مجلة ثقافية منوعة تصدر كل شهرين
مارس - أبريل 2023

ذاكرة القافلة

الرومانسية في شعر عبدالله الفيصل


فريق القافلة

يأتي احتفاء المملكة بعام الشعر العربي 2023م ليذكرنا بالمنجز الشعري الخالد ودوره المحوري في الثقافة العربية، وارتباطه بإرثنا الحافل بالقيم والملامح الجمالية والفنيـة، وما يمثلـه أيضًا من امتداد للتجربة الأدبية في الجزيرة العربية. وقد كان لمجلة القافلة منذ أعدادها الأولى اهتمام واضح بالقصيدة العربية، كما كان لها دور في رصد وإبراز الأصوات العربية الشعرية. وبالرجوع إلى عدد صفر 1411هـ (أغسطس – سبتمبر 1990م)، نطالع مقالة لعماد فوزي شعيبي بعنوان “دراسة في الغزل الرومانسي للأمير الشاعر عبدالله الفيصل”، يتأمل فيها أعمال الأمير الراحل، التي تتسم بالعاطفة المتدفقة والإحساس المرهف الذي يسمو بالحب إلى آفاق سامية.

وتشير المقالة إلى أن الأمير الراحل اختص بشعر الغزل ووقف جزءًا كبيرًا من إبداعه عليه. وهذه السمة الواضحة التي اتصف بها الأمير الشاعر أعطت شعره سمة التطور الغزلي، فهو ليس مجرد عابر في شعر الغزل. كما يتسم شعره بمنحنى عذري أخلاقي يربط الحب بالوفاء والإخلاص وبكثير من القيم التي اعتادها الواقع العربي، فليس الحب بالنسبة للشاعر إلا امتدادًا لهذه القيم وإن كان بشكل جمالي. وهذا ما يعبر عنه عن طريق تصوير الفراق، حيث نلمح في ثنايا النص الشعري تلك القيم متجلية بأبعد عمق ممكن:

ولستُ بمن يرضى لليلاهُ بالخنا
ولا بانخداعٍ بالسرابِ من الوعدِ
ولي من غرامي ما يقدّس حُبها
ولي من وفائي ما يذكّرني عهدي

شـعرٌ من وحـي الحرمان.. وحديث القلب
تميَّز شعر عبدالله الفيصل برهافة إحساسه استجابة للاتجاه الذي كان سائدًا في زمنه من شعراء الحجاز، حيث انتقل الأمير الشاعر إلى الحجاز ملتحقًا بالمدرسة الفيصلية بمكة المكرمة حينما كان التعليم النظامي وقتها في بداياته، ونال منها شهادته الابتدائية. واستزاد بعدها من العلوم المعرفية بالقراءة والمطالعة في الأدب والتاريخ والسياسة، ومجالسة رجال العلم ضيوف الحجاز من أعلام العالمين العربي والإسلامي. وتولد من قراءاته واطلاعه على قصائد كبار الشعراء هواه للشعر العربي الفصيح والشعر النبطي معًا، فحفظ لطرفة والنابغة الذبياني وامرئ القيس وعمر بن أبي ربيعة وعنترة والمتنبي، كما أبحر في دواوين شوقي وحافظ إبراهيم وناجي وبدوي الجبل وعمر أبو ريشة وغيرهم.

وهكذا برع سمو الأمير عبدالله الفيصل، رحمه الله، في نظم القصيدة وعُدّ من فرسانها، وفي عام 1373هـ نشر ديوانه الأول “وحي الحرمان”، وفي عام 1403هـ أصدر ديوانه الثاني “حديث القلب”، ثم مجموعته من القصائد النبطية في ديوان “مشاعري”. وقد تُرجمت أعماله الأدبية إلى اللغات الإنجليزية والفرنسية والروسية. جديرٌ بالذكر أن سمو الأمير انحاز للقصيدة العمودية التقليدية، كما عُرف بأشعاره التي غنَّاها عددٌ من المغنين في البلاد العربية ومنهم أم كلثوم وعبدالحليم حافظ، وكذلك فنانو الأغنية السعودية محمد عبده وطلال مداح وابتسام لطفي.

وتقديرًا لبصمته في العالم الأدبي العربي مُنح سموه الدكتوراه الفخرية بقرار من مجلس أمناء الأكاديمية للعلوم والثقافة المتفرعة عن مؤتمر الشعراء العالميين المنعقد في سان فرانسيسكو في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1981م. وفي عام 1985م، حصل على جائزة الدولة التقديرية في المملكة العربية السعودية. وكأحد أبرز الشعراء والأدباء العرب منحه جلالة الملك الحسن الثاني، يرحمه الله، عاهل المغرب العضوية في الأكاديمية الملكية المغربية عام 1986م. وقد بقي الشاعر الأمير، حتى بعد رحيله رحمه الله عام 2007م، في أذهان جمهوره فارسًا من فرسان القصيدة الغزلية. واجتهادًا في أن يبقى هذا الاسم مرتبطًا بالمسيرة الشعرية العربية، أعلن سمو الأمير خالد الفيصل عام 2018م عن جائزة الأمير عبدالله الفيصل للشعر العربي، لتكون عاملًا محفزًا لإبراز جماليات اللغة العربية حاملة في هويتها معنى الوفاء للشاعر الراحل.

مقالة عماد فوزي شعيبي بعنوان “دراسة في الغزل الرومانسي للأمير الشاعر عبدالله الفيصل”، المنشورة في عدد صفر 1411هـ (أغسطس – سبتمبر 1990م)

الحب.. “في كل قلب وترْ”

لقد أجاد الأمير في وصف الحب، مازجًا الخيال بالحقيقة، وراسمًا صورًا جميلة تجذب الأنظار إلى أشياء كانت قد أغلقتها رتابة الحياة اليومية. تراه ينشد الحب مندمجًا في الطبيعة، فيتخذ من مشاهدها أداة وتبيانًا يخط بها مشاعره ومكنونات نفسه:

لا أوحشَ الله خيالي من الـ
حُبِّ ولا تلكَ الليالي الأُخَرْ
حيث صِباك البرعمُ الغضُّ في
أوراقهِ يشتاقهُ من عَبَرْ
يُوحي إلى الدنيا أهازيجَهُ
مُبتدعًا في كلِّ قلبٍ وَتَرْ
فيصدحُ الكون بأوصافه
كم صَوَّرَ اللهُ وكم ذا ابتكرْ

وإذا كان الشعر قد درج في رومانسياته العذرية على الحوار مباشرة، فإن الأمير عبدالله الفيصل قد استطاع بعناية أن يلج الحوار الشعري في صورته السائدة، مستخدمًا البساطة في إبراز “المباشرة” المطلوبة في مثل هذه التداعيات الوجدانية. كما نراه أحيانًا يقترب من الرومانسية المغلقة على نفسها وتراثها العربي في أشعاره التي تعالج الفراق والحرمان. وتأتي الذكريات وشعرها أيضًا ضمن قصائده:

يا حبيبي ذكرياتُ الأمس تهفُو
أبدًا أصحو عليهنّ وأغفُو
كلما ودعت طيفًا لاحَ طيفُ
أترى قلبك بعد الهجرِ يصفُو؟!
يا حبيبي إن يكن طال جفانا
وذوى في زهرةِ العمر صِبانا
فلنعش يا حبّ في ذكرى هوانا
ولنقل عن حبنا كنّا وكانا

لقد درج الأمير الشاعر على رومانسية إبداعية أعطاها من لدنه الكثير، فكانت حقًا رومانسية الأمير عبدالله الفيصل. وهي رومانسية تجمع الجزل والصورة المباشرة، وبساطةً هي ذاتها الحديث الذي يجمع المحبِّين. كان الأمير ينبوعًا ثرًّا في الرومانسية الغزلية، حتى وكأنه ولج الدفق الداخلي الإنساني، فأبان منه واستبان وأرسله في كلمات هي بالفعل من أجمل ما تغنَّى بها الشعر الغزلي السعودي.



مقالات ذات صلة

تُتاح نسخة البي دي إف (PDF) من العدد 703 (مارس-أبريل 2024م) على موقع القافلة خلال بضعة أيام بعد إطلاق العدد على الموقع الإلكتروني.

في إطار واقعنا اليومي المعاش، هل يمكن أن نجد غربالًا نحجب به حقيقة تنامي النزعة الفردية، بمختلف أشكالها التي ننحاز إليها أو نخشى منها؟!

استطلاع آراء عدد من قرائنا، ومعرفة الفلسفة العميقة وراء دوافعنا في توثيق اللحظات، ومحاولاتنا للاحتفاظ بالزمن.


0 تعليقات على “ذاكرة القافلة: الرومانسية في شعر عبدالله الفيصل”


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *