
“فـي التـأني السلامة” كما يقولون، والأمر صحيح. ولكن ليس دائمًا. فللسرعة أهمية عميقة في التجربة الإنسانية، حتى باتت في ظروف معينة أقرب إلى أن تكون “فضيلة”، والأفضل هو الأسرع، فكان السباق.
وعلى الرغم من أن السباق أكثر ما يرتبط في الوجدان العام بالرياضة، فإنه يدخل أيضًا في كثير من المساعي البشرية، ويحضر بوجوه متعددة ربَّما لا يمكن تعريفها كلها بكلمة سباق. وللأمر مفاعيله الكبرى في قيادة التقدم والابتكار، وحتى الهندسة والتصميم والاقتصاد. ولأن السباق يمثّل التشويق والإثارة والحركة والديناميكية ويوفر بُعدًا دراميًا، كثيرًا ما جرى تناوله في الأدب والشعر والسينما والأعمال الفنية. بعبارة أخرى، إن فلسفة السباق هي فلسفة ملهمة تشهد على الطموح الإنساني الذي لا يقهر.
في هذا الملف، تأخذنا مهى قمر الدين إلى أبرز مضامير السباقات، منذ أن كانت هذه المضامير غابات يتسابق فيها الإنسان القديم مع طرائده من الحيوانات، إلى أحدث ما تفتّق عنه الإبداع في العصر الحديث، من دون أن تُغفل امتداد مفهوم السباق إلى ما هو أبعد من ميادين الجري بكثير، لا بل كان من الأفضل لها البدء بامتدادات هذا المفهوم.
لطالما كان السباق على مختلف أشكاله حاضرًا في التجربة البشرية. فهو جزء من طبيعة الإنسان الذي يسعى دائمًا إلى التفوق على نفسه وكذلك على الآخرين. أمَّا جذوره الأولى، فتعود إلى غريزتنا البدائية المتمثلة في التغلب على الحيوانات المفترسة ومطاردة الفرائس للحصول على الغذاء. لذلك نجد أن الجري كان في أساس السباقات البشرية الأولى؛ لأن قدرة البشر الأوائل على اجتياز مسافات طويلة سيرًا على الأقدام، منحتهم ميزة حاسمة في كفاحهم من أجل البقاء.
ومن ثَمَّ، مع تطور الحضارات القديمة في بلاد ما بين النهرين ومصر واليونان، أصبح للجري أهمية ثقافية ودينية كبرى، خاصة لدى اليونانيين القدامى الذين احتفوا بالقدرات الجسمانية والروح الرياضية من خلال فعاليات مثل الألعاب الأولمبية القديمة، التي تضمنت مسابقات جري مختلفة. أمَّا تطور السباقات على مختلف أشكالها على مر التاريخ، فكان بمنزلة رحلة امتدت على مدى قرون مدفوعة بالإبداع البشري والتقدم التكنولوجي والسعي الدؤوب وراء السرعة. فمن سباقات العربات القديمة في حلبة “سيركوس ماكسيموس” في روما القديمة، التي كانت تأسر قلوب المشاهدين بسرعتها وخطورتها، إلى سباقات الهجن في دول الخليج العربي التي ظهرت شكلًا من أشكال الترفيه والتسلية بين سكان البادية، فوفرت لهم فرصة لعرض سرعة حيواناتهم الثمينة وقوتها ورشاقتها، إلى سباقات “الفورمولا 1” في العصر الحديث التي أصبحت من أكثر السباقات إثارة وتشويقًا؛ شهدت السباقات تحولًا ملحوظًا، وعكست التغيرات المجتمعية والتكنولوجية والثقافية.
من ميادين الرياضة إلى ما هو أبعد منها
مع مرور الوقت، اختلفت السباقات وتنوعت؛ فمنها ما اعتمد على القدرة الجسدية وحدَها، مثل سباقات الجري السريع والسباحة وسباقات الماراثون؛ ومنها ما اعتمد على الحيوانات المركوبة، مثل الخيل والإبل وغيرها؛ ومنها ما ارتكز على قوة المركبات، مثل الدرّاجات والقوارب والسيارات والدرّاجات النارية والزلاجات وألواح التزلج والكراسي المتحركة؛ ومنها سباقات حديثة أخرى عكس دخولها التقدم التكنولوجي الفائق، مثل سباق الطائرات من دون طيار والسباقات الافتراضية. من جهة أخرى، وفي جميع أنحاء العالم، ظهرت مجموعة من السباقات الغريبة التي كانت تُقدِّم لمحة إلى الجانب الغريب وغير التقليدي للإبداع البشري، وتُظهر الاهتمامات المتنوعة للثقافات المختلفة، مثل: سباق الصراصير في أستراليا، وسباق السلاحف الذي بدأ في الولايات المتحدة الأمريكية، وسباق النعامات الذي بات سبـاقًا مألوفًا في جنوب إفريقيا، وسباق الماعز في دول منطقة الكاريبي، وسباق الجواميس في بالي.
ولكن، مفهوم السباق بحد ذاته يمتد إلى ما هو أبعد من عالم الرياضة. إذ يتغلغل في كل جانب من جوانب المساعي البشرية تقريبًا، ويشكِّل الطريقة التي نتفاعل بها ونتنافس، ونسعى جاهدين لتحقيق التميّز في حياتنا ومجتمعاتنا. فحيثما تحضر المنافسة توجَد السباقات.
ففي عالم الأعمال، تتسابق الشركات بعضها ضد بعض للحصول على براءات الاختراعات، وغالبًا ما يجد الطلاب أنفسهم في سباق مع مواعيد الامتحانات النهائية، ويتنافسون على المنح الدراسية، ويدخل المهنيون في منافسة فيما بينهم على الترقيات وفرص العمل. أمَّا في البيئة الاجتماعية، فقد ينخرط الأفراد في سباق على المكانة الاجتماعية، وتتحوَّل الحملات الانتخابية إلى سباق على أصوات الناخبين، وتؤجج الوتيرة السريعة للتقدم التكنولوجي سباقًا مستمرًا على الابتكار والتقدم في مختلف المجالات. وعلى المستوى الفردي، قد يدخل الأشخاص في سباق شخصي لتحسين الذات.
سباقات مجازية: السباق مع الزمن وسباق التسلُّح وسباق الفضاء والسباق على لقاح لوباء كورونا
لكن هذه السباقات التي تحضر بعيدًا عن عالم الرياضة تبقى سباقات مجازية لا يمكن مراقبة حركتها بشكل واضح، ولا تُحتسب فيها السرعة بشكل دقيق، ولا تُختبر فيها القدرات الجسدية بطريقة ظاهرة، ولا يُعلن فيها عن الفائزين لتقدّم لهم الأوسمة والكؤوس والجوائز. ومع ذلك، فقد ارتبط ببعض هذه السباقات المجازية كلمة “سباق” على غرار ما تُوصف به المنافسات الرياضية، ومنها: السباق مع الزمن، وسباق التسلح، وسباق الفضاء، والسباق على لقاح لوباء كورونا، وغير ذلك.
السباق مع الزمن
يُقال إن العالم البريطاني فرانسيس كريك، الحائز جائزة نوبل للعلوم عام 1962م، لمشاركته في اكتشاف الحلزون المزدوج للحمض النووي، كان قد استمر في العمل في تقديم أبحاثه من على سريره في المستشفى الذي كان يُعالج فيه من مرض السرطان، وحتى في اليوم الذي تُوفِّي فيه. وفي السياق عينه، عندما سُئل الكاتب والباحث الأمريكي – الروسي إسحاق عظيموف، الذي ألَّف أكثر من 450 كتابًا: “ماذا ستفعل لو كان أمامك ستة أشهر فقط لتعيشها؟” فأجاب: “أكتب بشكل أسرع”. تعكس آراء هذين العالِمَين ثقافة السباق مع الزمن التي تفرضها، على نحو خاص، حياتنا المعاصرة. إذ إن تحقيق الإنجازات هو الاهتمام الأكبر والأهم، وحيث يقال إن “الوقت من ذهب” وإن “الوقت كنز إن ضيعته ضعت”، وحيث تدفعنا الديناميكيات الحديثة إلى خوض سباق يحاول فيه كل شخص اللحاق بالآخرين فيما يتعلق بالصُّعُد المالية والمادية والمكانة الاجتماعية. وهذا الشعور يتقاسمه معظم الشباب حول العالم، بوعي أو بغير وعي، عندما تدفعهم وسائل التواصل الاجتماعي إلى المنافسة بعضهم مع بعض للحصول على هواتف أحدث وسيارات أفضل ومنازل أجمل وحضور أوسع على الساحة الاجتماعية. كل ذلك بات يُشعرنا جميعًا بأننا في سباق دائـم مع الزمن، الذي يفرض حضوره علينا في مختلف جوانب حياتنا، والذي أصبح سمة بارزة من سمات حياتنا المعاصرة. ألا نُسمِّي عصرنا بـ “عصر السرعة”؟
سباق التسلُّح
هناك أيضًا سباق التسلُّح، الذي يشير إلى التنافس بين الدول على تعزيز قدرتها العسكرية، والذي غالبًا ما يعكس العلاقة العدائية بينها. وفي الحقيقة، فإن القرن العشرين شهد أبرز سباقات التسـلُّح وأشهرها عبر التاريخ؛ إذ برز في أوائله سباق التسلُّح البحري الأنجلو – ألماني قبل الحرب العالمية الأولى، عندما سعت ألمانيا بوصفها قوة صاعدة إلى تحدي الهيمنة البحرية التقليدية للمملكة المتحدة. كما يُعدُّ سباق التسلُّح النووي أثناء الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي مثالًا آخر على سباقات التسلُّح في القرن العشرين.
سباق الفضاء
لطالما كانت هناك مجموعة من العوامل السياسية والتكنولوجية والإيديولوجية وراء المنافسة بين الدول للسعي إلى الوصول إلى الفضاء، بدءًا من الحرب الباردة عام 1969م، حتى نشوء شركات الفضاء الخاصة في عصرنا الحالي.

