The Fast: The History, Science, Philosophy, and Promise of Doing Without by John Oakes
تأليف: جون أوكس
الناشر: مAvid Reader Press – Simon & Schuster، 2024
سواء لأسباب دينية أو فلسفية أو سياسية أو صحية، فالصوم يُمثل خروجًا عن الروتين اليومي، وينطوي على القدرة على التحكم، وإعادة النظر في الأولويات، وتحدي السلطة، وتقدير الحياة بطريقة مختلفة. استنادًا إلى أبحاث وتقارير تاريخية وعلمية وثقافية مكثفة، يسلِّط هذا الكتاب الضوء على الجوانب العديدة لهذا الفعل من الحرمان الذاتي. فقد أجرى المؤلف جون أوكس، مقابلات مع أطباء وقادة روحيين وناشطين وغيرهم ممن أرشدوه على التعمق في أبعاد هذه الممارسة، انطلاقًا من تجربته الخاصة بعد أن قضى أسبوعًا من دون طعام بهدف “تطهير للنفس”، كما قال، مشيرًا إلى أنه كان “يأكل بسبب العادة” وأن “الروتين يمكن أن يكون عدوًا للعقلانية والسيطرة”.
في السنوات الأخيرة، أصبح الصوم شائعًا بشكل متزايد لعدة أسباب، بدءًا من المهتمين بالصحة الذين يعتبرون الصيام وسيلة لإنقاص الوزن أو التخلّص من السموم، إلى المؤمنين الذين يصومون بدافع التقوى والإيمان، والباحثين عن اليقظة الذهنية، والناشطين الذين يُضربون عن الطعام كوسيلة فعالة للاحتجاج السلمي. وبالإضافة إلى الرسل والأنبياء، كان من بين أبرز مَن مارسوا شكلًا من أشكال الصوم: المهاتما غاندي وجورج واشنطن وأبراهام لنكولن وإيميلي ديكنسون ومارك توين، وقائمة طويلة من شخصيات أخرى ممن اعتمدوا على قوة الصوم على مر العصور وعبر الحدود والثقافات.
يُلقي هذا الكتاب نظرة على العلم المعقّد وراء العوامل البيولوجية المُذهلة التي تحدث داخل جسم الإنسان عندما نصوم، فخلال عملية الصوم يؤدي التحول الأيضي الناجم من الصيام إلى إصلاح الخلايا وتجديدها وصولًا إلى المستوى الجزيئي منها. ومن ثَمَّ، فالصوم يمكن أن يوفر فوائد لأولئك الذين يعانون السمنة وأمراض السكري والسرطان والصرع وأمراض القلب والأوعية الدموية واضطرابات التنكس العصبي وغيرها. ومن الجدير ذكره، أنَّ من بين أوائل من ذكروا فوائد الصوم من الناحية الصحية، الإيطالي لويجي كورنارو، في كتابه “فن العيش الطويل”، عام 1558م. وبعيدًا عن التجربة الجسدية، يمكن أن يكون الصوم بمنزلة رابط موحّد للجماعات، وعامل يؤدي إلى المساواة بحكم أنه فعلًا في متناول الجميع، وقد تبنّته الأديان والحركات السياسية في جميع أنحاء العالم منذ آلاف السنين. كما أن الصوم أمر أساس في المواسم والأيام المقدسة، مثل: الصوم الكبير في المسيحية، وشهر رمضان عند المسلمين، ويوم إيكاداشي في الهندوسية. وعلى المستوى الفردي، يُعتقد أن الزاهدين المتدينين الذين يصومون ويتقنون حرمان الذات إلى أقصى الحدود، هم أقرب إلى الإله.
يذكّرنا هذا التأمل في الصوم بفضائل التراجع وعدم الاستهلاك في مجتمع يبدو وكأنه يدور حول الاستهلاك إلى حد الإسراف. وفي النهاية، يوضح لنا هذا الكتاب أن الصوم لا يقتصر على الطعام، بل يتعلق بالسيطرة على حياتنا بطرق جديدة ومُمكنة، وإعادة النظر في مكاننا في العالم والشعور بوجودنا في حضرة الحرمان.
اترك تعليقاً