مجلة ثقافية منوعة تصدر كل شهرين
نوفمبر – ديسمبر | 2024

ترجمة 250 كتابًا سعوديًا في ثلاث سنوات

د. هيلة الخلف: مبادرة “ترجم” تُعزِّز مكانة ثقافتنا عالميًّا

طامي السميري

مرَّت أربع سنوات على إطلاق هيئة الأدب والنشر والترجمة مبادرة “ترجم” بهدف دعم الناشرين السعوديين وتشجيعهم على ترجمة الكتب الأجنبية، إضافة إلى دعم ترجمة المقالات والإصدارات الأكاديمية لتعزيز المحتوى المعرفي العربي. والمبادرة ليست ذات اتجاه واحد، بل تدعم ترجمة الكتب السعودية إلى اللغات الأجنبية لتعزيز الروابط مع الثقافات الأخرى، وتقديم الكاتب السعودي في الخارج.

وبعدما أصبح دور هذه المبادرة في الترجمة إلى العربية ملموسًا، تبقى جهودها في الترجمة العكسية بحاجة إلى تسليط الضوء عليها. وربَّما لا يعرف الكثيرون أن المبادرة تمكَّنت من ترجمة 250 كتابًا سعوديًا إلى لغات أخرى في غضون ثلاث سنوات فقط، كما سهَّلت ترجمة أكثر من 858 كتابًا من العربية إلى لغات أخرى.

“من أبرز مرتكزات عمل هذه المبادرة، ترسيخ الدور القيادي للمملكة في خدمة الثقافة العربية؛ فهي تسعى إلى جعل بلادنا بوابة حقيقية للتبادل المعرفي والثقافي من خلال تعزيز أسس ثقافة الترجمة من اللغة العربية وإليها”. هذا ما تقوله المديرة العامة للإدارة العامة للترجمة في هيئة الأدب والنشر والترجمة بوزارة الثقافة، الدكتورة هيلة الخلف، التي تُدرج مبادرة “ترجم” ضمن الجهود الوطنية لرؤية المملكة 2030 لتعزيز المكانة الثقافية السعودية عالميًا.

يتمثَّل الدعم لدور النشر السعودية من خلال هذه المبادرة في تغطية تكاليف ترجمة الكتب، بما في ذلك التكاليف الكاملة للكتاب، وهذا يخصُّ الكتب السعودية تحديدًا، فضلًا عن دعم ترجمة المقالات والدوريات الأكاديمية والمجلات بتغطية تكاليف هذه الترجمة. وللرواية مكانة خاصة في المبادرة، مع الحرص على أن تكون عملية اقتراح الأعمال الأدبية للترجمة من قِبل دُور النشر نفسها. وفي هذا الصدد، تقول الدكتورة الخلف: “شهدنا في إطار ذلك إقبالًا من دُور النشر على شراء حقوق الكتب السعودية وترجمتها إلى لغات متعددة”.

خصوصية الثقافات

من خلال التجربة، تبيَّن أن تفضيلات القرَّاء ليست واحدة في كل الثقافات. فبينما تهتم المملكة المتحدة بكتب السيرة الذاتية، تُفضِّل إسبانيا الشعر العربي، وتميل الصين إلى الكلاسيكيات وأدب الأطفال. وتقول الخلف: “بالمثل، راعينا الذائقة الأدبية الخاصة في كل مجتمع عند ترجمة الروايات السعودية”. وللتوافق مع هذه التفضيلات، اعتمدت المبادرة على وكلاء أدبيين ودُور نشر سعودية لتولِّي بيع حقوق الترجمة لدُور نشر أجنبية في الدول المستهدفة؛ إذ تفهم تلك الدُور اهتمامات قرَّائها المحليين، وهو ما يساعد في اختيار أكثر الأعمال ملاءمة لكل سوق. وتضرب الخلف مثالًا على ذلك بدار نشر برازيلية طلبت أعمالًا لكاتبات سعوديات، وهذا ما يتيح فرصة لتقديم صورة حقيقية ومعاصرة عن المرأة السعودية من خلال إبداعاتها الأدبية.

في مشهد الإبداع السعودي، توجد روايات متنوعة ومتباينة من حيث مستوى النضج الفني، منها الروايات المثيرة للجدل، والروايات الفائزة بجوائز أدبية. وهذا يطرح سؤالًا حول المعايير التي يجري على أساسها اختيار هذا العمل أو ذاك. وفي هذا المجال، تؤكد الدكتورة الخلف أن مبادرة “ترجم” تتبع إجراءات محددة لدعم ترجمة الأعمال الأدبية السعودية وغيرها. وتعتمد آلية العمل على قيام دُور النشر السعودية بتقديم طلبات تتضمن الكتب المقترحة للترجمة، وعادةً ما تكون مبنية على تقييم الناشرين لأهمية هذه الأعمال وإمكانية نجاحها في أسواق أخرى. ثم تُعرض الأعمال المقترحة على لجان مختصة لمراجعتها وإجازتها وتقييمها وفقًا لمعايير محددة تضمن جودتها وملاءمتها لأهداف المبادرة.

وعمَّا إذا كانت الترجمة تُجرى بمعايير الذائقة المحلية، أو تُترجم بحسب ما قد يلفت انتباه القارئ الأجنبي، تؤكد الخلف وجود تنوعٍ؛ فبعض الدُور تُولي اهتمامًا لترجمة أعمال أدبية فريدة تُعرِّف القارئ الأجنبي بألوان أدبية جديدة وثقافات مختلفة، وهو ما يُسهم في إثراء المشهد الأدبي العالمي. في حين يختار البعض الآخر أعمالًا حقَّقت نجاحًا في لغتها الأصلية، وهو ما يزيد من فرص نجاحها عند ترجمتها. وتُضيف قائلة: “نحرص في مبادرة (ترجم) على عكس الحالة الراهنة للأدب السعودي بكل تنوعه وتطوره. ولذلك، فإننا نشجع ترجمة مجموعة متنوعة من الأعمال الأدبية، ونعمل كذلك مع دُور النشر الأجنبية التي تتولى مهمة اختيار العناوين التي ترغب في ترجمتها، بناءً على تقييمها الخاص لما يناسب المتلقي في اللغة المستهدفة، وندفع في حوارنا معها نحو تحقيق التوازن”.

للرواية مكانة خاصة في المبادرة، مع الحرص على أن تكون عملية اقتراح الأعمال الأدبية للترجمة من قِبل دُور النشر نفسها”.

دور المترجم في نقل روح النص

أيمكن للنسخة المترجمة من الرواية السعودية أن تكون أفضل من العربية؟ قد يدور هذا السؤال في أذهان القرَّاء الذين يعرفون أن المترجم الأجنبي قد يؤدي دورًا في تحسين جودة النص، كما حدث لبعض الروايات العربية التي فازت بجوائز؛ لأنها تُرجمت بشكل جيد. لكن من وجهة نظر الخلف، فإن الفوز بجوائز عالمية، لا يعني بالضرورة أن النسخة المترجمة “أفضل” من النسخة العربية الأصلية، ولكنها قد تنجح في نقل جوهر العمل بطريقة تُحدث صدى لدى الجمهور المختلف. ومن ثَمَّ، تُحسِّن من فرص تقدير العمل من قِبل جمهور مختلف ثقافيًا. فالمترجم الماهر يؤدي دورًا مهمًا في هذه العملية؛ إذ ينقل روح النص وسياقه الثقافي بأمانة ودقة، مستخدمًا تقنيات مثل “الترجمة بالإضافة” و”الترجمة بالحذف” لتكييف النص مع الثقافة المستهدفة.

وترى د. هيلة الخلف أن ترجمة الأدب السعودي، مثل غيره من الآداب العالمية، تنطوي على تحديات متعددة للمترجم. هذه التحديات تشمل نقل العناصر الثقافية المحلية العميقة والخصوصيات اللغوية التي تميّز العمل الروائي السعودي. فالمترجم عليه أن ينقل عالمًا كاملًا من المعاني والدلالات والإشارات الثقافية. وتقدِّم الخلف أمثلة على هذه التحديات التي قد تواجه المترجم الأجنبي في ترجمة المفاهيم الثقافية الخاصة، مثل المصطلحات المرتبطة بالعادات الاجتماعية أو المفاهيم الدينية. فعلى سبيل المثال، كلمة “الشماغ” أو”المروءة”، التي تُعدُّ من ركائز الثقافة العربية تحمل معاني عميقة ومتعددة، يصعب ترجمتها بكلمة واحدة في اللغات الأخرى. بالإضافة إلى ذلك، تُشكِّل الإشارات التاريخية للأحداث أو الشخصيات التاريخية السعودية تحديًا آخر، حيث قد تحتاج إلى شرح إضافي للقارئ الأجنبي.

ولا تنحاز د. هيلة الخلف لأي من المترجم السعودي أو الأجنبي في كونه المترجم المناسب لترجمة الروايات السعودية. فهي تقول: “كلا الخيارين له مزاياه وتحدياته. وما يهم حقًا هو كفاءة المترجم ومهاراته. ومن الأساليب التي نتبعها لتطوير المبادرة، الحرص على أن يكون المُدقِّق للعمل المُترجَم أحادي اللغة في اللغة المستهدفة. هذا النهج يساعد على ضمان أن فهمه للنص المُترجَم يرتكز على اللغة المنقول إليها فقط، فيكون حكمه أقرب إلى الصحة: هل يبدو النص سلسًا للقارئ في اللغة الهدف أم لا؟”.

صورة الأدب العربي عند المتلقي الغربي

جرَّب الروائي السعودي أن يكتب روايته بلغة أجنبية كما فعل أحمد أبو دهمان، الذي حقَّقت روايته “الحزام” نجاحًا باهرًا لدى القارئ الفرنسي. فهل تشجع مبادرة “ترجم” الروائي على الكتابة بلغة أخرى يتقنها؟ تقول: “تركز المبادرة على تشجيع الترجمة بين اللغات المختلفة، وليس على تحفيز الكتابة المباشرة باللغات الأجنبية. هدفنا الرئيس هو خلق جسور ثقافية بين الشعوب من خلال نقل الأعمال الأدبية والفكرية بين اللغات”.

وهل يمكن أن يكون للقارئ السعودي الذي يجيد لغة أجنبية، أن يكون قارئًا للروايات السعودية بلغات أخرى؟ هذا النموذج الجديد من القراءة الاستكشافية قد يحدث. وتقول د. الخلف: “إذا وجد القارئ السعودي الذي يُجيد لغة أجنبية متعة في قراءة الأدب السعودي بلغة أخرى، فهذا أمر نرحب به. قد يجد بعض القرَّاء السعوديين في هذه التجربة فرصة لاستكشاف كيفية تقديم الثقافة السعودية بلغة أخرى، فضلًا عن منحهم منظورًا جديدًا لكيفية تفاعل القرَّاء الأجانب مع الثقافة والقصص السعودية. لكن رؤية المبادرة تتمحور حول إيصال صوت الأدب والأديب السعودي والعربي إلى العالم”.

ترجمة الأدب السعودي تنطوي على تحديات عديدة للمترجم، وتشمل نقل العناصر الثقافية المحلية العميقة والخصوصيات اللغوية”.

وعن وصول الروايات المترجمة إلى الطلاب المبتعثين، أوضحت الخلف أن ذلك يعتمد بشكل كبير على دُور النشر وتوزيعها للكتب في الأسواق العالمية. فكثير من دُور النشر الأجنبية التي قامت بترجمة الروايات السعودية أو العربية، حرصت على توفيرها في منافذ بيع مختلفة، بما في ذلك المنصات الإلكترونية الشهيرة مثل أمازون.

ومع أننا نعيش الآن في زمن القرية الكونية، يبقى السؤال: هل ما زال القارئ الغربي متأثرًا بشدة بالصورة النمطية الاستشراقية المتعلقة بالأدب العربي؟ وفي هذا الجانب، ترى الخلف أننا نشهد تحولًا إيجابيًا في تصورات القارئ الغربي تجاه الأدب العربي، وخاصة السعودي؛ وذلك بفضل جهود مبادرات مثل مبادرة “ترجم”. فلم تعد الصورة النمطية هي المهيمنة على تصورات القارئ الغربي للأدب العربي. والدليل على ذلك هو النجاح المتزايد الذي تُحقِّقه الأعمال الأدبية العربية المترجمة ضمن هذه المبادرة، ووصولها إلى منصات عالمية مرموقة. وتضرب مثلًا على التحوُّل الإيجابي في تصوُّر القارئ الغربي للأدب العربي بفوز الأديبة السعودية الدكتورة شيماء الشريف بالجائزة الدولية للأدب العربي “ابن عربي” في معرض مدريد الدولي للكتاب 2024، عن روايتها “أنصاف مجانين”، التي تُرجمت ضمن مبادرة “ترجم”. فهذا الإنجاز يؤكد أن الأدب العربي، بدعم من مبادرات الترجمة الفعّالة، قادر على تجاوز الصور النمطية والتأثير في القرَّاء حول العالم.

عن التسويق والتنسيق للوصول إلى جمهور أوسع

الشائع لدى الأغلبية أن الناشر الغربي يميل إلى استخدام الثيمات الاستشراقية لتسويق الروايات السعودية من أجل جذب اهتمام الجمهور الغربي، مثل صورة الغلاف أو تقديم الرواية على الغلاف الخلفي. وفي هذا الصدد، ترى الدكتورة الخلف أن معرفة دقة هذا التصوُّر النمطي تتطلب استطلاعًا لآراء الناشرين الغربيين أنفسهم. غير أنه يمكننا ملاحظة توجه عام في سوق النشر العالمي نحو استخدام عناصر ثقافية مميّزة على أغلفة الكتب وفي المواد التسويقية. ولا يُعدُّ هذا أمرًا سلبيًا على الإطلاق إذا قُدِّمت بطريقة تحترم السياق الثقافي وتعكس الواقع المعاصر للمجتمع السعودي.

وعن الروايات التي تُترجم بحسب الاحتياج الأكاديمي، أو تلك الروايات التي تُترجم في إطار التعاون الثقافي المشترك مع الدول الأخرى، وحظوظ هذه الروايات تسويقيًا، وهل ستصل إلى المتلقي العادي في تلك الدول؟ تقول: “عملية تسويق الروايات السعودية تتخذ مسارات متعددة، وتقع على عاتق الناشر للرواية المترجمة. ومع ذلك، فإن الهيئة لا تغفل عن أهمية التنسيق من أجل الوصول إلى جمهور أوسع”.


مقالات ذات صلة

بعد قليل أو كثير من وفاة كاتب أو مفكر، يُمكن أن تُعلن دار نشر عن إصدار كتاب جديد له، وهناك حالات كثيرة لهذا الشكل من النشر عربيًا وعالميًا، أثارت كثيرًا من التساؤلات حول جدواها الثقافية من جهة، ومشروعيتها من جهة أخرى. 

السؤال عن اندثار فعالية مثل معرض الكتاب في المستقبل القريب أو البعيد، لا يمكن أن تكون إجابته، نعم.

برز الشاعر والفيلسوف المغربي محمد عزيز الحبابي (1922-1993) كرمز لتطوير التعليم الجامعي في المغرب، حيث أطلق مفهوم “الشخصانية الإسلامية” ووجه مناهج التفكير لجيل جديد..


0 تعليقات على “د. هيلة الخلف: مبادرة “ترجم” تُعزِّز مكانة ثقافتنا عالميًّا”


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *