مجلة ثقافية منوعة تصدر كل شهرين
يناير – فبراير | 2021

الرعاية الصحية الذكية


د. أبوبكر سلطان

في نوفمبر 2020م، أعلنت شركة الصيدلانية “فايزر” وشركة التقنية الحيوية “موديرنا” عن التوصل إلى إنتاج لقاحات فعّالة بنسبة %95 للوقاية من الجائحة “كوفيد-19”. وفي الشهر التالي، ظهر 50 لقاحاً آخر مرشحاً لتجارب بشرية سريرية. بيد أنه حتى قبل اعتماد اللقاحات، تحوّل عبء إنهاء الوباء من العلماء إلى التقنيين لمعالجة قصور الأنظمة الصحية التقليدية، ولاستعادة الاقتصاد المنكمش. واستجابة للجائحات المجهولة، ولتعزيز أنظمة صحية قوية، قدَّمت منظمة الصحة العالمية 10 مسارات صحية إلى البلدان لمتابعة معركة الجائحة والتحرك بسرعة لإصلاح أنظمتها الصحية في عام 2021م. ومع تقدّم الثورة الصناعية الرابعة، بزغ مفهوم الرعاية الصحية الذكية لتحويل النظام الطبي التقليدي إلى نظام صحي وقائي شامل أفعل وأكفأ.

رغم أن مفهوم الرعاية الصحية الذكية لا يزال في مهده، إلاَّ أن الرعاية الصحية شهدت بداية تحوُّل جذري بفضل تقنيات ذكية بازغة تستخلص رؤى دقيقة، ومن أهمها:
• الذكاء الاصطناعي (وفروعه تعلّم الآلة، والتعلّم العميق)
• الحوسبة، والمعرفية، والإدراكية، والكمومية
• إنترنت الأشياء
• الحوسبة والتخزين السحابيان
• الروبوتات
• البيانات الضخمة والتحليلات

القياس الكمي للذات مفهوم يتضمَّن تقنية مثل مستشعرات والأجهزة القابلة للارتداء للحصول على بيانات حول جوانب مختلفة من حياة الفرد -خاصة الصحة واللياقة البدنية- بهدف تحسين الوعي الذاتي والأداء البشري في الصحة الرقمية.

وتسارعت مشروعات الذكاء الاصطناعي في الرعاية الصحية والعلوم الحيوية وسلسلة التوريد، حيث استمر %47 من المؤسسات الصحية بالاستثمار في الذكاء الاصطناعي، ويخطط %30 منها لزيادة الاستثمارات منذ الجائحة. كذلك ساعدت روبوتات المحادثة في الإجابة عن الأسئلة المتعلِّقة بالوباء، وساعدت رؤية الحاسب وتتبع الأجهزة المتنقلة في الالتزام بالتباعد الاجتماعي، ونفع تعلّم الآلة في نمذجة إعادة الاقتصاد العالمي المنهار.

وكان وراء التحوّل من الطب التفاعلي إلى الصحة الوقائية مفاجأة مآزق الجائحة المجهولة، وشُح الخدمات في المناطق النائية، وندرة العاملين في الرعاية الطبية، وارتفاع تكلفتها حتى في البلاد الغنية.

فالولايات المتحدة الأمريكية تُنفق 3.5 تريليون دولار سنوياً على الرعاية الصحية، و%90 منها على رعاية المرضى المصابين بأمراض مزمنة. وتُعد أمراض القلب والسكتة الدماغية والسرطان والسُّمْنة من أكثر الأمراض فتكاً. وتُقدّر نسبة انخفاض دخل منظمات الرعاية الصحية في عام 2020م بحوالي %40، وتقلّص العاملين مع انتشار الجائحة بنسب: %52 في أطقم الدعم، و%40 في الممارسين العامين، و%27 في صفوف الأطباء.

وكانت الجائحة وراء دعم الصحة الرقمية. ففي عام 2015م، قام ما يقرب من %60 من الهواتف الذكية بتنزيل تطبيقات للصحة أو اللياقة البدنية، وأظهرت التقديرات ارتفاع التنزيلات العالمية لتطبيقات فئة الصحة واللياقة بنسبة %47 على أساس سنوي في الربع الثاني من 2020م لتصل إلى حوالي 656 مليوناً مع بقاء شهر في الربع الثاني. واستُخدم جهاز حول المعصم لدراسة اكتشاف الجائحة بأجهزة الصحة المتنقلة القابلة للارتداء. واستحدث باحثون تطبيق ذكاء اصطناعي على الأجهزة المتنقلة يمكنه تشخيص السكتة الدماغية من كلام المستخدم وحركات وجهه. وطوّرت جامعة “إم آي تي” مؤخراً تقنية تكتشف عدوى الجائحة من الكحة (Cough) المسجل على الهاتف المتنقل، وتمكنت من التعرّف على %98.5 من المصابين. وأجازت إدارة الطعام والدواء الفيدرالية الأمريكية منصة تعلّم آلة لعلاج الأطفال الانعزاليين أسرع وأسهل من المنصة الحالية.

أرشفة الصور والاتصالات: نظام حاسب آلي يقوم بتخزين وتوزيع وعرض الصور الطبية وهو متكامل مع الأجهزة الرقمية الطبية ويرتبط مع الأنظمة المعلوماتية الطبية كأنظمة المستشفيات وإدارة معلومات الأشعة.

واقتصادياً، بلغ سوق الصحة الرقمية العالمي في عام 2019م أكثر من 106 بلايين دولار، وسينمو السوق بمعدَّل سنوي مركب بنسبة %28.5 حتى عام 2026م. وفي الولايات المتحدة الأمريكية يُتوقع استمرار النمو المتزايد في السوق حوالي 8 مرات خلال الأعوام 2014م2024-م.

واستراتيجياً، تُعجّل الصحة الذكية بإحراز هدف التنمية المستدامة المتعلق بالصحة والرفاه، وأهداف منظمة الصحة العالمية البليونية لتعزيز الصحة والسلامة وخدمة الضعفاء.

وأوصت المنظمة بتدخلات رقمية لتعزيز النظام الصحي، ونشرت تطبيق “سكور” (SCORE) لتعزيز الثقة في البيانات الضخمة الصحية، و “أطلس الصحة الرقمية” لتنسيق الأنشطة الصحية الرقمية. وبالمشاركة مع الاتحاد الدولي للاتصالات، قدَّمت المنظمة مبادرتين لتعزيز انتشار الأجهزة المتنقلة في معالجة الأمراض غير المعدية التي تقتل ما يُقدر بنحو 41 مليون شخص كل عام. وأصدرت المنظمة أدوات لوضع خطط الصحة المتنقلة، وكتيباً لتقييم الصحة الرقمية، وآليات تسخيرها للقضاء على السل.

مفهوم الرعاية الصحية الذكية
الصحة الذكية تعني “توظيف التقنيات الذكية المعرفية من أجل تشخيص أجدى وأسرع وأرخص، وعلاج المريض، لتحسين نوعية الحياة” الرسم. ويشمل هذا المفهوم: الصحة الإلكترونية، وإدارة السجلات الصحية الإلكترونية، والمستشعرات الذكية المتصلة القابلة للارتداء أو المتضمنة في الجسم.

نشأت الصحة الذكية من رحم مفهوم “الكوكب الذكي” الذي يصوِّر بنية تحتية ذكية تستخدم مُستشعرات لقياس البارامترات الفيزيائية في المرضى والبيئة وتحويلها إلى بيانات، لنقلها عبر إنترنت الأشياء، وتحليل هذه البيانات الضخمة بالحاسبات العملاقة السحابية. وتعزِّز الرعاية الصحية الذكية التفاعل بين المرضى والأطباء والمواد والمؤسسات، وحصول المرضى على الخدمات التي يحتاجونها بشكل أسرع وأرخص، واتخاذ قرارات مستنيرة، والاستخدام الرشيد للموارد.

يجمع الواقع المختلط بين العالم الحقيقي والافتراضي، ويسمح برؤية العالم من حولنا والانغماس فيه حتى أثناء التفاعل مع بيئة افتراضية باستخدام اليدين. يوفر القدرة على وضع قدم (أو يد) في العالم الحقيقي، والأخرى في مكان خيالي، مما يؤدي إلى تحطيم المفاهيم الأساسية بين الواقعي والخيالي.

وتُمكّن التقنيات الذكية من أتمتة نتائج تحليلات البيانات الضخمة، وتقديم المشورة حسب حالة المريض أو اتخاذ الإجراءات الطبية والإدارية آلياً. وتتضمَّن تقنيات الصحة الذكية برمجيات للتفاعل مع البيانات الضخمة، ومع الواقع الافتراضي أو المعزِّز أو المختلط، وتستطيع تمثيل البيانات الضخمة بالرسوميات. وتشمل تقنيات الصحة الذكية ملفات الماسح الضوئي بالرنين المغناطيسي والسجلات الطبية الإلكترونية، وتقنيات التشغيل والصيانة الآلية، بحيث مثلاً تُرسل الأوامر آلياً إلى روبوت لنقل قطع الغيار من المخازن وتسليمها في موقع محدد، أو عن طريق نقل الطرود والتعليمات بواسطة طائرة روبوت مُسيّرة أو إجراء الجراحات عن بُعد.

فلطالما كان استخدام المستشعرات في الرصد الذاتي حجر الزاوية في مفهوم “القياس الكمي للذات”، حيث تتعرَّف المستشعرات على عناصر وكميات الأطعمة التي يتناولها المريض، مقترنة بمرئيات حية عن لياقته البدنية، ومعدَّلات نومه وبياناته الحيوية، وتاريخ سجلاته الطبية. فيقدِّم النظام الغذائي الأفضل للمريض خصوصياً؛ ليس بناءً على صعيد السعرات الحرارية وحدها، ولكن أيضاً على مستويات الفيتامينات والقيم الغذائية والتفضيلات الشخصية التي تم العثور عليها من خلال بيانات المريض. ومع ذلك، فإن الاهتمام بموثوقية بيئة وبيانات الاستشعار والخصوصية تُعد نقطة حاسمة.

وفي حين لا تزال تطوُّرات الصحة الذكية في مهدها، سنرى مزيداً من التطوير مع التقدُّم في اتصالات شبكة “5 جي” الجديدة التي تتميز بمعدلات تدفق البيانات الضخمة بسرعة تصل إلى 20 جيجابيت/ث، و “كمون” أقل من 1 مللي ثانية مقارنة مع شبكة “4 جي” القائمة.

ينظر كثيرون إلى الرعاية الصحية الذكية بأنها ليست مجرد تقدُّم تقني بسيط، ولكنها تنطوي أيضاً على تغييرات استراتيجية شاملة وقيمة مضافة للمرضى والمستشفيات والمؤسسات الطبية. ومن التغيرات: إبدال النموذج الطبي من التمركز حول مظاهر المرض إلى رعاية صحة المريض بفطنة، والانتقال من المعلوماتية السريرية إلى الصحية، ومن الإدارة الطبية العامة إلى الصحة الشخصية، ومن رد الفعل إلى الوقاية.

فمن جهة المرضى، يمكنهم مراقبة صحتهم باستمرار عن بُعد بالمستشعرات القابلة للارتداء أو المدمجة في أجسادهم، وطلب العلاج الطبي من خلال مساعدين افتراضيين، وتنفيذ خدمات طبية آلياً عن بُعد. ومن جهة الأطباء، تُساعد أنظمة دعم القرار السريري الذكية في التشخيص الطبي وتحسينه. ويمكن إدارة المعلومات الطبية بواسطة أنظمة أرشفة الصور والاتصالات والسجلات الطبية الإلكترونية. ويمكن إجراء جراحة أدق من خلال الروبوت الجرّاح والواقع المختلط. ومن منظور المستشفيات، يمكن استخدام منصات الإدارة المتكاملة الذكية لجمع المعلومات وصنع القرار، وتقنية “تحديد الهوية بموجات الراديو” لإدارة شؤون الموظفين وسلسلة التوريد. ومن وجهة نظر البحث العلمي الصيدلاني، تستطيع تعلّم آلة اكتشاف واختبار العقاقير أدق وأسرع من التقليدي اليدوي وتنظيم توزيع اللقاحات بكفاية.

“واطسون” نظام حوسبة معرفية قوي وأذكى من “آي بي إم”، قادر على مراجعة كم هائل من البيانات الضخمة وتحليلها ليساعد تسهيل البحوث الطبية السريرية والرعاية الصحية باستخدام الذكاء الاصطناعي وتحليلات البيانات الضخمة والحوسبة السحابية وتقنيات المعلومات المتقدِّمة الأخرى.

مركّبات الصحة الذكية
تشمل الصحة الذكية مفاهيم ذات علاقة أبرزها:
الصحة الرقمية: وهي توظيف تقنيات المعلومات والاتصالات الرقمية لتحسين الرعاية الصحية. وتتضمَّن الصحة الإلكترونية الصحة المتنقلة، والتطبيب عن بُعد، والصحة عن بُعد. لكن يُتوقع تراجع المصطلح في المستقبل القريب، بسبب الاتجاه نحو الحوسبة التناظرية الضوئية باستخدام رقائق تعمل بالفوتونات بدلاً من الإلكترونات، وذلك لخفض تكاليف الطاقة وزيادة سرعة العمليات الحسابية في التعلّم العميق.

الصحة الإلكترونية: نشأ هذا المفهوم من تزاوج المعلوماتية الطبية والصحة. ولا يميز المصطلح التطور التقني فحسب، بل أيضاً الحالة الذهنية ونمط التفكير التعاوني العالمي للاستخدام الآمن والفعّال لتقنيات المعلومات والاتصالات الداعمة للأغراض السريرية والتعليمية والإدارية، سواء محلياً أو عن بُعد. وتفيد الصحة الإلكترونية أساساً في إعداد غرف العمليات، والجراحة الآلية، و “أبحاث السماء الزرقاء” على الإنسان الفسيولوجي الافتراضي.

الصحة المتنقلة: لا وجود تعريف موحد لمفهوم الصحة المتنقلة، الذي يمكنه أن يكون تطبيق الصحة الإلكترونية لكن عن بُعد، أو استخدام التقنيات اللاسلكية المتنقلة لإتاحة الرعاية الصحية أثناء التنقل، مثل “خدمة حزمة الراديو العامة” وشبكات اتصالات المتنقل، ونظام تحديد المواقع العالمي، أو “البلوتوث”. أو أنها ممارسة طبية وصحية عامة تدعمها الأجهزة المتنقلة، وأجهزة مراقبة المرضى، والمساعدون الافتراضيون، والأجهزة اللاسلكية. كان وراء الصحة المتنقلة الانتشار الواسع للأجهزة المتنقلة. فبحلول عام 2021م بلغ عدد الأجهزة المتنقلة عالمياً حوالي 15 بليوناً، أي أكثر من ضعف عدد سكان العالم. وكان عدد الأشخاص الذين يمكنهم الوصول إلى الأجهزة المتنقلة أكثر من أولئك الواصلين إلى المياه النظيفة أو الكهرباء أو فرش الأسنان. ومع تغطية شبكات الهاتف المتنقل لأكثر من %95 من سكان العالم، يمكن تقديم خدمات صحية شاملة للجميع تقريباً. ويُتوقع أن يرتفع حجم سوق الصحة المتنقلة العالمي من 40.7 بليون$ في عام 2019م إلى 316.8 بليون دولار بحلول عام 2027م، مسجلاً معدَّل نمو سنوي مركب قدره %29.2.

الصحة عن بُعد: تطبيق للصحة الإلكترونية لكن عن بُعد، مثل التشخيص والعلاج والخدمات التعليمية وإدارة المعلومات الصحية وأنظمة دعم القرار، والرعاية السريرية، وتعلّم مهن الصحة. وتسمح أنظمة الاتصالات بالربط البيني للمواقع لتمكين الوصول إلى الموارد والخبرات الطبية عن بُعد. وحديثاً، وبسبب انتشار الجائحة، توقف مركز “باكستر” الطبي عن تطبيق الرعاية المتنقلة المستعجلة، وتحوُّل إلى منصة أكثر شمولاً للرعاية الصحية عن بُعد مدمجة مع السجلات الصحية الإلكترونية.

التطبيب عن بعد: هو تطبيق للصحة الإلكترونية لكن عن بُعد، لتقديم خدمات التطبيب باستخدام الاتصالات البعيدة لتبادل معلومات التشخيص والعلاج والوقاية والبحوث والتقييم، والتثقيف الصحي؛ خصوصاً للمناطق النائية والفقيرة.

تطبيقات

  1. على مستوى العلاج

أبحاث السماء الزرقاء: يصف الأبحاث التي تحرِّكها الرغبة في تعزيز فهمنا العلمي، دون النظر بالضرورة إلى تطبيقات محدَّدة في العالم الحقيقي.

مع تطبيقات تقنيات الذكاء الاصطناعي والروبوت الجرّاح والواقع المختلط، أصبح تشخيص الأمراض وعلاجها أكثر فطنة. وتعزِّز دعم القرار السريري في مجالات تشخيص التهاب الكبد وسرطاني الرئة والجلد. وفي التشخيص، فاقت دقة الذكاء الاصطناعي الأطباء البشريين وخاصة في علمي الأمراض والتصوير. والمنتج الأكثر تميزاً وتمثيلاً في مجال أنظمة دعم القرار السريري هو نظام “واطسون الصحي”. والنظام فعّال في تشخيص أمراض السكري والسرطان وغيرها.

ومن خلال استخدام نظام دعم القرار السريري، يتمكن الأطباء من تقديم مشورة خبير بناءً على خوارزميات تحسين دقة التشخيص، وتجنب التشخيص الخطأ، وتمكين المرضى من تلقي العلاج الطبي المناسب في الوقت المناسب. وبناءً على التشخيص الذكي، يصبح وصف حالة المريض والمرض أدق، مما يساعد على شخصنة خطط العلاجات. فمثلاً، يمكن مراقبة وتحسين العلاج الإشعاعي للورم ديناميكياً طوال العملية بمساعدة علم الأشعة المقترن بتعلّم الآلة. وفي مجال الجراحة، دفعت روبوتات الولادة بالجراحة إلى مستوى أعلى من الدقة، ومن أشهرها: “دا فينيتشي”، و “سينسي”، و “فليكس”.

