مجلة ثقافية منوعة تصدر كل شهرين
مايو - يونيو 2023

اقتصاد‭ ‬الهيدروجين

هل‭ ‬يُصبح‭ ‬حجر‭ ‬زاوية‭ ‬في‭ ‬مزيج‭ ‬الطاقة‭ ‬العالمي؟


أمجد قاسم

يحظى‭ ‬الهيدروجين‭ ‬باهتمام‭ ‬متزايد‭ ‬خلال‭ ‬العقد‭ ‬الحالي‭ ‬مع‭ ‬تنامي‭ ‬الإدراك‭ ‬للتحدّي‭ ‬المزدوج‭ ‬الذي‭ ‬يواجه‭ ‬قطاع‭ ‬الطاقة‭ ‬في‭ ‬حاضره‭ ‬ومستقبله‭ ‬القريب،‭ ‬والذي‭ ‬يتمثّل‭ ‬في‭ ‬التصدّي‭ ‬للتغيّر‭ ‬المناخي‭ ‬مع‭ ‬الاستمرار‭ ‬في‭ ‬تلبية‭ ‬الطلب‭ ‬العالمي‭ ‬المتزايد‭ ‬على‭ ‬الطاقة‭ ‬الموثوقة‭ ‬والمستدامة‭ ‬ومعقولة‭ ‬التكلفة. ‬فهذا‭ ‬الوقود‭ ‬الواعد‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬أن‭ ‬يلعب‭ ‬دورًا‭ ‬مهمًا‭ ‬ضمن‭ ‬مزيج‭ ‬الطاقة‭ ‬العالمي،‭ ‬ولهذا‭ ‬تتنامى‭ ‬الجهود‭ ‬الدولية‭ ‬سعيًا‭ ‬إلى‭ ‬الاستفادة‭ ‬منه‭ ‬ضمن‭ ‬عدة‭ ‬حلول‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬ما‭ ‬يشهده‭ ‬قطاع‭ ‬الطاقة‭ ‬من‭ ‬تحوّل.

أمجد‭ ‬قاسم‭ ‬يسلّط‭ ‬الضوء‭ ‬عن‭ ‬كثب‭ ‬على‭ ‬اقتصاد‭ ‬الهيدروجين‭ ‬وأبرز‭ ‬المستجدات‭ ‬بشأنه‭.

على‭ ‬امتداد‭ ‬عقود‭ ‬طويلة‭ ‬من‭ ‬الزمن،‭ ‬استطاع‭ ‬الإنسان‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬الهيدروجين‭ ‬من‭ ‬بعض‭ ‬المركبات‭ ‬الكيميائية،‭ ‬ومن‭ ‬الغاز‭ ‬الطبيعي‭ ‬والفحم،‭ ‬ومن‭ ‬مصادر‭ ‬عديدة‭ ‬أخرى. ‬استُخدم‭ ‬الهيدروجين‭ ‬صناعيًا‭ ‬لإنتاج‭ ‬الأمونيا‭ ‬والميثانول،‭ ‬واستُخدم‭ ‬في‭ ‬مصافي‭ ‬النفط‭ ‬لتحسين‭ ‬جودة‭ ‬البنزين‭ ‬والمنتجات‭ ‬المكرَّرة،‭ ‬كما‭ ‬استُخدم‭ ‬لملء‭ ‬المناطيد‭ ‬للسفر‭ ‬بين‭ ‬القارات‭ ‬والدول‭ ‬حتى‭ ‬عام ‬1937م،‭ ‬عندما‭ ‬اشتعل‭ ‬منطاد “هيندنبرغ‭.”

أما‭ ‬تنامي‭ ‬الاهتمام‭ ‬بالهيدروجين‭ ‬حاليًا،‭ ‬فلأنه‭ ‬أحد‭ ‬أكثر‭ ‬حوامل‭ ‬الطاقة‭ ‬المناسبة،‭ ‬حيث‭ ‬تُنتَج‭ ‬الطاقة‭ ‬منه‭ ‬عند‭ ‬اتحاده‭ ‬مع‭ ‬الأكسجين‭ ‬ليتشكل‭ ‬الماء‭ ‬ناتجًا‭ ‬ثانويًا‭ ‬بدون‭ ‬أي‭ ‬انبعاثات‭ ‬ضارة‭ ‬أخرى. ‬وهو‭ ‬أيضًا‭ ‬يتميز‭ ‬بطاقته‭ ‬العالية‭ ‬في‭ ‬وحدة‭ ‬كتلته،‭ ‬ولذلك‭ ‬استُعمل‭ ‬وقودًا‭ ‬لصواريخ‭ ‬الفضاء‭ ‬ولتوليد‭ ‬الطاقة‭ ‬الكهربائية‬،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬طاقته‭ ‬في‭ ‬وحدة‭ ‬الحجم‭ ‬منخفضة‭ ‬نسبيًا‭ ‬عند‭ ‬مقارنته‭ ‬بالوقود‭ ‬الهيدروكربوني‭ ‬كالديزل‭ ‬والبنزين. ‬وبالرغم‭ ‬من‭ ‬بساطة‭ ‬تركيب‭ ‬عنصر‭ ‬الهيدروجين،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬له‭ ‬بالغ‭ ‬الأثر‭ ‬في‭ ‬إنتاج‭ ‬الطاقة‭ ‬النظيفة‭ ‬والمستدامة‭ ‬وخفض‭ ‬الانبعاثات‭ ‬من‭ ‬عدة‭ ‬قطاعات‭ ‬كالصناعة‭ ‬والنقل‭ ‬الثقيل،‭ ‬ويمكن‭ ‬القول‭ ‬إنه‭ ‬يحمل‭ ‬بين‭ ‬ذرتيه‭ ‬أملًا‭ ‬يبشّر‭ ‬بمستقبل‭ ‬واعد‭.‬

استخدامات‭ ‬متعددة

ويستقطب‭ ‬إنتاج‭ ‬الهيدروجين‭ ‬حاليًا‭ ‬اهتمام‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬والشركات‭ ‬الصناعية‭ ‬الكبرى،‭ ‬وقد‭ ‬شهد‭ ‬عام ‭‬2019م‭ ‬إنتاج‭ ‬نحو‭ ‬70‭ ‬مليون‭ ‬طن‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الغاز،‭ ‬الذي‭ ‬يُستخدم‭ ‬نصفه‭ ‬عالميًا‭ ‬في‭ ‬إنتاج‭ ‬الأمونيا‭ ‬التي‭ ‬تستعمل‭ ‬في‭ ‬صناعة‭ ‬الأسمدة،‭ ‬وكذلك‭ ‬يدخل‭ ‬في‭ ‬صناعة‭ ‬الورق‭ ‬والمنظفات‭ ‬والأنسجة‭ ‬وكثير‭ ‬من‭ ‬الصناعات‭ ‬الكيميائية‭ ‬المختلفة. ‬ويُعد‭ ‬إنتاج‭ ‬الأمونيا‭ ‬حاليًا‭ ‬إحدى‭ ‬الطرق‭ ‬المستخدمة‭ ‬كوسيط‭ ‬آمن‭ ‬لنقل‭ ‬الهيدروجين‭ ‬لمسافات‭ ‬طويلة‭ ‬بين‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬وقارّاته‭.‬

أما‭ ‬ربع‭ ‬الإنتاج‭ ‬العالمي‭ ‬من‭ ‬الهيدروجين‭ ‬فيُستخدم‭ ‬في‭ ‬مصافي‭ ‬تكرير‭ ‬النفط‭ ‬الخام،‭ ‬حيث‭ ‬يُستعمل‭ ‬لتحويل‭ ‬النفط‭ ‬الخام‭ ‬الثقيل‭ ‬إلى‭ ‬مشتقات‭ ‬أخف‭ ‬تكون‭ ‬مناسبة‭ ‬لاستخدامها‭ ‬وقودًا،‭ ‬كما‭ ‬يستعمل‭ ‬في‭ ‬عمليات‭ ‬إزالة‭ ‬الكبريت‭ ‬من‭ ‬مشتقات‭ ‬النفط‭ ‬الخام‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تحسين‭ ‬جودة‭ ‬الهواء‭ ‬وللمحافظة‭ ‬على‭ ‬محركات‭ ‬الآليات‭ ‬والمركبات‭.‬

ويُستخدم‭ ‬مقدار‭ %‬10‭ ‬من‭ ‬إنتاج‭ ‬الهيدروجين‭ ‬في‭ ‬صناعة‭ ‬الميثانول. ‬أما‭ ‬النسبة‭ ‬المتبقية‭ ‬فتُستخدم‭ ‬لتوليد‭ ‬الطاقة‭ ‬الكهربائية‭ ‬وفي‭ ‬صناعة‭ ‬الصلب‭ ‬والزجاج‭ ‬ولحام‭ ‬المعادن،‭ ‬ووقودًا‭ ‬لسفن‭ ‬الفضاء‭ ‬وبعض‭ ‬وسائط‭ ‬النقل،‭ ‬كالسيارات‭ ‬التي‭ ‬تُطوَّر‭ ‬حاليًا‭ ‬في‭ ‬الصين‭ ‬وكوريا‭ ‬الجنوبية‭ ‬واليابان،‭ ‬وكذلك‭ ‬لتشغيل‭ ‬القطارات،‭ ‬حيث‭ ‬شهد‭ ‬عام ‭‬2019م‭ ‬تشغيل‭ ‬قطارين‭ ‬في‭ ‬ألمانيا‭ ‬يعملان‭ ‬على‭ ‬الهيدروجين‭ ‬في‭ ‬خلايا‭ ‬الوقود. ‬وتخطط‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬كندا‭ ‬وإسبانيا‭ ‬وفرنسا‭ ‬وإيطاليا‭ ‬وبريطانيا‭ ‬لاستخدام‭ ‬الهيدروجين‭ ‬على‭ ‬نطاق‭ ‬واسع‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬سكك‭ ‬الحديد. ‬كما‭ ‬أبدت‭ ‬بعض‭ ‬شركات‭ ‬صناعة‭ ‬الطائرات‭ ‬اهتمامًا‭ ‬بالهيدروجين‭ ‬لاستخدامه‭ ‬وقودًا،‭ ‬ومنها‭ ‬شركة “بوينغ” ‬الأمريكية‭ ‬التي‭ ‬تسعى‭ ‬لتطوير‭ ‬جيل‭ ‬جديد‭ ‬من‭ ‬الطائرات‭ ‬العاملة‭ ‬على‭ ‬الهيدروجين،‭ ‬في‭ ‬خطوة‭ ‬منها‭ ‬للقضاء‭ ‬التام‭ ‬على‭ ‬الانبعاثات‭ ‬الكربونية‭ ‬التي‭ ‬يتسبب‭ ‬بها‭ ‬قطاع‭ ‬النقل‭ ‬الجوي‭ ‬في‭ ‬العالم‭.‬

يُستخدم الهيدروجين في صناعة الأمونيا التي تُستعمل لتحضير الأسمدة

العنصر‭ ‬الأبسط‭ ‬والأكثر‭ ‬انتشارًا

ويُعد‭ ‬الهيدروجين‭ ‬من‭ ‬أبسط‭ ‬العناصر‭ ‬الكيميائية،‭ ‬وقد‭ ‬اشتُق‭ ‬اسمه‭ ‬من‭ ‬اليونانية‭ ‬من‭ ‬كلمتين: “‬هيدرو” ‬وتعني‭ ‬الماء، و“جين” ‬وتعني‭ ‬تكوين. ‬ويتميز‭ ‬بأنه‭ ‬غاز‭ ‬عديم‭ ‬اللون‭ ‬والطعم‭ ‬والرائحة‭ ‬وسريع‭ ‬الاشتعال،‭ ‬ولا‭ ‬يوجد‭ ‬بشكل‭ ‬منفرد‭ ‬بل‭ ‬يكون‭ ‬على‭ ‬شكل‭ ‬جزيئ‭ ‬ثنائي،‭ ‬أو‭ ‬مرتبطًا‭ ‬مع‭ ‬ذرات‭ ‬أخرى‭ ‬ليشكل‭ ‬مركبات‭ ‬كيميائية،‭ ‬من‭ ‬أهمها‭ ‬المركبات‭ ‬العضوية،‭ ‬كما‭ ‬يرتبط‭ ‬مع‭ ‬الأكسجين‭ ‬ليكوّن‭ ‬الماء. ‬ويتواجد‭ ‬هذا‭ ‬العنصر‭ ‬بوفرة‭ ‬في‭ ‬الكون،‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬النجوم‭ ‬أو‭ ‬الكواكب‭ ‬الغازية‭ ‬العملاقة،‭ ‬وبنسبة‭ ‬تُقدّر‭ ‬بـ‭ %‬75‭ ‬من‭ ‬حجم‭ ‬الكون،‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬ثالث‭ ‬أكثر‭ ‬العناصر‭ ‬وفرة‭ ‬على‭ ‬سطح‭ ‬الأرض‭ ‬بعد‭ ‬الأكسجين‭ ‬والسيليكون‭.‬

كما‭ ‬يُنتَج‭ ‬غاز‭ ‬الهيدروجين‭ ‬بعدة‭ ‬طرق‭ ‬كيميائية،‭ ‬إذ‭ ‬يمكن‭ ‬الحصول‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬الوقود‭ ‬الهيدروكربوني،‭ ‬كالغاز‭ ‬الطبيعي‭ ‬والنفط‭ ‬والفحم،‭ ‬ومن‭ ‬بعض‭ ‬الغازات‭ ‬الصناعية،‭ ‬ومنتجًا‭ ‬ثانويًا‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الصناعات‭ ‬الكيميائية،‭ ‬ويمكن‭ ‬أيضًا‭ ‬تحضيره‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬اختزال‭ ‬بخار‭ ‬الماء‭ ‬بالكربون‭.‬

إضافة‭ ‬إلى‭ ‬ذلك،‭ ‬يمكن‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬الهيدروجين‭ ‬من‭ ‬الكتلة‭ ‬الحيوية‭ ‬وبطرق‭ ‬بيولوجية،‭ ‬حيث‭ ‬تؤدي‭ ‬عملية‭ ‬التخمر‭ ‬التي‭ ‬تقوم‭ ‬بها‭ ‬البكتيريا‭ ‬اللاهوائية‭ ‬للمواد‭ ‬العضوية‭ ‬إلى‭ ‬إنتاجه،‭ ‬كما‭ ‬يمكن‭ ‬الحصول‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬بعض‭ ‬أنواع‭ ‬الطحالب‭ ‬الخضراء‭ ‬بوجود‭ ‬أنواع‭ ‬معينة‭ ‬من‭ ‬البكتيريا‭ ‬وبوجود‭ ‬الضوء. ‬كذلك‭ ‬نحصل‭ ‬عليه‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬البكتيريا‭ ‬المثبتة‭ ‬للنيتروجين،‭ ‬والتحليل‭ ‬الكهربائي‭ ‬للماء،‭ ‬حيث‭ ‬يُفصل‭ ‬الماء‭ ‬إلى‭ ‬مكونيه‭ ‬الأساسين‭ ‬وهما: ‬الهيدروجين‭ ‬والأكسجين‭.‬

أنواعه‭ ‬حسب‭ ‬طريقة‭ ‬الإنتاج

يعود‭ ‬معظم‭ ‬الهيدروجين‭ ‬الذي‭ ‬نُنتجه‭ ‬حاليًا‭ ‬إلى‭ ‬الوقود‭ ‬الهيدروكربوني،‭ ‬حيث‭ ‬يُنتج‭ ‬من‭ ‬الغاز‭ ‬الطبيعي‭ ‬باستخدام‭ ‬الطاقة‭ ‬الحرارية. ‬وفي‭ ‬هذه‭ ‬العملية،‭ ‬يُستخلَص‭ ‬غاز‭ ‬الهيدروجين‭ ‬من‭ ‬الميثان‭ ‬مما‭ ‬يتسبب‭ ‬في‭ ‬إطلاق‭ ‬غاز‭ ‬ثاني‭ ‬أكسيد‭ ‬الكربون‭ ‬بكمية‭ ‬تبلغ‭ ‬نحو‭ ‬10‭ ‬كيلوغرامات‭ ‬لكل‭ ‬كيلوغرام‭ ‬يُنتج‭ ‬من‭ ‬الهيدروجين،‭ ‬ويُطلق‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحالة‭ ‬اسم “‬الهيدروجين‭ ‬الرمادي”. ‬كما‭ ‬يُنتج‭ ‬الهيدروجين‭ ‬من‭ ‬الفحم‭ ‬بعملية‭ ‬تعرف‭ ‬باسم “‬تغويز‭ ‬الفحم”،‭ ‬حيث‭ ‬يُسخن‭ ‬مع‭ ‬الأكسجين‭ ‬وبخار‭ ‬الماء‭ ‬إلى‭ ‬درجات‭ ‬حرارة‭ ‬عالية‭ ‬وضغط‭ ‬مرتفع،‭ ‬وتتسبب‭ ‬هذه‭ ‬العملية‭ ‬في‭ ‬انبعاث‭ ‬نحو‭ ‬19‭ ‬كيلوغرامًا‭ ‬من‭ ‬ثاني‭ ‬أكسيد‭ ‬الكربون‭ ‬لكل‭ ‬كيلوغرام‭ ‬من‭ ‬الهيدروجين،‭ ‬ويُعرف‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحالة‭ ‬باسم “‬الهيدروجين‭ ‬الأسود”.

أما‭ ‬إذا‭ ‬صاحب‭ ‬إنتاج‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬الهيدروجين‭ ‬الرمادي‭ ‬والأسود‭ ‬عملية‭ ‬استخلاص‭ ‬لغاز‭ ‬ثاني‭ ‬أكسيد‭ ‬الكربون‭ ‬لمنع‭ ‬انبعاثه‭ ‬في‭ ‬الغلاف‭ ‬الجوي‭ ‬للأرض،‭ ‬فيُطلق‭ ‬عليه‭ ‬حينئذ “‬الهيدروجين‭ ‬الأزرق”‬،‭ ‬علمًا‭ ‬بأن‭ ‬تقنية‭ ‬استخلاص‭ ‬الغاز‭ ‬الكربوني‭ ‬وتخزينه‭ ‬في‭ ‬باطن‭ ‬الأرض‭ ‬أصبحت‭ ‬مطبقة‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬التي‭ ‬تسعى‭ ‬إلى‭ ‬تقليل‭ ‬انبعاثاتها‭ ‬من‭ ‬الغازات‭ ‬المرتبطة‭ ‬بالتغير‭ ‬المناخي‭.‬

