في شهر مارس من العام الجاري، أطلقت وزارة الثقافة في المملكة العربية السعودية الاستراتيجية الوطنية للثقافة التي تمثل رؤية الوزارة، وتتضمَّن 27 مبادرة تهدف إلى تعزيز المشهد الثقافي السعودي. ومن هذه المبادرات الضخمة نذكر على سبيل المثال، تأسيس مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية، وإنشاء صندوق “نمو” الثقافي، وإطلاق برنامج الابتعاث الثقافي، وتطوير المكتبات العامة، وإقامة مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي..
ولاستشراف آفاق هذا التطور الكبير وما ينطوي عليه من مبادرات ومشروعات، نظَّمت القافلة، بالتعاون مع مكتبة الملك عبدالعزيز العامة في الرياض، جلسة نقاش تناولت ملامح هذه المبادرات، ودور كل من المثقَّف والمؤسسة الثقافية في إثراء هذه البرامج والمشاريع، كما تناولت أيضاً جانباً من المبادرات الثقافية المقدَّمة من الأفراد والقطاع الخاص المكمّلة للمشهد الثقافي العام.
خلال كلمته الترحيبية بالمتحدثين في جلسة النقاش والمشاركين والحضور، لفت رئيس تحرير مجلة القافلة، بندر الحربي، إلى أنه في مثل يوم انعقاد هذه الجلسة قبل 67 عاماً، وتحديداً في 19 يونيو من عام 1952م، تلقَّت إدارة أرامكو رسالة من الشيخ عبدالله ابن عدوان تفيد بموافقة جلالة الملك عبدالعزيز -رحمه الله-، على إصدار المطبوعة التي تعرف اليوم بمجلة القافلة، مع التوجيه بتزويد ديوان جلالته بثلاث نسخ من كل عددٍ جديد. فانطلقت بذلك أولى المبادرات الثقافية من نوعها في المملكة، هديةً من أرامكو لقرّاء العربية في المملكة ولكل الناطقين بها.
ثمّ تولى الزميل وليد الحارثي إدارة الجلسة انطلاقاً من كلمة تناول فيها الأثر المرتجى من المبادرات موضع البحث، والتي يُعوّل عليها الكثير، لإغناء الساحة الثقافية والارتقاء بالعمل الثقافي، وتعزيز حضوره الفاعل في الحياة الاجتماعية.
علاقة الفرد والمؤسسة حميمة وشائكة
كان أستاذ آداب اللغة الإنجليزية والناقد المعروف، الدكتور سعد البازعي أول المتحدثين في الجلسة، وتركَّزت كلمته حول قضية غاية في الأهمية وهي العلاقة بين المثقف والمؤسسة الثقافية، التي يَعدها من القضايا الأزلية التي تناولتها معظم الثقافات.
العلاقة بين المثقف والمؤسسة الثقافية من القضايا الأزلية في معظم الثقافات، هما ابنا الثقافة. وبالتالي لا بد من علاقة بنوّة طبيعية تجعلنا ننتمي إلى الثقافة على الرغم من أن هذه العلاقة هي حميمة وشائكة في آنٍ واحد.
كما رأى الدكتور البازعي أن ما بين المثقف الفرد والمؤسسة علاقة حميمة وشائكة في آنٍ معاً. ووصف هذه العلاقة بالضرورية، فهو شخصياً أحد الذين انتموا إلى المؤسسة عن عمد ليعمل من خلالها. ووصف هذه الإشكالية بأنها محل نقاش طرحه مفكرون كثر، من أبرزهم إدوارد سعيد، الذي يطرح مفهومين مهمين في هذا السياق هما: “البنوّة” و”التبني”، باعتبار أن الفرد والمؤسسة هما ابنا الثقافة. وبالتالي، لا بد من علاقة بنوّة طبيعية تجعلنا ننتمي إلى الثقافة. وبعد ذلك يبدأ الفرد بالانتماء إلى المؤسسة الثقافية بما سمَّاه “علاقة التبني”، وتنشأ معها علاقة نقدية تُبنى على مساءلة المثقف من خلال المؤسسة، ما يجعلـه يشعر بفقدان استقلاليته.
ويرى البازعي أن المثقف بحاجة إلى المؤسسة، كما أن المؤسسة بحاجة إلى المثقف. فالمثقف يحتاج المؤسسة لتوفير غطاء له ومظلة ودعم يمنحه الشرعية في الوصول إلى المجتمع، ويعطيه المكانة اللائقة به، ويتيح له أن يستفيد من إمكانات المؤسسة ليقول ما لديه. ومن جانب آخر تحتاج المؤسسة إلى المثقف المستقل ليحرِّرها من قيود البيروقراطية، وتركيزها على الأنظمة والتعليمات التي قد يرى بعض المثقفين أنها تحد من استقلاليتهم، وهو الذي قد عاش شخصياً هذه العلاقة بين الفرد والمؤسسة من جميع زواياها، داخل المؤسسة وخارجها، مسؤولاً وفرداً.
واستبشر البازعي بالمبادرات الثقافية ووصفها أنها تملأ الأفق، وتعد بإثراء حياتنا الثقافية، متمنياً الاستمرار في عقد مثل هذه الندوات واللقاءات، وأن يمتد هذا النقاش إلى مؤسسات أخرى كوزارة الثقافة، التي يتوقع أن يصدر عنها مزيد في هذا الصدد. وأعرب عن تفاؤله بمصطلح “المبادرات” الذي يعني الانطلاق نحو المستقبل، وبوجود برامج زمنية محدَّدة وواضحة لها.
وزارة الثقافة.. الأكبر طموحاً
“وزارة الثقافة هي أصغر الوزارات عمراً، ولكنها من أكثر الوزارات طموحاً”. هكذا استهل الدكتور محمد حسن علوان، رئيس قطاع الأدب والنشر والترجمة في وزارة الثقافة السعودية، مداخلته لافتاً إلى أن الوزارة في تنظيمها الجديد، باتت تضم نحو 16 قطاعاً كلها تخدم المجالات الثقافية، وتقدِّم عديداً من المبادرات المهمة في هذا الجانب. وعلى الرغم من وصفه المشهد الثقافي السابق بالمحبط، وبأن الحديث فيه يؤدي إلى الكآبة، ما أدى بالمثقفين إلى أن يكونوا سوداويين، ويمارسوا الاعتراض لأجل الاعتراض باعتباره حالة ثقافية بالضرورة، فهو وعد أن تعمل الوزارة اليوم على التخلص من هذه الحالة وإحداث تحوّل حقيقي في المشهد الثقافي الراهن.
وذكر علوان أن هنالك معيارين أو طريقتين يمكن وصف مبادرات وزارة الثقافة من خلالهما: الأول، أنها تعمل في محيط خالٍ وغير مطروق، بسبب تواضع المنتجات الثقافية في الفترة السابقة، وعدم وجود حضور ثقافي ثري وحيوي يليق بحجم المملكة. والثاني، أن الوزارة تحاول أن تبني وتدعم الشأن الثقافي ومبادراتها من الأساس، وأن دور الوزارة يتمثل في تمكين الفعل الثقافي، لا صناعته.
هناك عدد من الدراسات التربوية التي تعدُّ الفن مسهماً في رفع مستوى التفكير الناقد والإبداعي والابتكاري. فلا بد من تغيير المفاهيم القائمة عن الفن عموماً، ومستوى الاهتمام بها. عندها، فإن التغيير الثقافي القائم في البلد سينتج عنه ميل واهتمام بالفنون من حيث الممارسة والدراسة والتخصص.
وفي ما يخص قطاع الأدب والنشر والترجمة، وعد علوان بمزيد من المبادرات التي هي في طور الصياغة، وقال عنها إنها تهدف إلى الحصول على مشهد أدبي منتعش وحيوي وقادر على جذب شرائح قرائية، والعمل على زيادة انتشار الأدب وقراءته، ومحاولة كسر الاحتكار الأدبي من النخبويين، والاتجاه إلى الشباب، وتحقيق الشراكات وتوقيعها من أجل ذلك، وتجويد الكتاب السعودي، وإخراجه بأفضل حلة، والاتجاه إلى الجودة النوعية لا الكمية باعتبار الكتاب ممثلاً للمملكة ومسهماً في رسم الصورة الذهنية للمجتمع السعودي، كذلك إنعاش قسم النشر باعتباره قطاعاً كان مهملاً في السابق، ومحاولة التغلب على العقبات والتحديات التي تقف عائقاً أمام هذا القطاع.
وتطرَّق إلى معارض الكتب في السعودية، حيث لوزارة الثقافة محاولات جادة لإبراز معرضي الكتاب في الرياض وجدة، وإيصالهما إلى مستوى عالمي. والجهود “مبذولة على قدم وساق ليصبحا خلال خمس سنوات من أفضل المعارض على مستوى العالم”، وهذه الخطط ليست على الورق بل هناك خطوات عملية تواكبها.
أما في مجال الترجمة التي لطالما كانت ولا تزال موضع جدل ونقاش ونقد، فلدى الوزارة طموحات عالية في مجال الترجمة على مستوى نقل الأدب والإنتاج السعودي إلى العالم، وأيضاً ترجمة الأعمال النوعية من اللغات الأخرى إلى العربية، ووضعها في متناول القرّاء العرب عن طريق المملكة، التي تؤدي اليوم أدواراً في مجالات شتى لخدمة العالَمَيْن العربي والإسلامي، بحيث تكون دائماً مصدر إشعاع وثقافة نوعية مستدامة.
قضية حماية الفنَّانين
ووجوب الارتقاء بنوعية إنتاجهم
واستهلت الباحثة في مجال تاريخ الفن والآثار، الدكتورة مها بنت عبدالله السنان، مداخلتها بالتعليق على كثافة الحضور في هذه الجلسة، ورأت في الأمر مؤشراً طيباً يبعث على التفاؤل بمستقبل العمل الثقافي، وحافزاً على إطلاق مزيد من المبادرات الثقافية الناجحة والمؤثرة. “فاجتماع الفكر والاقتصاد والسياسة سيعود بالنفع والفائدة على الفنون والثقافة” على حد قولها.
ركَّزت الدكتورة السنان في مداخلتها على الفنون، خصوصاً التي اصطلح على تسميتها الفنون الجميلة، وهي العمارة والنحت والتصوير. فقالت: “إن الذي يمكن استذكاره واسترجاعه عن الحضارة المصرية القديمة هي الأهرامات فقط، بعيداً عن الديانة أو السياسة، وأن سبب خلود أسماء هذه الأهرامات هو ارتباطها بعمل فني متمثل في بنائها”. واستشهدت أيضاً بالعمارة الإسلامية في الأندلس التي تقف اليوم شاهداً على الوجود العربي الإسلامي، وتعد مزاراً للسياح. كما عرجت أيضاً على عصر النهضة في أوروبا، وبروز ما يسمى مدن الفن المتمثلة في لندن وباريس وروما، وظهور عواصم جديدة للفن بعد الحرب العالمية الأولى، وفي حقب زمنية أخرى في أمريكا وآسيا. وتطرقت إلى المستقبل، متسائلة عن المدن التي ستكون مؤهلة لأن تكون مدن فن، كأبوظبي حالياً. وأعربت عن تفاؤلها بأن الحراك الثقافي الدؤوب في المملكة المتناغم مع رؤية 2030، سيجعل من الرياض وجدة مدينتين من مدن الفن المعاصرة.
في ما يخص قطاع الأدب والنشر والترجمة، هناك مزيد من المبادرات في طور الصياغة، وهي تهدف إلى الحصول على مشهد أدبي منتعش وحيوي وقادر على جذب شرائح قرائية، والعمل على زيادة انتشار الأدب وقراءته، ومحاولة كسر الاحتكار الأدبي من النخبويين، والاتجاه إلى الشباب.
وتطرَّقت السنان إلى إسهام الفنون في إثراء الذائقة لدى الفرد، واستشهدت بعدد من الدراسات التربوية التي تعدُّ الفن مسهماً في رفع مستوى التفكير الناقد والإبداعي والابتكاري، ورأت أن الزمن كفيل بتغيير المفاهيم القائمة عن الفنون عموماً، ومستوى الاهتمام بها. وبالتالي فإن التغيير الثقافي القائم في البلد سينتج عنه ميل واهتمام بالفنون من حيث الممارسة والدراسة والتخصص. “فنحن أمام تحديين بخصوص الفنون ينبغي أن تتغلب عليهما المبادرات الثقافية في المملكة. الأول، دعم الفنان والارتقاء به إلى أعلى سلّم الدرجات المهنية” وفي هذا الجانب، رأت المتحدثة أن قرار وزارة الثقافة مؤخراً بتسمية مسرح المفتاحة في أبها بمسرح طلال مداح يصب في هذا الغرض وهذا الاتجاه. أما التحدي الثاني فيكمن في محاولة التغلب على الضعف البارز في مستوى الإنتاج الفني، الذي نتج عن أسباب اجتماعية أدَّت إلى تغييب الفن زمناً طويلاً. ووصفت الحركة الفنية في المملكة خلال الأربعين سنة الماضية، بأنها تشبه الحركة الفنية في أمريكا في الخمسينيات من القرن الماضي، عندما ظهر ما يعرف بـ”بوب آرت”، ثم بعد ذلك ظهرت الفنون التي تحمل عمقاً ثقافياً. وقالت: “إننا نسير اليوم إلى العمق الثقافي الفني، ولا يحدث ذلك إلا ببناء القدرات من جميع النواحي، فهذه هي الأدوات التي يمكننا من خلالها أن نعمل على مبادرات ثقافية فنية تثري المشهد الفني الثقافي في المملكة”.
“إثراء”
مركز مخصص لمكوّنات صناعة الثقافة
ولاستشراف صورة التكامل في العمل على النهوض بالحياة الثقافية ما بين المبادرات الحكومية ومبادرات الجهات الخاصة، تحدَّث رئيس مبادرة إثراء المحتوى في مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي “إثراء”، الأستاذ عبداللطيف المبارك عن الدور الاجتماعي الثقافي الذي أدَّته أرامكو السعودية وتستمر فيه. فالشركة أطلقت عدداً من المبادرات التعليمية والثقافية في وقت مبكر من تاريخ المملكة الحديث، وجاءت هذه المبادرات المبكرة في محاولة من الشركة لتطوير نمط حياة الناس في المنطقة، ورفع مستويات الوعي، وتنمية الحس الثقافي لديهم.
وأضاف المبارك أن فكرة إنشاء “إثراء” ظهرت عندما أكملت أرامكو مسيرة 75 عاماً، بهدف جمع المكوّنات الأساسية لصناعة الثقافة في مركز متخصص. وقد ربط هذا التدشين بحدث مهم وهو اكتشاف البئر رقم 7، ليحمل هذا الحدث دلالة زمانية ومكانية مهمة على التغيير والتطور، حتى إن الشركة أطلقت مسابقة لتصميم المبنى في حدث استثنائي في تاريخ أرامكو السعودية، وذلك بهدف تحفيز ما لدى الناس من طاقات في الفنون المعمارية. ولفت إلى أن فكرة تصميم المبنى جاءت على هيئة صخور متراصة تشبه الصخور التي تم اكتشاف النفط من خلالها لأول مرَّة، على أن تتدفق الثقافة من خلال هذه الصخور كما تم تدفق الزيت قبل 75 عاماً من البئر رقم 7.
وأضاف المبارك أن برامج ومبادرات المركز بدأت منذ ما قبل افتتاح المبنى. وكانت الأهداف قائمة على نشر الإبداع والثقافة والتواصل والتبادل الحضاري مع العالم. وقد استمر هذا العطاء من المركز بسقف معيَّن حتى جاءت رؤية المملكة 2030 لترفع من إنتاجية “إثراء”، وتدعم برامجه ومبادراته. وقد اعتمد “إثراء” على استراتيجيات قامت أولاً على بناء القطاع الثقافي والإبداعي، لدفع المجتمع إلى تأسيس شركات وبيوت تصميم، وثانياً إتاحة المحتوى المحلي أو الخارجي سواء بالشراكات أو عن طريق “إثراء”، وثالثاً إبراز المواهب السعودية محلياً وعالمياً.
“فن جميل”
لدعم المجتمعات الإبداعية
ومن مبادرات القطاع الخاص اللافتة التي يعوّل عليها لمستقبل المشهد الثقافي في المملكة مبادرة “فن جميل”، التي تمثلت في الجلسة بمديرتها الأستاذة زين زيدان.
توَّلت زيدان عرض مبادرة “فن جميل” التي أنشئت قبل قرابة عشر سنوات، وهي تُعنى بدعم الفنانين والمجتمعات الإبداعية. وقد تم افتتاح أول مركز للمؤسسـة في دبي في شهـر نوفمبـر 2018م، وسيتم افتتاح المركز الثاني خلال العام الحالي في مدينة جدة.
اعتمد “إثراء” على ثلاث استراتيجيات قامت على بناء القطاع الثقافي والإبداعي، ودفع المجتمع إلى تأسيس شركات وبيوت تصميم، وإتاحة المحتوى المحلي أو الخارجي سواء بالشراكات أو عن طريق إثراء، وإبراز المواهب السعودية محلياً وعالمياً
وحول مكونات هذه المؤسسة، قالت: “إنها تشغل مساحة 17 ألف متر مربع. ويتكوَّن مركزها من أربعة طوابق، ويحتوي على مساحات معارض متعدِّدة، وصالات سينما، ومطاعم ومقاهٍ واستوديوهات إنتاج، إضافة إلى ساحات عامة. وقد أقيم مركز هذه المؤسسة بالشراكة مع جهات عديدة تدعم هذه المبادرات والبرامج والتصاميم، وسيتم تدشين مراكز أخرى مشابهة في جميع مناطق المملكة مستقبلاً”.
وأضافت: “تركِّز مبادرة “فن جميل” على الحفاظ على التراث، وتطوير وتأهيل الفنَّانين ودعمهم”. وتقدِّم المؤسسة فعاليات وبرامج طوال السنة تدعم هذه المجالات، مثل برنامج حي التعليم الذي سينطلق في سبتمبر، وسيكون متاحاً لكل الفنَّانين في السعودية، وسيمتد على مدى 3 شهور، ويستضيف متحدثين عالميين ومحليين لتطوير قدرات الفنَّانين. كما تقدِّم المؤسسة عديداً من البرامج والفعاليات التراثية والفنية في “متحف فن جميل للفنون التراثية” في حي البلد في جدة.
وتطلعت زيدان إلى تعاون مثمر وبنّاء مع وزارة الثقافة، لإطلاق عديد من المبادرات الثقافية المميزة، التي تحقق الأهداف المرسومة في استراتيجية وزارة الثقافة التي أعلنت عنها مؤخراً، والأهداف التي تسعى إلى تحقيقها مبادرة “فن جميل”.
المشاركون في الجلسة
• الدكتور سعد البازعي
أستاذ آداب اللغة الإنجليزية غير المتفرغ في جامعة الملك سعود
• الدكتور محمد حسن علوان
الرئيس التنفيذي لقطاع الأدب والنشر والترجمة في وزارة الثقافة
• الدكتورة مها بنت عبدالله السنان
الباحثة في مجال تاريخ الفن والآثار
• الأستاذ عبداللطيف المبارك
رئيس مبادرة إثراء المحتوى في مركز الملك عبدالعزيز الثقافي “إثراء”
• الأستاذة زين زيدان
مديرة مبادرة “فن جميل”
• الأستاذ وليد الحارثي
مدير الجلسة
مؤسسة ثقافية لكل مليون مواطن!
أثارت كلمات المتحدثين كثيراً من مداخلات الحضور الذين كانوا في معظمهم من المعنيين عن قرب بالشأن الثقافي في المملكة ومن المطلعين على تفاصيله. وتميزت هذه المداخلات بتنوعها وإغنائها للنقاش مما ألقى الضوء على مزيد من التوجهات المستقبلية لدى وزارة الثقافة خاصة والجهات الأخرى كذلك، من خلال طرح بعض الأسئلة المهمة والمبادرات الفردية وكذلك التطرق إلى مبادرات سابقة. وكان لا بد من التذكير على سبيل المثال ببيت الحكمة والحنين إليه وكيفية دعم المبتعثين ثقافياً وأيضاً غياب الأدب السعودي من ذهن الطلاب الذين لا يعرفون عن سير الأدباء المعاصرين وغيرها من القضايا. ومن المداخلات اللافتة، تناول صاحب مبادرة أرشيف المسرح السعودي، الأستاذ علي السعيد، واقع المؤسسات الثقافية قائلاً: “إذا ما قارنا عدد السعوديين في المملكة بعدد المؤسسات الثقافية التي تبلغ قرابة 16 مؤسسة، ربعها تقريباً يقع في منطقة إدارية واحدة، نجد أن هناك مؤسسة ثقافية واحدة لكل مليون ومئتي ألف مواطن! أو مؤسسة ثقافية واحدة لكل 12 محافظة. إذاً، هناك تفاوت وتباعد وضعف من ناحية التوزيع والعدد”.
كانت الأندية الرياضية في السابق تؤدِّي دوراً ثقافياً كبيراً تمثّل في ما كانت تقدِّمه لخدمة العمل الثقافي المباشر في الأرياف والأطراف والمدن الصغيرة وحتى القرى في جميع أنحاء المملكة.. وهي تستطيع اليوم أن تؤدِّي أدواراً متنوِّعة في هذا المجال
وأشار السعيد إلى أن التحدي الأكبر أمام وزارة الثقافة يتمثل في تسكين هذه المؤسسات الثقافية في كل محافظة، وأيضاً توثيق وتسجيل الفنون الأدائية. فعقَّب الدكتور سعد البازعي على هذا الرأي بقوله: “إن المؤسسات الثقافية تنقسم إلى أنواع، منها الرسمية والخاصة و”البين بين”، كما أننا لا يجب أن نغفل دور المجالس الثقافية المنتشرة. إننا بحاجة إلى مزيد من النشاط والعمل، ومزيد من التعاون بين القطاعين الحكومي والخاص”. من ناحيته، أجاب الدكتور علوان على ملاحظة السعيد بإعلانه عن وجود مبادرة طموحة اسمها “بيوت الثقافة”، تغطي مناطق جغرافية واسعة وتؤدي دورها بفاعلية، وستكون بيوتاً للأدب والمسرح والسينما والفنون الأدائية والأنشطة الفنية. وعقب على ذلك الأستاذ سلطان البازعي بأنه سيكون هنالك حوالي 143 بيتاً، واحد في كل محافظة. وتوقع زيادة كبيرة في المراكز الثقافية في كل أرجاء المملكة. أما من ناحية حفظ التراث، فأوضح أنه يوجد قطاع في الوزارة اسمه قطاع الفنون الأدائية، من وظائفه توثيق الفنون الأدائية وإعادة إنتاجها، كذلك سيكمل بدوره ما بدأته كل من الجمعية السعودية للمحافظة على التراث ودارة الملك عبدالعزيز.
معايير حوكمة صارمة لقياس نجاح المبادرات الثقافية
ولكي لا تكون هذه المبادرات مجرد فقاعات إعلامية، تساءل الكاتب سعيد الوهابي من “مجموعة أغوار للأبحاث” عما إذا كان هنالك استسهال في إطلاق المبادرات الثقافية بغرض حصد الأضواء على المستوى الإداري، وكيف يتم قياس نجاح هذه المبادرات؟ فأجابه علوان بأنه توجد ثلاث قنوات لوصول المبادرات إلى الوزارة، أولاها: المبادرات التي تأتي من برامج الرؤية، والتي فيها جهاز حوكمة قوي ومعايير أداء صارمة بحكم ارتباطها بالجهات العليا، وهي تتابع تنفيذها وتطويرها، ثانيها: المبادرات التي يتم تطويرها في الوزارة، وبدأ بعضها يرى النور، والثالثة منوطة بالهيئات والمؤسسات التي تم تأسيسها، وهي تقوم بتطويرها داخل كل هيئة، وتوجد شروط لإطلاقها ودعمها وتطويرها، منها أن تكون متوافقة مع توجهات الرؤية ومعايير الوزارة واستراتيجيتها وأن تحقق أثراً. لكن ليس كل فكرة ترى النور بالضرورة، فبعض الأفكار تواجه عقبات ويتم تأجيلها، أو دمجها أو إحالتها إلى جهة أخرى”.
دور ثقافي غائب لأندية الرياضة
ومن الملاحظات اللافتة للانتباه، ما أشار إليه الأديب والكاتب محمد بن عبدالرزاق القشعمي عن موضوع الدور الثقافي الكبير الذي كانت تؤديه الأندية الرياضية في السابق، وما كانت تقدِّمه لخدمة العمل الثقافي في الأرياف والأطراف والمدن الصغيرة. وتساءل عن دورها اليوم وما يجب عمله لتفعيل دورها الثقافي المفقود. فأبدى علوان ترحيبه بهذه الفكرة، متمنياً أن تتجاوز الأندية الرياضية الدور الرياضي لتمتد إلى الجانب الثقافي، وأن تُستغل الشعبية الجارفة التي تمتلكها هذه الأندية لخلق نشاط ثقافي وتوعوي. غير أن هذا الأمر يعتمد على مدى حماسة الأندية الرياضية لذلك.
مبادرة “نور للثقافة والفنون”
تبنـت الشركـة السعوديـة للكهربـاء مؤخراً مهرجان “نور للثقافة والفنون” الذي استقطب أسماء كبيرة من نجوم الثقافة والفن بالمملكة والوطن العربي.
وتسعى الشركة دائماً إلى مواكبة رؤية المملكة 2030، ليس على مستوى الطاقة وحسب، بل أيضاً على مستوى الثقافة التي حرصت الرؤية على تعزيزها والنهوض بإرث المملكة المتنوع وثقافته، نظراً لأهميته في الارتقاء بنوعية الحياة ودوره في دعم الاقتصاد الوطني المستقبلي.
وقد حقق “مهرجان نور للثقافة والفنون” نجاحاً أسهم في رفد النتاج الفكري والأدبي والإبداعي. وشارك فيه إلى جانب نخبة من عالم الثقافة والفن، مجموعة مبدعين من الشابات والشباب السعودي، أدهشوا الجميع بما قدموه في مختلف المجالات، من إخراج وتصوير وكتابة سينمائية وموسيقى وأدب وشعر ورسم.حمود الغبيني
نائب الرئيس الأول للاتصال والعلاقات العامة في الشركة السعودية للكهرباء
وزارة التعليم شريك أساسي
وتساءلت الأستاذة لمياء عبدالرحمن، من إدارة تعليم الرياض عن دور وزارة التعليم والمدرسة في إطلاق مبادرات ثقافية حالياً ومستقبلاً. فأجاب المبارك أن وزارة التعليم هي أحد الشركاء الأساسيين لإثراء، وقال: “بدأنا أولاً ببرامج مرتبطة بالقراءة، كمسابقة “أقرأ” الوطنية التي تهدف إلى إثراء ما يقارب مليوني شاب وشابة، ومن ثم مبادرات الحد الجنوبي التي أطلقها وزير الطاقة كبرنامج “أكتشف” لتطوير المهارات الطلابية فيها.
الثقافة بين عصرين
من جهته، أشاد نائب المشرف العام على مكتبة الملك عبدالعزيز العامة بالرياض الدكتور عبدالكريم الزيد بالثراء المعرفي وخبرات من شارك وناقش في الجلسة التي اشتملت على المتعة والعلم معاً. وقال بأننا نقف على مفترق طرق، بين عصرين: العصر الأول، لم يكن فيه للثقافة بالمملكة مظلة قوية وإن تعددت الجهات التي أشرفت عليها وكَثُرت المبادرات الفردية، وعصر المستقبل، ونحن الآن نقف أمام وزارة طموحة بمبادراتها وبرامجها، وبروَّاد العمل الثقافي الذين ينتسبون لها، ونريد أن نطمئن كمجتمع سعودي على مستقبل ثقافتنا، وأنه يسير نحو الازدهار، وتحقيق تطلعات المجتمع، والمثقف، وأيضاً المواطن العادي، مذكِّراً أن مكتبة الملك عبدالعزيز العامة لديها مبادرات ثقافية كثيرة قدَّمتها على مدى 3 عقود، ومن أبرزها تعزيز حضور الكتاب وتعزيز القراءة في المجتمع.
توصيات الجلسة
وفي ختام الجلسة قدَّم المشاركون مجموعة من التوصيات، التي كان أبرزها: ضرورة تنظيم العلاقة بين الفرد المثقف والمؤسسات الثقافية بما يكفل عدم المساس بحرية الفرد وأيضاً عدم الانفلات على القيم والتعليمات التي تنظم من خلالها المؤسسة الثقافية العمل الثقافي، وأن تتخذ المؤسسات الثقافية دور الداعم والمشجّع للمثقفين الأفراد ولمبادراتهم الثقافية دون مصادرة آرائهم، كما أوصى المشاركون أيضاً بأن تعمل وزارة الثقافة على تنفيذ رؤيتها واستراتيجيتها الثقافية بما يكفل محو الصورة السابقة الباعثة على التشاؤم للمشهد الثقافي، وذلك بتفعيل دور الهيئات والقطاعات الثقافية المستحدثة، التي تخدم شتى حقول الثقافة من أدب ونشر وترجمة وتأليف ومعارض كتب وبيوت للثقافة وخلافه، ولم يغفل المشاركون دور الفن والفنَّانين، إذ أوصوا بأهمية دعم الفنَّان، والارتقاء به في أعلى سلُّم الدرجات المهنية، ومحاولة التغلب على الضعف البارز في مستوى الإنتاج الفني، الذي نتج عن أسباب اجتماعية أدت إلى تغييب الفن زمناً طويلاً.
ومن التوصيات التي خرج بها المتحدثون في الجلسة ضرورة دعم المجالس والصالونات الثقافية، والحرص على أن تكون شاملة لكل مجالات الثقافة، وإخضاع المبادرات الثقافية لمعايير حوكمة صارمة لقياس مدى نجاحها، وضرورة دعم الشراكات والاتفاقات بين الجهات الحكومية والقطاع الخاص التي تتبنى مبادرات ثقافية كالأندية الرياضية ووزارة التعليم والشركات الكبرى كأرامكو السعودية وسابك والمبادرات الخاصة كمجتمع جميل وغيرها.
تصوير: فتحي العيسى
لمشاهدة الجلسة:
https://www.youtube.com/playlist?list=PLb648yTcGmWzKM59Is8Du6PQOEUEUcRwI
اترك تعليقاً