الفيزياء الزائفة.. حكاية الخيال المتنكر في هيئة حقائق علمية
تأليف: أندرو ماي
ترجمة: محمد الصفتي
الناشر: دار دوِّن، 2024م
يتوافق هذا الكتاب مع شغف مؤلفه الكاتب والعالم البريطاني أندرو ماي، بالتوقف عند ما يسميه “الحدود المائعة” بين موضوعات ليس من المعتاد أن تُذكر في السياق نفسه، وهو ما دفعه إلى تأليف كتابين مثله صدرا قبله، في سلسلة “العلم والخيال” عن دار نشر “سبرينجر”. الأول بعنوان “العلم الزائف والخيال العلمي”، وفيه رصد العلاقة بين أدب الخيال العلمي والكتابات المنسوبة إلى العلم زيفًا، التي تناقش موضوعات مثل الأجسام الطائرة، وفكرة التخاطُر؛ والثاني بعنوان “صواريخ وبنادق إشعاعية.. علم الخيال العلمي في حقبة الحرب الباردة”، وفيه حلَّل التقاطع بين كتابات الخيال العلمي والعلوم الحقيقية في فترة الصراع بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي السابق وحلفائهما، التي استمرت حتى أوائل التسعينيات من القرن الماضي. أمَّا في هذا العمل، فهو يناقش مفهوم الفيزياء المزيفة، وهو مصطلح يشمل قدرًا كبيرًا ومتنوعًا من الموضوعات التي شكِّلت مضمونه، وتدور حول ما عدَّه المؤلف “خيالًا متنكرًا في هيئة حقائق علمية”، ويعني الطرائق المختلفة التي تُستخدم لتحريف جوانب منهجية من العلم من أجل صياغة “فرضيات زائفة” تنتمي إلى الخيال العلمي البحت.
والكتاب، على الرغم من تناوله موضوعًا شديد التخصص، جاء بلغة سهلة الاستيعاب لدى الجمهور العام، خاصة أنه اعتمد على سرد أقرب إلى القصِّ منه إلى الكتابة العلمية. وهكذا يتعرف القرَّاء على ضروب من حكايات خيالية جرى التعامل معها بوصفها حقائق علمية، مثلما فعل أشهر أدباء الخيال العلمي الكاتب إسحاق أزيموف، حين كتب عن مادة خيالية، هي “الثيوتيمولين”، بوصفها مادة حقيقية قابلة للدراسة العلمية، ونشر ذلك في ورقة بحثية، بدلًا من صياغتها في قصة قصيرة، محاولًا إقناع متلقيه بأن ما يكتبه حقائق واقعية.
كذلك يبحث أندرو ماي، في بعض الفرضيات الخيالية المستندة إلى العلم، التي تبدو مُقنِعة في منطقها، حتى إنه يصير من الصعب جدًّا إثبات أنها خاطئة، مثل نظرية “الجاذبية المضادة” التي استخدمها الروائي الأمريكي جيمس بليش، تأسيسًا على جهود علماء فيزياء العالم الواقعي من المعاصرين له، كما فعل في رواية “المدن الطائرة”، وفيها ابتكر جهازًا مضادًّا للجاذبية بوسعه أن يرفع مدنًا برمَّتها. ومن ضمن الموضوعات التي يناقشها هذا الكتاب، ما سمَّاه المؤلف “فن الثرثرة التكنولوجية”، ويقصد به محاولات كُتَّاب الخيال العلمي خلق جو زائف من المصداقية على ما يكتبون عبر الاستخدام غير المبرَّر لمفاهيم ومصطلحات تبدو علمية، من دون الانشغال كثيرًا بمعناها لتجنّب تكذيب القرَّاء لهم؛ أي إنهم يحاولون الكتابة بطريقة علمية، لكنهم حين يفعلون لا ينجحون، عمومًا، في محاكاة لغة العلوم الفيزيائية الحقيقية وهي الرياضيات. وأيضًا يهتم هذا العمل برصد كثير من موضوعات “الفيزياء المزيفة”، التي حظي بعضها بتغطية إعلامية كبيرة، والتي تعمد مؤلفوها المحاكاة الساخرة للواقع العلمي. هذه الموضوعات نُشرت في مجلات تقنية جادة، أو في بعض المنصات الإلكترونية مثل منصة “arXiv”، لحفظ الأوراق العلمية قبل طباعتها.
اترك تعليقاً