وبالمقارنة مع الجراحة التقليدية بالمنظار، سيحصل المرضى على نتائج أفضل وشفاء أسرع. وسيستمتع الجراحون بمعدات ذات مرونة وتوافقية أعلى. كذلك، صارت تقنية الجراحة عن بُعد أكثر ملاءمة للمريض. ويسّرَ تطبيق الواقع المختلط خطة الجراحة بإسقاط العالم الافتراضي على العالم الحقيقي للمطابقة الدقيقة، وإنشاء دائرة معارف تفاعلية بين العالم الافتراضي والحقيقي والمستخدمين.

ويمكن لتقنية الواقع المختلط التحكم في المعلومات الداخلية في جسم المريض وتوفير إرشادات دقيقة عندما لا يقوم الجراح بتوسيع الشق الجراحي بشكل كافٍ مثلاً. وأثناء العملية، يستطيع الجراحون الحصول على مخطط نموذجي افتراضي ثلاثي الأبعاد للهياكل التشريحية والأدوات الجراحية في جسم المريض، ومن خلاله الحصول على مجال رؤية أفضل وأدق وأسلم.

وحديثاً، في مسرح العمليات الجراحية عن بُعد، اُستخدم جهاز “كنيكت” كواجهة للجرَّاح باستعمال إيماءات يديه للتفاعل مع الحاسب لتغيير الفحوصات، أو لتحريك أو تكبير التصوير المقطعي المحوسب، والتصوير بالرنين المغناطيسي والصور الطبية الأخرى.

  1. على مستوى الوقاية

يعتمد التنبؤ بمخاطر الأمراض على مبادرات المؤسسات الصحية لجمع معلومات المرض ومقارنتها مع المبادئ التوجيهية لمنظمة الصحة العالمية، ثم نشر التنبؤ بالمخاطر، فيُمكّن من الوقاية للحد من مخاطر المرض. لكن هذه الطريقة تعاني من تأخر زمني ملحوظ ونصائح ناقصة، بينما نموذج التنبؤ الذكي ديناميكي وشخصي وأدق.

يجمع نموذج التنبؤ الذكي البيانات المُستشعرة من الأجهزة القابلة للارتداء، ويحلل البيانات الضخمة بخوارزميات الذكاء الاصطناعي في الحوسبة السحابية، ثم يرسل النتائج إلى المستخدمين في الوقت الفعلي عبر الرسائل القصيرة الهاتفية مثلاً، أو إنترنت أشياء.

ولاستبعاد البالغين المصابين بالجائحة في قسم الطوارئ، تم تطوير خوارزمية تعلّم آلة لتحليل التغييرات في اختبارات الدم الروتينية، وتحديد احتمال سلبية الإصابة بالجائحة خلال ثوان. وحقق النموذج دقة تبلغ %91، وحساسية عالية بنسبة %95 مع الحفاظ على خصوصية معتدلة %49، وهو ما يشبه إلى حد كبير أداء اختبارات الاستبعاد الأخرى الشائعة.

ومنذ انتشار “كوفيد19” ، كانت الخطوة الأولى للوقاية هي تتبع مخالطة الأفراد الذين يكونون قد تعرَّضوا لهذا المرض من فرد مُعدٍ ومكان اللقاء، وينصحهم بالعزل الذاتي. بينما التتبع اليدوي قد يؤدي إلى تأخير النتائج أو أخطاء فيحد من فائدته. ومؤخراً نما استخدام عديد من أنظمة التتبع الرقمية، منها:
• كاميرات المراقبة
• سجلات معاملات بطاقات الائتمان
• مواقع أبراج الشبكات الخلوية
• نقاط “الواي فاي” الساخنة
• تحديد المواقع العالمي
• “البلوتوث”
• القنوات الصوتية
• تطبيقات “إن إتش إس كوفيد-19” في الأجهزة المتنقلة الذكية

لكن كل نظام تتبع له إيجابيات وسلبيات. فمثلاً، على الرغم من انخفاض طاقة “البلوتوث”، فإنه يعاني من ارتفاع معدَّل الإيجابيات الكاذبة بسبب امتداد الاتصالات. ويتميز نظام “الواي فاي” بأن الحلول القائمة لا تتطلب تثبيت التطبيقات على الهواتف المتنقلة، بل تعتمد على انتشار نقاط الوصول. لذلك، وللحد من انتشار عدوى الفيروس بفاعلية، اُقتُرح نهج متكامل يُحسّن استخدام نظام “البلوتوث” بإضافة إشارات الموجات فوق الصوتية، ويجمع بين نظامي “الواي فاي” وتحديد المواقع من خلال اتصالات الهواتف بالأبراج الخلوية.

ويُشكّل ارتفاع السكر في الدم بعد الأكل وباءً عالمياً خطراً كمقدِّمات لمرض السكري. ولكن الطرائق الغذائية الحالية للسيطرة عليه محدودة الفعالية. لذلك جرى رصد استجابة جلوكوز الدم في 800 شخص بعد 46,898 وجبة في الأسبوع فاتضح وجود تباين كبير في الاستجابة لوجبات متطابقة، مما يشير إلى ضعف فائدة التوصيات الغذائية العامة. فابتُدعت خوارزمية تعلّم آلة تدمج بارامترات الدم والعادات الغذائية والقياسات الحيوية والنشاط البدني وميكروبات الأمعاء معاً، واتضحت دقة تنبؤها بالاستجابة لنسبة السكر في الدم بعد الأكل. وأدى التدخل العشوائي الغذائي على أساس هذه الخوارزمية إلى استجابات أقل بعد الأكل وتعديلات متجانسة في الكائنات الحية الدقيقة في الأمعاء. وأشارت النتائج إلى أن تصميم نظام غذائي شخصي يُخفف نسبة السكر في الدم بعد الأكل وعواقبها الأيضية بنجاح.

  1. على مستوى الأدوية

“كنيكت”: مجموعة حوسبة للرؤية والكلام، ومستشعرات، وذكاء اصطناعي، وواجهات برمجة تطبيقات معرفية، وأجهزة عرض أشعة تحت الحمراء، والكشف عن عمق الهدف، وميكروفونات، والتعرف على الإيماءات أو الجسدية والكالم في الوقت الفعلي.

إن اكتشاف أو تصميم دواء جديد وإجراء تجاربه السريرية بالأسلوب التقليدي عملية معقَّدة وبطيئة وباهظة التكاليف. فقد تستغرق 12 عاماً، وإنفاق 2.6 بليون دولار. وبدا أن استخدام الذكاء الاصطناعي في مراحل اكتشاف أدوية جديدة أسرع وأرخص. وتتضمَّن مراحل الاكتشاف الذكية بمساعدة الحاسب فرز صور الخلايا في الوقت الفعلي، وتصنيفها، وإحصاء خواص المُركّبات، وتركيب العضويات، وتصميم جزيئات جديدة، والتنبؤ بالبنى ثلاثية الأبعاد للبروتينات المستهدفة.

ويُعجّل الذكاء الاصطناعي في الكشف والفحص الآلي لتأثيرات الأدوية. فقد أجريت دراسات جينومية على الأورام السرطانية باستخدام نظام “واطسون الصحي”، الذي استخرج التشابه الدلالي لمعالم كيانات الأورام وتحديد الروابط بينها وفرزها أو تصحيحها، وأعطى خيارات العلاج المحتملة صوتياً في غضون ثوان، الأمر الذي قد يستغرق أسابيع يدوياً.

ويستطيع الذكاء الاصطناعي فحص الأدوية افتراضياً ويحل بفاعلية مشكلة زيادة التكلفة والمخاطر بسبب غربلة عدد كبير من أنواع المركبات المصنّعة وتجربتها واحداً تلو الآخر يدوياً. ومع ذلك. ومن خلال التحري المسبق بالحاسب لجزيئات الدواء، يمكن تخفيض عدد هذه التحريات. ويُمكّن للذكاء الاصطناعي من تحليل ومطابقة عدد كبير من الحالات السريرية للأدوية وتسهيل تحري غير المطابق منها وتحديد أنسب الأهداف، مما يُوفر الوقت ويُحسّن اختيار المُركّبات. وتجري بعد ذلك مراقبة المرضى في الوقت الفعلي باستخدام أجهزة ذكية يمكن ارتداؤها للحصول على متابعة أدق، مثل رصد التجارب السريرية لأمراض الرئة، وتصميم بروتوكولات التجارب، وتعزيز حماية المريض ومصداقية الاختبار باستخدام تقنية “بلوكتشين”.

وحديثاً تم الجمع بين الذكاء الاصطناعي والأتمتة الكيميائية المدعومة بالحوسبة الفائقة لتصميم مضادات فيروسات واختبارها، بهدف تقليل زمن الاكتشاف إلى ستة أشهر أو أقل.

“توكلنا” و “سالم”
تمحورت رؤية وزارة الصحة السعودية للصحة الإلكترونية في تطوير الرعاية الصحية في المملكة العربية السعودية من حيث الجودة و المقاييس والمساواة في تقديم خدمات الرعاية الصحية. ولتحقيق هذه الرؤية، أعدت وزارة الصحة استراتيجية عمل وخطة خمسية من شأنها أن تجعل الصحة الإلكترونية عاملاً رئيساً في تطوير وتوفير هذه الخدمات وأهمية تطبيقات الصحة الإلكترونية لدى وزارة الصحة التي توفر نظاماً صحيّاً آمناً وعالي الجودة مبنيّاً على رعاية المرضى المُركزة وبالتوافق مع المقاييس العالمية. ولذلك، طوَّرت الوزارة استراتيجية الصحة الإلكترونية وخطة العمل الخمسية وذلك بالتعاون مع مستشارين سعوديين وعالميين وشركة “آي بي إم” لتدعم الأهداف الرئيسة للوزارة، مثل:
• رعاية المرضى،
• ربط موفري الخدمة بكافة مستويات الرعاية الصحية،
• قياس أداء توفير الرعاية الصحية،
• تحويل توفير الرعاية الصحية بما يتوافق مع المقاييس العالمية.

وعلى سبيل المثال، وانطلاقاً من حرص حكومة المملكة العربية السعودية على الحفاظ على صحة وسلامة المواطنين والمقيمين من خطر انتشار فيروس كورونا ولمواجهة فيروس كورونا؛ قامت الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي “سدايا” بإطلاق تطبيق “توكلنا” الذي يمكن تحميله على الأجهزة المتنقلة “الأندرويد” و “الآيفون” الذكية، مما يُعد صحة ذكية متنقلة.

ويهدف تطبيق “توكلنا” إلى الإسهام في إدارة عملية منح التصاريح إلكترونياً خلال فترة منع التجول، بالتعاون مع وزارة الصحة وعدد من الجهات الحكومية خلال فترة المنع، مما ساعد في الحد من انتشار فيروس كورونا في المملكة. وخلال مرحلة العودة بحذر، ورفع إجراءات المنع، أطلق التطبيق عِدّة خدمات جديدة مهمة تسهم في تحقيق العودة الآمنة، أبرزها توضيح الحالة الصحية لمستخدم التطبيق من خلال مجموعة شفرات (Codes) مُلوَّنة بأعلى درجات الأمان والخصوصيَّة. ولأن مواجهة جائحة كورونا تتطلَّب تضافر جهود الدولة والمجتمع، فقد أتاح تطبيق “توكلنا” للأفراد الإسهام في ذلك من خلال الإبلاغ عن مخالفات الإجراءات الاحترازية، إلى جانب الإبلاغ عن حركة الدخول إلى الأحياء الممنوعة المعزولة. وبالإضافة، يتم تقييم المخاطر الصحية المتعلقة بتفشي “كوفيد19-” في التجمعات البشرية بأداة تقييم المخاطر “سالم”، التي تم تطويرها من قبل المركز العالمي لطب الحشود بالوزارة.

التحديات التي تواجهها
على الرغم من مزايا الرعاية الصحية الذكية، فإنها لا تزال تواجه تحدِّيات تقنية ينبغي أخذها في الحسبان لسلامة المرضى. فأمن الأجهزة الطبية أمر بالغ الأهمية. فهي تحتاج إلى مراجعة مستمرة لأخطارها لضمان أمنها ضد التهديدات السيبرانية حتى يشعر المرضى بالثقة في علاجهم. وعلى أنظمة المستشفيات والشركات المصنّعة للأجهزة الطبية ومقدِّمي الخدمات الطبية والمرضى اتباع نهج مدرك لتهديدات أمن الأجهزة والشبكات والاتصالات وأنظمة الحوسبة ضد الاختراقات والفيروسات الإلكترونية وكيفية مقاومتها. فمثلاً: يجب على مصنعي الأجهزة الطبية تطوير الأمان في التصميم ونشر تصحيحات مستمرة للحفاظ على الأمان طوال عمر الجهاز. ويتمثل دور الهيئات التنظيمية العالمية في وضع المعايير وتقييم الفوائد مقابل المخاطر قبل طرح المنتجات في السوق. وتتحمل مؤسسات تقديم الرعاية الصحية مسؤولية حماية شبكات المرضى وأجهزتهم بأنواعها وتطبيق التصحيحات الدفاعية ضد الهجمات السيبرانية.

وتنتج المختبرات المتصلة والمستشعرات بيانات جينومية ضخمة غير مناسبة للحاسبات المحمولة ولا محركات الأقراص ولا الحاسبات الحِجْرِية أو المنضدية. لذلك تتطلب حوسبة وتخزيناً سحابيين، الأمر الذي يعرِّضها لتهديدات سيبرانية خصوصاً في بيئة إنترنت الأشياء. وكلما زادت المشاركة والتعاون بين فرق البحث، زادت نقاط ضعف الأمن السيبراني. فيحتاج الأمر إلى تأمين البيانات بالاهتمام نفسه بنتائج الأبحاث أو الملكية الفكرية، أو السجلات الإلكترونية الشخصية الصحية والمالية.

ويُمثل تحديد المسؤول عن الضرر الناجم عن جهاز أو خدمة يتم تشغيلها بالذكاء الاصطناعي أحد التحديات المهمة: هل هو الممارس أم الطبيب أم المبرمج أو الشركة المُوردة؟ ويمكن أن يكون كل من تصميم الخوارزميات متحيزاً عن قصد أو عن غير قصد للعرق أو الجنس أو العمر. كذلك، استخدام الرقمنة لتمثيل الواقع الاجتماعي والنفسي المعقَّد للمريض قد تجعل الذكاء الاصطناعي يبدو دقيقاً بينما هو عكس ذلك. ويهدِّد الذكاء الاصطناعي الخصوصية في التعرف مثلاً على الوجوه، أو تتبع مواقع وتنقلات الأشخاص. ويُتوقع أن يؤدي نمو استخدام الذكاء الاصطناعي إلى بطالة عدد كبير من العمالة، على الرغم من أنه من المتوقع أيضاً أن ينشئ وظائف جديدة. إلا أن التعلّم والتدريب سيكون لهما دور حاسم في منع البطالة وضمان وجود قوة عاملة ماهرة. ويمكن أن تشكِّل المستشعرات ذات الذكاء الاصطناعي المتصلة بالجسم أو مدمجة فيه مخاطر على سلامة المريض، فقد تكون سيئة التصميم أو الجودة، أو يساء استخدامها، أو يتم اختراقها سيبرانياً.

المراجع:

Gartner.com
Mhealthintelligence.com
Mmhimages.com
Mobihealthnews.com
Who.int
Apps.who.int
Itu.int
Statista.com
Grandviewresearch.com
Baxterregional.org
Aminer.org
Inderscience.com
Redbooks.ibm.com
Dx.doi.org
Trade.gov
Sri.com
Moh.gov.sa
My.gov.sa
Iktos.ai
Tessella.com


مقالات ذات صلة

ظهر مفهوم ريادة الأعمال الخضراء حديثاً، نتيجة لنمط الإنتاج والاستهلاك وطريقة الحياة التي فرضتها الثورات الصناعية المتعاقبة، التي أدَّت إلى تغيُّراتٍ جذرية على العصر الذي نعيش فيه، لم تكن موجودة عند انطلاق الثورة الصناعية وريادة الأعمال التقليدية، تمثَّلت في تغيُّر مناخي خطير يهدِّد الحياة على الكرة الأرضية، واستنفاد لمواردها الطبيعة، وغير ذلك من الآثار السلبية.وقد […]

لصناعة السفر والسياحة أهميّة هائلة في الازدهار الاقتصادي والاجتماعي، فهي تنشئ فرص عمل، وتوفِّر وظيفة فريدة للمرأة وللأقليّات والشبان أيضاً، وهي عنصر أساسي في إجمالي الناتج المحلي، تعتمد عليه الدول. كما تواصل السياحة تَصَدُّر توقعات النماء العالمي على المدى الطويل، مع دخل كبير يبلغ 1.5 بليون دولار من السياح الدوليّين في 2019م. وكان قطاع السفر […]

يُشير الذكاء الاصطناعي إلى تقنيات تُحاكي ذكاء الدماغ البشري، وأي آلة تقوم بوظائف عقل الإنسان. وظهر المصطلح في عام 1956م، ثم تبعه مصطلح “تعلم آلة” بعده بثلاث سنوات. ولأهميته، فمن المتوقع أن يتضاعف الإنفاق العالمي على تقنيات الذكاء الاصطناعي، حيث سينمو من 50.1 بليون دولار في 2020م إلى أكثر من 110 بلايين دولار في 2024م. […]


0 تعليقات على “الرعاية الصحية الذكية”


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *