ما الذي يجعلنا نُحبُّ الاستشهاد بالأمثال؟
كانت الأمثال وما زالت مخاض بحث مستمر لدراسات نفسية متكاثرة، وبالتالي قد يصعب تقديم جواب مُحكم لسؤال مفتوح كهذا. لكن الإمساك بطرف عابر من الإجابة قد يجرّنا إلى قدر معقول من الفهم لنفسنا البشرية.
يختزن المثل في وعائه “حكمة” ما؛ درسًا مستفادًا أو قناعة مُستخلصة من تجربة، تتلبَّس بتعبير لغوي جذّاب ووجيز. وقد يكون بعض حُبنا لها ينبع من توقنا لمعرفة تساعدنا على فهم الحياة والتعامل معها بوجه أفضل. أيضًا، غالبًا ما ترتبط الأمثال بقصة، سواءً أكانت من نسج الواقع أو الأسطورة؛ فكأننا نُحبها لأنه تستثير خيالنا للانتقال من لحظة نعيشها إلى أخرى تتقاطع معها بنحو من التشابه، وكأننا حين نتفوه بالمثل نُلقي بظلال الخيال على جسد الواقع.
ولعلنا نُحب الأمثال لأنها تربطنا بامتدادنا البشري؛ امتدادنا الذي يشدّنا إلى جذورنا من الماضي الذي نختزنه في جوانحنا، فنرانا نُجسّده، شئنا أم أبينا، على هذه الأرض يحكي سيرة من عاشوا فيها قبلنا من آباء وأجداد. وكذلك هي تُعبِّر عن امتدادنا البشري الذي يتجاوز حدود المختلف إلى أفق أوسع، هو المتشابه والمشترك الإنساني، حين نتسامى عن وطأة العرق واللون ونعبر رسوم الجغرافيا وغيرها.
للأمثال قُدرتها على تلخيص المشهد باختصار أخّاذ، واستحضار الماضي بما يعج به من دلالات، واستقراء أنباء المستقبل في آن معًا. وفيها تكمن قدرةٌ هائلة نُعبِّر بها عن مشاعرنا حين نستقبل لحظات العيش. ولهذا، لعلّ بوُسعنا الاستعانة ببعضها لاختزال كثير من الإشارات المرجعية التي قد تتطلّب دون ذلك حديثًا مستفيضًا عن مرحلة ما بعد الإعلان الرسمي عن فوز المملكة العربية السعودية باستضافة كأس العالم 2034م؛ النبأ الذي طار بنا إلى أجواء فرح وفخر ربَّما كان عبَّر عنها المثل السائر: “إذا كان الكلام من فضة، فالسكوت من ذهب”.
من أجل تنظيم نسخة استثنائية من البطولة تُواكب طموح هذه البلاد، قيادتَها وشعبَها، أمامنا طريق طويل من العمل الجاد، لن نقطعه إلا بعزيمة وثّابة تذلِّل الصعاب وتطوِّع الأماني، لنتمثّل بيت الشعر الذي صار مثلًا: “وما نيلُ المطالبُ بالتمنّي .. ولكن تُؤخذُ الدُنيا غِلابَا”. أمامنا عمل شاقٌ يستدعي تعاضد الجهود، لينهض كلٌ بدوره مُقتطِعًا حصة صغيرة أو كبيرة من الحمل الثقيل ، فنكون كما قال مثلٌ شعري آخر: “إذا العبءُ الثقيلُ توزَّعتهُ .. أكفُّ القومِ خفَّ على الرقابِ”.
علينا بطبيعة الحال أن نستفيد من التجارب التي خاضها من سبقنا على صعيد تنظيم البطولة، فـ “السعيد من وُعظ بغيره” كما قِيل. ولا شك أن رحلة الأعوام العشرة المقبلة لن تكون خالية من الأخطاء، فـ “من لا يُخطئ لا يعمل”. وعلينا خلالها أن نتهيَّأ لنقد بنّاء نستفيد منه، وآخر لن يكون بوسعنا إلا أن نتجاهله لأنه كما قِيل: “رضا الناس غايةٌ لا تُدرك”. ومن المهم قطعًا أن نستثمر كلَّ ما يُتاح لنا من فرص تنظيم البطولة، فـ “إذا هبَّت رياحك فاغتنمها”.
جميع ما سبق ذكره من أمثال دارجة تضمَّنها كتاب “الأمثال العربيّة لجيل الألفيّة” الصادر حديثًا عن مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي “إثراء”، والذي يأتي في سياق مدِّ جسور التواصل بين الثقافات والأجيال. وما دام الحديث في هذا السياق، فبوسعنا أن نستدعي مَثَلًا ذا شهرة واسعة من الثقافة الصينية، يُعبّر عن المرحلة المقبلة: “طريق الألف ميل يبدأ بخطوة”؛ فما دُمنا بدأنا السير لا بُد لنا أن نصل إلى ما نصبو إليه إن شاء الله.
وبالحديث عن الثقافة الصينية، ها نحن نستبشر هذا العام بمزيد من جسور التواصل التي تمتدّ بينها وبين ثقافتنا العربية، لا سيّما عقب الإعلان عن تدشين الدورة الأولى لـ “جائزة الأمير محمد بن سلمان للتعاون الثقافي بين السعودية والصين”. هذا العدد يحتفي بهذا التواصل الثقافي المهم، فيستعرض جانبًا من جهود الترجمة بوصفها “طريق حرير” يربط الثقافتين العربية والصينية، كما يستطلع مدينة “الحلم القديم.. شانغريلا”.
اترك تعليقاً