فمنذ إطلاق أول قمر صناعي عام 1957م، أصبح الفضاء ميدانًا للمنافسة. إذ كان في البداية جزءًا من الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي. وكان هذا السباق قد بدأ بأقمار صناعية بسيطة، ثم تطوّر إلى رحلات فضاء مأهولة بالبشر، وبلغ ذروته بأن تمكّنت أمريكا من إنزال أول إنسان على سطح القمر في عام 1969م. وعلى الرغم من أن عام 2019م، شهد بداية تعاون بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا في مشروع محطة الفضاء الدولية، وتحوُّل كثير من مشاريع الرحلات الفضائية إلى مبادرات تعاونية بين عدة دول، بما في ذلك رحلات رواد الفضاء السعوديين والإماراتيين؛ فإن التطلع إلى مشاريع استكشاف الفضاء لا يزال يحمل طابع السباق، كما هو الحال مع الصين واليابان والهند في إرسالها مجسَّات إلى القمر والنظـام الشمسي سعيًا وراء المكانة التي يوفرها الفضاء، وباتت شركات خاصة مثل “سبيس إكس” و “بلو أوريجن” تتسابق للسيطرة على سوق رحلات الفضاء الخاصة.

السباق على لقاح كورونا
منذ بدء انتشار فيروس كوفيد19- في 2019م، ونتائجه الكارثية على مختلف الصُّعُد في مختلف أرجاء العالم، أصبح العالم بأسره وكأنه في حالة حرب ضد عدو مشترك يهدد البشرية جمعاء. فتجنَّد العلماء والباحثون والحكومات وشركات الأدوية لإيجاد لقاح لهذا الفيروس الفتاك. وتولَّى تحالف ابتكارات التأهب الوبائي (CEPI) الذي تأسس في 2017م، بهدف ضمان استعداد العالم للتعامل مع الأمراض المعدية الجديدة، قيادة الجهود المبذولة لتمويل وتنسيق أبحاث لقاح كوفيد19-، وقد استجاب كثير من الشركات والمؤسسات الأكاديمية العاملة في مجال اللقاحات. فانطلق سباق محموم لإيجاد لقاح لمرض كورونا، وكان ذلك السباق سباقًا ضد الزمن، وأيضًا بين شركات الأدوية. ولم يكن من المتوقع أن يكون اللقاح الأول الواصل إلى خط النهاية هو الفائز النهائي، بل إن الفائز هو اللقاح الأفضل من حيث الأمان والفعالية، والذي سيكون متاحًا للجميع.
ما بين فلسفة السباق وفلسفة التأني والصبر
تتضمن فلسفة السباق مزيجًا ديناميكيًا من المبادئ والقيم التي تمتد إلى ما هو أبعد من مجرد المنافسة على المضمار، فهي تتعمق في جوهر المساعي البشرية، وتستكشف موضوعات الطموح والمخاطر والمرونة والسعي الدؤوب للتميز. فالسباق، سواء كان سيرًا على الأقدام، أم على الحيوانات المركوبة، أم في المركبات الآلية، أم عبر المياه المفتوحة، هو بمنزلة لوحة يرسم عليها الأفراد والفرق تطلعاتهم، ويجسّدون انتصار الروح الإنسانية على الشدائد.
يدور كل سباق في جوهره حول تحديد الهدف والسعي إلى تحقيقه، وبذلك فهو يمثّل صورة مصغرة لرحلة الحياة، حيث يسعى المتنافسون للوصول إلى خط النهاية، سواء أكان ذلك من خلال احتلال المركز الأول، أم تحقيق أفضل نتيجة شخصية، أم مجرد تجاوز الإنجازات السابقة. هذا التوجه نحو الهدف يغرس في السباق غرضًا ومعنى، وهو ما يعكس التجربة الإنسانية الأوسع في تحديد الأهداف والسعي لتحقيقها رغم التحديات. ومع ذلك، فإن السباق لا يخلو من المخاطر، فهو يتطلب الشجاعة والجرأة والرغبة في تجاوز حدود القدرة البشرية. فمن هدير المحركات على مضمار السباق إلى وقع الحوافر على العشب، يواجه المتسابقون الخطر وجهًا لوجه، ويحتضنون إثارة السرعة مع الاعتراف بالمخاطر الكامنة التي تنطوي عليها.
علاوة على ذلك، يجسّد السباق الانقسام بين البراعة الفردية والجهد الجماعي، فسواء أكان الأمر يتعلق بالسعي الفردي لعدّاء الماراثون أم التنسيق المتزامن لفريق التتابع في سباقات الركض، يُظهر السباق التفاعل بين المواهب الفردية والعمل الجماعي التعاوني، بحيث يكون على الرياضيين وأفراد الفريق العمل معًا بسلاسة، فيؤدي كل منهم دوره في السعي إلى تحقيق هدف مشترك. يجسّد هذا الاندماج بين الطموح الفردي والمساعي الجماعية، السعي الإنساني الأوسع نحو التآزر والتعاون في مواجهة التحديات المشتركة.
وإذا ما أخذنا بالاعتبار فلسفة السباق هذه، التي ترسم طريقًا واضحًا للتحدي وخوض غمار الحياة والدفع إلى الأمام بالأداء البشري، فربَّما علينا إعادة التفكير بمقولات سائدة في ثقافتنا العربية مثل: “في التأني السلامة وفي العجلة الندامة” و “الصبر مفتاح الفرج”، التي ربَّما تُسهم المبالغة فيها في الحد من الطموح وتكبيل الذات والقناعة التي قد لا تكون في محلها.
ففي الحكمة الأولى، يُشار إلى التأني بوصفه ممارسة نعتمد فيها الحذر والتفكير الدقيق الذي يؤدي بنا إلى السلامة. بينما يذكرنا ارتباط العجلة بالندامة بأهمية التفكير مليًّا قبل القيام بأي فعل. وفي الحكمة الثانية يكون الصبر، كما يصفه الكثيرون بأنه القدرة على تحمل الصعوبات والتحديات دون فقدان الأمل أو التراجع، هو ما يعطينا الثبات والقوة الداخلية للوصول إلى الأهداف والفرج المنتظر. وعلى الرغم من أن مثل هذه الأقوال تحمل معها مفاهيم عميقة، فإنها يجب ألا تكون عنوانًا دائمًا لفلسفة الحياة، بل ربَّما من المفيد أن نستمد ما قد يُلهمنا من فلسفة السباق التي هي، بعنوانها العريض، شهادة على الطموح الإنساني الذي لا يقهر.
سياقاته المختلفة
في القرآن الكريم

