مجلة ثقافية منوعة تصدر كل شهرين
نوفمبر – ديسمبر | 2024

الكتابة بالمونتاج


تأليف: عبدالمحسن المطيري
الناشر: دار جسور الثقافة، 2024م


لم تكن عملية المونتاج قد وُلدت بالتزامن مع ولادة السينما على يد الأخوين لوميير في نهايات القرن التاسع عشر، حيث كانت بواكير الأعمال السينمائية البدائية تُصوَّر بلقطة واحدة طويلة دون عملية قطع أو تحرير بين المَشاهد. ولم تُكتشف القدرة الفنية الإبداعية للمونتاج وتأثيرها الفني على خلق قصة الفيلم وعلى تلقي المُشاهد لها إلا بعد ست سنوات من ولادة أول فيلم للأخوين لوميير، وبالتحديد في فيلم “حريق!” (Fire!) عام 1901م. وبالتالي يُعتبر المونتاج عملية كتابة بصرية للفيلم، كما يؤكد ذلك المُخرج السعودي عبدالمحسن المطيري في كتابه “الكتابة بالمونتاج”.

يُمكن تعريف المونتاج تقنيًا بأنه عملية تحرير المَشاهد المصورة وتنسيقها ضمن سياق تتابع زمني مدروس بهدف خلق قصة معينة تبعث مشاعر محددة عند المتلقي. ولكن هذا الكتاب يُشير إلى أنه “لا يوجد قانون فيزيائي ثابت في المونتاج”، و”لا يمكن تعريف نمط المونتاج بخطٍ معين أو في مدرسة واحدة بعينها”؛ نظرًا لتشعب المفاهيم والرؤى ضمن سياق التطور التاريخي لصناعة السينما بشكل عام وعملية المونتاج بشكل خاص. لذلك يركّز المؤلف على التفاصيل المفاهيمية والفكرية للمونتاج مبتعدًا عن تفاصيله التقنية.

صدر الكتاب مؤخرًا عن دار جسور الثقافة بالتعاون مع جمعية السينما، ضمن إصدارات الموسوعة السعودية للسينما وعلى هامش النسخة العاشرة من مهرجان أفلام السعودية. وهو يتناول مفهوم المونتاج في عدة محاور وأبواب يستهلها بالحديث عن تاريخ ولادة المونتاج في السينما، وكيف نما وتطور من ناحية المفهوم والتطبيق في سياق التطور التاريخي العام للسينما. كما يناقش أنواع المونتاج مشيرًا إلى أنه يُقسَّم فنيًا إلى نوعين: الفيلمي والرقمي، ومنهما تتفرع أنواع عديدة يركز الكتاب على خمسة أنواع مهمة منها، وهي: المونتاج التثقيفي “المفاهيمي”، والمونتاج التناغمي، والمونتاج الإيقاعي، والمونتاج المتري “المترابط”، والمونتاج المُدمج “العلني”.

سيرجي آيزنشتاين 1823-1852، مُخرج روسي يعتبره المتخصصون “أبو المونتاج”

ويستفيض الكتاب في الحديث عن المونتاج وأهميته موضحًا مدى تأثيره على السيناريو أثناء عملية التحرير، ومُستعرضًا الخلاف الأكاديمي الشهير حول ولادة الفيلم، وعمّا إذا كانت تبدأ فعلًا من السيناريو والنص أم في غرفة المونتاج. ثم يستعرض مراحل تطور السينما ما بين الأفلام الكلاسيكية والأفلام الحديثة، مبينًا كيف يتأثر “المونتير”، الذي يقوم بعملية المونتاج، بأفلام سابقة أثناء عمله في تحرير الفيلم. ولا يغفل الكاتب عن التطرق إلى الحديث عن أهمية قراءة الأفلام والمونتاج من زاوية البروباغندا والتحريض الإعلامي والتأثير الاجتماعي، بالإضافة إلى تسليطه الضوء على المونتاج في أفلام الرسوم المتحركة والأفلام الوثائقية والروائية.

يُختتم الكتاب بعرض سلسلة من أهم أفلام السينما من ناحية المونتاج، والتي لعب فيها التحرير دورًا رائدًا ومهمًا في فتح آفاق جديدة في مسيرة تطور السينما، مثل: الفيلم السوفيتي “المدرعة بوتمكين”، والفيلم الأمريكي “ولادة أمة”، والفيلم الشهير “مختل” للمُخرج الإنجليزي ألفريد هيتشكوك، وغيرها.


مقالات ذات صلة

تأليف: بول تايلر ترجمة: سلمى الحافي الناشر: الساقي، 2025م على غلاف النسخة الإنجليزية من هذا الكتاب، سيشاهد القارئ هيكلًا عظميًّا متمددًا على أريكة مريحة يُتابِع التليفزيون، وبيده ما يبدو أنه هاتفه المحمول، ومن حوله تتناثَرُ وجبات الطعام السريعة. ويشكل هذا، باختصار، المعنى العام للمضمون، الذي أراد أن ينقله مؤلِّف هذا العمل خبير التغذية والباحث في […]

تأليف: جوزويه باجيو ترجمة: عبدالفتاح عبدالله الناشر: هنداوي، 2024م اللُّغويات العصبية، كما نقرأ في مقدمة هذا الكتاب، هي “دراسة الأساسات العصبية للغات البشرية”، وهي ترتبط بشبكات الخلايا العصبية في المخ، والطرائق التي تتفاعَلُ بها، بما يسمح للبشر بالتعلُّم والتمكُّن من لغة أو أخرى. وهي نتيجة لتلاقي علم الأعصاب وعلم اللغة، لكن يدخل في نِطاق عملها […]

تأليف: جمال غالي الحميد الناشر: رشم، 2024م يؤكد هذا الكتاب أن القصة القصيرة جدًّا في الأدب السعودي تجاوزت مرحلة التجارب إلى مرحلة النُّضج، ثم إلى مرحلة التجديد، وأصبح لها كُتَّابها المتمكنون من أدواتها، وصار لها كذلك جمهور من المتلقين الواعين بخصوصيات هذا الفن السردي الحديث، مقارنةً بأنواع الكتابة الإبداعية المطوَّلة. يقول المؤلف الباحث جمال غالي […]


0 تعليقات على “الكتابة بالمونتاج”


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *