لا يمكن أن تمر مناسبة اليوم الوطني السعودي في عامه الثاني والتسعين من دون التطرق إلى تنمية رأس المال البشري في المملكة والقفزات النوعية التي حققتها مؤخرًا، بما في ذلك برامج التوطين والتدريب المتنوعة. إذ تهدف رؤية المملكة 2030 إلى خفض مستويات البطالة من %12.8 عند إعلانها إلى %7 في عام 2030م، مع تفاؤل كثيرين بأن هذا الهدف سيتم تحقيقه قبل الموعد المحدد له، عطفًا على ما يراه المختصون من جهود كبيرة وتذليل واسع لكافة العقبات، وصياغة نوعية لمجمل المبادرات، وقبل كل ذلك ما نلمسه من دعم استثنائي من قيادة المملكة لهذا الملف المهم والحساس.
فإذا ما تحدثنا عن أعداد العاملين السعوديين في القطاع الخاص، سنجد أنه حلّق وتجاوز 2.35 مليون عامل وعاملة، وهو رقم قياسي تاريخي لم يسبق الوصول إليه، وهو مرشح للتعاظم أكثر. وانعكس هذا الأمر أيضًا على توظيف المرأة السعودية، إذ ارتفعت نسبة النساء السعوديات العاملات بمقدار %80 مقارنة بالربع الأول من عام 2017م، حين كانت نسبة مشاركتهن %16.2، فأصبحت %29.2 في الربع الأول من العام الجاري 2022م. ورغم جائحة كورونا التي عصفت بمئات ملايين الوظائف في العالم، إلا أن أعداد العاملين السعوديين في صعود ولله الحمد، بدعم من الاقتصاد السعودي المتين والقيادة الحكيمة في التعامل مع هذا الملف.
هذه الأرقام القياسية في أعداد العاملين المواطنين لم تكن لتتحقق لولا توفيق الله أولًا، ثم الجهود التي تبذلها الجهات ذات العلاقة في استهداف التوطين بسياسات نوعية موجهة للأنشطة والمهن والمناطق، بعكس ما كان معمولًا به سابقًا وهو التركيز على الأعداد فقط، الأمر الذي انعكس على مستويات البطالة التي تدنت مؤخرًا إلى نسبة %10.1، وهي أقل نسبة للبطالة في المملكة منذ 14 عامًا، وذلك بدعم كبير من قطاعات واعدة وحيوية، كقطاعات السياحة والصناعة والخدمات اللوجستية وتقنية المعلومات والتعدين وغيرها.
وبالتأكيد لا يمكن لمستهدفات التوطين أن تتحقق إلا بمواكبة رشيقة من قطاع التعليم والتدريب، بدءًا من تعديل نظام الدراسة في المرحلة الثانوية لتصبح من خلال مسارات تعليمية حديثة تواكب متطلبات سوق العمل، مرورًا بقرار مجلس شؤون الجامعات الأخير وهو رفع القبول بنسبة %100 للتخصصات المتلائمة مع متطلبات سوق العمل (صحية، وتقنية، وهندسية)، وخفض القبول بنسبة %50 للتخصصات غير المتلائمة مع متطلبات السوق، إضافة إلى دعم الشهادات الاحترافية لرفع المهارات. والأجمل من كل ذلك هو إعلان نسب توظيف خريجي كل تخصص في كل جامعة لتعزيز تنافسية الجامعات.
وإذا ما تحدثنا عن التدريب في المملكة فلن نجد استثمارًا يفوق هذا الاستثمار، ولن نجد جهودًا ومبادرات تحاكي ما تقوم به كبرى القطاعات الواعدة، مثل مبادرة (رواد السياحة) التي أطلقتها وزارة السياحة في بداية شهر يونيو الماضي لتدريب 100 ألف شاب وشابة خلال عام 2022م في أعرق المدارس والجامعات السياحية العالمية داخل المملكة وخارجها.
وعلى هامش القمة السعودية الأمريكية، التي عقدت هذا العام في جدة، وقَّعت وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات مذكرة تعاون مع شركة (IBM) لتأهيل 100 ألف شاب وشابة على مدار 5 سنوات، ضمن 8 مبادرات مبتكرة تهدف إلى تعزيز مكانة المملكة كمركز محوري للتقنية والابتكار في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
وللإجابة عن السؤال حول ما هو متوقَّع في المستقبل القريب لتنمية رأس المال البشري في المملكة، يجب أن نتأمل فيما حدث على صعيد جودة الحياة فيها، حيث لا يختلف اثنان على الارتفاع المضطرد لجودة حياة السعوديين، الذي تعمل عليه 13 جهة حكومية، منها السياحة والصحة والتعليم والرياضة والثقافة والترفيه وغيرها، باجتماعها تحت مظلة أحد برامج رؤية 2030 وهو برنامج جودة الحياة، الذي يتابع ويشرف على كل ما من شأنه رفع جودة الحياة في المملكة.
والأمر نفسه سيحدث بإذن الله فيما يتعلق بتنمية رأس المال البشري السعودي، حيث أعلن سمو ولي العهد في سبتمبر الماضي عن إطلاق برنامج تنمية القدرات البشرية، وهو أحد برامج رؤية 2030. لإحداث نقلة نوعية في الموارد البشرية الوطنية للوصول إلى العالمية عبر تجويد برامج التعليم والتدريب، ورفع كفاءة العمالة الوافدة، إضافة إلى تحسين بيئات العمل والأنظمة والتشريعات التي ستنقلنا إلى مستقبل مشرق بإذن الله.
اترك تعليقاً