ومع‭ ‬ازدهار‭ ‬قطاع‭ ‬إنتاج‭ ‬الطاقة‭ ‬الكهربائية‭ ‬من‭ ‬مصادر‭ ‬غير‭ ‬تقليدية،‭ ‬والتقدم‭ ‬المطّرد‭ ‬في‭ ‬توليد‭ ‬الكهرباء‭ ‬من‭ ‬الطاقة‭ ‬الشمسية‭ ‬والرياح‭ ‬وغيرهما‭ ‬من‭ ‬مصادر‭ ‬الطاقة‭ ‬المتجددة،‭ ‬برزت‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬تخزين‭ ‬الفائض‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الطاقة‭ ‬لاستخدامها‭ ‬وقت‭ ‬الحاجة. ‬ومن‭ ‬طرق‭ ‬التخزين: ‬التحليل‭ ‬الكهربائي‭ ‬للماء،‭ ‬حيث‭ ‬يُنتَج‭ ‬الأكسجين‭ ‬والهيدروجين‭ ‬الذي‭ ‬يُطلق‭ ‬عليه‭ ‬هنا‭ ‬اسم “الهيدروجين‭ ‬الأخضر‭”‬؛‭ ‬نظرًا‭ ‬لانعدام‭ ‬انبعاثات‭ ‬الكربون‭ ‬عند‭ ‬إنتاجه. ‬وتُجرى‭ ‬حاليًا‭ ‬عملية‭ ‬التحليل‭ ‬الكهربائي‭ ‬للماء‭ ‬باستخدام‭ ‬الكهرباء‭ ‬المنتَجة‭ ‬من‭ ‬المفاعلات‭ ‬النووية،‭ ‬حيث‭ ‬يُطلق‭ ‬على‭ ‬الهيدروجين‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحالة‭ ‬اسم “الهيدروجين‭ ‬الوردي”،‭‬‭ ‬الذي‭ ‬يتميز‭ ‬إنتاجه‭ ‬كذلك‭ ‬بعدم‭ ‬وجود‭ ‬انبعاثات‭ ‬كربونية‭.‬

كذلك‭ ‬يمكن‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬الهيدروجين‭ ‬من‭ ‬تحليل‭ ‬غاز‭ ‬الميثان‭ ‬حراريًا‭ ‬أو‭ ‬تحليل‭ ‬الكتلة‭ ‬الحيوية‭ ‬بغياب‭ ‬الأكسجين،‭ ‬وتؤدي‭ ‬هذه‭ ‬الطريقة‭ ‬إلى‭ ‬تكوين‭ ‬الكربون‭ ‬الصلب،‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬ينبعث‭ ‬في‭ ‬الغلاف‭ ‬الجوي. ‬ويطلق‭ ‬على‭ ‬غاز‭ ‬الهيدروجين‭ ‬الذي‭ ‬أُنتج‭ ‬بهذه‭ ‬الطريقة‭ ‬اسم “‬الهيدروجين‭ ‬الفيروزي”.

قطار يعمل بوقود الهيدروجين

اقتصاد‭ ‬الهيدروجين

في‭ ‬عام ‭‬1874م،‭ ‬توقّع‭ ‬الكاتب‭ ‬جول‭ ‬فيرن‭ ‬في‭ ‬كتابه “‬الجزيرة‭ ‬الغامضة”‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬ما‭ ‬سوف‭ ‬يُستخدم‭ ‬الماء‭ ‬وقودًا،‭ ‬وأن‭ ‬الهيدروجين‭ ‬والأكسجين‭ ‬اللذين‭ ‬يكوّنانه‭ ‬سيكونان‭ ‬مصدرًا‭ ‬لا‭ ‬ينضب‭ ‬من‭ ‬الطاقة‭ ‬الحرارية‭ ‬والضوئية‭ ‬وعلى‭ ‬نطاق‭ ‬واسع‭ ‬لا‭ ‬يصل‭ ‬إليه‭ ‬الفحم‭.‬

هذا‭ ‬التوقع‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬حينه‭ ‬خيالًا‭ ‬علميًا. ‬وفي‭ ‬خمسينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬حولت‭ ‬الإدارة‭ ‬الوطنية‭ ‬للملاحة‭ ‬الجوية‭ ‬والفضاء “ناسا” ‬الخيال‭ ‬إلى‭ ‬واقع،‭ ‬حين‭ ‬طورت‭ ‬خلايا‭ ‬وقود‭ ‬الهيدروجين‭ ‬واستخدمتها‭ ‬في‭ ‬الفضاء. ‬وأعقب‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬ستينيات‭ ‬وسبعينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬إطلاق‭ ‬مركبات‭ ‬فضائية‭ ‬يعتمد‭ ‬عملها‭ ‬على‭ ‬خلايا‭ ‬وقود‭ ‬الهيدروجين‭ ‬مصدرًا‭ ‬للطاقة. ‬وهكذا‭ ‬برز‭ ‬الهيدروجين‭ ‬على‭ ‬ساحة‭ ‬الطاقة‭ ‬العالمية‭ ‬ليتبلور‭ ‬مفهوم “‬اقتصاد‭ ‬الهيدروجين” مصطلحًا‭ ‬على‭ ‬لسان‭ ‬الأستاذ‭ ‬الجامعي‭ ‬جون‭ ‬بوكريس‭ ‬في‭ ‬محاضرة‭ ‬ألقاها‭ ‬في‭ ‬مركز “جنرال‭ ‬موتورز” ‬التقني‭ ‬في‭ ‬عام ‭‬1970م‭.‬

وعلى‭ ‬امتداد‭ ‬عدة‭ ‬عقود،‭ ‬استُخدم‭ ‬مصطلح “‬اقتصاد‭ ‬الهيدروجين” ‬بوصفه‭ ‬نظامًا‭ ‬مستقبليًا‭ ‬يهدف‭ ‬إلى‭ ‬استخدام‭ ‬الهيدروجين‭ ‬ناقلًا‭ ‬للطاقة‭ ‬لتأثيره‭ ‬السلبي‭ ‬الضئيل‭ ‬على‭ ‬البيئة. ‬واكتسب‭ ‬اقتصاد‭ ‬الهيدروجين‭ ‬أهمية‭ ‬كبيرة‭ ‬خلال‭ ‬العقد‭ ‬الحالي،‭ ‬لعدة‭ ‬أسباب‭ ‬من‭ ‬أهمها‭ ‬إمكانية‭ ‬إنتاج‭ ‬الهيدروجين‭ ‬من‭ ‬مجموعة‭ ‬متنوعة‭ ‬من‭ ‬المصادر،‭ ‬كالماء‭ ‬والغاز‭ ‬الطبيعي‭ ‬والفحم‭ ‬والكتلة‭ ‬الحيوية،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الهيدروجين‭ ‬يُعد‭ ‬حاليًا‭ ‬خيارًا‭ ‬جذابًا‭ ‬لإنتاج‭ ‬الطاقة‭ ‬النظيفة‭ ‬ولتقليل‭ ‬انبعاثات‭ ‬غازات‭ ‬الاحتباس‭ ‬الحراري‭ ‬والتصدي‭ ‬لتغير‭ ‬المناخ‭ ‬العالمي. ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬يتفوق‭ ‬على‭ ‬عديد‭ ‬من‭ ‬أنواع‭ ‬الوقود‭ ‬الأخرى‭ ‬بكفاءته‭ ‬بوصفه‭ ‬ناقلًا‭ ‬للطاقة،‭ ‬وعند‭ ‬استخدامه‭ ‬في‭ ‬خلايا‭ ‬الوقود،‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬فإن‭ ‬كفاءة‭ ‬الهيدروجين‭ ‬لإنتاج‭ ‬الكهرباء‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ %‬60‭ ‬وهي‭ ‬نسبة‭ ‬مرتفعة‭ ‬مقارنة‭ ‬بمصادر‭ ‬إنتاج‭ ‬الكهرباء‭ ‬الأخرى. ‬ومن‭ ‬جانب‭ ‬آخر،‭ ‬فإن‭ ‬نمو‭ ‬قطاع‭ ‬إنتاج‭ ‬الهيدروجين‭ ‬ونقله‭ ‬وتسويقه‭ ‬سوف‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬توفير‭ ‬فرص‭ ‬عمل‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬ونمو‭ ‬الابتكار‭ ‬في‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الصناعات،‭ ‬وما‭ ‬يرافق‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬استثمارات‭ ‬مالية‭ ‬كبيرة‭ ‬تدفع‭ ‬عجلة‭ ‬الاقتصاد‭ ‬إلى‭ ‬الأمام‭.‬

وقد‭ ‬شهد‭ ‬العقد‭ ‬الحالي‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الحادي‭ ‬والعشرين‭ ‬اهتمامًا‭ ‬عالميًا‭ ‬بإيجاد‭ ‬وقود‭ ‬حيادي‭ ‬الكربون،‭ ‬وكان‭ ‬الهيدروجين‭ ‬أحد‭ ‬الحلول‭ ‬الواعدة‭ ‬في‭ ‬مزيج‭ ‬الطاقة‭ ‬العالمي. ‬ففي‭ ‬بداية‭ ‬عام ‭‬2022م،‭ ‬أعلنت‭ ‬40‭ ‬دولة‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬خططها‭ ‬وإستراتيجياتها‭ ‬بشأن‭ ‬استخدام‭ ‬الهيدروجين‭ ‬ضمن‭ ‬مراحل‭ ‬متعددة،‭ ‬تبدأ‭ ‬بتشجيع‭ ‬الاستثمار‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬القطاع‭ ‬ودعم‭ ‬البحث‭ ‬والتطوير‭ ‬لبناء‭ ‬قاعدة‭ ‬معرفية،‭ ‬ثم‭ ‬وضع‭ ‬خرائط‭ ‬طريق‭ ‬تفضي‭ ‬إلى‭ ‬الإعلان‭ ‬الرسمي‭ ‬عن‭ ‬إستراتيجيات‭ ‬وطنية‭ ‬للهيدروجين. ‬وقد‭ ‬أعلنت‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الأوروبية‭ ‬إستراتيجيتها‭ ‬الوطنية‭ ‬للهيدروجين،‭ ‬كما‭ ‬أعلنت‭ ‬اليابان‭ ‬عزمها‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تصبح‭ ‬مجتمعًا‭ ‬قائمًا‭ ‬على‭ ‬استخدام‭ ‬الهيدروجين،‭ ‬وحدّدت‭ ‬بريطانيا‭ ‬عام ‭‬2030م‭ ‬موعدًا‭ ‬لإرساء‭ ‬أُسس‭ ‬اقتصاد‭ ‬الهيدروجين‭ ‬في‭ ‬البلاد‭.‬

وشهد‭ ‬شهر‭ ‬أبريل ‭‬2023م‭ ‬تصدير‭ ‬أول‭ ‬شحنة‭ ‬من‭ ‬الأمونيا‭ ‬قليلة‭ ‬الانبعاثات‭ ‬حاصلة‭ ‬على‭ ‬شهادة‭ ‬معتمدة‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬محايدة‭ ‬من‭ ‬المملكة‭ ‬إلى‭ ‬اليابان،‭ ‬لاستخدامها‭ ‬وقودًا‭ ‬لتوليد‭ ‬الكهرباء. ‬ويؤهل‭ ‬هذا‭ ‬المملكة‭ ‬لأن‭ ‬تضطلع‭ ‬بدور‭ ‬رائد‭ ‬في‭ ‬سوق‭ ‬الهيدروجين‭ ‬العالمي. ‬ووفقًا‭ ‬لمؤشر “بلومبيرغ” ‬لاقتصاد‭ ‬الهيدروجين‭ ‬لعام ‭‬2019م،‭ ‬حلَّت‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭ ‬في‭ ‬المركز‭ ‬الخامس‭ ‬عالميًا‭ ‬في‭ ‬التصنيف‭ ‬لمجال‭ ‬صادرات‭ ‬الهيدروجين‭ ‬بعد‭ ‬اليابان‭ ‬وأستراليا‭ ‬وألمانيا‭ ‬والنرويج،‭ ‬وهي‭ ‬تتقدم‭ ‬على‭ ‬أمريكا‭ ‬وكوريا‭ ‬الجنوبية،‭ ‬مع‭ ‬توقعات‭ ‬بأن‭ ‬تتقدم‭ ‬أكثر‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭ ‬عالميًا‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬المقبلة. ‬يُعزى‭ ‬ذلك‭ ‬لتميز‭ ‬المملكة‭ ‬في‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬لقطاع‭ ‬الطاقة‭ ‬وموقعها‭ ‬الجغرافي‭ ‬وكذلك‭ ‬مستوى‭ ‬الدعم‭ ‬والاستثمار‭ ‬في‭ ‬اقتصاد‭ ‬الهيدروجين. ‬كما‭ ‬أطلقت‭ ‬المملكة‭ ‬مشاريع‭ ‬طموحة‭ ‬لإنتاج‭ ‬الهيدروجين‭ ‬الأزرق‭ ‬والأخضر،‭ ‬ومنها‭ ‬مشروع‭ ‬ضخم‭ ‬لإنتاج‭ ‬الهيدروجين‭ ‬الأخضر‭ ‬من‭ ‬مصادر‭ ‬الطاقة‭ ‬المتجددة‭ ‬في “‬نيوم‭‬”،‭ ‬بالاستفادة‭ ‬من‭ ‬الطاقة‭ ‬الشمسية‭ ‬وطاقة‭ ‬الرياح‭ ‬المتوفرة‭ ‬في‭ ‬المملكة‭ ‬معظم‭ ‬أيام‭ ‬السنة‭ ‬بسبب‭ ‬موقعها‭ ‬الجغرافي‭ ‬المتميز،‭ ‬الذي‭ ‬يمنحها‭ ‬أيضًا‭ ‬ميزة‭ ‬تنافسية‭ ‬لتصدير‭ ‬الهيدروجين‭ ‬والأمونيا‭ ‬الخضراء‭ ‬للأسواق‭ ‬الأوروبية. ‬ومن‭ ‬المقرر‭ ‬الاستفادة‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الهيدروجين‭ ‬مصدرًا‭ ‬للوقود‭ ‬وتوليد‭ ‬الطاقة‭ ‬في “‬نيوم” ‬لمختلف‭ ‬القطاعات‭.‬

