لا يزال الوعي بأهمية الصحة النفسية بين أفراد المجتمعات المختلفة يعاني على عدة أصعدة، ولا تزال نظرة المجتمع تشكّل حائلًا مهمًا أمام زيارة العيادات النفسية وطلب المساعدة من المختصين في الصحة النفسية. وما يضاعف أهمية هذه المشكلة ويزيدها تشعبًا، هو أن النفس لا تنفكّ عن الجسد في علاقتهما الجوهرية التي يؤثر من خلالها كلا الطرفين في الآخر؛ نسلِّط الضوء في هذا المقال على الجوانب الخفية لهذه العلاقة في ضوء ما كشفته بعض الدراسات العلمية الحديثة.
د. أحمد محمد الخلف
حينما يتألم الفرد منا نتيجة أي إصابة جسدية فمن السهل أن يلجأ للطبيب المختص من أجل الحصول على التشخيص والعلاج المناسب، كما في ألم الاسنان فهو شديد لا يُحتمل، لذلك نادرًا ما تُؤجَّل زيارة عيادة الأسنان لاحقًا. وأي إصابة في العين تخيف وترهب أي شخص لذلك سرعان ما يهرع لطبيب العيون. وهذا ينطبق على الأمراض الجسدية فغالبًا يسهل التعامل معها واكتشافها مبكرًا، فلدى معظم الناس الوعي الكافي الذي يدفعهم إلى طلب المساعدة واللجوء إلى الطبيب.
النفس أيضًا تمرض وتضطرب وكل اضطراب له أعراضه وتشخيصه، لكن كثيرًا من المجتمعات قد ينقصها الوعي الكافي الذي يسمح لأفرادها باكتشاف المعاناة النفسية المترتبة على أي اضطراب نفسي. هذه المعاناة الناتجة من ضغوط الحياة وتراكماتها من الشائع أن نتجاهلها ونتغافل عنها، وكثيرًا ما نبقيها إلى أن تصل إلى ما قبل حالة الانفجار، أو حتى تتعطل لدينا أحد جوانب الحياة المهمة والظاهرة، كالمعاناة من اضطراب النوم أو تأثر مستوى الأداء في العمل أو الدراسة.
وتشير الإحصائيات الحديثة إلى أن واحدًا من كل أربعة أشخاص عانى أو سيعاني من أحد الاضطرابات النفسية، وأكثرها شيوعًا الاكتئاب. بل حتى الطفل قد يعاني أيضًا من مثل هذه الاضطرابات ويكبر بها دون أن تكتشف عائلته ذلك، وأحيانًا يُشخَّص بذلك بعد 10 سنوات أو أكثر على سبيل المصادفة؛ فقد يؤخذ إلى المستشفى للعلاج من أعراض أخرى مصاحبة فيُشخَّص بهذا الاضطراب. وتكمن فائدة الاكتشاف المبكر للاضطراب في أهمية التدخل السريع لمنع حصول مضاعفات أخرى. نضرب مثلًا بفرط الحركة ونقص الانتباه لدى الأطفال، فكثيرًا ما يُغفل عن تشخيص هذا الاضطراب فيترتب عليه انخفاض المستوى الدراسي، حيث تشير الإحصائيات إلى أن %60 من الأطفال المصابين الذين لا يُشخَّصون بهذا الاضطراب مبكرًا لا يستطيعون إكمال مراحل تعليمية عليا. والأمر يسري كذلك على البالغين مع اضطرابات أخرى، كالاكتئاب أو القلق الذي يحرمهم من فرص كثيرة في حياتهم العلمية أو العملية.
إذًا، ما هي أهم الأعراض الرئيسة التي تستدعي زيارة العيادة النفسية لطلب المساعدة؟
هناك عاملان مهمان ينبغي أن نلتفت إليهما، وأولهما المعاناة، فكل إنسان لديه معاناته فهذه هي طبيعة الحياة التي لا تخلو من ضغوط. ولكن الفارق بين شخص وآخر يكمن في كيفية التعامل مع هذه المواقف وتحملها، فالبعض قد يصبر على حدث صادم كفقد عزيز، بينما يستسلم آخرون للمعاناة لينعكس أثرها على أحد جوانب حياتهم الشخصية أو الاجتماعية. ففي الجانب الشخصي، قد تجد الفرد يهمل مظهره الخارجي، وربما تُفقده المعاناة شهيته للطعام، أو تزداد شهيته مما يسبب له زيادة ملحوظة في الوزن. وفي الجوانب الاجتماعية قد تجد أن علاقاته مع أفراد الأسرة ليست كما في السابق، فربما تبدأ المشاكل الزوجية، أو يُلاحظ عليه العزلة المستمرة، وربما يمتد الأثر إلى علاقاته مع الأصدقاء أو زملاء العمل، بحيث يصل الأمر إلى فقدان الوظيفة أو الخروج من الجامعة إن كان طالبًا. أما العامل الآخر فهو ديمومة الأعراض السابقة واستمرارها لفترة زمنية محددة يعرفها المختص في الاضطرابات النفسية، فهي تتفاوت بين نوع وآخر بحسب المعايير التشخيصية. فإذا تحقق هذان العاملان فحينها لا بُد من طلب الاستشارة من المختصين فلعله أمر يستحق العناية ويستدعي الرعاية.
ثنائية النفس والجسد
بوجه عام، يسعى علماء النفس إلى وصف الإدراك والعاطفة والسلوك وتفسيرها والتنبؤ بها وتغييرها. وتفسر النظريات النفسية سبب تصرف الناس على نحو ما، وبالتالي تسهّل التنبؤ بسلوك أنواع معينة من الأشخاص، أو تقدير سلوك الأشخاص في أدوار أو مواقف معينة. على سبيل المثال، في خمسينيات القرن الماضي، لاحظ طبيبا القلب فريدمان وروزنمان أن عديدًا من المرضى المصابين بأمراض القلب يميلون إلى التحدث بسرعة أكبر، والتصرف بطريقة أكثر هياجًا من المعتاد. أيضًا لاحظا أن هؤلاء المرضى كانوا يجلسون على حافة كراسيهم لدرجة أن كراسيّ غرفة الانتظار كانت تتردى بشكل ملحوظ من جهة حوافها الأمامية.
وأدت هذه الارتباطات بين مجموعة من السلوكيات وانتشار الأمراض إلى حساب نظري للاختلافات الفردية في التعرض لأمراض القلب التاجية. وخلص البحث إلى اقتراح أن يكون نمط السلوك من “النوع ألف” عاملًا مهمًا من عوامل الخطر بالنسبة لمرض القلب. ويُسمى تطوير نظرية أساسية على نحو: “الأشخاص الذين يتصرفون بالطريقة X يُصابون بالمرض Y” بعد الملاحظة المتكررة لنفس الارتباط بـ”الحث”. وينبغي أن نذكر أن تحديد مثل هذه الارتباطات من الصعب جدًا حسمه بهذه البساطة؛ لذلك ما زال هذا العلم زاخرًا بالدراسات القائمة والمستمرة.
ما سبق يقودنا إلى الحديث حول العلاقة بين النفس والجسد، وهي علاقة تفاعلية وثيقة حسب ما أظهرته عديد من الدراسات الإنسانية الحديثة. وقد أصبحت هذه العلاقة منهجًا أساسيًا في كليات الطب في عديد من دول العالم، إذ يدرس طالب الطب طبيعة هذه العلاقة، التي يحصرها البعض بعلاقة العقل بالجسد، ليفهم كيف يمكن أن تؤثر التغيرات الجسدية على نفس الإنسان من ناحية، وكيف يمكن للتغيرات النفسية بدورها أن تؤثر على الجسد من ناحية أخرى؛ فالتغيرات الجسدية تُحدث تغييرات على مستوى الأفكار والسلوكيات والمشاعر والعكس صحيح أيضًا.
وأحد الأمثلة المهمة التي توضح لنا طبيعة هذه العلاقة هو العصب المبهم، المعروف باسم العصب القحفي العاشر، وهو أطول عصب للجهاز العصبي اللا إرادي في جسم الإنسان، ويتألف من ألياف حسية وحركية. هذا العصب يلعب عدة أدوار تظهر من خلالها التوازنات النفسية الجسدية: فهو يوازن الاستجابة للضغط، ويحسن التواصل بين الدماغ والجسم، ويخفض معدل ضربات القلب وضغط الدم، وينظم إفراز الأنسولين ومستويات الجلوكوز، ويحسن الإدراك الداخلي، ويخفّف من القلق والاكتئاب، ويحد من الالتهابات، ويحسن تقلب معدل ضربات القلب، ويؤمّن الإحساس بالطعم، وينشط إفرازات الجهاز الهضمي، ويساعد على توازن أنماط التنفس.
وكثير من انفعالاتنا في الحياة اليومية تؤثر على هذا العصب، ما يؤدي إلى التأثير على كل ما سبق. على سبيل المثال، قد يواجه الشخص موقفًا صعبًا وضاغطًا على النفس مثل مشكلة عائلية أو مالية، فتراه يعاني من تزايد التوتر والقلق ويبدأ بالانفعال، ما يؤثر على قدرته على التخطيط واتخاذ القرار والتنظيم وتحديد الأولويات من جهة، كما قد ينعكس ذلك على الجسد فيعاني من ضيق التنفس وتسارع نبضات القلب والتعرق ورجفة اليدين، وربما امتد ذلك إلى الشعور بالصداع، ثمّ بعد فترة من الزمن يراوده الإحساس بالتعب الشديد والإجهاد العضلي بالرغم من عدم بذله أي جهد حركي.
كما يمتلك الجسم عديدًا من الهرمونات التي تعزز الحالة المزاجية والصحة العامة بعدة طرق، فبعضها يلعب دورًا في تخفيف القلق والوقاية من أعراض الاكتئاب، بينما يثير البعض الآخر المتعة والفرح والشعور بالثقة. وهناك أربع مواد كيميائية رئيسة يمكن لها تحسين بعض المتغيرات الهرمونية في الجسم بما يترك أثرًا مباشرًا على الصحة النفسية، وهي: الدوبامين (DOPAMINE)، والأوكسيتوسين (OXYTICIN)، والسيروتونين (SEROTONIN)، والإندورفين (ENDORPHIN).
ويُعد الدوبامين أحد النواقل العصبية الأكثر انتشارًا في المخ في أماكن معينة منه، كالجسم المخطط (Corpus Striatum)، وتحديدًا النواة المنحنية (Nucleus Accumbens)، كما يوجد أيضًا في البقعة السوداء (Substantia Nigra). وهذا يعني أنه يتمركز في المناطق الدماغية المسؤولة عن الحركة والدافعية والتعلم. ويمثّل الجسم المخطط والبقعة السوداء مناطق مسؤولة عن الوظيفة الحركية، وهذا الأمر يعكس دور الناقل الدوباميني في الوظائف الحركية. وبالمثل، أوضحت دراسات أخرى، مثل دراسة العالم فيورينو وباحثين آخرين المنشورة عام 1993م، وجود علاقة بين الدوبامين والدافعية، أي أن زيادة نسبة الدوبامين تؤدي إلى زيادة الدافعية.
وقد أوضحت الدراسات أن نقص الدوبامين قد يقود إلى الرعاش (مرض باركنسون)، وأن زيادته تؤدي إلى أعراض مرضية مثل الفصام، وهو اضطراب عقلي يتميز بوجود أعراض ذهانية مثل الهلوسة وإدراكات زائفة أو هذاءات أو ضلالات أو معتقدات خاطئة تكون مصحوبة بعجز في الذاكرة واللغة. لذلك فإن حفاظ الخلايا العصبية على نسبة معينة من الناقل الدوباميني أمر في غاية الأهمية، بينما يؤدي الاختلال في نسبة الدوبامين إلى اضطرابات سلوكية وذهنية.
وللسيروتونين أهمية مشابهة في فهم العلاقة بين النفس والجسد، فبالرغم من وجوده بنسب ضئيلة جدًا في الدماغ إلا أن له أدوارًا وظيفية سلوكية ترتبط بثلاث وظائف رئيسة، وهي علاقته بالرغبة في الأكل، كما أوضحت ذلك دراسة قام بها الباحث هوتسن وفريقه عام 1988م، وكذلك تأثيره على النوم والأحلام، وارتباطه بالتأثير على المزاج والقلق والعدوان. وقد وجدت دراسة أُجريت عام 2007م أن الأشخاص المصابين بالاكتئاب غالبًا ما تكون لديهم مستويات منخفضة من السيروتونين. كما يُعتقد بوجود رابط بين نقص السيروتونين والقلق والأرق، وله تأثير أيضًا على حركة الأمعاء والمزاج والغثيان وتخثر الدم وغيرها.
وفيما يرتبط بالمزاج والقلق والعدوان خصوصًا، وُجد أن السيروتونين له دور في تنظيم الحالة المزاجية من خلال ما أثبتته الدراسات على الأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب من أن لديهم انخفاضًا في نشاط مشابك السيروتونين. وبناءً عليه صُنعت عقاقير مضادة للاكتئاب تعمل على تنشيط مشابك السيروتونين. وعن علاقة هذا الناقل بالقلق وجدت دراسات أخرى أن الأشخاص الذين يعانون من القلق، خصوصًا المصابين بالوسواس القهري، لديهم اختلال في عمل مشابك السيروتونين، ولهذا تعمل بعض العقاقير المضادة للقلق على تنشيط هذه المشابك العصبية كما هو الحال مع الاكتئاب. والأمر مشابه مع المشاعر العدوانية، فقد أشارت بعض الدراسات إلى أن الأشخاص الذين يميلون للعنف والانتحار يقل عندهم نشاط هذه المشابك.
ويمكن تفصيل الحديث بما يشبه ذلك حول الإندورفين، الذي يحظى بدور مهم في الإشراف على الألم حيث يُعد من المسكنات الطبيعية، وقد تبيّن أنه عند الشعور بالسعادة والضحك تُفرَز هذه المادة مما يمنح الجسم شعورًا بالراحة والسعادة، ويساهم في تخفيف أعراض القلق والاكتئاب وتحسين النوم. أما الأوكسيتوسين، فهو يعمل عند الإناث بشكل مخصوص حيث يقوم بوظيفتين هما توسيع عضلات الرحم أثناء الولادة، وبعدها في المساعدة في إدرار الحليب لدى الأم. كما أن له دورًا عند الذكور في تنشيط الرغبة الجنسية.
أثر العادات اليومية على الجسم..
ومنه على النفس
إذا فهمنا الدور الذي تلعبه هذه المواد المختلفة وتفاعلها في أجسادنا على النفس وشعورها، يمكن لنا أن نفهم كيف يمكن لممارساتنا اليومية المختلفة ونمط حياتنا عمومًا أن يؤثرا على مزاجنا وصحتنا العامة. فالتأمل والاسترخاء مثلًا يمكن لهما أن يساعدا على توازن الدوبامين والأوكسيتوسين والإندورفين، مما يعزز من دوافع التعلم والمتعة ويعزز من الشعور بالثقة ويساعد على إثارة مشاعر السعادة وتحسين الاستجابة للألم والضغوط. وهكذا يسري الأمر على أنشطة أخرى، مثل الاستماع إلى الموسيقى وتناول الشوكولاتة الداكنة أو الأطعمة الحارة والتدليك والاستحمام بالماء البارد، بالإضافة إلى عوامل من قبيل النشأة الاجتماعية والوضع الأسري العاطفي. وفي الجانب المقابل، حين يختل توازن هذه المواد نتيجة الإهمال أو تبني العادات الخاطئة، تظهر آثار ذلك على النفس والجسد، كالشعور بتدني احترام الذات، وعدم القدرة على التركيز، وتقلّب المزاج ومشاعر الوحدة والقلق والاكتئاب وغيرها.
وأحد أكثر الأمثلة وضوحًا في تدعيم الجوانب النفسية وتحسينها هي ممارسة الرياضة بمعدل 150 إلى 300 دقيقة أسبوعيًا. تخيَّل أنك تمارس نشاطك الرياضي المفضل، كالهرولة أو المشي أو السباحة أو كرة القدم أو غيرها، ماذا يحصل في دماغك في هذه الأثناء؟
يُفرز الجسم الإندورفين ليخفف من الإحساس بالألم، كما يُفرز النوربينفرين (Norepinephrine) مما يحسن الانتباه والإدراك. وهكذا يتحرر السيروتونين، فتتحسن الحالة المزاجية. ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل يُفرَز عامل التغذية العصبية المشتق من الدماغ (BDNF)، ليساعد على حماية وإصلاح الخلايا العصبية من الإصابة والتنكس. وتتحد الهرمونات مع هذا العامل لتنمية خلايا الدماغ، وتنظيم الحالة المزاجية وتحسين الوضوح الذهني. وأيضًا ينشط الحُصين (hippocampus) مع ممارسة التمارين الرياضية بانتظام مع مرور الوقت، وهو جزء من الدماغ يهتم بالتعلم والذاكرة. وكذلك يزداد تدفق الدم إلى الدماغ، مما يوفر مزيدًا من الأكسجين والمواد المغذية ويحسن عملية التخلص من النفايات. وأخيرًا يتحرر الدوبامين، مما يحسن الدافع نحو التركيز والتعلم.
من فهم العلاقة إلى العلاج
الخلاصة أن العلاقة بين النفس والجسد علاقة وطيدة جدًا، فالحالة النفسية لها أثر على الحالة الجسدية، وكذلك التغيرات الجسدية أو الفسيولوجية لها انعكاس على الحالة النفسية. وينبغي ألا نتناسى أو نغفل عن الجوانب النفسية والاجتماعية والروحية، فكلها مكونات تشكّل الحالة الإنسانية العامة. والعوامل الكامنة وراء الصحة النفسية متعددة، لكنها تتمثل في بُعدين: العوامل الداخلية كالعوامل البيولوجية والمعرفية والشخصية والأخلاقية، والعوامل الخارجية كالسلوكية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية والجغرافية وأحداث الحياة وغيرها. لكن من بين جميع العوامل الذاتية، تجعلنا العوامل الفرعية البيولوجية المرتبطة بالهرمونات قادرين على التنبؤ بالصحة النفسية.
وهنا يتوارد إلى الذهن هذا السؤال: كيف لنا أن نحسّن الصحة الجسدية والنفسية في ضوء فهمنا للعلاقة بينهما؟
من أهم التدخلات النفسية الشائعة هو العلاج المعرفي السلوكي (CBT)، وهو نوع من العلاج النفسي بالكلام يتعامل فيه المريض مع أخصائي نفسي إكلينيكي أو مُعالج نفسي بطريقة منتظمة، وعبر حضور عدد محدود من الجلسات. تساعدك طريقة العلاج هذه على أن تُدرك أفكارك غير الصحيحة أو السلبية، حتى تتمكَّن من إدراك المواقف الصعبة بشكل أوضح والاستجابة لها بطريقة أكثر فعالية. ويمكن أن تكون هذه الطريقة أداة مُفيدة جدًا في علاج اضطرابات نفسية مثل الاكتئاب أو القلق بأنواعه، إما بمُفردها أو باشتراكها مع علاجات أخرى.
وليس كل من يخضع لهذه الطريقة من العلاج مصابًا باضطراب نفسي. بل يُمكن أن تكون هذه الطريقة أداة فعَّالة لمساعدة أيّ شخص على تعلُّم كيفية إدارة ظروف الحياة المُجهدة والضاغطة بشكل أفضل. وهذا العلاج يعدُّ من التدخلات غير الدوائية، وهو طريقة للتحدث تساعدك على فهم كيفية تفكيرك بنفسك والعالم من حولك والأشخاص الآخرين، وتأثير ما تفعله على أفكارك ومشاعرك، كما يعينك على إدراك العلاقة بين الأفكار السلبية وتأثيرها على الجسد وحالته الفسيولوجية والهرمونية وكيفية التحكم فيها.
العلاج النفسي من أهم التدخلات التي يمكن من خلالها تخفيف المعاناة التي نشعر بها من مجريات الحياة، وليس كل من يذهب إلى العيادة النفسية يُعد مختلًا عقليًا أو منبوذًا اجتماعيًا بسبب معاناته، فكل إنسان معرض لأن يصاب بأي اضطراب نفسي. ويمكن أن يؤثر التعايش مع الاضطرابات النفسية على علاقات الفرد بالآخرين.
ومن المؤسف أن وصمة العار والتمييز والعنف ضد الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات نفسية وأسرهم أمر شائع، فقد وجدت الأبحاث التي أُجريت في المملكة المتحدة أن 9 من كل 10 أشخاص يستخدمون خدمات الصحة النفسية في إنجلترا قد عانوا من وصمة العار والتمييز في حياتهم بسبب مشاكل صحتهم النفسية. وقد تؤدي وصمة العار هذه إلى الغضب أو الخوف أو التمييز الذاتي، ويمكن أن يظهر ذلك بطرق متعددة طوال حياة الشخص. كما يمكن أن تجعل وصمة العار حياة الفرد في مختلف جوانبها أكثر صعوبة؛ فعلى سبيل المثال، قد يُمنع الشخص الذي يعاني من اضطراب نفسي من الزواج من أسر أخرى، وفي بعض الثقافات يسود اعتقاد بأنه يجلب العار للأسرة. ودورنا الحقيقي اليوم هو المساهمة من خلال الوعي في تقليل وصمة العار التي ينظر من خلالها المجتمع إلى هؤلاء؛ لتخفيف معاناة الآخرين وتحسين جودة حياتهم.
اترك تعليقاً