء
بينما تفشل بعض البلدان في تطوير مبادرات بيئية، ينتقل البعض الآخر ويتقدَّم نحو هذا الاتجاه الجديد. على وجه الخصوص، بدأت المملكة العربية السعودية الجهود لتصبح مجتمعاً صديقاً للبيئة.
وعلى صعيد الاستثمار المالي، ظهرت “منتجات الديون المستدامة”، أي القروض والسندات التي تستهدف الاستثمار في الشركات الخضراء كفئة من أدوات الاستثمار، قبل ثمانية أعوام فقط، وتطوَّرت على الشكل التالي:
- منذ ذلك الوقت، تنامت الإصدارات لتفوق الـ 750 مليار دولار في عام 2020م.
- كان لدى “بلومبرغ إن إي أف” توقعات بأن سنة أخرى من النمو المشابه ستؤدي إلى بلوغ العالم أول عام يحقِّق فيه تريليون دولار من إصدارات الديون المستدامة.
- هو ما تحقق فعلاً في 2021م، إذ أصدرت الشركات والبنوك والهيئات الحكومية ما يزيد على 1.1 تريليون دولار من الديون المستدامة. فازداد حجم الاستثمار في شركات تكنولوجيا المناخ على نحو هائل.
- وفَّرت هذه التقييمات القوية، بالإضافة إلى خوف المستثمرين من فوات الفرص، والحاجة للحصول على حصة من الإمكانية الكبيرة لهذا التمويل، الفرصة لتشجيع الابتكار الأخضر على نطاق واسع.
- اعتُبرت، على سبيل المثال، الفترة الأخيرة بين 2020-2021م سنوات ديناميكية بالنسبة لقطاع الكهرباء على مستوى العالم. فعلى الرغم من انخفاض الطلب على الطاقة جرَّاء وباء كوفيد – 19، إذ هبط معدَّل توليد الكهرباء العالمي بنسبة %20 خلال عام 2020م بأكمله، وتراجعت الكهرباء المولدة من الفحم والغاز، ومن الطاقة النووية جميعها على أساس سنوي، حقَّقت مصادر الطاقة المتجدِّدة نجاحاً، حيث كانت المصدر الوحيد الذي سجَّل نمواً على صعيد توليد الكهرباء خلال السنة الماضية. إن الطاقة المتجدِّدة تحقِّق مكاسب هائلة في قطاع الكهرباء.
- لكن هذا النجاح لا يترافق بنفس نسبة النمو في مجالي النقل والتدفئة اللذين يمثلان معاً %80 من استهلاك الطاقة العالمي. وهما مجالان وفرص لشركات خضراء ناشئة للدخول والاستثمار.
- ويأتي الاتحاد الأوروبي على رأس الدول التي وضعت أهدافاً خضراء طموحة توفر لروَّاد الأعمال الخضراء فرصاً جيدة للعمل والتقدُّم.
عقبات
تواجه ريادة الأعمال الخضراء عقباتٍ عديدة:
- البحث والتطوير والابتكار للتكنولوجيا هي عوامل أساسية لانطلاق المبادرات الخضراء. لكن معظمها لا يزال مرتبط بالشركات العملاقة التقليدية ومراكز الأبحاث المتعدِّدة التي تتموَّل منها.
- نقص المعرفة والوعي الذاتي في السوق.
- نقص المستثمرين ومشاركة القطاع الخاص.
- التشريعات الحكومية.
- الاختلافات الثقافية.
- الصناعات المهيمنة.
- نقص الحوافز وآليات الدعم.
- البيروقراطية.
وفي دراسة من جامعة “ستيرلينغ” في أسكتلندا حول العقبات أمام ريادة أعمال البيئة في فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة أن هناك عوائق داخلية وخارجية.
أ – الحواجز الداخلية
- الهيكل المركزي للبنية التحتية لشبكات الطاقة يجعل دخول السوق صعباً على نطاق المولدات الأصغر.
- الحواجز الإدارية.
- الهيكل الاحتكاري للصناعة.
- نقص في دراسة ديناميات ريادة أعمال البيئة، مثل الحوافز الاقتصادية المناسبة للانخراط في هذا الشكل من الأعمال والإطار المؤسسي الذي توجد فيها.
ب – الحواجز الخارجية
- تدخل حكومي غير مناسب نتيجة البيروقراطية الراسخة.
- ضعف تنفيذ آليات الدعم الحكومية.
- غياب السياسات المناسبة والتأثيرات السلبية لبعضها إن وُجدت.
ج – الحواجز الثقافية
في دراسة نُشرت في مجلة “سمول بيزينيس إكونومكس” في يناير 2019م أكد الباحثون العلاقة الإيجابية بين الثقافة السائدة في بلد معيَّن ونجاح ريادة أعمال البيئة. في هذه الورقة المفاهيمية، تمَّت مناقشة حواجز الدخول التي تقيِّد المشروعات الجديدة في قطاع الطاقة في فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة.
الثروة الخضراء
أثناء قمة المناخ الأخيرة في غلاسكو علَّقت مجلة بلومبرغ في 12 نوفمبر عام 2021م: “قبل ست سنوات، في الوقت الذي كان يجف فيه الحبر على اتفاقية باريس، كان ما يسمَّى بالملياردير الأخضر شخصاً يتبرع لقضايا البيئة، أو ربما امتلكوا قصراً بألواح شمسية…الآن، بينما يجتمع قادة العالم والمديرون التنفيذيون لإجراء محادثات عاجلة بشأن المناخ، فإن أغنى شخص على وجه الأرض هو الملياردير الأخضر الفعلي”. وفي غضون هذه المدة القصيرة ظهرت التغيرات المهمة التالية:
بروز ظاهرة المليارديرات الخضر، إذ وصل عددهم إلى 35 مليارديراً حول العالم. حسب قائمة فوربس.
إن حوالي ثلثي هؤلاء المليارديرات ينحدرون من أصول صينية أو من هونغ كونغ.
احتل إلون ماسك قائمة فوربس كأغنى رجل في العالم بـ”ثروة خضراء” تبلغ 248 مليار دولار وهو يقف على رأس ثروة خضراء تبلغ حوالي نصف تريليون دولار حول العالم.
وبحسب بلومبيرغ بلغت الثروات الخضراء نصف تريليون دولار.
بين قمة المناخ سنة 2014م في البيرو وقمة غلاسكو سنة 2021م ارتفعت أصول الرأسمال الأخضر %40.
ليس كل الشركات التي تدّعي بأنها تنتمي إلى ريادة الأعمال الخضراء تتبع حقاً أهدافاً مستدامة. فبعضها يعتمد أفكاراً وقيماً مستدامة لمجرد أهدافٍ تسويقية بينما تفتقر أساليب عملها إلى الشفافية.
ريادة الأعمال الخضراء السيئة
ليس كل من يدَّعي بأنه ينتمي إلى ريادة الأعمال الخضراء يتبع حقاً أهدافاً مستدامة. لقد اعتمد عديد من الشركات أفكاراً وقيماً خضراء ودمجتها بفاعلية في استراتيجياتها التسويقية ومفاهيم المسؤولية الاجتماعية للشركات. غير أنها في كثير من الأحيان لا تُفصح عن أساليب عملها ومدى تأثيرها السلبي على البيئة بدقة وشفافية، وهذه بعض الأمثلة:
- واحدة صادمة منها، التي لا يدركها معظم الناس، هي أن أكبر تهديد للحيتان والدلافين هو الصيد التجاري. إذ يُقتل أكثر من 300,000 من الحيتان والدلافين كل سنة “كصيد عرضي”.