العرض‭ ‬والطلب

قُدر‭ ‬الإنتاج‭ ‬العالمي‭ ‬من‭ ‬الهيدروجين‭ ‬في‭ ‬عام ‭‬2020م‭ ‬بنحو‭ ‬90‭ ‬مليون‭ ‬طن،‭ ‬ويتوقع‭ ‬الخبراء‭ ‬أن‭ ‬يرتفع‭ ‬هذا‭ ‬الرقم‭ ‬إلى‭ ‬نحو‭ ‬250‭ ‬ مليون‭ ‬طن‭ ‬بحلول‭ ‬عام ‭‬2050م،‭ ‬مع‭ ‬مؤشرات‭ ‬ترجح‭ ‬احتمالية‭ ‬ازدياد‭ ‬وتيرة‭ ‬الطلب‭ ‬على‭ ‬الهيدروجين‭ ‬بشكل‭ ‬أكبر،‭ ‬إذ‭ ‬إن‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬الحياد‭ ‬الصفري‭ ‬يتطلب‭ ‬إنتاج‭ ‬نحو‭ ‬660‭ ‬مليون‭ ‬طن‭ ‬من‭ ‬الهيدروجين‭ ‬النظيف‭ ‬وفقًا‭ ‬لتقديرات‭ ‬مجلس‭ ‬الهيدروجين‭ ‬وشركة‭ ‬ماكنزي‭.‬

ووفقًا‭ ‬لتقرير‭ ‬صدر‭ ‬مؤخرًا‭ ‬عن‭ ‬وكالة‭ ‬الطاقة‭ ‬الدولية،‭ ‬فإن‭ ‬الطلب‭ ‬على‭ ‬الهيدروجين‭ ‬الأخضر‭ ‬سوف‭ ‬يزداد‭ ‬خلال‭ ‬العقود‭ ‬القليلة‭ ‬القادمة،‭ ‬ليبلغ‭ ‬30‭ ‬مليون‭ ‬طن‭ ‬سنويًا‭ ‬في‭ ‬عام ‭‬2030م،‭ ‬ويُتوقع‭ ‬أن‭ ‬يلبي‭ %‬25‭ ‬من‭ ‬احتياجات‭ ‬الطاقة‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬بحلول‭ ‬عام ‭‬2050م‭ ‬وبقيمة‭ ‬سوقية‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬10‭ ‬تريليون‭ ‬دولار‭ ‬أمريكي‭ ‬في‭ ‬منتصف‭ ‬هذا‭ ‬القرن،‭ ‬وذلك‭ ‬نتيجة‭ ‬لما‭ ‬يشهده‭ ‬العالم‭ ‬حاليًا‭ ‬من‭ ‬تغيرات‭ ‬مناخية،‭ ‬وللحاجة‭ ‬الملحة‭ ‬لكبح‭ ‬جماح‭ ‬الانبعاثات‭ ‬الكربونية‭ ‬وفي‭ ‬مقدمتها‭ ‬غاز‭ ‬ثاني‭ ‬أكسيد‭ ‬الكربون،‭ ‬ونظرًا‭ ‬للتقدم‭ ‬الكبير‭ ‬الذي‭ ‬تحقق‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬توليد‭ ‬التيار‭ ‬الكهربائي‭ ‬من‭ ‬مصادر‭ ‬غير‭ ‬تقليدية،‭ ‬وأيضًا‭ ‬التطور‭ ‬الكبير‭ ‬في‭ ‬تقنية‭ ‬صناعة‭ ‬المحللات‭ ‬الكهربائية،‭ ‬حيث‭ ‬انخفضت‭ ‬أسعار‭ ‬أجهزة‭ ‬التحليل‭ ‬الكهربائي‭ ‬بنسبة‭ %‬50‭ ‬عما‭ ‬كانت‭ ‬عليه‭ ‬قبل‭ ‬خمس‭ ‬سنوات‭.‬

ويتوقع‭ ‬خبراء‭ ‬أن‭ ‬يتجاوز‭ ‬الاستثمار‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬إنتاج‭ ‬الهيدروجين‭ ‬الأخضر‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬أمريكي‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬الحالي ‭‬2023م،‭ ‬مع‭ ‬نمو‭ ‬سريع‭ ‬في‭ ‬مشاريعه‭ ‬مقارنة‭ ‬مع‭ ‬المشاريع‭ ‬الأخرى‭ ‬لإنتاج‭ ‬الهيدروجين. ‬وحسب‭ ‬ما‭ ‬ذكرت‭ ‬الوكالة‭ ‬الدولية‭ ‬للطاقة‭ ‬المتجددة،‭ ‬فإنه‭ ‬بنهاية‭ ‬عام ‭‬2021م،‭ ‬بلغت‭ ‬نسبة‭ ‬الهيدروجين‭ ‬المنتج‭ ‬من‭ ‬الغاز‭ ‬الطبيعي ‬47%، ‬ومن‭ ‬الفحم ‬27%، ‬ومن‭ ‬النفط‭ ‬كمنتج‭ ‬ثانوي‭ ،%‬22‬وحوالي‭ %‬4‭ ‬أُنتج‭ ‬بواسطة‭ ‬التحليل‭ ‬الكهربائي‭ ‬للماء،‭ ‬منها‭ %‬1‭ ‬فقط‭ ‬أُنتج‭ ‬باستخدام‭ ‬الطاقة‭ ‬المتجددة‭.‬

وبالرغم‭ ‬من‭ ‬أهمية‭ ‬الهيدروجين‭ ‬بوصفه‭ ‬ناقلًا‭ ‬للطاقة،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الاستفادة‭ ‬منه‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬محدودة. ‬فبحلول‭ ‬شهر‭ ‬يونيو ‭‬2021م،‭ ‬بلغ‭ ‬عدد‭ ‬السيارات‭ ‬الكهربائية‭ ‬العاملة‭ ‬على‭ ‬خلايا‭ ‬الوقود‭ ‬الهيدروجينية‭ ‬40‭,‬000‭ ‬سيارة‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم،‭ ‬منها‭ %‬90‭ ‬في‭ ‬أربع‭ ‬دول‭ ‬هي‭ ‬كوريا‭ ‬الجنوبية‭ ‬وأمريكا‭ ‬والصين‭ ‬واليابان. ‬وكذلك‭ ‬الأمر‭ ‬بالنسبة‭ ‬للحافلات‭ ‬الكهربائية‭ ‬التي‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬خلايا‭ ‬الوقود‭ ‬الهيدروجينية،‭ ‬حيث‭ ‬بلغ‭ ‬عددها‭ ‬6‭,‬000‭ ‬حافلة‭ ‬بنهاية‭ ‬عام ‭‬2020م‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم ‭%‬95، ‬منها‭ ‬موجودة‭ ‬في‭ ‬الصين. ‬أما‭ ‬عدد‭ ‬الشاحنات‭ ‬الكهربائية‭ ‬التي‭ ‬تعمل‭ ‬بخلايا‭ ‬الوقود،‭ ‬فقد‭ ‬بلغ‭ ‬3‭,‬100‭ ‬شاحنة‭ ‬وهذا‭ ‬رقم‭ ‬صغير‭ ‬جدًا‭ ‬مقارنة‭ ‬بأسطول‭ ‬الشاحنات‭ ‬العاملة‭ ‬في‭ ‬كافة‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم. ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬فإن‭ ‬الهيدروجين‭ ‬يعد‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬الخيارات‭ ‬الواعدة‭ ‬لخفض‭ ‬الانبعاثات‭ ‬من‭ ‬الحافلات‭ ‬والشاحنات‭ ‬في‭ ‬المستقبل،‭ ‬حيث‭ ‬تتمتع‭ ‬أنظمة‭ ‬خلايا‭ ‬الوقود‭ ‬بكفاءة‭ ‬طاقة‭ ‬ومدى‭ ‬مسافات‭ ‬أعلى‭ ‬من‭ ‬المركبات‭ ‬التي‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬البطاريات،‭ ‬كما‭ ‬تستغرق‭ ‬وقتًا‭ ‬أقصر‭ ‬في‭ ‬التزود‭ ‬بالوقود‭ ‬الهيدروجيني‭ ‬مقارنة‭ ‬بالشحن‭ ‬الكهربائي‭.‬

تحديات‭ ‬وعقبات

يتميز‭ ‬الهيدروجين‭ ‬بطاقة‭ ‬عالية،‭ ‬لكن‭ ‬كثافة‭ ‬الطاقة‭ ‬فيه ‭‬(الطاقة‭ ‬في‭ ‬وحدة‭ ‬الحجم)‭ ‬منخفضة‭ ‬نسبيًا،‭ ‬وهذا‭ ‬يشكل‭ ‬تحديًا‭ ‬أمام‭ ‬عملية‭ ‬نقل‭ ‬الهيدروجين‭ ‬وتصديره،‭ ‬إذ‭ ‬يستلزم‭ ‬الأمر‭ ‬ضغطه‭ ‬وتسييله‭ ‬لرفع‭ ‬كثافة‭ ‬طاقته،‭ ‬وهذا‭ ‬بدوره‭ ‬يتطلب‭ ‬كميات‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬الطاقة. ‬كذلك‭ ‬تستلزم‭ ‬عملية‭ ‬النقل‭ ‬تعبئته‭ ‬في‭ ‬خزانات‭ ‬قوية‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬تحمل‭ ‬ضغط‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬5‭,‬000‭ ‬رطل‭ ‬على‭ ‬البوصة‭ ‬المربعة،‭ ‬أو‭ ‬تحويله‭ ‬إلى‭ ‬مركبات‭ ‬أخرى‭ ‬مثل‭ ‬الأمونيا‭ ‬أو‭ ‬هيدريدات‭ ‬الفلزات‭ ‬كهيدريد‭ ‬النيكل،‭ ‬حيث‭ ‬ترتفع‭ ‬كثافة‭ ‬الهيدروجين‭ ‬فيها‭ ‬بشكل‭ ‬كبير. ‬ويحظى‭ ‬خيار‭ ‬نقل‭ ‬الهيدروجين‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الأمونيا‭ ‬باهتمام‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الشحنات‭ ‬المصدَّرة‭ ‬دوليًا‭ ‬من‭ ‬المملكة‭ ‬إلى‭ ‬اليابان‭ ‬وكوريا‭ ‬الجنوبية‭.‬

والهيدروجين‭ ‬غاز‭ ‬قابل‭ ‬للاشتعال،‭ ‬وهذا‭ ‬يتطلب‭ ‬اتخاذ‭ ‬إجراءات‭ ‬خاصة‭ ‬بالسلامة‭ ‬والأمان،‭ ‬وخصوصًا‭ ‬عند‭ ‬استخدامه‭ ‬في‭ ‬وسائط‭ ‬النقل‭ ‬المختلفة،‭ ‬حيث‭ ‬يستلزم‭ ‬ذلك‭ ‬تخزينه‭ ‬داخل‭ ‬خزان‭ ‬أو‭ ‬صهريج‭ ‬تخزين‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬تحمل‭ ‬الضغط‭ ‬المرتفع‭ ‬جدًا‭ ‬بحيث‭ ‬يقاوم‭ ‬التحطم‭ ‬عند‭ ‬وقوع‭ ‬حادث‭ ‬للمركبة؛‭ ‬لتفادي‭ ‬الانفجار‭ ‬والدمار. ‬كذلك‭ ‬فإن‭ ‬التوسع‭ ‬في‭ ‬استخدام‭ ‬الهيدروجين‭ ‬في‭ ‬وسائل‭ ‬النقل،‭ ‬سواء‭ ‬السيارات‭ ‬أو‭ ‬الحافلات‭ ‬أو‭ ‬الشاحنات،‭ ‬يستلزم‭ ‬إيجاد‭ ‬بنية‭ ‬تحتية‭ ‬للتزود‭ ‬به‭ ‬ضمن‭ ‬معايير‭ ‬سلامة‭ ‬مرتفعة‭.‬

