في عددها لشهر جمادى الآخرة 1402هـ (أبريل 1982م)، نشرت قافلة الزيت استطلاعاً تصدَّر غلافها حول “الفنون الشعبية في المنطقة الشرقية” بقلم أحمد المحيطيب. وتضمَّن الاستطلاع جولة على أربعة من ألوان الغناء الشعبي في المنطقة ومناسباتها وطرق تأديتها، إضافة إلى عيّنات من كلمات بعض أشهر الأغنيات والأناشيد والمواويل الشعبية، ونقتطف منه هنا بعض ما جاء فيه:
الفنون الشعبية لأي شعب كان هي محاكاة لما يدور في مشاعره وأحاسيسه من قيم مكتسبة من البيئة، معبِّرة عن ثقافة ذلك الشعب وتقاليده.
ونحن حينما نتحدَّث عن الفنون الشعبية في المنطقة الشرقية فإننا في الواقع نتناول الفنون الشعبية في دول الخليج العربي عموماً التي تشكِّل في مجموعها منطقة ذات عادات وتقاليد وأعراف متشابهة. وإذا كانت هناك وجوه اختلاف فإنها لا تعدو أن تكون في بعض الملامح والقسمات.
فالمنطقة الشرقية بإطلالها على الخليج العربي كان من الطبيعي أن تشارك بلدان الخليج في خصائص البيئة البحرية، حيث كان للبحر دور مهم في تكييف حياة الناس أخذاً وعطاءً، فأضفى بعض الملامح على طباع وأمزجة وتفكير وأخلاق أبنائها، كما كان للزراعة دور مماثل في كل من الأحساء والقطيف.
ولقد كان لمجاورة بعض بلدان الخليج لبعض الأقاليم كإيران والهند، والتنقل بين تلك البلدان، وحركة تجارة اللؤلؤ، ووفود أعداد كبيرة من إفريقيا والنوبة وزنجبار، كان لها جميعاً أثر في امتزاج الثقافة الشعبية في منطقة الخليج بألوان شعبية مختلفة، ولعلنا نلحظ كثيراً من الكلمات المستخدمة التي ترجع إلى أصول أجنبية. كما أن فن الطنبورة وفن الليوة يرجع أصلهما إلى إفريقيا. وكذلك بعض الآلات الموسيقية الشعبية كالمنجور والصرناي.
الأغنية الشعبية
للأغنية الشعبية أهمية بارزة في المرددات الشعبية (الفلكلور)، وهي إبداع تقليدي يمتاز ببساطة تكوينه وسهولة أدائه، يستطيع أي فرد أو مجموعة من الأفراد أن يؤديه أو يشارك في أدائه. وقد كان لارتباطها بالمناسبات العامة والخاصة ومسايرتها لتطور حياة الفرد في المجتمع الشعبي أكبر الأثر في بقائها وانتشارها.
والأغنية الشعبية يبدعها فرد باعتباره عضواً في جماعة، وليس بالشرط أن يكون مؤلفها مجهولاً كما يقول بعض الباحثين، كما أنها تتعرَّض للتعديل على ألسنة أجيال عديدة متتالية.
وهي متنفس للعواطف المكبوتة، وغالباً ما تقوم بالتعبير عن السعادة بتحقق مطلب، أو المعاناة من اللوعة والحرمان أو الأمل، كما أنها تعين على التخفيف من مشقة العمل اليومي وتساعد على إنجازه.
أنواع الغناء الشعبي
تنوَّعت الأغاني الشعبية، بحيث شملت نواحي مختلفة نجملها كالتالي:
• أغاني العمل البحري.
• أغاني السمر والطرب البحري.
• أغاني المناسبات.
• أغاني الأعمال اليومية.
رحلة العمل البحري
في فصل الصيف من كل عام تنطلق رحلة الغوص للبحث عن اللؤلؤ في أعماق البحر وتستمر لمدة أربعة أشهر وعشرة أيام، وهي الفترة الأساسية للغوص العام. وهناك فترة قصيرة لمدة شهر تقريباً تسبق فترة الغوص العام تسمى غوص “الخانكيّة” وتكون عند انقضاء الشتاء، حيث يكون البحر بارداً تقريباً، وليس كل غواص يدخل البحر في هذه الفترة. كما أن هناك فترة ثالثة ليست أيضاً رئيسة لمدة شهر وتكون لاحقة لفترة الغوص العام أثناء دخول الشتاء وتسمى غوص “الرّده”.
التسقام
قبل دخول البحر يجتمع الغواصون في منزل النوخذة لإعطائهم سلفة ليقوم الغواص بتموين منزله بما يلزم من مأكل ومَلبَسْ أثناء غيابه في البحر على أن يسدِّدها من محصول اللؤلؤ وتسمى هذه العملية “تسقام”.
الهباب
حين يبدأ التأهب لرحلة الغوص يتم تنظيف السفينة من خارجها وتدهن “بالودك” المخلوط “بالنورة” ثم تطبّع السفينة، أي تنزل في الماء وهذه العملية تسمى “الهباب”. وخلالها تنشد الأهازيج التي تسمى أغاني الهباب.
بعد تجهيز السفينة بالمؤن، وآلات السمر من طبول وطارات، وبعض الأدوية، يتم الإبحار في الموعد المحدَّد، وينطلقون في البحر مع انسياب الأنغام.
ومع انطلاقهم تبدأ الخطفة أي رفع الشراع وينشدون مجموعة من الأغاني حتى يصلوا إلى مكان اللؤلؤ المسمى “الهير”. وحينما يتم التأكد من وجود المحار تلقى المرساة في القاع، كما ينزل الشراع ويبدأ الغوص وينزل الغواص إلى قاع البحر حاملاً “الديين” وهي السلة التي يجمع فيها المحار، واضعاً “الفطام” ليساعده على التنفس، ويعلق في رجله للنزول بسرعة، ممسكاً بطرف حبل يكون وسيلة اتصاله “بالسيب” الذي يكون جالساً بطرف السفينة، فإذا ما أراد الغواص الخروج حرَّك الحبل ويقولون في هذا “نبر الغواص”، فيساعده السيّب على الخروج بأن يسحبه.
ويمكث الغواص تحت الماء ثلاث دقائق، وعندما ينزل إلى القاع ينزع الفطام، ويتخلص من الحصاة التي ساعدته على النزول، وأثناء خروجه بالمحار تنشد الأغاني الحماسية الباعثة على الجد وتشجيع الغواص على مواصلة عمله.
وحينما يريد النوخذة أن ينتقل إلى مكان آخر يكون المحار فيه أكثر يقول: “يا عيال فوق” فيسحب الحبل المثبت بالسفينة ويسمّى “الخراب” ويغني “الدواري”.
وهكذا تمضي الأيام وتنتهي المدة المقرَّرة للغوص ويقفلون عائدين. وتسمى العودة “قفّال” وحين يقتربون من البلد يطرحون الشراع وينشدون العرضة بينما يصطف الشيوخ والنساء والأطفال على “السيف” كل ينتظر الابن أو الزوج أو الأب وهم ينشدون ويغنون.
فنون غناء العمل البحري
ليس من شك في أن أغنية العمل لها أثر كبير في التخفيف من عناء العمل ومشقته. وربما كانت عاملاً مساعداً لبعث النشاط. ولقد كان للبحر دور مهم في حياة أبناء المنطقة فصاغوا له الأغاني التي صوّرت لنا معاناتهم، فهم متوكلون على الله يسألونه التوفيق والسلامة، بينما نرى البعض وقد أضناه فراق الحبيب، والبعض الآخر يعيش على الأمل. وهذه بعض الفنون التي كانت تؤدى أثناء رحلة العمل البحري.
البريخة: وهي عملية سحب الحبل المثبت للسفينة واسمه “الخراب” على ثلاثة وجوه:
“دوّاري” بأن يدورون بالحبل من صدر السفينة إلى “تفرها” حول “الدقل” بأن يأتوا به من الأمام إلى الخلف.
“على الصدر” يجرّون الحبل من الأمام على صدورهم.
“جلاسي” حينما يكون الهواء “تارس” أي أثناء اشتداد الريح بأن يسحبوا الحبل وهم جلوس. وغناء الدوّاري ويسمى البرخ الدواري أحياناً نسبة لهذه العملية هو أحد الفنون التي اشتهرت في رحلة العمل البحري إذ ينهم النهام ويقول:
يا الله بدينا… يا الله صباحية مباركة
كما يتغنى بأغانٍ كثيرة والبقية يرددون اللازمة المعروفة “حيّ” أو “هيّ”.
النهمة: وهناك نهمة أثناء خطفة الشراع واسمها “خطفة البسّة”، وهناك نهمة أثناء خطفة الجيب ونهمة أثناء خروج الغواصين وهم يحملون المحار. ومما يغنى أثناء خطفة الشراع هذه المقطوعة: “سرنا اتكلنا على الله… ربي عليك اتكالي… سالي بالقلب سالي”.
الموّال: نشأ الموّال في العراق وانتشر حتى بات من أبرز ألوان الغناء الشعبي، ولمواتاته للغناء البحري فقد اشتهر في المنطقة، وأصبح ركيزة الغناء البحري إذ نظم شعراء المنطقة المواويل ليتغنى بها أثناء رحلة العمل البحري وفي مجالس الطرب.
وأكثر المواويل انتشاراً في المنطقة، الموال الزهيري، نسبة ملّا جاد الزهيري مؤسس هذا الفن، حيث يكون سباعياً وتتفق الأشطر التالية في قافية أخرى ثم يختم الشطر السابع بالقافية نفسها الشطر الأول.
فن الفجري
الفجري أحد الفنون البحرية الجماعية المشهورة. وينقسم إلى عدة أشكال هي:
الفجري البحري، الحدادي، الحساوي المخلوفي أو المخلوف، الحجازي، العدساني، وجميعها تقوم غالباً على الموال الزهيري، وتستخدم معها الطبول والطارات والمراويس، وتؤدى جلوساً ووقوفاً وتختلف عن بعضها من حيث الألحان والإيقاعات.
فن السامري
السامري هو أحد فنون اللعبونيات التي تُنسب إلى الشاعر “محمد بن لعبون” رائد هذه الفنون. والسامري مشتق من السمر، وهو الحديث في الليل أو إلى السامر وهو مجلس المتسامرين. ويُعدُّ السامري من أروع ما يغنّى في مجالس السمر والطرب، وتدور مواضيعه حول الغزل والشكوى والعتاب والحنين، ويغنِّي مع استخدام طبلين وعدد من الطارات ويؤدى جلوساً.
فن الخمّاري
والخمّاري من الفنون المشهورة في المنطقة وهو أيضاً أحد فنون اللعبونيات إذ يقوم على التغزل بالمحبوبة، وقد سمّي بهذا الاسم لأنه يخامر العقول أثناء غنائه. ويغنّي هذا الفن الرجال والنساء، ويستخدم معه طبلات وعدد من الطارات. وله رقصة خاصة لدى النساء توافق الحركة الإيقاعيّة للطارات، حيث تميل المرأة يمنة ويسرة وإلى الأمام والخلف ممسكة بطرف ثوبها مرَّة من جهة اليمين وأخرى من جهة اليسار.
فن اللعبوني
وهو الفن الثالث من فنون اللعبونيات إذ يكون موضوعه الغزل العذري. وهو فن له طابعه الخاص الذي يميِّزه عن الفنون الأخرى في اللحن والأداء. ومجمل القول فإن فنون اللعبونيات قريبة التشابه، ويُعدُّ ابن لعبون هو الذي أرسى دعائمها وكان له الفضل في انتشارها واشتهارها في منطقة الخليج العربي عموماً.
اترك تعليقاً