يتزايد الاعتقاد الشعبي بوجود ظواهر غريبة وأجسام طائرة غير محددة تزور الأرض من الفضاء الخارجي. ففي الولايات المتحدة الأمريكية، على سبيل المثال، ارتفعت نسبة من يعتقدون بذلك من 20% في عام 1996م إلى 34% في عام 2022م. وفي هذا الشأن، يقول المفكر الإسكتلندي من كلية الملك بلندن، توني ميليغان: “إن الاعتقاد المتزايد بوجود زوَّار من الفضاء الخارجي أصبح مشكلة خطيرة في مجتمعنا”. ولهذه الأسباب أنشأت وكالة ناسا الفضائية في يونيو 2022م، لجنة من 16 عضوًا، من خلفيات وخبرات مختلفة؛ لمناقشة هذه الظواهر. واستنتجت: “أن الخلاصة الأولية للتحقيق في مئات التقارير المتوفرة حتى الآن، هي عدم وجود دليل على وجود كائنات فضائية وراء هذه الظواهر غير المألوفة”.
في 13 نوفمبر 2023م، عقدت لجنة من الكونغرس الأمريكي جلسة لمناقشة ما يشير إليه الكثيرون بـ “الأجسام الطائرة غير المحددة” (UFOs)، أو ما فضَّل المختصون تسميته بـ “الظواهر الجوية غير المحددة”، أي الغريبة، وما صار يُشار إليه الآن بـ “الظواهر غير المألوفة وغير المحددة”؛ أي صارت تشمل أيضًا الظواهر الغريبة غير الجوية. وخلال تلك الجلسة، كشف صحفي عن وجود مقطع فيديو لدى البنتاغون يُظهر كرة بيضاء غريبة خرجت من البحر قبالةَ ساحل الكويت. وبيَّن الصحفي أنه عُثِر على المقطع متوفرًا على شبكة البيانات الآمنة لوزارة الدفاع الأمريكية. وأضاف أن مقطع الفيديو ملوَّن وعالي الدقة ومدته 13 دقيقة، ومصوَّر من طائرة هليكوبتر، وأنه يظهر كرة أخرى تظهر فترةً وجيزةً قبل أن تختفي.
وفي الجلسة نفسها، قدَّمت النائبة نانسي ماس وثيقة تفصيلية من 12 صفحة حول برنامج سرِّي للبنتاغون لاستعادة أجسام طائرة غير محددة بهدف التعرُّف عليها، وأضافت أن الحكومة تُدير هذا البرنامج من دون إشراف الكونغرس ومنذ فترة طويلة.
هدفت هذه الجلسة إلى مراجعة ما تُوصِّل إليه حتى الآن حول “الظواهر الغريبة”. ومن الأهمية بمكان أن نشير إلى أن الحكومة الأمريكية بفروعها المختلفة قرَّرت، مؤخرًا، أن تدرس هذه الظواهر بعدما كثر القول إن ثمَّة تغطية لما تعرفه الحكومة.
الطيَّارون والأجسام الطائرة المجهولة
هناك مئات التقارير عن “ظواهر غريبة” ترتبط في أذهان الناس بالأطباق الطائرة. ومن تلك التقارير ما ظهر في السنوات الأخيرة من أن طيَّارين من القوات الجوية الأمريكية شاهدوا وسجَّلوا حالات عدَّة من أضواء أو ربَّما أجسام تطير بسرعات وحركات مدهشة، وأن كثيرًا من مثل هذه التقارير والشهادات قد جرى التكتم عنها، فضلًا عن مزاعم بوجود برامج سريَّة للبنتاغون، وربَّما لوكالة ناسا أيضًا.
وبالفعل، شهد عدد من الطيارين، وأكثرهم من سلاح الجو الأمريكي، أجسامًا طائرة غير محددة أظهرت قدرات غير عادية، وتحدَّت فهمهم وقدرتهم على تفسير حركاتها وخصائصها. فعلى سبيل المثال، وصف طيَّار حادثةً في عام 2004م، قبالةَ ساحل مدينة سان دييغو في كاليفورنيا، بأنه لاحظ جسمًا هبط بسرعة من 80 ألف قدم إلى 20 ألف قدم، ثم ظل مستقرًا في الهواء قبل أن ينطلق بعيدًا بسرعة كبيرة.
وبالمثل، روى طيار آخر مشاهدات منتظمة له لأجسام طائرة غير محددة فوق أحد المجالات الجوية المحظورة في أمريكا، وأشار إلى قدرتها على التحليق والتحرك بسرعات عالية دون إصدار دخان أو غاز أو أي مؤشرات تقليدية أخرى للطيران.
هناك مئات التقارير عن “ظواهر غريبة” يظن البعض أنها أطباق طائرة، ومنها حالات لطيَّارين شاهدوا أضواء أو أجسام تطير بسرعات وحركات مدهشة.
وبعض تلك الأحداث التي شهد عليها الطيَّارون سُجِّلت بأجهزة الرادار وكاميرات الأشعة تحت الحمراء في تلك المناطق، خاصة العسكرية منها، وهو ما أضاف جانبًا من الغموض وربَّما السرّية إلى الشهادات والملاحظات البصرية للطيَّارين. وقد أبلغ البنتاغون عن 21 حادثة لظواهر هوائية غير محددة وقعت بالقرب من مواقع عسكرية، وصفها الشهود بأنها كرات أو أسطوانات أو مثلثات.
وهناك عدد كبير من الظواهر الغريبة الأخرى، بعضها حدث في الهواء، وبعضها على الأرض أو في البحار. وتجدر الإشارة إلى أن الظاهرة التي أشرنا إليها سابقًا، وجرى تسجيلها قبالةَ ساحل الكويت، يوجد ما يشابهها في أماكن أخرى، منها في النرويج في الثمانينيات، وفي ولاية تكساس الأمريكية وغيرها.
كما أن هناك ظواهر وأجسامًا غريبة غير محددة أُبلِغ عن حدوثها تحت الماء؛ إذ تصف بعض التقارير أجسامًا غريبة تتحرك تحت الماء بسرعات عالية، سُجِّلت أحيانًا بأجهزة السونار، وتظهر قدرات تتجاوز الغواصات المعروفة، وقد تكون أجهزة يجري تطويرها سريًا.
وأخيرًا، نذكر حادثة “روزويل”، وهي الأشهر في موضوع “الأجسام الطائرة المجهولة”، حيث أبلغ سكان من مدينة روزويل الصغيرة في ولاية نيو مكسيكو عام 1947م، عن عثورهم على حطام من “قرص طائر”، وأنه من مركبة فضائية غير بشرية. وبعد أيام، أوضح الجيش الأمريكي أن الحطام كان من منطاد لقياس مؤشرات الطقس المحلية، لكن ذلك التفسير لم يُرضِ الكثيرين وانتشرت نظريات المؤامرة حول الموضوع، وزعم البعض أن البنتاغون يتستر على ما يعرف عن المركبات الفضائية. وبعد عقود من الزمن، كشفت الحكومة الأمريكية أن تلك البالونات كانت جزءًا من برنامج سري يحاول مراقبة التجارب النووية السوفيتية. وهكذا تحولت “روزويل” إلى الحادثة الأشهر في فولكلور المركبات والأجناس الفضائية والتستر الحكومي حول ذلك.
تقرير البنتاغون
ولدحض كل ذلك، أصدر البنتاغون، في يونيو 2021م، تقريرًا حول ما لديه من معلومات عن تلك الظواهر والشهادات، بما في ذلك الدراسة التي كان أجراها بقيمة 22 مليون دولار لأحداث وقعت بين عامي 2007م و2012م. وإذ فُوجئ الجمهور بحجم وقيمة تلك الدراسة، التي لم يُكشف عنها حتى عام 2021م، بررها مسؤولو وزارة الدفاع الأمريكية باحتمال أن تكون قوى أجنبية قد طوَّرت أجهزة طيران وتقنيات تُشكِّل تهديدًا للأمن القومي الأمريكي. وصنَّف التقرير الحالات التي درسها، وكان عددها قرابة المائة، إلى خمس فئات من التفسيرات المحتملة: أجسام طائرة (مسيَّرات أو بالونات أو طيور)، وظواهر جوية طبيعية (بلورات جليد ومثل ذلك)، وعمليات حكومية (سرية أو معلنة)، وبرامج صناعية (من شركات لا تعلن بالضرورة عمَّا تقوم بتطويره)، أو أعمال من جهات أجنبية. لكن تبقى بعض الحالات “القليلة” غير قابلة للتصنيف، وقد تكون ذات مصدر فضائي.
تقرير ناسا
أمَّا وكالة ناسا الفضائية، فقد أنشأت في يونيو 2022م لجنة من 16 عضوًا، من خلفيات وخبرات مختلفة لمناقشة “الظواهر غير المحددة”. وأكدت اللجنة أنها تهدف إلى تحقيق هدفين من خلال عملها: أولًا، توفير شفافية مطلقة في دراسة هذا الموضوع ونزع طابع التكتم والمؤامرة عنه. وثانيًا، تجميع البيانات ودراسة المسألة بطريقة علمية منهجية رصينة للوصول إلى فهم أقصى ما يُمكن فهمه، وربَّما الكشف عن ظواهر طبيعية مُثيرة تخدم البحث العلمي بشكل أوسع.
عقدت اللجنة أول اجتماع عام ومفتوح لها مع الجمهور والإعلام في 31 مايو 2023م، وقدَّمت تقريرًا أوليًا علميًا وفنيًا من 36 صفحة، توصلت فيه بعد عام من النظر في المسألة والبيانات المتوفرة حولها إلى ما يلي:
1- في كل شهر يظهر ما بين 50 و100 تقرير جديد عن “مشاهدة غريبة”، لكن 2% إلى 5% فقط من إجمالي البيانات المتوفرة قد يكون غريبًا أو “غير مألوف”؛ أي لا يدخل ضمن إحدى الفئات المُشار إليها آنفًا. وتجدر الإشارة إلى أن ثمَّة مواقع عبر العالم أتت منها الشهادات حول تلك الظواهر الغريبة بنسب أكبر بكثير من المناطق الأخرى، ولا سيَّما من الساحلين الشرقي والغربي للولايات المتحدة الأمريكية، وأقصى شرق آسيا (اليابان وكوريا)، والشرق الأوسط (إيران والعراق وسوريا)، بشكل غير مفهوم.
2- معظم البيانات المصاحبة للحالات المبلغ عنها لا تتسم بالدقة والجودة العالية، وهو ما يُعيق تحليلها العلمي. لذا، فإن وكالة ناسا ستنشئ منصة على الإنترنت، وتطلب من الجمهور تقديم بيانات ثرية وبمعايير دقيقة. وسيجري فتح تطبيقات تعتمد على الهواتف الذكية عبر العالم بلغات عديدة؛ إذ لا يوجد حاليًا نظام موحد لتجميع التقارير والبيانات وتنظيمها حول تلك الظواهر.
3- غالبًا ما تُصنف البيانات بوسم “سرِّي للغاية”، لا للتكتم، ولكن لأن الأدوات المستخدمة مثل أجهزة الاستشعار كثيرًا ما تكون عسكرية ومن النوع السرِّي.
4- إن كثيرًا من الحالات الغامضة التي يمكن أن تبدو غير أرضية تقبل تفسيرًا طبيعيًا بشكل كامل. ومنها، مثلًا، حالة الإشارة الميكروموجية التي التقطها باحثون في أستراليا وبدت غريبة، لكن اتضح بعد ذلك أنها من جهاز ميكروويف قريب.
5- عمل فريق البحث من اللجنة ومن مكتب ناسا الذي يتبعه على ترتيب البيانات المتوفرة، وذلك بحسب الارتفاعات التي تحدث عندها (وأكثرها بين 6 كيلومترات و7.5 كيلومترات)، وأشكالها (52% منها كروي، وقطرها من 1 إلى 4 أمتار، ولونها عادةً أبيض فضي)، وسرعاتها، وترددات الإشارات، وغير ذلك.
6- يتردَّد الطيَّارون المدنيون كثيرًا في الإبلاغ عن أي مشاهدات غريبة، بسبب السمعة السيئة للموضوع. لذا، نحتاج إلى تنقية الأجواء وتحويل الموضوع إلى بحث علمي ممنهج، حتى نحصل على بيانات عالية الجودة ونتمكن من دراسة الموضوع بدقة.
7- تلتزم وكالة ناسا بالشفافية في هذا المجال، كما يتضح من فتح الاجتماع كله للجميع ساعات عديدة، وفتح المجال أمام طرح الأسئلة من الصحفيين والجمهور.
وكانت النتيجة الأهم التي تناقلتها وسائل الإعلام عبر العالم، أن الخلاصة الأولية للتحقيق في مئات التقارير المتوفرة حتى الآن، هي عدم وجود دليل على وجود كائنات فضائية وراء هذه الظواهر غير المألوفة، وإن كان ذلك لا يعني استبعاد هذه الإمكانية وهذا الاحتمال.
وفقًا لوكالة ناسا، لا يوجد حتى الآن دليل على وجود كائنات فضائية وراء الظواهر غير المألوفة، وإن كان ذلك لا يعني استبعاد هذا الاحتمال.
ويجدر بنا التذكير بمقولة عالم الفلك الكبير كارل ساغان، الذي كرَّس حياته في نشر العلم الصحيح والمنهجية الرصينة في الوصول إلى أي معلومة: “كلَّما كان الادعاء بأمر ما عظيمًا، طالبنا بأدلة عظيمة”.
خلاصة القضية، وكما قالت المديرة المساعدة في وكالة ناسا نيكولا فوكس، إن الظواهر الغريبة أو غير المحددة تُشكِّل أحد ألغاز عالمنا اليوم، وتستهوي فئة واسعة جدًا من الجمهور. لذا، علينا السعي إلى حلها بشكل مقنع ومفيد، علميًا وثقافيًا. وستعمل وكالة ناسا على جمع وتوفير بنك من البيانات عالية الجودة في هذا الموضوع للوصول إلى الإجابات المطلوبة والمنتظرة.
اترك تعليقاً