- لقد قامت ثلاث علامات تجارية رئيسة لتعليب التونة في الولايات المتحدة بتضليل المستهلكين بتسويق منتجاتها تحت عنوان “حماية الدولفين” وهم في الواقع يستخدمون أساليب الصيد التي تقتل الثدييات أو تلحق الضرر بها، وفقاً لدعاوى رفعت في المحكمة الاتحادية في كاليفورنيا في مايو 2019م ضد “شيكن أوف ذا سي”، و”ستاركيست تونا أند سيفود”، و”بامبل بي تونا”. لقد انتهكت الشركات الثلاث قانون معلومات المستهلكين لحماية الدولفين لعام 1990م، الذي يحظر وضع العلامات الكاذبة على منتجات التونة التي ليست آمنة للدولفين.
لقد أطلق الأمين العام للمنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد) ورئيس تحرير مجلة “البيئة والتنمية” السيد نجيب صعب في مقالته في جريدة الشرق الأوسط في 19 ديسمبر 2021م على هؤلاء تسمية طبقة “أغنياء المناخ” في معركة التصدي للتغيُّر المناخي، وأورد بعض الأمثلة:
- بعض الشركات تحاول مراكمة الثروات عن طريق “تخضير” أموال التلويث، كمحطة “أونيكس” للطاقة في هولندا، ففي عام 2015م، بنَتْ شركة “إنجي” الفرنسية في مدينة روتردام محطة “أونيكس” لتوليد الكهرباء من الفحم الحجري، وتم الترويج لها في حينه على أنها من “أنظف محطات الفحم في العالم وأكثرها كفاءة”.
- لكن التجربة بيَّنت أن هذه المحطة تتسبَّب بحجم ضخم من تلويث الهواء، وتعريض صحة البشر والطبيعة للخطر وتمنع هولندا من تنفيذ تعهداتها المناخية في الموعد المطلوب.
- دفع ذلك الحكومة الهولندية إلى اتخاذ قرار عام 2018م، بعد 3 سنوات فقط على بدء تشغيل المحطة الجديدة، بوقف جميع المحطات العاملة على الفحم الحجري مع حلول سنة 2030م.
- تزامن هذا مع إعلان ألمانيا عن إغلاق محطات الطاقة العاملة على الفحم فيها سنة 2038م، وقد وجدت شركة استثمارية أمريكية غامضة المُلكية في هذه التطوُّرات فرصة ملائمة لشراء المحطات العاملة بالفحم الحجري في هولندا وألمانيا بأسعار رخيصة، من بينها محطة “أونيكس”. فعدا الربح من التشغيل، كانت تتطلع إلى أرباح فاحشة من التعويضات في حال إجبارها على التوقف. وقد تحقَّق لها هذا حين قرَّرت الحكومة الهولندية مؤخراً الوقف الفوري لمحطة “أونيكس” تحديداً، بهدف تحقيق خفض سريع في الانبعاثات ودفع مبلغ 240 مليون دولار إضافي للشركة الاستثمارية المشغلة لقاء الوقف المبكر لعملياتها.
- كما أن بعض الشركات استفادت، على صعيد النفايات، من القيود المفروضة بحكم القوانين على معالجتها في بعض الدول لاستنباط أساليب لتصديرها إلى دول أخرى أقل تشدداً. وهذا يشمل النفايات الخطرة والسامة والنفايات المنزلية الصلبة، التي يمنع القانون الدولي تصديرها إلا إلى دول تملك التجهيزات اللازمة لمعالجتها على نحو سليم. ولتجاوز هذه العقبة، يعمد تجار النفايات إلى تصديرها كمواد أولية إلى دول في العالم الثالث، حيث تُرمى بلا معالجة. ويقبض التجار الدوليون الثمن من تجار محليين، يعملون تحت ستار شركات لتصنيع النفايات. إن حجم التجارة الدولية غير المشروعة في النفايات قد يفوق تجارة المخدرات.
في السعودية..
المعايير الاجتماعية والثقافية التي تعزِّز ريادة الأعمال الخضراء
يُعدّ نجاح المشروعات الخضراء في المملكة العربية السعودية مثالاً يجذب الباحثين لدراسته وأخذ العبر خاصة فيما يتعلق بالعلاقة بين الثقافة وريادة الأعمال الخضراء، الذي انعكس نجاحاً في الخطط البيئية وما تحقِّق من مشروعات متميِّزة.
استكشفت دراسة واسعة قامت بها جامعة برشلونة 2020م ما إذا كانت الخصائص الثقافية مرتبطة بنجاح ريادة الأعمال الخضراء في المملكة العربية السعودية. وقد تم اختبار العلاقات المفترضة تجريبياً في عيِّنة مكوَّنة من 84 اختباراً من 21 مدينة خلال الفترة 2015-2018م. تم جمع البيانات من تقارير الهيئة العامة للإحصاء السعودية وتحليلها من خلال “نماذج الانحدار”، أي دراسة العلاقة بين متغيرات عشوائية. وأظهرت النتائج الرئيسة التالية:
- أن الخصائص الثقافية، مثل الإجراءات البيئية، والوعي البيئي والفروق في التركيز النسبي للأفراد على المسائل المختلفة، تزيد من مستوى نشاط ريادة الأعمال الخضراء عبر مدن المملكة العربية السعودية. تسهم نتائج هذه الدراسة في المعرفة الحالية حول ريادة الأعمال الخضراء، وكذلك في مناقشة الآثار المترتبة على السياسات والممارسات المتعلقة بالأنشطة الإنتاجية الصديقة للبيئة.
- الدور المهم جداً للمؤسسات غير الرسمية، كالمؤسسات الثقافية والدينية والتعليمية وغيرها.
- من الضروري أيضاً فهم كيفية تفسير ريادة الأعمال للقيم والمعتقدات والثقافة الاجتماعية السائدة، التي تتغير بمرور الوقت والمكان.
- يتيح النشاط في المملكة العربية السعودية الفرصة لملاحظة الجذور المبكرة لثقافة “ما بعد المادية”.
- في المملكة العربية السعودية مثلاً، الهوية الثقافية هي الشعور بالانتماء إلى مجموعة، وهي جزء من مفهوم الذات والإدراك الذاتي للفرد. يتعلق هذا بالأجيال أو الجنسية أو الدين أو العرق أو اللغة أو الطبقة الاجتماعية أو المنطقة أو أي مجموعة اجتماعية لها ثقافتها الفريدة.
- تلعب هذه الثقافة دوراً مباشراً وحيوياً في تحقيق الركائز الاستراتيجية الثلاث لرؤية المملكة العربية السعودية 2030، بما فيها تشجيع روَّاد أعمال البيئة، وهي:
– بناء اقتصاد مزدهر.
– بناء مجتمع حيوي.
– بناء وطن طموح. - يتمثل أحد الأهداف الرئيسة الملموسة لهذه الركائز الثلاث في زيادة الأنشطة الصديقة للبيئة، بما في ذلك ريادة الأعمال الخضراء. انعكس ذلك في تحقيق إنجازات مهمة بمقاييس دولية:
- أكد “المركز الوطني لقياس الأداء” (أداء) السعودي، الذي يرصد المؤشرات الدولية. أن المملكة احتلت المرتبة 13 عالمياً من بين 167 دولة. واعتمدت الإحصائية على مسوحات تقيس الجهود المبذولة للحفاظ على الاستدامة البيئية.
- تفوقت المملكة العربية السعودية على 180 دولة في “مؤشر الأداء البيئي” قسم “فقدان الغطاء الشجري” التابع لجامعة يال الأمريكية، و”مؤشر الأراضي الرطبة” الأكثر استعمالاً في الولايات المتحدة، وفقاً لوكالة الأنباء السعودية (SPA)، (الشرق الأوسط، الطبعة الإنجليزية 6 يونيو 2021م).
- احتلت المملكة المرتبة الأولى في مؤشر “الأراضي الرطبة”، وهو انعكاس حقيقي لحرص المملكة على الحفاظ على الأراضي الزراعية والمحافظة عليها.
- تفوقت المملكة العربية السعودية على 172 دولة في الحفاظ على البيئات الطبيعية وحمايتها ومنع انقراض الأنواع الحيوانية النادرة.
- احتلت المملكة المرتبة الثامنة عالمياً في “مؤشر موطن الأنواع” كما كشف عنه مركز “أداء” السعودي متفوقة على 133 دولة.
- احتلت المملكة العربية السعودية المرتبة 34 عالمياً والأولى في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مؤشر “تربة الغابات والموقع”، الذي يقيِّم جودة الأراضي والغابات وموارد التربة وتأثيرها على نوعية الحياة.
نموذج شركة “لوب”
من النماذج الناجحة لريادة أعمال البيئة في الآونة الأخيرة، شركة “لوب” Loop التي أنشأتها شركة تيرَّاسايكل TerraCycle، ومركزها الرئيس في نيوجيرسي، الولايات المتحدة الأمريكية. فقد تحوَّلت في غضون أقل من سنتين إلى شركة عالمية رائدة في جمع وإعادة تدوير نفايات ما بعد الاستهلاك بطرق مبتكرة.
لقد وجد توم سزاكي، الرئيس التنفيذي للشركة، فكرة لمعالجة مشكلة نفايات البلاستيك بواسطة “نموذج بائع اللبن” القديم، الذي يوصل منتجاته إلى أبواب المستهلكين ثم يجمع سُطول اللبن لاحقاً لإعادة استخدامها. ففي عام 2017م قام بطرح الفكرة على الشركات الرائدة في مجال المنتجات الاستهلاكية مثل بروكتر وغامبل، وكوكاكولا، وكارفور، وتيسكو، ومونديلييز، وبيبسيكو، ودانون، ومارس، ونستله، ويونيليفر، وأخذ موافقتهم، وفي عام 2019م، وُلد تحالف لوب “Loop Alliance”.
تعمل شركة لوب على توزيع المنتجات، من الشركات آنفة الذكر، للمستهلكين والمعبأة في عبوات قابلة لإعادة التدوير وموضَّبة في حقائب يُعاد استخدامها من قِبل المستهلكين ليضعوا فيها العبوات الفارغة، ومن ثم يتم أخذ الحقائب عن طريق خدمة توصيل البريد. يُصار بعد ذلك إلى تعقيمها، وإعادة تعبئتها، وإرسالها مرَّة أخرى. تقنية “نموذج بائع اللبن” تقنية قديمة جداً، أُعيد إحياؤها بطريقة مبتكرة، وأعطيت اسماً ووظيفة جديدة.
تُشرك لوب مجموعة واسعة من هواة الجمع، عبر عديد من الفئات العمرية والجنسية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية. لديها أكثر من 80,000 موقع جمع تطوعي على مستوى العالم، كالمدارس والمكاتب وشوارع المدن. وتستخدم أطرافاً ثالثة لشحن المجموعات من خلال شركات النقل المشتركة مثل UPS في الولايات المتحدة، ورويال مايل في المملكة المتحدة، وساجاوا في اليابان، وما إلى ذلك لأغراض التخزين وإعادة التدوير. ولكنها تحتفظ بالبحث والتطوير والتسويق والاتصالات داخل الشركة.
هدف لوب الأساسي هو القضاء على فكرة النفايات؛ على هذا النحو، توسَّع تركيز الشركة على إعادة تدوير المواد غير القابلة لإعادة التدوير، وبناء منصات جديدة مبتكرة. ولتحقيق هدفها تقود أخيراً اتحاداً من كبرى شركات المنتجات الاستهلاكية وتجار التجزئة وشركات الخدمات اللوجستية لإطلاق نظام تعبئة عالمي خالٍ من النفايات ودائم من شأنه أن يبطل إمكانية التخلص منها، والانتقال من الاقتصاد الخطي إلى الاقتصاد الدائري.
المراجع:
bloomberg.com
mdpi.com
unep.ecoinnovation.org
weforum.org
academia.edu
researchgate.net
entrepreneur.com
101entrepreneurship.org
thestoryexchange.org
citinewsroom.com
his.diva-portal.org
link.springer.com
aramco.com
اترك تعليقاً