ورد مفهوم السباق في القرآن الكريم في سياقات مختلفة ليدل، إمَّا على الشيء السابق، أي الذي مضى وتقدم، كما ورد في سورة الواقعة ﴿وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ﴾ (سورة الواقعة: 10) وهم الذين سبقوا إلى الإيمان بالله ورسوله، بالإشارة إلى المهاجرين الأولين؛ وإمَّا للدلالة على السرعة كما أُشِير إليها في الآية المذكورة في سورة النازعات ﴿فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا﴾ (سورة النازعات: 4) التي يمكن تفسيرها بأن الملائكة تسبق بالأرواح إلى مستقرّها نارًا أو جَـنّـة؛ وإمَّا لدعوة الله، سبحانه وتعالى، البشر إلى السباق في طلب المغفرة من الله والسعي نحو الجنة التي أعدها الله للمؤمنين، كما ورد من آية من آيات سورة الحديد التي تقول: ﴿سَابِقُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾ (سورة الحديد: 21)، وإمَّا لدعوة الله، سبحانه وتعالى، البشر إلى سباق آخر وهو السباق إلى الأعمال الصالحة والطاعات، كما ذُكر في سورة المائدة: ﴿فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾ (سورة المائدة: 48).

في أصله الرياضي.. السباق قد يتطـلب أكثر من السرعة
تتحدث أسطورة إيسوب “الأرنب والسلحفاة” عن سباق بين الأرنب السريع والسلحفاة البطيئة، بحيث ينطلق الأرنب إلى الأمام في بداية السباق، ولكنه بعد ذلك، وبسبب ثقته المفرطة، يصيبه الغرور فيقرر أن يأخذ قيلولة. في حين تواصل السلحفاة السير ببطء وثبات حتى النهاية. وعندما يستيقظ الأرنب من نومه، يجد أن السلحفاة قد وصلت إلى خط النهاية وفازت في السباق؛ لتعلّمنا أن المثابرة والتصميم يمكن أن يؤديا في كثير من الأحيان إلى النجاح، حتى ضد أسرع المنافسين.
ومثلما أن الفوز في السباق بين الأرنب والسلحفاة، وإن كان سباقًا خياليًا، قد تطلب أمورًا أكثر من مجرد السرعة، هناك أيضًا كثير من السباقات في الواقع يتطلب الفوز فيها أمورًا أخرى إلى جانب السرعة، مثل: الإستراتيجية والمثابرة والعمل الجماعي وأحيانًا التضحية.

السباق بين الأرنب والسلحفاة، وإن كان سباقًًا خياليًًا، قد تطلب أمورًًا أكثر من مجرد السرعة.
فإذا ما نظرنا إلى رالي داكار، مثلًا، وهو سباق السيارات الذي كان يُقام في الأصل في العاصمة السنغالية داكار وفي فرنسا، والذي أصبح منذ 2020م يُقام في المملكة العربية السعودية؛ نجد أنه سباق يتطلب قدرة على التحمل على الطرق الوعرة، ويمثّل تحديًا للمتنافسين لقطع آلاف الكيلومترات من التضاريس الصعبة عبر الصحاري والجبال والكثبان الرملية. وبذلك فهو يتطلب مهارات ملاحية استثنائية، والوثوق بميكانيك السيارة. وهناك أيضًا ماراثون بوسطن الذي يُعدُّ أحد أقدم سباقات الطرق وأعرقها في العالم، ويمثل تحديًا فريدًا للمشاركين فيه. ففي حين أن السرعة مهمة بلا شك، ولكن الفوز بماراثون بوسطن يتطلب أيضًا عقلية تكتيكية وسرعة إستراتيجية وصلابة ذهنية، لا سيَّما بسبب التضاريس الجبلية التي تتخلل مساره وظروف الطقس غير المتوقعة.
ومن الأمثلة أيضًا، سباق فرنسا للدرّاجات، وهو السباق الأشهر في مجال ركوب الدراجات، والمعروف بمساره الشاق والمنافسة الشرسة بين المتسابقين. ففي حين أن مراحله الفردية غالبًا ما تكافئ السرعة والقوة، فإن الفوز بسباق فرنسا للدرَّاجات بشكله الجماعي يتطلب أكثر بمراحل من مجرد السرعة، فهو يتطلب قدرة استثنائية على التحمل وتخطيطًا إستراتيجيًا وعملًا جماعيًا وقدرة على تجاوز مختلف التضاريس، مثل الجبال والسهول وتجارب الزمن. علاوة على ذلك، يجب على الدرّاجين أن يتنقلوا بين تعقيدات ديناميكيات الفريق، وتكتيكات السباق، والظروف الطبيعية غير المتوقعة، بينما يتحملون ثلاثة أسابيع من المجهود البدني والعقلي المكثف.
وفي سباقات الخيل، يؤدي الفرسان دورًا محوريًا في تحديد وتيرة السباق؛ إذ يجب عليهم قياس سرعة فرسهم والمنافسة بعناية، ووضع أنفسهم بشكل إستراتيجي داخل المجموعة للحفاظ على الطاقة والقيام بخطوات حاسمة في اللحظات المناسبة. فمن خلال التحكم في إيقاع السباق، يمكن للفرسان التأثير في النتيجة وزيادة فرص نجاح خيولهم. فضلًا عن ذلك، يجب أن يتمتع الفرسان بغرائز سباق استثنائية ووعي تكتيكي؛ إذ عليـهم توقُّع تحركات الخيول الأخرى، وتحديد التهديدات أو الفرص المحتملة، واتخاذ قرارات في أجزاء من الثانية في مواقف الضغط العالي. وسواء أكان الأمر يتعلق بتحديد خط السباق الأمثل، أم توقيت الاندفاع في الوقت الملائم لخط النهاية، أم القيام بخطوات جريئة لتجاوز المنافسين؛ فإن قدرة الفارس على قراءة السباق وتنفيذ المناورات الإستراتيجية أمر بالغ الأهمية.

سباق الهجن إرث عربي عريق
على الرغم مما لدور الإنسان المتسابق من أهمية، ثمة فئة من السباقات تكون بمشاركة حيوان ينتزع منه الأهمية الأولى. فمع الخيول يصبح اسم السباق “سباق خيل”، وليس سباق فرسان، ومع الإبل “سباق هجن” وليس سباق هجّانة. ومع أصالة الخيول العربية، فإن سباقات الخيل مرتبطة تاريخيًا بالحضارتين الأوروبية والآسيوية الشرقية (الصين ومنغوليا). أمَّا عربيًا، فيستحق الأمر أن نتوقف أمام سباق الهجن، الذي يُعدُّ من أقدم الرياضات وأكثرها تقليدية في العالم العربي، لا سيَّما في المملكة وجوارها الخليجي.
تعود هذه الرياضة في أصولها إلى العصور القديمة، عندما كانت القبائل البدوية تستعرض أسرع الهجن لديها بوصفها وسيلة لعرض ثروتها ومكانتها. فكانت السباقات بمنزلة شكل من أشكال المنافسة الودية بين القبائل المختلفة التي ساعدت على إقامة تحالفات فيما بينها. والهجن نوع من الإبل، تُستخدم للرياضة والركوب، وتتسابق فيما بينها بسرعة تصل إلى 64 كيلومترًا في الساعة في مضامير مخصصة لهذا السباق. وتتميز بأنها أصيلة، من نسل السلالات العربية المؤصلة، التي تُعرف بأبناء أو بنات النوق الأصايل؛ وذلك لأنها تتصف بصفات خاصة تؤهلها للجري السريع، إضافة إلى صفاتها العامة.
وإن بدا أن هناك شبهًا بين رياضة الهجن وسباق الخيل، فإنهما يختلفان من حيث صفات الفرسان. إذ جرت العادة سابقًا بالنسبة الفرسان في سباقات الهجن أنهم يكونون من الأولاد الصغار الذين يجري تدريبهم خصوصًا لهذه الرياضة، فيكونون خفيفي الوزن ورشيقين، ويمتلكون المهارات المطلوبة لركوب الجمال بسرعات عالية. أما مؤخرًا فصار يُستعاض عنهم براكب آلي يصل وزنه إلى 2 أو 3 كيلوجرامات فقط لتحافظ الإبل على خفتها وسرعتها.
وأصبحت هذه الرياضة القديمة، رياضة قديمة حديثة، وعُدَّت في بعض البلدان رمزًا للثقافة والهوية، فراحت تُعقد لها سباقات منظمة وفق معايير عالمية، وتترافق مع مهرجانات واحتفالات شعبية كبيرة. وتتباين الميادين الخاصة بها من بلد إلى آخر من ناحية الشكل، فقد تكون على شكل مضمار مستقيم أو دائري أو بيضاوي، وتُقام فيها السباقات لمسافات مختلفة لا تتعدى عادة دورة واحدة حول الميدان البيضاوي أو الدائري، وتتراوح ما بين 8 كيلومترات و10 كيلومترات، وقد تصل إلى 22 كيلومترًا.
سباقات الهجن السعودية
ولأن هذه الرياضة موروث سعودي بوجه خاص، فليس من المستغرب أن يكون هناك اهتمام خاص في المملكة بسباقات الهجن، وكل المهرجانات المصاحبة لها. ومما يعكس هذا الاهتمام، إنشاء “الاتحاد السعودي لسباقات الهجن” الذي يتولى مسؤولية تنظيم بعض أكبر سباقات الهجن في العالم، وأبرزها مهرجان الملك عبدالعزيز للإبل. ويستقطب هذا الحدث السنوي في مدينة الرياض، أصحاب الإبل وعشاقها من جميع أنحاء العالم، ويضم مجموعة متنوعة من المسابقات، مثل: سباقات الهجن العربية الأصيلة، ومسابقة ملكة جمال الإبل، وحتى مسابقة الروبوتات التي تركب الجمال. وقد اتخذ الاتحاد السعودي لسباقات الهجن كثيرًا من الخطوات لتحديث رياضة سباقات الهجن في المملكة، من بينها استخدام أجهزة التتبع الإلكترونية على الهجن التي تتيح مراقبة سرعة الإبل وموقعها أثناء السباق، والتأكد من عدم تجاوزها السرعة القصوى المسموح بها وبقائها في المسار المخصص لها. كما أطلقت المملكة منصة إلكترونية بعنوان “وثقها”، تهدف إلى حفظ سلالات الإبل وتوثيقها، عبر الاستعانة بالحمض النووي لها ومنحها بطاقة شخصية.

الماراثون أيقونة السباقات
يحتل الماراثون مكانة فريدة في عالم السباقات، إذ أصبح اليوم من أشهر السباقات وأكثرها شعبية على الإطلاق. كما أنه خير مثال عن السباق بين الإنسان وآخر من دون مطية ولا مركوب.
يبلغ عمر الماراثون، كما نعرفه اليوم، حوالي 128 عامًا، لكن تاريخه الفعلي يعود إلى أبعد من ذلك؛ إذ كان يُقام في الألعاب الأولمبية القديمة، التي استمرت من 776 قبل الميلاد إلى 261 بعد الميلاد، وكان أطول سباق آنذاك لا يتعدى 5 كيلومترات فقط. وبعد حوالي 2500 سنة، أُعيد إحياء فكرة هذا السباق للمسافات الطويلة على يد البارون الفرنسي بيير دي كوبرتان، الذي سعى لإقامة مهرجان رياضي دولي يعتمد على الألعاب الأولمبية القديمة. وبالفعل أُقيمت أول دورة ألعاب أولمبية حديثة في أثينا عام 1896م، وقد اعتُمِد الماراثون جزءًا أساسًا من برنامجها. أمَّا تسميته بسباق “الماراثون”، فذلك لأن جذوره الأولى تعود إلى السباق الأسطوري الذي قام به أحد المقاتلين اليونانيين ويُدعى فيديبيدس في عام 490 قبل الميلاد، بعد أن قطع مسافة حوالي 40 كيلومترًا جريًا على الأقدام من مدينة ماراثون في اليونان إلى أثينا. أمَّا غايته، فكانت نقل رسالة من أرض المعركة، التي كان يخوضها الجيش اليوناني ضد الفرس في مدينة ماراثون، ليعلن فيها انتصار جيش بلاده. وعند وصوله إلى أثينا، لم يتسنَّ له سوى إطلاق صرخة النصر “Nike” قبل أن يسقط على الأرض ويُفارق الحياة من شدة التعب والإرهاق.

