لم يكن إعلان اللجنة الدولية للمعارض عن فوز الرياض بـ “إكسبو 2030” ، بدايةً للإنجاز الذي نصبو إلى تحقيقه، ولا نهايةً للتحدي. فقد جاء الإعلان نقطة متوسطة بين تأسيس ضخم وبناء عملاق سوف يرى النور قبل عام 2030م. فمن الجولة الأولى، وبفارق شاسع عن أقرب منافسيها، فازت الرياض باستضافة هذا المعرض العالمي، إذ استحوذت على 119 صوتًا مقابل 29 و17 صوتًا لكل من كوريا الجنوبية وإيطاليا على التوالي، الأمر الذي يؤكد جاهزية الرياض لاستضافة 40 مليون زائر حضورًا، ونحو مليار زائر عن بُعد عبر تقنية الواقع المعزّز، وأكثر من 226 جهة مشاركة، لمدة 181 يومًا، ما بين أكتوبر 2030م ونهاية مارس 2031م.
وهنا تستطلع “القافلة” بعض جوانب هذا الحدث العالمي المُرتقب، ورؤية المملكة لهذا المعرض وأهدافه، والهيئة التي يُفترض أن يكون عليه، ونتائجه المرجوة، وتطلعاته المستقبلية. وفي معرض هذا البحث، طُرحت بعض المحاور التي تتناول العوامل التي ساهمت في تحقيق هذا الإنجاز؛ إذ ارتبط استحقاق الفوز بإنجازات المملكة الضخمة ومكانتها بين دول العالم، فضلًا عن امتلاك القدرة على التنفيذ التي تتمتع بها الرياض لتكون جاهزة كما ينبغي للتعامل مع هذا الحدث الكبير.
الرؤية: إنسانية واحدة
إن ما تريد المملكة تحقيقه عبر إكسبو الرياض، هو إقرار مبدأ الإنسانية الواحدة الداعمة لحق الإنسان أينما كان في عيش عمر أطول وبصحة أفضل. وهذا يتطلب أن يكون المعرض منصة تستعرض أبرز الابتكارات العلمية وإسهاماتها في تذليل العقبات التي تعترض فرص الحياة الأفضل على كوكبنا. ومن هذه الرؤية تبلور العنوان الرئيس للمعرض “معًا نستشرف المستقبل”.
إن هذا العنوان ليس شعارًا بمعناه المجرد، إنما هو بالفعل طموح يستند إلى وعي تام بالتحديات التي تواجه المستقبل والممارسات المستدامة، بحيث يأتي تفسير هذا العنوان الرئيس في بوتقة ثلاثة عناوين فرعية تتلخص فيما يلي: غد أفضل، العمل المناخي، والازدهار للجميع.
غد أفضل؛ تزيد فيه نفقات الرعاية الصحية الحكومية من أجل تحقيق رعاية أكبر للأم والطفل والمسن. وهذا بدوره يستدعي بروز قطاع صحّي يركّز على المريض ويتكيّف مع احتياجاته الشخصيّة. ومن المرجح أن تصبح القطاعات التقليديّة التي تشكل منظومة الرعاية الصحيّة حاليًّا، مختلفة تمامًا بحلول عام 2040م، وذلك بعد تطوير قدراتها لمواكبة التحوّل.
ويمثل السعي لغد أفضل تحديًا كبيرًا في مجال تسخير العلوم والتكنولوجيا لخدمة الإنسانية، وكذلك الأمر من حيث تقليص الفجوة الرقمية، وتوظيف الذكاء الاصطناعي بشكل أوسع، ونمو تطبيقاته في قطاعات مختلفة، مما سيغير في الوظائف نوعيًا، كما سوف يغير من طبيعة أوقات الفراغ ومساحتها المتاحة للإنسان وتكلفة الترفيه. وكل هذا يتطلب تعزيز الأمن السيبراني لتجنب مخاطر التقنية.
أمَّا الازدهار للجميع؛ فيؤتى أُكُله من خلال الاهتمام بالإنسانية والتركيز على الممارسات المستدامة في الاقتصاد، وما يعترض ذلك من تحديات أهمها الفجوة بين الطبقات الغنية والفقيرة بشكل كبير. ويتطلب تحقيق هدف الازدهار للجميع التركيز على إستراتيجيات دعم المهاجرين واللاجئين، وتوفير فرص التعليم والعمل لهم في كل مكان، وهذا يتطلب خطوات نحو إقرار تعايش سلمي يساعد على الازدهار.
إن تحقيق الرخاء المشترك ليس من ضروب التحدي السهل، وذلك بسبب تباطؤ الاقتصاد في بعض بلدان العالم وظواهر اللامساواة بين أفراد شعوبها، وتعثّر الحراك الاقتصادي في بعضها بسبب ارتباط الفرص الاقتصادية بالوضع الاجتماعي، إضافة إلى تعثر المساواة بين الجنسين وهضم حقوق أحدهما على حساب الآخر.
وفيما يتعلق بالعمل المناخي، هذه القضية التي تتصدر النقاشات العالميّة، فإن الإنجازات التي تحققت بهذا الشأن أقل من الطموح، وذلك بسبب تفاوت مستويات التنفيذ لاتفاقية باريس. وها هو هذا المعرض يعد بتركيز العمل على الشأن المناخي وندرة المياه والجفاف ومستويات الحرارة في المدن، كما سيضع على طاولة البحث التدابير الأفضل لحل هذه المشكلات.
اترك تعليقاً