تأليف: قيس الزبيدي
الناشر: المدى، 2023م
يضم كتاب “الفيلم التسجيلي والفيلم الروائي.. دراسات في البنية”، مجموعة من الفصول توزّعت على جزأين. انشغل الجزء الأول بالفِلم التسجيلي من حيث تطوره كمفهوم، وناقش إشكالية الفن في ارتباطه بالواقع، والعلاقة الجدلية بين العين والأذن؛ أي بين الصورة والصوت في صناعة هذا النمط الفِلمي، ومدى استخدام الخيال في حبكته. أمَّا الجزء الثاني، فاهتم بالفِلم الروائي، فبحث في بنيته السردية وتقنيات المونتاج الخاصة به وعلاقتها بالنص السينمائي الأدبي، وآليات معالجة الزمن في السينما، وقدَّم تعريفات خاصة بمصطلح اللغة السينمائية، واستعرض جوانب من نظرية السينما المعاصرة.
الكتاب من تأليف مخرج الأفلام التسجيلية والباحث العراقي، قيس الزبيدي، الذي سعى فيه إلى تقديم صورة شاملة عن نمطين يعدان الأبرز بين أنواع الأفلام: نمط يتأسّس على الواقع بكافة مفرداته وهو الفِلم التسجيلي، ونمط آخر هو الفِلم الروائي الذي ينبع من الخيال وتُنسج حبكته بالاستناد إليه، حتى لو تداخلت العناصر الواقعية فيه بشكل وثيق لإنتاج معنى محدد يرتبط بالزمن الراهن.
ويوضح الزبيدي أن فكرة الفِلم التسجيلي قديمة قِدم السينما نفسها، التي بدأت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وهو فِلم يركّز على ما هو موضوعي وحيوي أمام الكاميرا ليؤكّد إحساس مشاهده به، وهو “يُنقّب في عالم حقيقي ويبحث عن أحداث وقضايا واقعية وصراعات وعوالم ومشاعر حقيقية، دون أي شيء من نسج الخيال”. وترتبط الأفلام التسجيلية بموضوعها الرئيس، ويتمثل هدفها في “التمسك بالنزاهة في تصوير أحداثها”، وذلك لأن “المصداقية هي جانبها الأهم”. ويشير إلى أن ثمة اتجاهين في الفِلم التسجيلي: نثري وآخر شعري. ينصرف النثري بالدرجة الأولى إلى وصف الحياة كما هي، ويهتم الشعري بـ”تحريف صور الحياة، لكن من أجل فهمها”.
وسعى المؤلف إلى استقصاء مسار الفِلم التسجيلي العربي، وأكد أن السينمائيين العرب بدؤوا في أوائل السبعينيات من القرن الماضي بحثهم عن سينما بديلة، واهتموا بالسينما التسجيلية ورغبوا في إرساء تقاليد جديدة لها في السياق العربي. لكن، وفقًا له، عانى هذا الاهتمام القصور أو غياب النظرة المنهجية الواعية في فهم الفِلم التسجيلي الذي يريدون؛ لهذا بدت المطالبة بسينما تسجيلية عربية تقتدي بتقاليد روّادها في العالم، كما لو كانت دعوة معادية للسينما الروائية العربية ولمخرجيها البارزين. وعلى هذا الأساس، دعا الكاتب إلى ضرورة أن تخضع أي دراسة نظرية راهنة عن السينما التسجيلية العربية لمنهج واضح ينظر إلى طبيعتها، ويفهم ماضيها وحاضرها؛ ليكتشف حدود تطورها وآفاقها.
أمَّا ما يخص السينما الروائية، فقد حرص الزبيدي على أن يتناولها في كتابه بتفكيك عناصرها، والتعامل مع كل عنصر بشكل مستقل من حيث التعريف وشرح التقنيات في مرحلة أولى، ثم تقديم صورة متكاملة عن الكيفية التي تتضافر بها كافة هذه العناصر من أجل إنتاج الفِلم الروائي في شكله النهائي. وهكذا، يشرح بالتفصيل مداخل كتابة النص الأدبي وفهمه من قبل كاتب السيناريو، ومراحل كتابة نص التصوير التي يقوم بها المخرج. ويستعرض تعريفات لمصطلحات سينمائية، مثل: اللقطة والمشهد والحبكة والمؤثرات الفنية والإيقاع الزمني واللغة والحوار. إضافة إلى تقنيات المونتاج، مثل التقطيع والتركيب، التي تُستخدم لإعادة بناء مضمون اللقطة وربطها مع اللقطات الأخرى.
اترك تعليقاً