ومن‭ ‬جهة‭ ‬أخرى،‭ ‬لا‭ ‬تُوجد‭ ‬آلية‭ ‬للتمييز‭ ‬بين‭ ‬الهيدروجين‭ ‬منخفض‭ ‬الكربون‭ ‬وبقية‭ ‬أنواع‭ ‬الهيدروجين،‭ ‬وهذا‭ ‬يشكل‭ ‬عائقًا‭ ‬بين‭ ‬المتطلبات‭ ‬البيئية‭ ‬وحوافز‭ ‬تخفيض‭ ‬نسب‭ ‬الكربون‭ ‬وعمليات‭ ‬الإنتاج‭ ‬والتصنيع،‭ ‬لذلك‭ ‬سيكون‭ ‬من‭ ‬المهم‭ ‬تطبيق‭ ‬نظام‭ ‬معترف‭ ‬به‭ ‬دوليًا‭ ‬لإصدار‭ ‬شهادات‭ ‬خاصة‭ ‬بالهيدروجين‭ ‬الذي‭ ‬يُصدّر‭ ‬أو‭ ‬يُباع،‭ ‬بحيث‭ ‬تحدّد‭ ‬بدقة‭ ‬كثافة‭ ‬الكربون‭ ‬في‭ ‬إنتاج‭ ‬الهيدروجين‭.‬

ويُعد‭ ‬استخدام‭ ‬الهيدروجين‭ ‬في‭ ‬خلايا‭ ‬الوقود‭ ‬أحد‭ ‬أهم‭ ‬الطرق‭ ‬وأكثرها‭ ‬شيوعًا‭ ‬لتوليد‭ ‬الطاقة‭ ‬الكهربائية،‭ ‬نظرًا‭ ‬لما‭ ‬تتميز‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬كفاءة‭ ‬عالية،‭ ‬وهي‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬التفاعل‭ ‬الكيميائي‭ ‬بين‭ ‬الهيدروجين‭ ‬والأكسجين. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬خلايا‭ ‬الوقود‭ ‬الهيدروجينية‭ ‬ينتج‭ ‬عنها‭ ‬الماء‭ ‬والحرارة‭ ‬فقط‭ ‬كنواتج‭ ‬جانبية،‭ ‬ما‭ ‬يجعلها‭ ‬مصدرًا‭ ‬للطاقة‭ ‬النظيفة. ‬وهي‭ ‬أيضًا‭ ‬تتميز‭ ‬بهدوئها،‭ ‬حيث‭ ‬لا‭ ‬تتسبب‭ ‬بالتلوث‭ ‬الضوضائي‭ ‬مما‭ ‬يجعلها‭ ‬مناسبة‭ ‬لتشغيل‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأجهزة‭ ‬الكهربائية‭ ‬والمعدات‭ ‬الإلكترونية‭ ‬والمركبات‭ ‬الصغيرة‭ ‬والكبيرة. ‬وبالرغم‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬الإيجابيات‭ ‬المهمة،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬تكلفتها‭ ‬المالية‭ ‬العالية‭ ‬تتسبب‭ ‬في‭ ‬ضعف‭ ‬تنافسيتها‭ ‬في‭ ‬الأسواق‭ ‬حاليًا‭.‬

كما‭ ‬أن‭ ‬تخزين‭ ‬وضغط‭ ‬ونقل‭ ‬الهيدروجين‭ ‬سريع‭ ‬الاشتعال‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬مخاطر‭ ‬على‭ ‬السلامة‭ ‬العامة،‭ ‬مما‭ ‬يتطلب‭ ‬ابتكار‭ ‬حلول‭ ‬تقنية‭ ‬وهندسية‭ ‬لحل‭ ‬معضلة‭ ‬تخزين‭ ‬الهيدروجين. ‬وقد‭ ‬اقترحت‭ ‬عديد‭ ‬من‭ ‬الأبحاث‭ ‬والدراسات‭ ‬استخدام‭ ‬الهيدريدات،‭ ‬كهيدريد‭ ‬الحديد‭ ‬والتيتانيوم،‭ ‬لتخزين‭ ‬الهيدروجين‭ ‬بطريقة‭ ‬آمنة،‭ ‬فهي‭ ‬لا‭ ‬تتسرب‭ ‬ولا‭ ‬تشتعل‭ ‬عند‭ ‬التصادم. ‬وقد‭ ‬أجرت‭ ‬شركة “تويوتا‭”‬، ‬في‭ ‬ثمانينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬أولى‭ ‬التجارب‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬المركّبات‭ ‬في‭ ‬سيارتها “راف ‭ ‬”4‭‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬تجارب‭ ‬أخرى‭ ‬لشركة “مرسيدس‭”‬. وبالرغم‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬فإن‭ ‬من‭ ‬سلبيات‭ ‬هذه‭ ‬الطريقة‭ ‬هو‭ ‬الوزن‭ ‬الزائد‭ ‬لتلك‭ ‬المركبات‭ ‬الكيميائية،‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬الباحثين‭ ‬يميلون‭ ‬إلى‭ ‬استخدام‭ ‬الميثانول‭ ‬كحامل‭ ‬للهيدروجين‭ ‬في‭ ‬خلايا‭ ‬وقود‭ ‬السيارات‭ ‬الصغيرة،‭ ‬والهيدروجين‭ ‬الغازي‭ ‬المضغوط‭ ‬في‭ ‬الحافلات‭.‬

وبغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬كافة‭ ‬التحديات‭ ‬التي‭ ‬تواجه‭ ‬إنتاج‭ ‬الهيدروجين‭ ‬واستخدامه،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬العنصر‭ ‬البسيط‭ ‬في‭ ‬تركيبه‭ ‬الكيميائي‭ ‬يشكل‭ ‬حاليًا‭ ‬ناقلًا‭ ‬واعدًا‭ ‬للطاقة‭ ‬المستدامة،‭ ‬كما‭ ‬سيلعب‭ ‬دورًا‭ ‬مهمًا‭ ‬لمواجهة‭ ‬التغيّر‭ ‬المناخي‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬خفض‭ ‬البصمة‭ ‬الكربونية‭ ‬للنشاطات‭ ‬الإنسانية‭ ‬المختلفة‭.‬


مقالات ذات صلة

غالبًا ما نتصوّر أن الدماغ يؤثر في الجسد كالسائق بالسيارة، لكن الأبحاث الحديثة كشفت أن التأثر والتوجيه يحدث من الجانبين. فالجسد، من خلال نشاطاته الحسية والحركية، يؤثر بالدماغ أيضًا. 

هل بتنا على مشارف عصر زراعي يُسمّد فيه النبات نفسه بنفسه؟

تشير فرضيات عدة إلى أن السفر إلى الماضي أو المستقبل ممكن باستخدام طرق مختلفة؛ لكن جميعها واجهت ما يُعرف بـ “مفارقة الجَدِّ”؛ فإذا تمكن المرء من السفر عبر الزمن في الماضي وقتل جدَّه، فكيف سيكون موجودًا ليؤثر في الزمن الماضي؟


0 تعليقات على “الهيدروجين ومستقبل الطاقة”


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *