الغابات الحضرية
لمواجهة التغير المناخي وتلطيف أجواء المدن
مع اكتظاظ المراكز الحضرية في المملكة كما في معظم دول العالم، وما يصحبه من تداعيات ظاهرة التغير المناخي، أصبح لزامًا أخذ الإجراءات الاحترازية بهدف الحد من تعاظم الآثار السلبية لذلك على حياة السكان في هذه المدن. وتمثّلت أبرز هذه الإجراءات على مستوى المملكة بـمبادرتي “السعودية الخضراء” و”الشرق الأوسط الأخضر”، اللتين أعلن عنهما سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في 2021م، ومن أركانهما الغابات الحضرية والأحزمة الخضراء حول المدن، التي تتضمن زراعة 50 مليار شجرة من ضمنها 10 مليارات في المملكة. فما هي الغابات الحضرية؟ كيف تعمل؟ وما هو المتوخى منها؟
إيمان أمان، ونظمي الخميس
إن السبب الرئيس في التحضّر وزيادة السكان في المدن هو المستوى العالي لأنشطة التصنيع والتجارة، حيث مصادر الرزق والخدمات عالية الجودة. والمفاضلة بين الحد من التركز السكاني في المدن لسلبياته من جهة والتحضّر من جهة أخرى تميل غالبًا نحو الحياة فيها. ويؤدي التركّز الحاد إلى جعل المدن أكثر ازدحامًا وتلوثًا وأقل قابلية للحياة. وهناك مفاضلة أخرى تواجهها الحكومات بين “أنسنة” خدمات النظام البيئي وتكاليفه. وهنا تبرز الغابات الحضرية في المدن كإحدى الوسائل الفعّالة في تحسين جودة الحياة فيها.
ظاهرة الجزر الحرارية الحضرية
إن المستوى المرتفع لدرجات حرارة المراكز الحضرية مدفوع بتضافر ظاهرتين مختلفتين، إحداهما تعمل على مستوى كوكب الأرض وهي التغير المناخي، والأخرى تعمل على النطاق المحلي في المدن وهي ظاهرة الجزر الحرارية الحضرية. وهذه الجزر هي أماكن داخل المدن أسخن من المناطق المجاورة لها، ويزداد الشعور بسخونتها خلال أشهر الصيف على وجه الخصوص. ويمكن أن يتراوح هذا الفرق الملحوظ بين درجة واحدة وثلاث درجات مئوية خلال النهار، ويزداد في الليل ليصبح بين ثلاث وسبع درجات مئوية.
أما العوامل الأساسية التي تزيد من مستوى حدة درجة الحرارة في المناطق الحضرية فهي:
- الألبيدو يشير “الألبيدو”، أو الوضاءة، إلى النسبة المئوية من ضوء الشمس المنعكس على السطح. وانخفاضه يعني أن السطح يمتص المزيد من ضوء الشمس، وبالتالي يسخن ويتأخر في عكسه. وتتميز طرق المدن وأرصفة المشاة والمباني ومواقف السيارات بأنها منخفضة الألبيدو. وانتشار مثل هذه الأسطح يشكل عاملًا بارزًا في ارتفاع درجة الحرارة، وخصوصًا أثناء الليل. وتراكم المباني بدوره يختزن كمية كبيرة من الحرارة على مدار اليوم من الطاقة الشمسية خلال النهار. وفي الليل، رغم انخفاض درجة الحرارة، إلا أن المباني تتباطأ في إطلاق ما تختزنه منها بنفس السرعة التي امتصتها بها.
إضافة إلى ذلك، قد تؤدي أنماط ومواد البناء في المناطق الحضرية إلى تشكيل بنيوي يعيق قدرات التبريد بالحمل الحراري للرياح، ويمنع التبريد الليلي. فعندما يتم استبدال المساحات المفتوحة بشكل قاطع بالحجارة والأرصفة والأرضيات الخرسانية، ويُحتجز الإشعاع الشمسي المحاصر في “الأخاديد” بين المباني وفي الشوارع، تزداد سخونة الأسطح ذات الألبيدو المنخفض.
- انخفاض نسبة المساحات الخضراء: يقلل استبدال الأشجار بالمباني أو الخرسانة من تأثير التبريد الطبيعي. فإزاحة الغطاء النباتي بواسطة مواد البناء الخاصة بالتنمية الحضرية يزيد من كمية الطاقة الحرارية التي تمتصها الشمس وتُختزن في الأسطح ذات الألبيدو المنخفض. كما أن انخفاض الغطاء النباتي يعني انخفاض التبريد التبخيري؛ إذ إن النباتات تساعد من خلال عملية التبخر على تبريد الهواء المحيط.
- الكثافة السكانية: المدينة أحرّ من القرى بسبب المستوى العالي لكثافة استهلاك الطاقة. وقد تُقاس “الطاقة المفقودة” بـ “الحرارة المهدرة”، مثل الحرارة المنبعثة من النشاط الصناعي في المدن أو نتيجة استخدام أجهزة التكييف. وتشق الحرارة المهدرة طريقها في النهاية إلى الغلاف الجوي حيث تُضاف إلى حرارة الطاقة الشمسية. وتتناسب حرارة المدن مع زيادة الكثافة السكانية، التي تتناسب بدورها مع جملة الأنشطة البشرية. فمثلًا، خلال موجة الحر الشديد، يمكن أن يضيف تكييف الهواء من المباني الحضرية حرارة قد تصل إلى أكثر من %20 إلى الهواء الخارجي المجاور. كما أن تلوث هواء المدينة يؤدي إلى تعديل كفاءة امتصاص الغلاف الجوي لشعاع الشمس ذي الطول الموجي الطويل.
- التصميم العمراني للمدن: إن متوسط عرض الشوارع وعدم انتظام الكتل العمرانية في المدينة يلعبان دورًا في إعاقة حركة الهواء مما قد يعزز هذه الظاهرة. فالشوارع الضيقة، وناطحات السحاب العملاقة والمباني، والتهوية غير المؤاتية، وعدم وجود مسافات مناسبة بين المباني هي المسؤولة عن ضعف تدوير الهواء بين الكتل العمرانية، إذ تتسبب الأخاديد الحضرية الضيقة في بقاء الهواء الدافئ فوق المدن، خاصة في الليل. كما أن المباني الشاهقة قد تشكل أسطحًا “خشنة” ذات مساحات كبيرة تمتص أشعة الشمس وتصد الرياح في الوقت نفسه. ويمكن أن ينتج عن ذلك كتل كبيرة من الهواء الساخن المحاصر، الذي لا يمكنه إطلاق حرارته بسهولة، بسبب محاصرة المباني له. وإلى جانب تقييد دوران الهواء، يمكن لهذا النوع من الهندسة الحضرية أن يمنع الملوثات من التبدد، مما يقلل من جودة الهواء.
تأثير التغير المناخي
يؤدي تضافر ظاهرة الجزر الحرارية الحضرية مع ظاهرة تغير المناخ إلى التفاقم الشديد لمستوى الحرارة وزيادة تواتر موجات الحر، حيث تمتد درجات الحرارة في الصيف إلى فصلي الربيع والخريف. حتى مع افتراض القدرة على تقييد ظاهرة الاحتباس الحراري، فإن تغير المناخ يتطور بوتيرة لا هوادة فيها. ويعتقد علماء المناخ أن التغير المناخي سيؤدي إلى تفاقم ارتفاع درجات الحرارة العظمى في الصيف إلى مستويات غير مسبوقة، قد تجعل التكيف معها أمرًا ضروريًا للحفاظ على مستوى الحياة في المناطق الحضرية حول العالم، ومنها بالطبع مدن المملكة.
ويمكن تلخيص التأثير المتوقع للتغير المناخي في التأثير السلبي على النظم البيئية المتوازنة والتنوع البيولوجي والزراعة والبنية التحتية والصحة والعمالة، واحتمال حدوث ظواهر الطقس المتطرفة، حيث إنه من المتوقع حدوث فترات جفاف أطول وموجات حرارة أكثر سخونة وعواصف ترابية بوتيرة أكثر حدوثًا. ولا يمكن فهم أي من تأثيرات المناخ بمعزل عن بعضها البعض، فالروابط بين زيادة درجات الحرارة وندرة المياه والتصحر وتأثيرات تغير المناخ الأخرى مترابطة بتعقيد كبير، ومتعددة الأبعاد.
فإذا استمرت انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بالتراكم، يمكن أن يصل مؤشر فترة الحرارة الشديدة إلى 200 يوم، مع متوسط درجات حرارة تصل إلى ما يقرب من 50 درجة مئوية، بحلول نهاية القرن. وسيؤثر الإجهاد الحراري الناتج عن ذلك بوضوح في معدلات الاعتلال والوفيات البشرية. فعندما يتعرض الشخص للحرارة الشديدة لفترات طويلة، يفقد جسمه القدرة على تبريد نفسه بكفاءة، مما يؤدي إلى اضطرابات صحية قد تكون بالغة الخطورة. فإذا وصلت درجة حرارة الجسم لأي شخص إلى ما فوق 39.5 درجة مئوية لفترة طويلة، تبدأ أجهزة الجسم بالانهيار.
ماهية الغابات الحضرية
تستطيع البنية التحتية الخضراء عن طريق الغطاء النباتي استرجاع بعض وظائف النظام البيئي المعطلة أو التعويض عنها، وهو ما يُسمى “الغابات الحضرية”. وهي أنظمة بيئية تماثل الطبيعة، ولكنها مصممة بشريًا، وفيها مدخلات لمجموعة كائنات حية مختارة بشكل انتقائي، والهدف منها عكس ظروف النطاق المكاني المستهدف وتصميم المساحات الخضراء الحضرية على أساسها.
وتشمل الغابات الحضرية كل المساحات المشجرة من المتنزهات في الأحياء الصغيرة إلى الغابات الكبيرة المجاورة، وأشجار الشوارع والساحات العامة، وأي مساحات خضراء أخرى فيها أشجار، مثل ممرات المشاة، وأسطح الأبنية وغيرها. تشكّل هذه مجتمعة نظامًا بيئيًا متكاملًا ومتضامنًا ومتعدد الوظائف. لذلك، يمكن فهم الغابات الحضرية على أنها بنية تحتية خضراء ذات استجابة ديناميكية مناسبة، وتوفر للمدن أيضًا فوائد بيئية مباشرة وفوائد اقتصادية واجتماعية غير مباشرة.
وتُعد أشجار الشوارع مكوّنًا أساسيًا في البنية التحتية الخضراء، فـ”غطاء مظلة الشجرة” هو مساحة الأرض المغطاة بأوراق وفروع وجذوع جميع الأشجار القائمة في منطقة معينة، حيث يمثل الغطاء المظلي الشجري “البصمة” المتصلة للغابات الحضرية. وتؤثر النباتات على البيئة من حولها بعدة طرق، بفضل شكلها وهيكلها. فهي توفر الظل وتصد الرياح، إلى جانب عملية النتح، التي تخفف من حدة درجات حرارة الهواء والتربة. ولا تقتصر فوائدها على التكيف بشكل أفضل مع أنماط درجات الحرارة، بل لها تأثير أعمق في الأنظمة البيئية داخل المدن وفي التخفيف من أحداث الطقس الشاذة.
فوائدها.. حزمة منافع مباشرة وغير مباشرة
تخفف الأشجار الحرارة الحضرية في المقام الأول من خلال عمليتين. أولًا، من خلال اعتراض الإشعاع الشمسي مباشرة وحجب إشعاع الحرارة عن الأسطح منخفضة الألبيدو، إذ تقلل مظلات الغابات درجات حرارة الأسطح والمحيط. وتعكس أوراق الأشجار الخضراء الملساء بشكل ممتاز الإشعاع الموجي القصير. واعتراض الأشجار لأشعة الشمس المباشرة وتوفُر الظل على المباني والأسطح الأرضية المحيطة، يؤدي إلى تقليل آثار ظاهرة الجزر الحرارية الحضرية، وبشكل غير مباشر إلى خفض استخدام طاقة التبريد المستهلكة في المباني.
إضافة إلى ذلك، تخفض الأشجار درجة حرارة الهواء من خلال عملية النتح أو التبخر، حيث تتحول الطاقة الشمسية خلال تبخر الماء من أسطح الأوراق إلى حرارة كامنة في البخار ذات تأثير أقل من الأشعة المباشرة أو المحتجزة في الأسطح. ويمكن أن يؤدي النتح إلى انخفاض درجة حرارة الصيف في الذروة ما بين درجة و4 درجات مئوية.
وهناك فوائد أخرى توفرها الأشجار في المناطق الحضرية، يُطلق عليها أيضًا خدمات النظام البيئي، وتشمل:
- تقويم الدورة الهيدرولوجية للمدن
يمكن للغابات الحضرية أن تلعب دورًا مهمًا في عمليات الهيدرولوجيا الحضرية من خلال اعتراض وإبقاء أو إبطاء تدفق مياه الأمطار. لأن أوراقها وفروعها وسيقانها وجذورها العديدة تساعد في اعتراض هطول الأمطار وجريانها وتساعد في تخزينها في التربة. والمواد ذات الألبيدو المنخفض مثل الأسفلت والطرق المعبدة والطوب لا تؤثر فقط على درجة الحرارة، بل إن هذه الأسطح غير نفاذة للمياه أيضًا، فهي تقلل من قدرة مياه الأمطار على التسلل إلى التربة وتزيد من السرعة التي تتحرك بها فوق السطح. ويمكن بالتصميم الهندسي توجيه بعضها إلى أنظمة الغابات الحضرية لتقليل وتأخير جريانها وحفظها من التبخر، أو دخول نظام الصرف والممرات المائية الحضرية.
وتعمل الأشجار أيضًا على تحسين تسرب المياه إلى التربة عن طريق توجيه المياه إلى الأسطح النافذة حول الساق، وبالتالي تقليل أضرار الفيضانات والسيول، وتقليل تكاليف معالجة مياه الأمطار، وتحسين جودة المياه بالتصريف السريع.
- تخفيف تلوث الغلاف الجوي
يمكن أن تؤدي الغابات الحضرية دورًا جزئيًا ولكن مهمًا في الحد من تركز الملوثات في الهواء المحيط. فللأشجار تأثيرات مباشرة وغير مباشرة على كيمياء الهواء، وذلك لقدرتها على تعزيز عملية إزالة ملوثاته من خلال الترسيب والكيمياء الضوئية. ففي الترسيب المعزز، يتم التقاط الملوثات الغازية والجسيمية بواسطة النباتات وامتصاصها من خلال أوراقها وأغصانها وسيقانها. ويحدث الترسيب الجاف للغازات عبر مسارين: على أسطح الأوراق وعبر ثغورها، حيث تترسب الجسيمات عن طريق الانحشار والاعتراض والانتشار على الأسطح. وتعتمد كفاءة امتصاص الهباء الجوي على نوع الشجرة. وتعتبر الأشجار الحضرية أكثر فاعلية من غيرها في التقاط الجسيمات وحبوب اللقاح والدخان والرماد، نظرًا لخشونتها السطحية.
أما في آلية الكيمياء الضوئية، فهنالك فائدتان أيضًا: الأولى تعزيز الأكسجين في الغلاف الجوي المحيط من خلال عملية التمثيل الضوئي. والثانية، استطاعة بعض الأشجار امتصاص الملوثات الغازية من خلال أسطح الأوراق، كالأوزون وأكسيد النيتروجين وثاني أكسيد الكبريت على سبيل المثال.
- توفير الطاقة
تقلل الأشجار من احتياجات الطاقة للتبريد أو للتدفئة عن طريق تظليل المباني، وبالتالي تقليل درجات حرارة الهواء في الصيف، وأيضًا عن طريق صد الرياح في الشتاء. فقد ثبت أن وضع الأشجار بشكل مكثف لزيادة التظليل الصيفي هو ممارسة فعالة للحفاظ على الطاقة. فالتظليل يقلل من كمية الطاقة المشعة التي تمتصها أسطح المباني، ويمكّن النتح من التبريد بتحول الرطوبة إلى بخار الماء باستخدام الطاقة الشمسية في حال توفر المياه من التربة. وكذلك تساعد الأشجار على تقليل سرعة الرياح وتقليل تسرب الهواء الخارجي إلى المساحات الداخلية.
- تعزيز التنوع البيولوجي
تعد الغابات الحضرية موطنًا لعديد من أنواع الحياة البرية، بتوفير الغذاء والمأوى الذي تشتد حاجة الكائنات إليه في البيئة الحضرية، حيث تُستخدم الزهور والفواكه والأوراق والبراعم والأجزاء الخشبية من الأشجار الحضرية من قبل عديد من الطيور والثدييات والحشرات وأنواع الحياة البرية الأخرى. كما تؤدي البكتيريا والفطريات الموجودة في أجزاء الأشجار إلى تخصيب التربة وتجعل بنيتها أكثر ملاءمة للنباتات الأخرى. ويعتبر هذا الترابط بين أجزاء الغابات الحضرية في مدينة ما، وتكامل هذه الأجزاء، أحد أهم الطرق لتعزيز التنوع البيولوجي.
- الحد من الضوضاء
أوراق الأشجار وسيقانها تُضعف انتقال الصوت بشكل أساسي من خلال تشتيته. ويمكن أن تقلل الأحزمة العريضة من الأشجار الكثيفة الطويلة جنبًا إلى جنب مع الأسطح الأرضية الناعمة ارتفاع الصوت الظاهري بنسبة %50 أو أكثر. وعلى الرغم من أن الحد من الضوضاء بواسطة المزروعات على طول جوانب الطرق في المناطق الحضرية غالبًا ما يكون محدودًا بسبب ضيق مساحة الزراعة، يمكن تحقيق انخفاض لا بأس به في الضوضاء (من 3 إلى 5 ديسيبل) باستخدام أحزمة نباتية كثيفة ضيقة مع صف واحد من الشجيرات على جانب الطريق. يمكن للنباتات أيضًا إخفاء الأصوات عن طريق توليد ضوضاء خاصة بها عندما تحرك الرياح أوراقها أو عندما تغرد الطيور. وقد تجعل هذه الأصوات الطبيعية الأفراد أقل وعيًا بالضوضاء المسيئة، لأن الناس قادرون على تمييز الضوضاء المزعجة من الأصوات الطبيعية اللطيفة.
- فوائد صحية
تعمل الأشجار الحضرية على تحسين صحة الإنسان من خلال مجموعة متنوعة من الطرق، بدءًا من تحسين جودة الهواء وانتهاءً بتقليل التوتر. وتستحث الحدائق والممرات والأرصفة المرتبطة بالغابات الحضرية الأنشطة البدنية وتزيد الحيوية في أنشطة الترفيه. وتشمل بعض النتائج الصحية المفيدة المحتملة على المدى الطويل نتيجة توفر المناطق المشجرة زيادة النشاط البدني وانتظامه وبالتالي تحسين صحة القلب ووظائف الجسم بشكل عام، وفي النهاية تحسين جودة الحياة. كذلك، توفر الأشجار الحضرية الجمال الطبيعي وتعد من أهم العوامل التي تساهم في الجودة الجمالية للشوارع السكنية والمتنزهات المجتمعية. وترتبط تصورات الجودة الجمالية والسلامة الشخصية بعوامل مثل عدد الأشجار لكل وحدة مساحة وتنوعها، وتنسيقها الهندسي والجمالي.
- فوائد اقتصادية واجتماعية
يمكن للغابات الحضرية أن تساهم في الاقتصاد من خلال تشجيع الاستثمار المحلي، وتعزيز السياحة، وتوفير بيئة للصناعات الترفيهية؛ إذ تعتبر المناطق المشجرة جذّابة أكثر من غيرها للأنشطة التي تعتمد على السياحة والترفيه، كما يرغب المستهلكون في البقاء لفترة أطول في المناطق التجارية ذات الأشجار الخلابة والمتناسقة.
وتعزز هذه الغابات أيضًا المشاركة المجتمعية والترابط، إذ يحتاج سكان المدينة إلى مساحة وصل قوية بالعالم الطبيعي من أجل التغلب على “الارتباك الجغرافي” والعزلة الاجتماعية. وهنا يأتي دور هذه الغابات المنتشرة على نطاق واسع بوصفها قوة خفية وغير محسوسة في معالجة هذه القضايا.
حلٌ فعال.. فماذا عن الجانب المُظلم؟
تواجه الأشجار مجموعة معقدة من الضغوطات التي تمنعها في كثير من الأحيان من تحقيق إمكاناتها البيولوجية، ومنها على سبيل الحصر تغير المناخ في المناطق الحضرية، الذي يؤثر بدوره في دورات المياه ويؤدي إلى اشتداد ظروف الطقس، مما يؤثر سلبًا على كفاءة وظائف الغابات الحضرية المتوخاة.
وتواجه الأشجار ظروفًا صعبة بل قاسية غالبًا في البيئات ذات البناء العمراني الكثيف، والتي تحد من نموها الطولي والعرضي ومن توسع جذورها في التربة. فالمساحات المخصصة للأشجار الحضرية محدودة، وبالتالي فإن الخيارات لتوظيف العمليات الفيزيائية الحيوية بالزخم المطلوب تكون محدودة بدورها.
وقد يتسبب التصميم السيئ للغابات الحضرية إلى نشوء أضرار غير متوقعة مثل تكوين الأوزون والهباء الجوي، مما يساهم في زيادة حالات أمراض الجهاز التنفسي أثناء انبعاث بعض المركبات العضوية المتطايرة الحيوية من بعض أنواع الأشجار. كما تتطلب هذه الغابات تحديد الجهات المسؤولة عن بعض الخسائر التي قد تقع نتيجة سقوط الأشجار، والأضرار الناجمة عن تمدد جذورها إلى البنية التحتية، والحساسية تجاه بعض أنواع حبوب اللقاح، وتكاليف الصيانة الباهظة.
مع ذلك، ينبغي التشديد على أن الغابات الحضرية جزء من الحلول الطبيعية للحد من الآثار السلبية للتحضر، وهي ليست ترفًا بل ضرورة لمعالجة التأثير المزدوج للتغير المناخي والجزر الحرارية الحضرية، ولهذا يجب أن تكون جزءًا أصيلًا في أي تخطيط حضري.
اترك تعليقاً