مجلة ثقافية منوعة تصدر كل شهرين
2024

بداية كلام

التراث.. عراقة واعتزاز لا تصطدم بالتقدُّم


فريق القافلة


سارة الباشا
مصممة

حياة واحدة لا تكفي!

أن تواجه العالم بيوم واحد! يعني أن تستيقظ كل يوم فاقدًا للذاكرة، لا تجرؤ على اتخاذ قرارات مصيرية أو حتى اتخاذ القرارات، وإذا هممت بارتداء ملابسك انتقيت ما يعجبك في الآخرين لأنك تجهل شكل جسدك، وستشرب ما قيل لك إنه لذيذ ومفيد، وتأكل ما يأكله الناس، وتذهب لما قيل لك “إنها وظيفتك”. وستخسر مقابل من تمرن سنوات في لعبة ما، ويلحقك الشك في ذاتك هل أنت هو أنت، أم نسخة مشوهة مما تراه في الآخرين حولك؟

ونسيان الأمس أو تناسيه أو فقدانه، يجعلنا في المقابل نواجه الآخر بحياة واحدة. وقطع الصلة بالتراث العبق بأرواح من سبقونا، والجهل بامتدادنا التاريخي عبر الماضي، مدعاة لأن نكون غرباء عن أنفسنا والآخرين، أو ذائبين في كيان آخر غريب عنا لا يعرفنا فلا يعترف بنا. إن هذا الإرث من التجارب مع الذات والأشياء والأشخاص، الذي ننتمي إليه على مستوى الثقافة العربية عامة والمحلية بشكل خاص، فرصة كبرى لتعميق التجربة الإنسانية الذاتية الحاضرة، وإثراء للحضارات العالمية المزدهرة بالتفاعل.

ولا أجد ما يعوق التقدّم والانطلاق، إلا العقلية المنغلقة الممتلئة باللحظة الراهنة لا سواها، فلا تراكم الخبرات يثريها، ولا تأمل القادم يثيرها.


خالد صقر
ممثل

معادلة التوازن الصعبة

التراث هو الاعتزاز والانتماء والقصص الجميلة وبداية تشكيل الهوية، وكما يقال في المثل الدارج “اللي ما له أول.. ما له تالي”. ولأننا أصحاب أمجاد وتاريخ مشرف، ونمتلك قدرًا عاليًا من الثقة بأنفسنا، فإننا نعتز بتاريخنا وتراثنا وعاداتنا الحميدة. ومن هنا، جاءت تسمية عام 2024م بـ”عام الإبل”، كرمزية دالة على هذا الاعتزاز والفخر بتراثنا.

إن اعتزازنا بهذه الرمزيات الممتدة في تاريخنا وتراثنا هو اعتزاز بأنفسنا؛ لأن كل هذا التراث هو ثقافة تشكّل هويّتنا، وهي نابعة من بيئتنا وتمتد جذورها في أعماق وجداننا وذاكرتنا، وهي في الوقت نفسه حافزنا للانطلاق نحو المستقبل بكل ثقة.

يمكننا أن نرى أين كنا في الماضي وأين أصبحنا اليوم، وكل هذا التقدّم الذي حققناه دون أن نتخلى عن ثقافتنا وتراثنا، بل كانت حاضرة في وجداننا وذاكرتنا. ونحن في هذا البلد العظيم الذي يعتز جميع المنتمين إليه بتراثهم وثقافتهم ومكتسباتهم ويفخرون بهويتهم، ويتطلعون في نفس الوقت إلى مستقبل باهر، لدرجة أن جميع العالم يلتفت إلينا في هذه الميزة التي جمعنا فيها بين اعتزازنا بالماضي وتطلعنا للمستقبل.

لقد أصبحنا حديث العالم كله في سباقنا نحو التطور والتقدم في الوقت الذي نتمسك فيه بتراثنا، وهذه معادلة من الصعب أن تجد من يجمع بين طرفيها بهذا التوازن.


لولوة مخدوم
إدارة مشاريع

تعلّمت الانتماء من حب التراث

التراث هو مرجعية تاريخية وثقافية للمجتمع، وله أهمية كبيرة في دعم الشخصية الفردية وتقوية الشعور بالانتماء. إنه تشكيلة من القيم المادية واللامادية التي تستوعب مختلف الموضوعات، من خبرات متراكمة ومعارف ومعتقدات وعادات، خلّفها لنا أسلافنا، وحافظنا نحن عليها، وننقلها بدورنا إلى أبنائنا وأحفادنا.

بالنسبة إليَّ، فإن التراث هو هويتي التي أعتز وأفخر بها، وقد كان لبعض الرمزيات التراثية البسيطة أثر كبير في شعوري بالاعتزاز والفخر والانتماء لوطني. ومن أجمل الأمثلة التي أحب استحضارها في هذا الموضوع، بيوت جدة التاريخية والطراز العمراني الفريد والجميل، الذي يشعرني أنني ابنة هذه المدينة العريقة التي نشأت وتربيت فيها وأنتمي إلى كل شبر فيها.

لقد كنت مهتمة بهذا الموضوع وقرأت فيه كثيرًا؛ إذ يملؤني إحساس بالحاجة إلى توعية جيل الشباب بأهمية عنايتهم بتراثهم وصيانته والاهتمام به؛ ليكون دافعًا لهم في المُضي قُدمًا بثبات وثقة نحو المستقبل، وفي نفس الوقت يقوّي لديهم الشعور بالانتماء وحب الوطن والاعتزاز به.

من وجهة نظري، فإن غياب موضوع التراث واستحضاره لدى جيل الشباب، يمكن أن يخلق فجوة كبيرة في المجتمع، ويجعل هذا الجيل مفصولًا عن ماضيه، ومن ثَمَّ فإن ذلك بالتأكيد سينعكس سلبًا على مستقبلهم الذي سيكون هشًّا، وعلى شخصياتهم التي ستكون قليلة الثقة والاعتزاز. التراث عنصر مهم في الثقافة والفنون، والفن بطبيعته يتصل اتصالًا وثيقًا بشخصية الإنسان. 


مجدولين العجارمة
تسويق

بين المحمود والمذموم

من البديهي أن يطرأ هذا السؤال على أذهاننا ونحن نغرق في عصر رقمي، ونعايش مخرجات الثورة الصناعية الخامسة، ونتحدث إلى الذكاء الاصطناعي عن كل ما يطرأ في بالنا. هل يعني التراث لنا شيئًا؟ هل من الجدير بنا في ظل كل هذا التقدّم أن ننفصل عن ماضينا وتراثنا؟

أعتقد أن الإجابة عن هذا السؤال لن تُختزل ببساطة في كلمة واحدة، فموضوع التراث والأصالة والاعتزاز بالموروث والمحافظة عليه، يعدُّ مسألة دقيقة ومعقدة، وبحاجة إلى نظرة متوازنة تجاه ذلك التراث، مع الأخذ في الاعتبار أن هناك تراثًا ماديًا يتمثّل في الآثار والعمران وما شابهها من الماديات المحسوسة، وتراثًا غير مادي يتمثّل في الثقافة والعادات والتقاليد وغيرها.

في تقديري، أن التراث باعتباره موضوعًا ثقافيًا مؤنسنًا، فمن المهم جدًا استحضاره من هذه الزاوية والعناية به والحفاظ على رموزه وآثاره ودراستها والاستلهام منها؛ فهو بالنظر إليه من هذه الزاوية يعتبر امتدادًا لذاكرة الإنسان والمجتمع وثقافته، وهو ذو صلة مباشرة أو غير مباشرة بما وصلنا إليه اليوم وما نتطلّع إليه في المستقبل، وهو مصدر إلهام واعتزاز وانتماء. أمَّا المذموم الذي لا يعني جيل الشباب في شيء، فهو الاستحضار المطلق لذلك التراث ورموزه والرجوع إليها باعتبارها مقياسًا أو مرجعًا يحكم حاضرنا ومستقبلنا.


مقالات ذات صلة

الثقافة تعارفٌ وتثاقف، وحوار وتواصل وتآلف؛ إنها نوافذ مشرعة وأبواب مفتوحة، وطرق تُمهّد وجسور تُبنى. بتلك النية بدأت القافلة..

عبدالله الحواس، رئيس مكتبة إثراء، يكتب عن أهمية القراءة والكتب في حياتنا، ودور مسابقة “أقرأ” في التشجيع على جعل القراءة أسلوبًا للحياة.

كما تقول هيلين كيلر، نحن نسافر لنشعر بأننا أحياء، ونكتشف أنفسنا في المجهول، بينما يعلمنا السفر التواضع ويُثري تجاربنا الإنسانية..


0 تعليقات على “التراث.. عراقة واعتزاز”


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *