مجلة ثقافية منوعة تصدر كل شهرين

حصاد الطاقة من الكوارث الطبيعية

حسن الخاطر

زلزال وتسونامي كبير وغير مسبوق شرق اليابان

يزخر جوف الأرض بالطاقة الحرارية الهائلة. وتتدرَّج حرارتها صعوداً كلما اتجهنا للأسفل نحو نواتها. إذ تصل حرارة القشرة الأرضية إلى 200 درجة مئوية عند تماسها مع طبقة الوشاح على عمقٍ يُراوح بين 5 و70 كيلومتراً. وتصل حرارة هذه الطبقة بدورها إلى 4000 درجة عند تماسها مع النواة، على عمقِ 3000 كيلومتر. وتصل حرارة النواة إلى حوالي 7000 درجة.

هذه الطاقة الحرارية وديناميكيتها هي المسؤولة عن الكوارث الطبيعية كالزلازل وموجات تسونامي والبراكين. لكنها مسؤولة كذلك عن حماية الحياة على الأرض من خلال الحقل المغناطيسي الذي تولده حركيتها، والذي بدوره يحمي الأرض من الإشعاعات المميتة. فلنا أن نتخيل أيضاً أن العلم والتكنولوجيا سيعيناننا على تسخير هذه الكوارث لحصاد الطاقة المتجدِّدة وحماية الأرض من الانبعاثات المميتة.

ولطالما أشعلت إمكانية استغلال هذه الكوارث الطبيعية خيال كثيرين، لم يسعفهم العلم في تقديم أساس لخيالهم. لكن التقدُّم العلمي والتكنولوجي الحالي فتح باباً لهم لدراستها وإمكانية التحكم فيها وتسخيرها والاستفادة منها، مما أخصب خيالهم من جديد.

كيف يحدث التسونامي؟
يرتبط التسونامي غالباً بحدوث الزلازل، التي تظهر وتختفي بسرعة. ويصعب التنبؤ بها وبالكوارث المفاجئة الناتجة عنها؛ نظراً لصعوبة وضع نماذج ديناميكية لطبقات الأرض الداخلية، وصياغتها في معادلات رياضية دقيقة. لذلك يتم الاعتماد على معادلات رياضية تقريبية وطرق احتمالية للتنبؤ بهذه الكوارث. وعلى الرغم من ذلك، فهناك عدم دقَّة في نتائجها؛ لعدم القدرة على معرفة الظروف الأولية في الأنظمة الفوضوية.

عندما تتحرك الصفائح التكتونية في قشرة الأرض تحت البحار والمحيطات، تطلق كمية هائلة من الطاقة داخل المياه. وهذه الطاقة بدورها تقوم بدفع الماء ورفعه إلى الأعلى، فتتكون سلسلة من الموجات الهائلة والطويلة جداً يصل مداها إلى مئات الكيلومترات. وتعتمد قوتها على الظروف الأولية التي تسببت في حدوث التسونامي، فمن المعروف فيزيائياً أن إلقاء حجر في بركة ماء يولد موجات مستعرضة، بينما تتشكل موجات أكبر عندما يتم رمي الحجر بقوة أكبر. وهذا المبدأ نفسه ينطبق على تحرك الصفائح التكتونية تحت سطح البحر.

طاقة الأمواج
مع زيادة توجه دول العالم إلى مصادر الطاقة المتجدِّدة، أصبحت طاقة الأمواج التي تتمثل في ظاهرتي المد والجزر، بسبب جاذبية القمر للأرض، من المصادر المستدامة التي يتم استغلالها والاستفادة منها خلال السنوات الماضية، وتحويل طاقتها الحركية إلى طاقة كهربائية بواسطة التوربينات.

لكن الأمر مختلف بالنسبة إلى أمواج التسونامي، وذلك لصعوبة معرفة وقت ظهورها، إضافة إلى قوتها التدميرية مما يشكِّل أكبر التحديات أمام استغلالها.

محطة لتوليد الطاقة الحرارية الجوفية

على الرغم من ذلك، فإن التطورات العلمية والتقنية المتسارعة، جعلت تحويل هذه الكوارث إلى طاقة كهربائية أمراً ممكناً في المستقبل لتوفر الأساس العلمي لذلك. فمن الناحية النظرية يمكن تحويل حركة الصفائح التكتونية وأمواج التسونامي إلى كهرباء بواسطة نظام توربيني مخصص لذلك. لقد قدَّم روس شتاين من هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية (USGC) في مينلو بارك بولاية كاليفورنيا تصميماً تخيلياً يمكن من خلاله الاستفادة من طاقة الزلزال والتسونامي وتحويلها إلى طاقة متجدِّدة.

فبطريقةٍ تشبه “خياطة” مناطق الحدود بين الصفائح التكتونية، المعروفة باسم خطوط الصدع، بخطوط قوية ملفوفة حول التوربينات مثل محرك السحب على جزازة العشب، أو المولّد الخارجي المستخدم في توليد الكهرباء. فعندما تتحرك الصفائح ويحدث الزلزال تقوم الخطوط الملفوفة بتسريع التوربينات وتوليد الكهرباء. هذا بالإضافة إلى إنشاء بحيرة اصطناعية على مكانٍ مرتفعٍ يتم ملؤها بالمياه بطاقة الزلزال على الفور. بعد ذلك يمكن ترك المياه تتدفق عند الحاجة عبر التوربينات لتوليد الكهرباء في أوقات لاحقة.

كما يمكن تركيب نظام توربيني على كاسر أمواج (Breakwater) في المنطقة المعرَّضة لأمواج التسونامي. ويقول شتاين إن هناك كثيراً من الطاقة يمكن اكتسابها من هذا النظام. وهذه الأفكار التخيلية تواجهها تحديات عديدة من أهمها أن هذا المصدر المهم من الطاقة لا يمكن التنبؤ بحدوثه على الإطلاق.

طاقة البراكين
تتميز المناطق البركانية داخل جوف الأرض بحرارتها النسبية العالية بشكل كبير؛ وذلك بسبب الصهارة التي تولد البراكين. وتُعدُّ هذه المناطق المصدر الرئيس للطاقة الحرارية الجوفية بالمقارنة مع المناطق الأخرى. ويتمثل استغلال طاقة البراكين الحرارية تحديداً في هذه المناطق بجانبين رئيسين: استغلال حرارة المياه الساخنة داخل جوف الأرض، واستغلال حرارة الصهارة المتدفقة على سطحها.

المياه الساخنة
من الأمثلة الواضحة على استغلال هذه الظاهرة في الوقت الحاضر ما تقوم به جزيرة أيسلندا البركانية؛ حيث تمثل الطاقة الحرارية الجوفية مصدراً رئيساً للطاقة فيها. وذلك عن طريق حفر آبار عميقة ومد أنابيب إلى أعماق الأرض من خلالها، فيخرج الماء على شكل بخار نتيجة الحرارة المرتفعة وفرق الضغط. ويتم توجيه البخار الخارج من الأنابيب إلى التوربينات التي تولِّد الكهرباء، وذلك عن طريق تحويل الطاقة الحركية إلى طاقة كهربائية.

محطة للطاقة الكهرومائية

الصهارة البركانية
الصهارة عبارة عن صخور سائلة شديدة الحرارة، وتحتوي على مزيج من المعادن كما هو الحال في الصخور الصلبة. لكن الطاقة المستخدمة حالياً منها ليست بالكفاءة المطلوبة، ويمكن رفعها بنسبة كبيرة إذا تم الحفر في المناطق البركانية المحددة والاستفادة من حرارة الصخور المنصهرة.

لقد ولدت فكرة الاستفادة من طاقة الصهارة في عام 1985م، عندما تعرَّض العمال الذين يقومون بحفر بئر للطاقة الحرارية الجوفية في أيسلندا إلى انفجار بشكل مفاجئ لا يمكن السيطرة عليه؛ وقد نشأ البخار من خزان للمياه الجوفية تحت ضغط مرتفع.

يحتوي الماء في مثل هذه الحالة المعروفة بالحالة فوق الحرجة (Supercritical State) على كميات هائلة من الطاقة، وهذه الحالة تحدث إلى الماء عندما يصل إلى ضغط 221 بار، ما يعادل 221 ضعف ضغط الهواء الجوي عند مستوى سطح البحر، و374 درجة مئوية أو أعلى. ويتحوَّل الماء إلى بخار عندما ينخفض الضغط مع ارتفاعه إلى سطح الأرض. ويذهب العلماء إلى أن الآبار فوق الحرجة تولد طاقة تعادل عشرة أضعاف الآبار الموجودة حالياً. حيث يتم حفر البئر بالقرب من الصهارة من أجل الحصول على المياه فائقة السخونة؛ التي يتم استخدامها في تدوير التوربينات.

وما زال العلماء حتى هذه اللحظة يطوِّرون من أبحاثهم في تسخير السوائل فوق الحرجة، وليس هذا فحسب بل يأملون في استغلال الطاقة الساخنة المنصهرة للصهارة نفسها. وذهب ويلفريد إلدرز (Wilfred Elders) الأستاذ الفخري للجيولوجيا في جامعة كاليفورنيا وكبير العلماء المشارك في مشروع (IDPP) بأيسلندا، الخاص بأنظمة الطاقة الحرارية الجوفية عالية المحتوى الحراري إلى أن استغلال السوائل فوق الحرجة، والطاقة الساخنة المنصهرة للصهارة نفسها، يمكن أن يؤدي إلى تغيير استراتيجيات الدول نحو الطاقة والتوجه إلى هذا النوع منها. وإذا نجحت مشروعات الحفر هذه فإنها سوف تغيِّر صورة الطاقة في أيسلندا وخارجها. ونتيجة لذلك، سيكون لها تأثير كبير على إمدادات الكهرباء في شمال أوروبا، وتصبح أيسلندا مصدِّرة للطاقة عن طريق مد كابلات تحت سطح البحر من أيسلندا إلى أسكتلندا أو حتى الدول الإسكندنافية. وربما يصبح بالإمكان نقل كميات كبيرة من الكهرباء لاسلكياً من دون الحاجة إلى مد الكابلات؛ فتقنية النقل اللاسلكي للكهرباء تشهد تقدُّماً ملحوظاً.

من الحرارة إلى الكهرباء مباشرة
ما زال العلماء يبحثون في تحويل الحرارة العالية إلى كهرباء بشكل مباشر وبكفاءة عالية. وحتى هذه اللحظة فإن تسخير البراكين وتحويل طاقتها الحرارية إلى طاقة كهربائية بشكل مباشر ما زال يقع في حيِّز الخيال العلمي؛ نظراً إلى وجود تحديات تتعلق بدرجة الحرارة والضغط الشديدين؛ مما يشكِّل صعوبة في الوصول إلى منطقة الصهارة. والأمر الآخر الذي يشكِّل تحدياً علمياً وتكنولوجياً هو تصنيع مواد كهروحرارية قادرة على مقاومة هذه البيئة القاسية. ومن المواد الواعدة التي يتطلع إليها العلماء في المستقبل هي خيوط العنكبوت؛ لما لها من طواعية حرارية عالية ومتانة لا مثيل لهما. إذ ذاك يصبح بالإمكان تحويل طاقة الصهارة والحمم البركانية إلى كهرباء مباشرة من دون مرورها بالطاقة الحركية.


مقالات ذات صلة

في عام 2077م، شهد معظم سكان أوروبا كرة نارية تتحرك في عرض السماء، ثم سقطت كتلة تُقدّر بألف طن من الصخور والمعادن بسرعة خمسين كيلومترًا في الثانية على الأرض في منطقة تقع شمال إيطاليا. وفي بضع لحظات من التوهج دُمرت مدن كاملة، وغرقت آخر أمجاد فينيسيا في أعماق البحار.

نظرية التعلم التعاضدي هي: منهج تتعلم عبره مجموعة من الأفراد بعضهم من البعض الآخر من خلال العمل معًا، والتفاعل لحل مشكلة، أو إكمال مهمة، أو إنشاء منتج، أو مشاركة تفكير الآخرين. تختلف هذه الطريقة عن التعلم التعاوني التقليدي، فبين كلمتي تعاون وتعاضد اختلاف لغوي بسيط، لكنه يصبح مهمًا عند ارتباطه بطرق التعليم. فالتعلم التعاوني التقليدي […]

حتى وقتٍ قريب، كان العلماء مجمعين على أن الثقافة هي سمةٌ فريدةٌ للبشر. لكن الأبحاث العلميّة التي أجريت على الحيوانات، منذ منتصف القرن العشرين، كشفت عن عددٍ كبيرٍ من الأمثلة على انتشار الثقافة لدى أغلب الحيوانات. وعلى الرغم من الغموض الذي يلفّ تعبير الثقافة، حسب وصف موسوعة جامعة ستانفورد الفلسفيّة، هناك شبه إجماعٍ بين العلماء […]


0 تعليقات على “حصاد الطاقة من الكوارث الطبيعية”


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *