في العام الماضي، ودَّع العالم واحدًا من أكثر الشخصيات تأثيرًا في التاريخ الحديث. ففي 24 مارس 2023م، تُوفِّي العالِم صاحب الرؤية جوردون مور، بسلام أثناء نومه، عن عمر يناهز 94 عامًا، وفقًا لتقرير معهد تاريخ العلوم. وكانت أبحاث مور في أشباه الموصلات قد أدت إلى ابتكارات شكَّلت العالم على ما هو عليه الآن. ففي عام 1965م، تنبأ بأن قوة معالجة الرقائق الدقيقة سوف تزداد بمعدل هائل، مع تقلُّص حجم الترانزستورات، بحيث تتضاعف كل عامين. وكانت هذه الملاحظة دقيقة إلى درجة أُطلِق عليها علميًا اسم “قانون مور”.
عندما كان طفلًا، افتُتن مور بالكيمياء، خاصة عندما قرأ كتابًا عن تحضير مخاليط ينتج عنها تفاعلات فورية. وفي وقت لاحق، بدأ في إجراء تجارب على صنع تركيباته الخاصة باستخدام مجموعة الكيمياء الخاصة بصديقه والمخصصة للأطفال. ولاحقًا، أدى حبُّ مور للكيمياء إلى حصوله على درجة البكالوريوس من جامعة كاليفورنيا في بيركلي، ثم الدكتوراه في الكيمياء والفيزياء من معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا في عام 1954م.
عمل هذا العالِم الفذُّ فترةً وجيزةً مع ويليام شوكلي، الحاصل على جائزة نوبل، والذي اخترع الترانزستور العملي مع اثنين آخرين في مختبرات بيل. وفي عام 1957م، استقال مور مع سبعة من زملائه بسبب أسلوب رئيسه الإداري غير المحتمل، كما قال، وشارك في تأسيس شركة “فيرتشايلد سيميكوندكتر” (Fairchild Semiconductor). وفي الواقع، يمكن أن تتبع جذور عدد كبير من شركات وادي السيليكون، اليوم، إلى شركة البحث والتطوير الرائدة هذه، بما في ذلك شركة “إنتل” التي شارك مور في تأسيسها في عام 1968م، ونمت لتصبح أكبر شركة مُصنّعة للمعالجات الدقيقة في العالم.
عندما بدأ جوردون مور مسيرته المهنية في الخمسينيات من القرن الماضي، كان متوسط حجم الترانزستور يُقاس بالسنتيمتر، ولم يكن من الممكن العثور عليه إلا في مختبرات العلوم. وعلى مدى العقود السبعة التالية، ووفقًا لقانون مور، انخفض حجم الترانزستور أكثر من مليون مرة، ومعه انخفضت التكلفة. والآن يحتوي كل جهاز آيفون (A17 Pro) على 19 مليار ترانزستور.
لقد حقَّق هذا النجاح الهائل لصناعة أشباه الموصلات لجوردون مور ثروة ضخمة، وقد تبرع بمعظمها للأعمال الخيرية. وبالتعاون مع زوجته أسَّس “مؤسسة جوردون وبيتي مور”، التي تُعنى بالتعليم والبحث العلمي والحفاظ على البيئة.
اترك تعليقاً