“ذا لاين” مشروعٌ طموح ينبثق من رؤية تستشرف المستقبل، ويستهدف بناء مدينة تجمع بين الرفاهية التي جناها الإنسان من الثورة التقنية وبين الطبيعة، ليُلغي المسافة الفاصلة بين البشر وأُمهم الأرض. لكن هذا “الخط” المنطلق نحو المستقبل، يقوم أيضًا على أرضٍ ذات بُعدٍ تاريخي حافل قد يغيب عن الأذهان.
لطالما كانت المجتمعات البشرية، منذ قديم الأزل وعلى مر الزمان، تسعى نحو تحقيق هدف واحد يتمثَّل في المحافظة على أمن الإنسان واستقراره وصحته ورفاهيته. ولطالما كانت الطبيعة رفيقةَ رحلته وعنصرًا أساسًا في تحقيق ذلك. لكن مع زحف الثورة الصناعية وانتشار الآلات وتكدس المركبات في الشوارع وانتشار التلوث البيئي، نمت فجوة واسعة بين الإنسان والطبيعة.
ولردم هذه الهوة والعودة إلى الطبيعة من دون هجر التقنية ومنافعها، جاءت رؤية صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد ورئيس مجلس إدارة “نيوم”، ببناء مدن المستقبل، التي تقوم على حماية الطبيعة وتعزيزها، وإعطاء الأولوية لتناغم الإنسان مع الطبيعة مجددًا من خلال مشروع “نيوم”.
ومدينة “ذا لاين” من المشروعات التي تعمل شركة “نيوم” على تقديمها للعالم بصورة مبهرة، إذ تهدف إلى معالجة القضايا التي تطرحها الحياة الحضارية الحديثة للبشر، عبر إعادة تشكيل مفهوم المدينة لتضع صحة الإنسان واستدامة الطبيعة معًا على رأس الأولويات.
رفاهية البشر
يبلغ طول مدينة ذا لاين 170 كم، وعرضها 200 متر، وبارتفاع ثابت يصل إلى 500 متر فوق سطح البحر، ومساحة بناء لا تتجاوز 34 كم2 مما يسهم في تجاوز إشكاليات البنية التحتية التقليدية، ويعزِّز كفاءة المدينة واستدامتها على نحو غير مسبوق. كما ستضمن هذه المدينة الجديدة المناخ المثالي على مدار العام للسكان، والاستمتاع بالطبيعة المحيطة، والوصول إلى جميع المرافق في غضون 5 دقائق سيرًا على الأقدام، إضافة إلى توفير منظومة متكاملة للتنقل عبر قطار فائق السرعة.
ويرتكز الأسلوب المعماري لمدينة “ذا لاين” على مفهوم انعدام الجاذبية ((Zero Gravity Urbanism، غير المسبوق في تصميم وبناء المدن حول العالم. ستُبنى مكونات المدينة على شكل طبقات عمودية تتيح للناس إمكانية التحرك في الاتجاهات الثلاثة (إلى الأعلى، وإلى الأسفل، وكذلك بشكل أفقي في كل جانب).
وعلى عكس مفهوم المباني الشاهقة، تُسهّل هذه الفكرة عملية التنقل بين مواقع الاحتياجات اليومية، من أماكن عمل، ومدارس، وحدائق، ومنازل في غضون خمس دقائق. وتغطي جانبي المدينة الخارجيين أسطح زجاجية وهي عبارة عن مرايا عاكسة تمنحها طابعًا فريدًا، وتسمح لتفاصيلها بالاندماج مع الطبيعة. في حين تم تصميم المساحات الداخلية بطرق مبتكرة، لخلق تجارب غير اعتيادية ولحظات لا تُنسى.
وجاءت الأفكار المبتكرة لتصاميم “ذا لاين” من فريق عمل يضم ألمع العقول ونخبة المهندسين والمعماريين حول العالم، يمثلون مجموعة من المكاتب الهندسية المعمارية الرائدة عالميًا، الذين يعملون تحت قيادة فريق نيوم لحل أكثر مشكلات المجتمعات الحضرية إلحاحًا في يومنا الحاضر.
استدامة الطبيعة
الإنسان والطبيعة معادلة شكَّلت الأساس الذي بُني عليه كوكبنا. وبعد مئات من سنوات التقدُّم البشري والصناعي والتقني تلاشى هذا التناغم، وعاد الكوكب لينشده مجددًا. ولهذا، ستكون “ذا لاين” من أولى المدن حول العالم التي ستعيد هذا التناغم والتكامل ما بين الإنسان والطبيعة إلى كوكبنا مرة أخرى بما تقدِّمه من رؤى وأفكار مبتكرة تضع الإنسان والمحافظة على الطبيعة على رأس قائمة الأولويات.
وفي هذا الإطار، ستدعم مدينة “ذا لاين” هدف نيوم في تخصيص %95 من مساحة أراضيها للطبيعة، ما يعني أن الاستثمار العمراني لا يتعدى %5 فقط. كما ستعمل على تحقيق مبادئ الاقتصاد الدائري في جميع مراحل التطوير، وعلى استخدام الطاقة النظيفة والمتجددة بنسبة %100 من خلال الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والهيدروجين الأخضر، وستكون خالية تمامًا من الانبعاثات الكربونية بسبب عدم وجود السيارات والبنية التحتية المرتبطة بها مثل الطرق.
البناء لأجل الإنسان
كل ما في “ذا لاين” يتمحور حول الإنسان، من الرؤية إلى الفكرة، مرورًا بالتصميم، وصولًا إلى أحدث تقنيات البناء والتصنيع. والهدف واضح: تحقيق أعلى مستوى من جودة حياة واستدامتها لأكثر من 9 ملايين نسمة. وهذا هو الهدف الذي طبع عملية تصميم وتنفيذ كل المرافق والخدمات في “ذا لاين”، وفق معادلة واضحة تتمثل في سهولة الوصول وإلى المدينة والنفاذ منها.
ولتحقيق ذلك، صُممت “ذا لاين” بما يضمن استخدام أقل مساحة ممكنة للأراضي بأعلى كفاءة. فكل حي من أحيائها يضم جميع الخدمات، والبنية التحتية والاحتياجات الأساس للسكان ضمن مسافة 5 دقائق سيرًا على الأقدام. فجميع الأصول والمرافق والخدمات في المدينة وحتى المساحات الخضراء، تقع قرب بعضها بعضًا، وتتيح التنقل فيها والوصول إليها وفقًا لمفهوم 360 درجة. وبذلك، ستوفر المدينة لسكانها نمط حياة صحي، عبر الاعتماد على المشي للتنقل، مع توفير نحو ثلاثة أضعاف الفرص للتسوق والتجارب الترفيهية مقارنةً بالمسافة نفسها في مدينة بحجم نيويورك مثلًا. أما فيما يعود إلى الرحلات الطويلة، فستقدم “ذا لاين” حلًا مثاليًا، يصل بين أقصى نقطتين في المدينة في 20 دقيقة فقط، وذلك باستخدام قطار فائق السرعة، إلى جانب خاصية التنقل عبر شبكة عامة للتنقل الكهربائي العمودي حسب الطلب، من خلال تقنيات الذكاء الاصطناعي. وهذا ما يجعل من حركة التنقل أسهل وأسرع وأنظف على امتداد المدينة.
لكن مدينة “ذا لاين” لم تتوقف عن هذه الحدود، بل ذهبت أبعد من مجرد تحقيق سعادة ساكنيها بتوفير المرافق والخدمات التي يحتاجون إليها على مقربة منهم. فمع تسخير الذكاء الاصطناعي والروبوتات والتقنيات الرقمية، ستكون “ذا لاين” مدينة إدراكية تجمع وتحلل البيانات لجعل الحياة أسهل للمقيمين والزوار والشركات، وذلك من خلال احتضان الأفكار وتسريعها، وتبني العلوم والتقنيات لإيجاد حلول جديدة ترتقي بجودة الحياة.
مسار التنفيذ
هذا النهج الثوري المبتكر لمدينة “ذا لاين” سيتم تحويله إلى واقعٍ على 3 مراحل؛ تتضمن المرحلة الأولى عديدًا من المرافق الإستراتيجية أبرزها: المرسى البحري المخفي، مطار نيوم الدولي، جزيرة سندالة، جزيرة شوشة، وجزيرة الفرشة، المرحلة الأولى من جزيرة الثغباء، وجزيرة أم شجيرات. وستحتضن هذه المرحلة 450 ألف ساكن. أما المرحلة الثانية فسوف يصل فيها عدد السكان إلى مليوني نسمة، مع إضافة مرافق ومناطق جديدة هي: كانتاليفر، المجموعات النموذجية لمرآة “ذا لاين”، المجموعات النموذجية للأودية المرتفعة، والمرحلة الثانية من تطوير جزيرة الثغباء، بالإضافة إلى تطوير جزيرتي م.علي وأم الحصاني. وفي المرحلة الثالثة والأخيرة، فستكتمل المدينة بجميع مرافقها وتكون جاهزة لاحتضان 9 ملايين نسمة.
المرسى المخفي
تنعكس الفرادة التي تتمتع بها “ذا لاين” في كل عنصر من عناصر هذا المشروع النوعي، وتتجلَّى في مرافقه جميعها، لتقدم منظومة متكاملة لحياتنا على هذا الكوكب في المستقبل. وسيبرز المرسى البحري المخفي كأيقونة بحرية عالمية تربط “ذا لاين” بمجموعة الجزر القريبة. هذا، إضافة إلى دوره في تشجيع النمو السكاني في المدينة وتحفيزه ليكون محورًا حيويًا للمجتمعات المجاورة. وتبلغ مساحة الحوض في المرسى المخفي 2.6 م2 بعرض1200م وطول 2400 م وعمق 15م، كما يوفر 5000 مرسى مصممة لاستقبال أكبر السفن السياحية واليخوت العالمية. وسيبرز المرسى المخفي مدى تفرد مدينة “ذا لاين” على المستوى العالمي وقيمها الاستثنائية وتقدِّم المدينة نموذجًا مبتكرًا للمرافق الرياضية من خلال ملعب رياضي لم يسبق له مثيل ذي تصميم خارج عن المألوف، إذ سيبنى ليكون جزءًا من المدينة، ويقدِّم بتفاصيله تجربة استثنائية ستجذب اللاعبين ومحبي الرياضة على حد سواء. فهكذا جاءت “ذا لاين”، وهكذت صُممت، وهكذا ستُبنى، من الإنسان ولخدمة الإنسان، ببصمة نيوم ورؤيتها لمستقبل البشرية والمدن في العالم.
موقع إستراتيـجي وكنز تاريخي
تقع “ذا لايــن” في شمال غرب المملكة، وتطلُّ على البحر الأحمر، وتمتاز بالتضاريس المتنوِّعة على امتداد الخط الأفقي الذي يمر بالصحاري، ويقطع الجبال المكسوة بالثلوج، كما يطلُّ على خليج العقبة. وتتميَّز بأن %40 من سكان العالم هم على بُعد ست ساعات جوًا من أرضها.
لكن ما قد يخفى على البعض هو البُعد التاريخي لتلك الصحراء المذهلة بتضاريسها المتنوِّعة، والتي تحتضن أساسات مشروع هذه المدينة الجديدة. فتفرّد هذا المشروع لا يكمن في عمارته النبيلة فحسب، بل في الأرض التي أحسن من اختارها موقعًا له.
ففي غرب هذه الأرض، تقع تلك الهضاب والرمال الحمراء التي تحتضن معبد روافة الروماني، الذي يُعد المبنى الروماني الوحيد في جزيرة العرب، حيث عُثر على نقش بين أنقاضه محفوظ حاليًا في المتحف الوطني السعودي في الرياض، يدل على أن بناء روافة هو أحد المعابد الرومانية النبطية. ويعود تاريخ إنشاء هذا المعبد إلى عام 161م على أيدي الثموديين، تخليدًا لذكرى ماركوس أورليوس أنطونيوس، ولوسيوس أورليوس فيروس، وهما الأميران الرومانيان اللذان بُني المعبد على شرفهما وأهدي لهما. وما زالت أنقاض المعبد قائمة حتى الآن كشاهد عيان على أن لهذه الصحراء سحرها الخاص الذي اجتذب مُحترفي العمارة بالأمس كما يجتذبهم اليوم.
الأرض الطيبة.. وماء مدين
وتُعدُّ تلك الهضاب الحمراء امتدادًا طبيعيًا لجبال حِسمى على الطرف الغربي من “ذا لاين”. وهنا نستذكر وصف المتنبي لهذه الأرض في حكاية مسيرته من مصر إلى العراق، كما نقل ذلك ياقوت الحموي في كتابه معجم البلدان: “حسمى أرض طيبة تؤدّى لين النخلة من لينها، وتنبت جميع النبات، مملوءة جبالًا في كبد السماء متناوحةً مُلسَ الجوانب، إذا أراد الناظر النظر إلى قُلة أحدها فَتَل عنقه حتى يراها بشدّة، ومنها ما لا يقدر أحد أن يراه ولا يصعده”.
ويمكن اعتبار جبال حسمى اليوم مكتبات صخرية للنقوش الأثرية من مختلف الحضارات البائدة حتى الإسلام، إذ تزخر بنقوش وكتابات إسلامية بخطوط عربية قلَّ مثيلها.
أما من يصرف نظره ناحية الشمال من خلال الشرفات الزجاجية في منتصف مدينة “ذا لاين”، فستتاح له في الشتاء فرصة تأمل الثلوج فوق قمم جبال اللوز الشاهقة، وما يليها من أرض مدين وماء مدين، الذي ورد في الكتب السماوية وآثارها الموغلة في أعماق التاريخ، عندما كانت مدين محطة التقاء عامرة لطرق القوافل التي كانت تربط شبه الجزيرة العربية بمصر والشام.
وأما أولئك الذين تروق لهم نسمات البحر، فسيرون في شرق مدينة “ذا لاين” ما يعتقد كثير من المؤرخين أنه مجمع البحرين، حيث التقى موسى – عليه السلام – بالخضر كما تروي لنا قصص القرآن الكريم.
وبالتطلع صوب الجنوب، فستكون أمام الأعين أرض “لويكي كومي”، أو المدينة البيضاء، ذلك الميناء الأثري على طريق البخور، وأشهر الموانئ التي شيدها الأنباط على البحر الأحمر. وقد ذكره الجغرافي الشهير سترابو قبل 2000 عام في موسوعته الجغرافية، قائلًا في معرض حديثه عن فشل الرومان في اجتياح جزيرة العرب: “بعد أن عانى من مصاعب كبيرة، وصل إيليوس جالوس في اليوم الخامس عشر إلى لويكي كومي، وهي سوق كبيرة في أراضي الأنباط”.
فأي تاريخ وأي حضارات سترويها “ذا لاين” لكل من يقطنها أو يزورها، وهي تنسجم بواجهاتها الزجاجية بكل سلاسة مع ما يحيط بها من أرض؛ ستروي تاريخًا حافلًا بحضارات سادت ثم بادت لتُمهد الطريق للبشرية ليضعوا بدورهم حضارة ستخلِّد للعالم حكاية قائد طموح، في مملكة عظيمة منحت الأمل للأحلام لتصبح يومًا حقيقة.
إن نجاح “ذا لاين” هو نجاح للوطن ولرؤيته الطموحة، التي تتطلَّع إلى الغد الذي يكون فيه المجتمع مُسخّرًا بالكامل لخدمة الإنسان؛ النجاح الذي سيُثبت أننا ما زال لدينا الكثير لنقدمه من أجل نهضة مملكتنا، وإبهار العالم بخطاها نحو المستقبل.
اترك تعليقاً