فيديبيدس في عام 490 قبل الميلاد، الذي قطع مسافة حول العالم في ثمانين يومًًا. حوالي 40 كيلومترًًا جريًًا على الأقدام من مدينة ماراثون في اليونان إلى أثينا.
وحرصًا على الحفاظ على روح فيديبيدس، باتت المسافة المعتمدة في أولى الماراثونات الحديثة في الألعاب الأولمبية 40 كيلومترًا أيضًا، ولكن هذه المسافة تغيَّرت في أولمبياد لندن الذي أقيم عام 1908م، وحُدّدت مسافة أخرى بقيت معتمدة حتى اليوم. ففي ذلك الأولمبياد، وفي البداية، حُدِّد طول الماراثون من قلعة وندسور في لندن إلى ملعب وايت سيتي، بـ 25 ميلًا تقريبًا، أو 40 كيلومترًا كما هو متعارف عليه، ولكن، الطلب المتأخر من الملكة لإعادة نقطة البداية إلى الحديقة الشرقية لقلعة وندسور، حيث يمكن لأطفال العائلة المالكة رؤية السباق من الحضانة الخاصة بهم، أضاف حوالي كيلومترين لمسافة الماراثون، وبالتالي باتت مسافته الرسمية 26.2 ميلًا أو 42.195 كيلومترًا.
وفي حين عزَّز سباق الماراثون في أولمبياد لندن عام 1908م، مكانة هذا الحدث الرياضي المهم ضمن نسيج المهرجان الأولمبي متعدد الرياضات الذي يُقام كل أربع سنوات، بات يُنظَّم أيضًا بوصفه نشاطًا مستقلًا في عدة مدن في جميع أنحاء العالم، وذلك بسبب جاذبيته الشعبية الواسعة.

وقد أسهمت الطفرة، التي حصلت في ممارسة رياضة الركض في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، في انتشار سريع لسباق الماراثونات. ففي عام 1970م، شهد العالم ميلاد ماراثون مدينة نيويورك، ومن ثمَّ سُمح للنساء للمرة الأولى بالمشاركة رسميًا في سباقات الماراثون خلال السبعينيات. وفي أوائل الثمانينيات، ظهر ماراثون برلين وماراثون لندن، واليوم، أُنشئت العشرات من الماراثونات الأخرى في جميع أنحاء العالم. إذ إنه في عام 2018م، قدِّر عدد المشاركين في سباقات الماراثون في جميع أنحاء العالم بـ1,298,725 شخصًا بعد أن كان 17 رياضيًا فقط في دورة الألعاب الأولمبية الأولى عام 1896م في أثينا.
أمَّا اليوم، فتُمثِّل “بطولة الماراثون العالمية الكبرى” قمة هذه الرياضة. وهي تتكوَّن من سلسلة من ستة سباقات ماراثون تُقام سنويًا في ست مدن رئيسة حول العالم، وهي: ماراثون بوسطن (الذي يُعدُّ أقدم وأطول ماراثون سنوي في العالم)، وماراثون طوكيو، وماراثون لندن، وماراثون برلين، وماراثون شيكاغو، وماراثون مدينة نيويورك. تستمر أحداث هذه الماراثونات الستة على مدى ستة أشهر متتالية. وتُصنَّفُ على نطاق واسع بوصفها من أرقى سباقات الماراثون في العالم. ويحصل المتسابقون الذين يُكملون جميع سباقات الماراثون الستة هذه على تكريم خاص يتمثَّل في “وسام النجوم الستة”.

في الخيال الأدبي.. السباقات عنصر إثارة وتشويق
قليلة هي الأحداث التي تثيرنا بقدر ما تفعل السباقات ومنافسات السرعة على مختلف أشكالها، ولذلك نجد حضورًا لأوصافها في كثير من قصص الخيال الأدبي، ولا سيَّما أنها تسمح للكتّاب بإدخال عنصر الإثارة والتشويق والكشف عن سمات الشخصيات في رواياتهم، بالإضافة إلى أنها تُسهم في زيادة التعقيد في حبكتها. وفي كثير من الأحيان، تتزامن نتيجة السباق مع حل عقدة الرواية نفسها، وهو ما يزيد عنصر التشويق، ويُبقي القارئ منغمسًا في تتبع أحداثها. وغالبًا ما تضع السباقات بطل الرواية في مواجهة خصم معين، أو في مواجهة دقات الساعة. وفي كثير من الأحيان، يتنافس المتسابقون من أجل ربح جوائز قيمة، أو تحدي أنفسهم وإثبات قدراتهم، أو حتى إنقاذ حياتهم.
من أشهر الأمثلة في هذا المجال، هناك أولًا الرواية الكلاسيكية العالمية التي صدرت عام 1873م “حول العالم في ثمانين يومًا” لكاتبها جول فيرن. وهي إحدى روايات المغامرات التي قام بها “فيلياس فوج”، الإنجليزي الثري المعروف بنظامه الثابت، بصحبة خادمه “جان باسبارتو” في محاولة منهما للسفر حول العالم، وذلك لكسب رهان بقيمة 20,000 جنيه إسترليني كان “فوج” قد تحدَّى به رفاقه في النادي بأنه يستطيع أن يجول العالم في 80 يومًا فقط. فكان سباقهما مع الزمن واضحًا منذ البداية، حيث يواجه “فوج” و”باسبارتو” كثيرًا من العقبات والانتكاسات، بدءًا من التأخير غير المتوقع وحتى الكوارث الطبيعية التي كانت تهدِّد بعرقلة سعيهما الطموح. وفي جميع مقاطع الرواية بقيا في سباق محموم مع الزمن، وهما يجولان في العالم من لندن إلى مصر، ثم إلى كالكوتا ومومباي وهونغ كونغ، ويركبان القطارات البخارية والسفن والقوارب والفيلة والسيارات، ويخوضان مختلف المغامرات المثيرة، وكان عليهما في كل ذلك أن يتعاملا مع مرور الزمن الذي لا هوادة فيه.


ومن جهة أخرى، حضرت سباقات الخيل في كثير من الروايات الأدبية، فكان من بينها رواية “سيبيسكيت” للكاتبة الأمريكية لورا هلنبراند، التي تروي قصة أحد الخيول الأمريكية الأسطورية الذي نال شهرة واسعة في ثلاثينيات القرن الماضي في الولايات المتحدة الأمريكية. وتجاوزت الرواية مجرد قصة حصان ذي قدرات فريدة، وتناولت قصة البشر الذين امتلكوا ودرّبوا وركبوا “سيبيسكيت” وحققوا معه تفوقه ذائع الصيت. ومن خلال وصف حي لسباقات الخيول المثيرة والشخصيات المتنوعة المشاركة، استطاعت هلنبراند نقل الإثارة والدراما في رياضة سباق الخيل، وكذلك صمود الروح البشرية وقدرتها على التحمل. وقد وجدت هذه الرواية طريقها إلى السينما لاحقًا.
وهناك أيضًا رواية “الحصان الأسود” للكاتب الأمريكي والتر فارلي، التي تروي قصة الفتى “أليك رامـزي” الذي تربطه علاقة وثيقة بحصان عربي جامح بعد أن تحطمت سفينتهما على جزيرة مهجورة. وتتبع الرواية رحلتهما في أثناء عودتهما إلى الحضارة ودخولهما عالم سباق الخيل.
وبألف معنى ومعنى في الشعر
عندما نفكر في الشعر، غالبًا ما نستحضر صورًا للطبيعة والحب والوجدانيات والتأمل العميق. ومع ذلك، يمكن للشعر أن يتناول موضوعًا مبهجًا ومثيرًا مثل السباقات على مختلف أنواعها، بحيث يكون اندماج القوة وإثارة السرعة والمنافسة الشديدة على المضمار، مصدر إلهام للشعراء لالتقاط هذه اللحظات الديناميكية المشوقة.


في الشعر القديم شرقًا وغربًا
ففي الشعر القديم، كان السباق يُصوَّر غالبًا في القصائد الملحمية مثل “الإلياذة” و”الأوديسة” لهوميروس، حيث لم تكن سباقات العربات مجرد سباقات للسرعة، بل كانت أيضًا مبارزات للقوة والمجد والشرف. فكان الأبطال مثل أخيل وهيكتور يتنافسون في سباقات العربات لإظهار براعتهم وبسالتهم. وكان صوت اصطدام المركبات المدوي، والغبار الذي يُثار في أعقابها، وهتافات المتفرجين الحارة تخلق صورًا حية يتردَّد صداها عبر العصور. وأكثر ما تحضر السباقات في الأنشودة الثالثة والعشرين من “الإلياذة” التي تتضمن أوصافًا حسية شاملة لعدد من السباقات التي أمر بها أخيل في جنازة صديقه باتروكلوس، فكان من بينها سباق العربات، وسباقات الجري السريع.
وقبل هوميروس، قد يكون أول ذكر للجري عبر التاريخ ذلك الذي دُوِّن في ترنيمة يعود تاريخها إلى عام 2088 قبل الميلاد، تتعلَّق بسباق مع الزمن قام به الملك شولكي ملك أور في بلاد ما بين النهرين.
ففي يوم واحد، ركض شولكي من مدينة نيبور إلى أور، ثم عاد من أور إلى نيبور، وقطع فيها مسافة بلغت حوالي 200 ميل (321.8 كيلومترًا) من أجل إدارة المهرجانات الدينية في كلتا المدينتين في اليوم نفسه. أمَّا دافعه لذلك، فيظهر في أحد أشهر النقوش لقصيدة تحمل اسم “في مديح شولكي”، إذ تقول:
“حتى يثبت اسمي لأيام بعيدة ولا يقع في غياهب النسيان أبدًا، ولا يترك أفواه الرجال،
لكي ينتشر تسبيحي في كل الأرض
وأُمدح في كل الأراضي
أنا العدَّاء نهضت بقوة، واستعددت للمسار
من نيبور إلى أور
عقدت العزم على اجتيازها كما لو كانت مجرد مسافة ساعتين فقط
كالأسد الذي لم يملّ من رجولته قمت”
ومن القصائد الكلاسيكية الخالدة التي ارتبط اسمها بأحد أشهر العدَّائين عبر التاريخ، قصيدة “فيديبيدس” التي نظمها الشاعر البريطاني روبرت براونينغ في عام 1879م، وكان قد وصف فيها بطريقة درامية موت “فيديبيدس” المقاتل في الجيش اليوناني الذي ركض من مدينة ماراثون إلى أثينا، فقال فيها:
“عندما كانت بلاد فارس غبارًا، صرخ الجميع: إلى الأكروبوليس
اركض يا فيديبيدس، سباق واحد إضافي! ستكون الجائزة لك!”
أمَّا بالنسبة إلى سباق السيارات، الذي يخلق بمحركاته الهادرة وإطاراته الصاخبة، سيمفونية تتناغم مع قلوب المتحمسين، فكثيرًا ما حاول الشعراء التقاط ألحان هذه السمفونية من خلال الصور الحية واللغة الإيقاعية الصاخبة. وأحد الأمثلة على هذا النوع من القصائد “الرعد المسرع” للشاعر جون ويلر:
“محركات مسرعة، طبول هادرة
الدخان والأبخرة، وتأتي الفوضى
المسار ساخن، والإطارات تحترق
لتنطلق معها الأحلام وتتسارع”
وفي إطار آخر، فإن سيارات السباق ليست مجرد آلات، بل أيضًا بمنزلة أعمال فنية. فتصميماتها الأنيقة ومنحنياتها السلسة وهندستها المعقدة تُلهم الشعراء للتعمق في جماليات هذه الإبداعات الرائعة. ففي قصيدة “لوحة السرعة القماشية” تصوِّر الشاعرة سارة رينولدز بشكل جميل الفن والإبداع الذي يتجسَّد في سيارات السباق، فتقول:
“هياكل أنيقة مثل ضربات الفرشاة جريئة
منحنيات منحوتة بشغف لا يُوصف
لوحة فنية من السرعة، تُحفة فنية
كل سيارة سباق، إنجاز عملي فائق”
وفي الشعر العربي
أمَّا في الشعر العربي، فقد وردت كلمة سباق في مشتقاتها المختلفة لتشير إلى دلالات كثيرة تباينت بتباين القصائد والأبيات، لكن كثيرًا من هذه الدلالات تأتي في سياق مدح السابق. فها هو ابن الرومي يقول في قصيدته “أغثنا فأنت المرء يُهتف باسمه”:
فلا يسبقنْكَ السابقونَ بكشفها
فما زلت بالخيراتِ غير مُسبَّق
وهنا يستحث الشاعر ممدوحه إلى إغاثته سريعًا وكشف ما به، ويحرِّضه على أن يسبق إلى ذلك، فهو من الناس بمكانة ألا يكون مسبوقًا إلى الخيرات.
ويقول أبو تمام في قصيدته “لَطَمحتَ في الإِبراق والإِرعادِ”:
لم أُبقِ حلْبَة منطقٍ إلا وقدْ
سَبقت سَوابِقَها إليْكَ جِيَادِي
ليعبّر بذلك عن سبقه في حلبة الشعر، وأن قصائده الجياد هي السابقة على غيرها حين تشتد المنافسة على الفوز بإعلاء شأن الممدوح.
وفي قصيدة “ما أنتَ للكِلفِ المَشوقِ بصاحبِ” يقول البحتري:
لله أنْتَ، وأنْتَ تُحرِزُ وَاهبًا
سَبْقَينِ سَبْقَ مَحاسِنٍ وَمَوَاهبِ
يُعبِّر هذا البيت عن سبق الممدوح، الذي يدعو إلى الإعجاب، إذ يجمع له الشاعر المادح بين التفوق في ذاته بسبقه في “المحاسن”، وبين التفوق في عطائه بسبقه في “المواهب”.
أمَّا جبران خليل جبران، فيقول في قصيدته “نَسِيمُ لُبْنَانَ حَيَّانِي ضُحى فَشَفَى”:
فِتيان سَبْق بآداب ومعرفة
إذا النُّهى استبقت في خير مُستبَقِ
ويشير البيت إلى الشباب الذين يتمتعون بالأخلاق الحميدة والمعرفة الوافرة، والذين يتفوقون على غيرهم أو “يسبقونهم” في هذه الصفات النبيلة، حيث مضمار السباق هو العقل وتهذيبه، وهذا هو خير السباق.

فنانون خلّدوا دراما السباقات
سواء كان سباق الخيل، أم سباقات عربات، أم سباق سيارات حديثة، لطالما أثار السباق إعجاب الفنانين في مختلف الحقب التاريخية. فمنذ الحضارات القديمة إلى العصر الحديث، صوّر الفنانون إثارة السباق، وعرضوا السرعة والقوة والمهارة التي ينطوي عليها.

في التراث الفني القديم
من الخزف اليوناني إلى مقامات الحريري
في الحضارات القديمة، مثل اليونان القديمة وروما، كان سباق العربات رياضة شائعة. وكثيرًا ما كان الفنانون يصورون مشاهد هذا السباق على الفخار والجداريات والمنحوتات. ومن أبرز الأمثلة على ذلك، ما جرى تصويره على الفخار اليوناني القديم المعروف باسم “أمفورات باناثينيك”، الذي أظهر مشاهد لسباقات العربات خلال دورة الألعاب الباناثينية (وهي دورة تضم ألعابًا رياضية واحتفالات ثقافية كانت تُقام كل أربع سنوات في أثينا). وكانت هذه الأعمال الفخارية الفنية تُقدَّم على أنها جوائز تذكارية للمنتصرين.
وخلال عصر النهضة في أوروبا، أصبحت مشاهد السباق موضوعًا متكررًا في الفن. فرسم فنانون مثل ليوناردو دافنشي ورافائيل مشاهد سباق الخيل وسباقات العربات، وأظهروا إتقانهم في رسم الحركة والدقة في هذه السباقات. وفي هذا الإطار، يُعدُّ مُجسّم “الحصان والفارس” أو “حصان بودابست” من أعمال ليوناردو دافنشي التي يصور فيها فرانسيس الأول ملك فرنسا راكبًا على حصان، من الأمثلة البارزة لكيفية دمج السباق في التراكيب المجازية والأسطورية الكبرى خلال تلك الفترة.
من جهة أخرى، يزخر العالم العربي بتراث فني غني يمتد عبر عدة قرون، تحتل فيه صور السباقات مكانة مهمة، وتعكس اهتمام المجتمعات العربية برياضات الفروسية وسباق الهجن وغيرها من أشكال الأنشطة التنافسية. فمن المخطوطات القديمة إلى اللوحات المعاصرة والمنحوتات والمفروشات، عكس الفنانون العرب روح السباقات وإثارتها في مجموعة متنوعة من الأعمال الفنية الجذابة. وإذا ما عدنا إلى العصور الوسطى نجد الكثير من مشاهد السباقات في المخطوطات الإسلامية القديمة التي غالبًا ما تميّزت بمشاهد سباقات الخيول والإبل والحملات العسكرية. ومن أبرز الأمثلة على ذلك، مخطوطة “مقامات الحريري” من تأليف محمد الحريري البصري، وهي من أشهر المقامات الأدبية في فن الكتابة العربية، الذي ابتكره بديع الزمان الهمذاني. فهذه المخطوطة من القرن الثاني عشر، التي زيّنها برسومات توضيحية الفنان يحيى بن محمود الواسطي، صوّرت جوانب مختلفة من المجتمع العربي في العصور الوسطى، بما في ذلك مشاهد حية لسباق الخيل والصقَّارة.

في العصر الحديث
من الخيل إلى السيارات
ومن زمن أقرب إلينا، تصوِّر لوحة “سباقات الخيل في لونشان”، التي رسمها الفنان الفرنسي إدوارد مانيه في عام 1866م، نهاية سباق الجائزة الكبرى الثاني في باريس في ضاحية لونشان الباريسية، وهي واحدة من أربع لوحات للموضوع نفسه رسمها مانيه على مدى أربع سنوات. ومما يميز هذه اللوحة أنها اللوحة الأولى التي تصوِّر الخيول وهي تتجه مباشرة نحو المشاهد، وتمثل الحركة السريعة للخيول، وتناغمها بعضها مع بعض ومع الخلفية، وهو ما يخلق إحساسًا بالديناميكية والحيوية.
وفي العصر الحديث، دخلت أشكال جديدة من السباقات، مثل سباقات السيارات وركوب الدراجات، التي أصبحت موضوعات شائعة للفنانين الذين يميلون إلى استكشاف قضايا السرعة والتقدم التكنولوجي والمساعي البشرية التقدمية. وقد احتفل الفنانون المستقبليون الإيطاليون، بقيادة فنانين مثل أمبرتو بوكيوني وجياكومو بالا، بسرعة العالم الحديث وديناميكيته في لوحاتهم، التي غالبًا ما كانت تصوِّر مشاهد السيارات والدراجات في حركتها لتجسِّد السرعة والحيوية والديناميكية التي تُميز هذه الوسائل المتحركة. وتُعد “لوحة السيارة المسرعة” لجياكومو بالا (1912م)، التي تصوِّر الضوء والحركة والسرعة، مثالًا بارزًا لكيفية تحول السباق إلى ممارسة تعكس التقدم والتطور الذي شهده أوائل القرن العشرين في الفن المعاصر. وهنا لا بدَّ من الإشارة إلى فنانين ابتكروا أعمالًا استفزازية تتحدى تصوراتنا عن السباق وتأثيره على المجتمع، وبخاصة من خلال تصميم الفنان الأمريكي جيف كونز لسيارة “بي إم دبليو إكس” التي تظهر كيفية إعادة تفسير السباق وإعادة اختراعه في سياق الفن المعاصر.

السباق يطوِِّر كما يتطور
من الناحية الاقتصادية، تُعدُّ السباقات قوة كبيرة، تجتذب إليها آلاف المتفرجين والمشاركين، وهو ما يدر إيرادات للمدن المضيفة والشركات والصناعات. فمن مبيعات التذاكر إلى زيادة الحركة التجارية ودعم القطاع الفندقي، تعمل السباقات على تغذية النمو الاقتصادي، وخلق فرص عمل، وتحفيز السياحة، ودعم الاقتصادات المحلية في جميع أنحاء العالم. ولذا، وفيما تتطوّر السباقات وأنظمتها، فإن هذه السباقات تحفّز على التطوير والابتكار والإبداع في ميادين كثيرة.
من ساعات الإيقاف إلى مئات أجزاء الثانية
للدقة في التوقيت أهمية كبرى في عالم السباقات، ولكل جزء من الثانية دور حاسم. ففي اليونان القديمة، حيث كانت تجري الألعاب الأولمبية الأولى قبل نحو 2500 سنة، كان الفوز في السباق يعتمد على تقدير الحكام، ولم يكن احتساب أرقام المتسابقين يُؤخذ في الحسبان، كما أنه لم يكن هناك وسيلة تقنية لتوقيت السباقات على أية حال.
ومع اختراع الساعة، استُخدمت الساعات اليدوية لضبط الوقت في أنواع معينة من السباقات. ومن ثَمَّ، اعتمدت ساعة الإيقاف لتحديد الوقت منذ إقامة الألعاب الأولمبية الحديثة الأولى في عام 1896م. كما استُخدمت في سباقات الخيول وغيرها، ولكن ذلك لم يلغِ التحديات المتمثلة في عدم الدقة والخطأ البشري.
كان الانتقال إلى التوقيت الإلكتروني لحظة فاصلة في تاريخ السباقات الرياضية، ما أدى إلى جعل العملية أكفأ وأكثر وموثوقية، ومهّد الطريق لمزيد من القفزات التكنولوجية. ومع انتشار التكنولوجيا الرقمية في أواخر القرن العشرين، شهدت أجهزة التوقيت اعتمادًا واسع النطاق لأجهزة التوقيت الرقمية، وهو ما أدى إلى دقة غير مسبوقة بفضل تكنولوجيا التوقيت المتقدمة هذه، فأصبح بالإمكان قياس السرعة بجزء من المليون من الثانية، أو ميكروثانية، وهي وحدة زمنية صغيرة جدًا، لا سيَّما إذا ما علمنا أن رمش العين يستغرق من 300 إلى 400 ميكروثانية. ومع ذلك، وبفضل الاختلافات الصغيرة في المسارات والمسابح، مثلًا، لا يمكن توقيت سباقات السباحة والركض إلا لجزء من مائة من الثانية. وفي المقابل، أصبح بالإمكان تحقيق رصد دقيق جدًّا في سباقات الهجن تصل دقته إلى 6 آلاف جزء من الثانية.
ومؤخرًا، مع تطور التكنولوجيا الرقمية، أصبحت أنظمة توقيت السباق متطورة ومتكاملة بشكل متزايد، فأصبحنا نشاهد اليوم مجموعة مختارة من أجهزة ضبط الوقت عالية التقنية بما في ذلك الكاميرات الرقمية عالية السرعة ولوحات اللمس الإلكترونية وأجهزة إرسال الراديو، على سبيل المثال لا الحصر. إضافة إلى ابتكارات عديدة تهدف إلى تعزيز تجربة السباق الشاملة للمشاركين والمتفرجين ومنظمي السباقات الرياضية على حد سواء.
“مضمار السرعة” في القدية
ومن أوجه دور السباق في التحفيز على التطوير، نتوقف أمام أحدث الأمثلة وأقربها إلينا، وهو “مضمار السرعة” الذي يشكِّل أحد المشاريع الريادية التي ستضمها مدينة القدية في المملكة العربية السعودية، والذي أُعْلِن عنه في مارس 2024م.
يهدف هذا المضمار إلى تعزيز مكانة المملكة في عالم رياضة المحركات، وجعلها موطنًا لأبرز السباقات في العالم. إذ من المقرر أن يتضمن مجموعة فريدة من المميزات والتقنيات الحديثة والتجارب الاستثنائية في عالم السيارات. كما أنه سيجسِّد فلسفة “قوة اللعب” التي تُعدُّ بمنزلة العلامة التجارية التي تبنتها القدية في مشاريعها الريادية الأخرى.

والجدير بالذكر أن القيّمين على المشروع قرَّروا الاعتماد على تجارب أهل الخبرة فيما يتعلق بتصميم مضمار السرعة؛ إذ سيشارك فيه كل من سائق “فورمولا 1” السابق النمساوي أليكس فورتز، ومصمم حلبات السباق الشهير الألماني هيرمان تيلك؛ لتقديم نموذج مبتكر للمشاهدين والمتسابقين يرتقي برياضة المحركات إلى آفاق غير مسبوقة.
أمَّا من حيث الشكل، فسيضم المضمار 21 منعطفًا تطل على المناظر الطبيعية الخلابة لمدينة القدية من علو 108 أمتار في كل لفة، وأبرزها منعطف “ذا بليد” الذي يُعدُّ من أهم المناطق على مسار المضمار، وهو عبارة عن زاوية فريدة يوازي ارتفاعها أكثر من 20 طابقًا. كما يتضمن هذا المضمار عدة أقسام، من أبرزها مسار الشوارع ومسار السباق السريع المفتوح، اللذان يندمجان مع المناطق المحيطة بهما ليوفرا للزوار تجربة فريدة تجمع بين الترفيه والرياضة والثقافة معًا. إذ يُستبدل بالمدرجات التقليدية نقاط مشاهدة متعددة، وشرفات تطل على حافة المضمار لتجعل المشاهد في قلب الحدث. كما يحيط بالمضمار عدد من مناطق الفعاليات الأخرى، لتمزج بين متعة رياضة المحركات وحيوية الأنشطة الثقافية والترفيهية، مثل العروض الموسيقية والمتنزه المائي لمدينة القدية.

في السينما.. ما بين الدراما والحركة والكوميديا
لطالما كان السباق، بما يتضمنه من حركة عالية السرعة ودراما تغذيها قوة الإثارة والمنافسة الشرسة، عنصرًا أساسًا في السينما لعقود من الزمن. فجرى تصوير السباق في أفلام من أنواع مختلفة تتراوح بين الدراما والحركة والكوميديا، ولكنها جميعًا قدَّمت للجمهور تجربة مثيرة تتجاوز حدود الشاشة.
فمن مطاردات السيارات الشهيرة في الأفلام الكلاسيكية إلى سباقات “الفورمولا 1” المثيرة في الأفلام الحديثة، تُعدُّ السباقات بمنزلة استعارة لتحديات الحياة والسعي وراء الأحلام وانتصار الروح الإنسانية. ويمكن العثور على إحدى أقدم صور السباقات في السينما وأشهرها في الفيلم الكلاسيكي “لو مان” من إنتاج عام 1971م، ومن بطولة الممثل الأمريكي ستيف ماكوين. وتدور أحداث هذا الفيلم على خلفية سباق السيارات السنوي الشهير في فرنسا المعروف بـ”لومان 24 ساعة”، وهو سباق يتميز بقدرة التحمل. فيُقدِّم الفيلم صورة جريئة وواقعية لعالم رياضة السيارات، ويسلِّط الضوء على المتطلبات الجسدية والنفسية التي تواجه السائقين وهم يدفعون أنفسهم وطاقاتها حتى الحدود القصوى.
أمَّا ما يتعلق بالحركة، فقد أصبحت أفلام مثل سلسلة “السريع والغاضب” (Fast & Furious) (من عام 2001م إلى الوقت الحاضر) مرادفة للحركة والإثارة، مع مزيج من السيارات السريعة، والحركات المثيرة الجريئة، والمنافسات الشديدة، التي جسَّدت كلها روح ثقافة سباقات الشوارع، إلى جانب موضوعات أخرى مثل الولاء للعائلة والفداء.
ومن جهة أخرى، تتجسَّد الكوميديا في فيلم الرسوم المتحركة “سيارات” من إنتاج شركة بيكسار عام 2006م، حيث تجد السيارة المجسمة بطلة الفيلم “لايتنينغ ماكوين” في مواقف فكاهية خلال المنافسة في سباق “بيستون” للسيارات. ومن خلال تلك المواقف، يستكشف الفيلم موضوعات الصداقة والتواضع وأهمية البقاء صادقًا مع الذات وسط ضغوط المنافسة.
عربيًا.. الهجن بدل السيارات
وإذا كانت معظم الأفلام الغربية التي تتناول السباقات ترتكز على سباقات السيارات، فكان لا بدَّ من أن تكون أبرز الأفلام العربية التي تتناول موضوع السباقات مستمدة من موروثها العربي التقليدي: سباقات الهجن. لذلك، نجد أن أحد أبرز أفلامها الفيلم السعودي “هجّان” (2023م)، من إنتاج مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي “إثراء”، وكتابة مفرّج المجفل وعمر شامة، وبطولة الفنان عبدالمحسن النمر، وإخراج أبو بكر شوقي. وينقلنا هذا الفيلم إلى عالم سباقات الهجن من خلال قصة الصبي “مطر”، وهو مراهق لم يكن يهتم بسباقات الهجن، ولكنه كان متعلقًا بناقته “حفيرة”، وكانت علاقته بذلك العالم لا تتعدى القدر الذي كان يتيحه له ارتباطه بشقيقه الهجّان “غانم”. وإنما مع تطور الأحداث يجد “مطر” نفسه في عالم سباقات الهجن من دون قصد، فكان عليه أن يبذل كل ما في وسعه لإثبات جدارته بأن يكون رجلًا،

الفيلم السعودي “هجّّان” (2023 م)، من إنتاج مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي “إثراء”.
فيلم عربي آخر عن سباقات الهجن، وإن كان من النوع الوثائقي، هو فيلم “أسرار سباق الهجن” من إنتاج وكالة أنباء الإمارات (وام) عام 2022م، وتبلغ مدته حوالي 12 دقيقة، وعُرض بـ12 لغة عالمية. وهو إطلالة تاريخية وثقافية على رياضة سباق الهجن في دولة الإمارات العربية المتحدة وارتباط الإبل بالثقافة الإماراتية.وأن يصبح بطلًا داخل هذا العالم الذي تحكمه قواعده الخاصة.